كاتب من المغرب .
إهداء
إلى الشاعر سعيد الباز، من أوائل من انتبهوا إلى الشاعر فرناندو بيسوا، فقدمه للقراء المغاربة
وإلى الشاعر المهدي أخريف الذي سلخ أعواما من عمره للتعريف بذخائر هذا الشاعر الغريب
التقديم :
الكاتب ومدينته
مدينة الكاتب هي نتاج لبصمات تركها المكان في روحه، قد تكون هذه المدن معادلا للسعادة أو المتعة أو الحب أو الإستيهام أو المعاناة أو المنفى أو الإختناق أو الحرب، كما أن المدينة بوصفها فضاء، ترتبط بمعاني الذاكرة والتاريخ والحضارة والثقافة.. فيما يلي نماذج شهيرة لكتاب خلّدوا أسماء مدنهم :
الشاعر بودلير وباريس
ارتبط بودلير ارتباطا وثيقا بباريس، بما هي عاصمة ومدينة عالمية في بعدها العمراني والفكري والثقافي، لكن باريس التي نعرف اليوم – مدينة النور والأضواء ومرفأ أمان ترسو فيه سفن المبعدين والمنفيين والمنشقين، أو باريس بما هي عيد أو وليمة كما رآها إرنست همنغواي(1)، ومعه الجيل الضائع من الكتاب الأمريكيين الذين أقاموا بباريس في ما بين الحربين – رآها الشاعر مكانا للنفور و السوداوية والغثيان والكآبة، من هنا أوحت له بديوانه الشعري «كآبة باريس» .
إنها باريس القرن التاسع عشر التي شهد الشاعر ذلك النمو والتحول العمراني الهائل الذي طالها، وكان من مظاهره : إعادة تأهيل وسط المدينة، وخلق الجادات الكبرى الواسعة، والمسحة الجمالية التي سبغت على المعالم الكبرى، وإنشاء الحدائق والمنتزهات، وإعداد شبكات الطرق السفلية.
إن هذا المشروع الكبير سيوسوس في نفس الشاعر، فيخلق فيها « آلاما « عظيمة ستشكل خلفية لرؤاه الشعرية الجذرية..لذا كانت العلاقة بين الشاعر ومدينته، تقوم على التقابل بين الإحساس بالإعجاب العميق والإغواء الكبير الذي أحدثته المدينة فيه، وبين الشعور بالإختناق والغمّ فيها . إن جسامة هذا النمو سترعب الشاعر فتجعله يتخيل ما يسميه نقاد بودلير بـ: «أشباح العمران».
ينطلق شارحو قصائد بودلير، الساعون لتأويلها تأويلا منسجما مقنعا، من هذا التحول العمراني العظيم الذي غيّر وجه باريس في القرن 19، والذي يعتبرونه مدخلا أساسيا لإنشاء تفسير لدلالات الرفض والنفور والضيق والتسكع والكآبة التي تنضح بها قصائد الشاعر، وأبرز هؤلاء الفيلسوف « فالتر بنيامين» في كتابه «باريس القرن التاسع عشر» وهو كاتب مفكر خصّ بودلير بالعديد من الدراسات، أهمها : «شارل بودلير: شاعر غنائي في ذروة الرأسمالية»(2).
لم يذكر الشاعر مطلقا أمكنة باريس، ولم يؤرخها في قصائده، باستثناء مرة واحدة ذكر فيها متحف اللوفر وفضاء الكاروسيل في قصيدته «البجعة»، بالرغم من أنه أقام في أكبر عدد من شوارعها، عدّها دارسوه أربعين شارعا وعنوانا، وكل هذا بسبب فرار الشاعر من دائنيه، وينمّ هذا عن حبه لباريس وكرهه لها في آن واحد.. كتب عنه الشاعر الفرنسي جول لافورج (1860 – 1887): «إنه الأول الذي تحدث عن باريس، بوصفه معذبا يوميا في العاصمة «، أما الشاعر فقال عن التحول الذي شاهده يلحق بباريس: «أضحى كل شيء بالنسبة لي أليغوريا (تمثيل) , وأمست ذكرياتي الغالية أشدّ ثقلا من الصخور».
جويس ودبلن
بالرغم من أن جيمس جويس عاش مرحلة كبيرة من حياته، خارج بلده الأصلي إيرلندا، فإن التجربة الإيرلندية حاضرة في كتاباته، بل تشكل الأساس الذي ينطلق منه، فعالمه التخييلي تمتد جذوره في تربة مدينته «دبلن»، التي يعكس حياتها وأحداثها ونشأته داخل أسرته وأيام دراسته بها وأصدقاءه فيها.
لم يتوقف جويس، البتة، عن ذكر مدينته «دبلن»، في مؤلفاته المتنوعة، نخص بالذكر منها مجموعته القصصية «ناس دبلن»، التي يقدم فيها لوحة بألوان طبيعة ومزاج أهل دبلن، تتراوح بين الجنون والسادية والقسوة والتهكم، ناس طالعون من تربة دينية واجتماعية محافظة .
كما أن رائعته «عوليس» ترتبط ارتباطا حميما بـ«دبلن»، هذه الرواية التي تعد تحفة من تحف الأدب العالمي الخالدة، تجري أحداثها خلال يوم واحد، هو 16 من يونيو 1904، تجوب فيه شخصيتان إيرلنديتان، هما ليوبولد بلوم و ستيفان ديدالوس، مدينة دبلن . وجاءت أوصاف جويس لفضاء التطواف هذا، من الدقة بحيث يمكن للمرء، اليوم، أن يرسم المسير الذي سار فيه البطلان، بل إن بعض الأماكن التي مرّا بها، وتوقفا عندها كالصيدلية (سوينيس)، أضحت أماكن يكنّ لها المواطنون كل الإجلال والتبجيل.
وتأسيسا على هذه العروة الوثقى بين الروائي الكبير ومدينته التي خلدها في أدبه، واعترافا له بجميل الصنيع الذي جعل منها أثرا ثقافيا عالميا، دأبت «دبلن»، في كل سنة، على تنظيم مهرجان يستغرق أسبوعا ينتهي يوم 16 من يونيو، تتخلله تظاهرات أدبية واحتفالات وقراءات تدور حول المنجز السردي عند جيمس جويس، أما سكان دبلن فإن مشاعرهم تتوحد وتتقارب حول رواية «عوليس»، الرواية التي منعت من التداول أوان صدورها، وأمست، اليوم، كنزا وطنيا . كما أن برج «مارتيلو»، الواقع قبالة البحر، أصبح مزارا يقصده الناس والسياح، لأن «جويس» كان يقيم به مع نفر من الكتاب عام 1904، وهو المكان الذي يجري فيه المشهد الأول من «عوليس». أضحى البرج معلمة سياحية ومتحفا يحمل اسم الكاتب لأنه يحتضن ذكراه .
كافكا وبراغ
لا يمكن فصل مدينة « براغ» عن الكاتب الكبير « فرانز كافكا»، فكل قارىء أو معجب بالكاتب، بمقدوره أن يكتشف حجم الأثر الذي تركته المدينة في كافكا، والطريقة التي تنعكس بها في أعماله الروائية.
يظل الأسلوب الذي يمثل به كافكا مدينته إحدى خطوات الأدب الحديث الأكثر غموضا، فهو لا يسمي، أبدا، الأماكن التي يصفها في رواياته وقصصه، تتراجع المدينة إلى الخلفية، بيد أن أشياء كثيرة توحي بها، فمشاهد عديدة من «المحاكمة» و«القصر»، تنقل هذه الأمكنة وأجواءها الفريدة .
قال الكاتب التشيكي «يوهانس أورزديل» عن كافكا : «كان كافكا هو براغ، وكانت براغ هي كافكا»، وكتب كافكا في رسالة لأحد أصدقائه: «لن تخلي براغ سبيلنا، لهذه الأم الصغيرة مخالب، ينبغي الإذعان لها …»
وكان كافكا مهووسا بتاريخ براغ، وبآثارها العمرانية، وكان يعشق التجوال في شوارعها، وكانت له معرفة عميقة بمباهج المدينة العمرانية: قصورها وكنائسها .. بل وحتى بمنازلها التي يقيم بها العابرون، الواقعة بالجانب القديم منها، وبأسمائها التي انتزعت منها، واحتفظ بها في المتحف البلدي . وثمة أسماء لمقاه أدبية دخلت التاريخ، فصارت مشهورة لأن كافكا كان يختلف إليها، كمقهى «اللوفر» أو «الكونتناتال» حيث تجتمع النخبة الجرمانية في المدينة لتتطارح في قضايا الأدب والفلسفة، وهي المقاهي التي عرفت نشوء وتكون «حلقة براغ»، ومن ألمع أسمائها : كافكا وماكس برود .(3)
بول باولز/ محمد شكري وطنجة
عاش بول باولز، الروائي والمؤلف الموسيقي الأمريكي، ثلاثة وخمسين عاما من عمره البالغ ثمانية وثمانين عاما في طنجة، المدينة التي فتنته إبان زيارته لها أول مرة سنة 1931، وكان لها وضع خاص بسبب من «أربع قوى حامية ووفرة من القنصليات، وأربع عملات نقدية، كانت بلدا لأممية القلوب الضائعة»(4)، وساكنتها التي كانت تشكل فسيفساء عجيبا يتكون من العرب والأمازيغ والإسبان والأوربيين، وملتقى للأديان الثلاثة الكبرى، تماهى الكاتب مع المدينة فترجم بعضا من تراثها الشفهي، حين عكف على نقل حكايات وقصص شفاهية إلى الإنجليزية لرواة طنجيين معروفين كمحمد شكري (في بداياته قبل أن تطبق شهرته الآفاق)، وأحمد اليعقوبي والعربي العياشي ومحمد المرابط .
أقام باولز مع طنجة علاقة حب اسثنائية، حتى كاد التأريخ للأدب الروائي الأمريكي أن ينساه، إذ «إنه من الصعب أن تجد موسوعة أو تاريخا للرواية الأمريكية يتحدثان عنه، وعندما حاول أحد مؤرخي الرواية الأمريكية وهو مارك صابوتا، ادراجه ضمن فصول تاريخه، ابتكر له فقرة خاصة، سماها «الشعبة الأجنبية»، حيث تحدث عن أعماله المستوحاة من فضاءات غير أمريكية، باقتضاب شديد»(5) .
ويلحظ المهتمون بأعماله، أن أهمها وأبرزها هي تلك التي تتخذ من أرض المغرب فضاء لها، نحو قصته الأولى «شاي فوق الجبل» 1939، و«السماء الواقية» 1949، و«دعه يسقط» 1955، و«بيت العنكبوت» 1962، بالإضافة إلى أنه أثار فضول أشهر أعلام جيل الغضب أو الجيل المتعب في الأدب الأمريكي، الذين تأثروا بكتاباته عن مدينة طنجة، فجاءوا لزيارتها من أجل الغلمان والحشيش والسكينة، وبحثا عن سعادة عابرة تحررهم من أوزار المجتمع الأمريكي الذي ثاروا عليه، وهم وليام بوروز صاحب رواية «الوليمة العارية» وجاك كيرواك صاحب الرواية الشهيرة «في الطريق»، والشاعر المثير ألان غينسبرغ صاحب القصيدتين المدويتين «أمريكا» و«عواء»، كان بول باولز دليلهم في طنجة التي أقاموا فيها لبعض الوقت،ثم غالبهم حنين العودة إلى ديارهم الأمريكية، أمّا ب.باولز فمكث فيها إلى أن قضى نحبه عام 1999، قال عنه الكاتب دانييل روندو : «جاء من أجل فصل صيف، فإذا به يمكث حياة بكاملها»(6). وبالرغم من هذا العشق لطنجة والإخلاص لها، فإن الكاتب ظل غريبا عن المجتمع المغربي ينظر إليه نظرة الأجنبي الذي يتأسف على اندثار صورة طنجة المدينة الكوسمبولوتية، وعلى زوال وضعها الدولي الخاص بعد عودتها إلى حظيرة المغرب عام 1956، فكانت رؤيته، من ثمة، رؤية اثنوغرافية يبحث من خلالها عن كل ماهو شاذ وغرائبي وبدائي، تستجيب للصورة النمطية السلبية التي يكونها الغرب عن الشرق . ومن هنا يجدر أن نشير إلى البون الشاسع بينه وبين كاتب آخر أجنبي اختار الإقامة بصورة دائمة في مدينة مراكش، عنيت الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو الذي يجاهر بتعاطفه مع قضايانا – نحن العرب- وعلى رأسها قضية فلسطين..
وعلى النقيض من ب . باولز جسد الكاتب المغربي الراحل محمد شكري عوالم طنجة في أدبه خير تجسيد، إن وصفه لفضاءاتها ومناخاتها الإجتماعية ونقله العميق لواقعها السفلي وعالمها الليلي ومعرفته، التي لا يضاهيه فيها أحد، بالشريحة الإجتماعية المنسية والمبعدة التي تحيا في هوامش المجتمع، وسبره لأغوارها النفسية والوجودية (بحارة ومومسات ومشردون وأيتام وأطفال الدروب الضيقة..)، يغرينا بالقول إن محمد شكري هو طنجة، وطنجة هي محمد شكري. فطنجة مدينة للكاتب بالشهرة التي اكتسبتها عربيا وعالميا، مثلما أن الكاتب مدين لها بالحظوة والشهرة والمجد الذي ناله، ما جعله يصبح قبلة للمبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي من العرب والعجم على السواء، يصطادونه في حوانيت طنجة أو مقاهيها للظفر بصورة أو لقاء أو حديث معه.. لذا كان يوثر أن ينعت بالكاتب الطنجي، ويكفي ذكر ثلاثيته في السيرة الذاتية «الخبز الحافي» و«زمن الأخطاء» و«وجوه» للتدليل على حضور طنجة الطاغي في أدبه .
نماذج أخرى
لا نعدم أمثلة كثيرة من أعلام الأدب الحديث المبرزين الذين اقترنت أسماؤهم بمدينة ما، فصارت ملازمة لهم، كارتباط الروائي الأمريكي «بول أوستر» بمدينة بروكلين التي أصبحت شخصية كاملة الأوصاف في بعض أعماله، نحو Smoke أو Brookline boogie أو علاقة الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ بالقاهرة، وتجسيده لأحيائها ومعالمها الكبرى في رواياته، أو الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي بالإسكندرية، أو ارتباط الروائيين التركيين الكبيرين أورهان باموق و نديم غورسيل باسطنبول(7).. أو الشاعر الكبير المأسوف على غيابه، محمود درويش بأرض الجليل في فلسطين..
لمحة عن كتاب لشبونة
هذا الكتاب الذي عثر عليه عام 1992 ضمن المخطوطات التي تركها الشاعر، نترجم مقدمته التي كتبها الباحث الإسباني روخيليو أوردونييث بلانكو لمناسبة صدور الطبعة الإنجليزية، وهي قراءة في سيرته وعلاقتها بمنجزه الأدبي، وخاتمته التي ألحقت بالطبعة الفرنسية للصحفي والأديب أنطون دي غودمار(8) الذي يرأس تحرير مجلة تعنى بقضايا الأدب الفرنسي، هي تحقيق أدبي أنجزه الكاتب خلال سفر قام به إلى مدينة لشبونة، يتقصى فيه آثار الكاتب البرتغالي عبر مقابلة معارفه أو من تبقى من عائلته، ويعبر الأمكنة التي كان فرناندو بيسوا يرتادها، تنتمي هذه الخاتمة إلى نوع أدبي آخذ في البروز يطلق عليه «الريبورتاج الأدبي» . يتشكل الكتاب من ثلاثة أقسام، أولها عنوانه «ما ينبغي للسائح رؤيته»، وهو أطول الأقسام، يفصل فيه الشاعر والروائي بيسوا الحديث عن ذخائر مدينته لشبونة التي ينبغي للزائر أن يزورها : الكنائس والمتاحف والحدائق والجادات والهضاب السبع والقصور والميناء والنهر العظيم التاج الذي ينبع من إسبانيا، ويعبر البرتغال ليرتمي في أحضان المحيط الأطلسي عند لشبونة، فيضفي بهاء وسحرا على المكان، حين تأفل الشمس في آخر النهار . يقول عنه بيسوا في ص 97 من الكتاب: «إن الزائر الذي لم يتعرف بعد على لشبونة ، سيسحره جمال حوض التاج الفريد، عبر مناظره البهية التي يراها من أعلى الهضاب السبع». وثانيها عنوانه «صحف لشبونة»، يقدم فيه الكاتب جردا بأهم الصحف الصادرة في زمنه، راصدا فيه وقت صدورها، وطبيعة الجمهور الذي تتوجه إليه، والرؤى المذهبية التي تصدر عنها.. وثالثها عنوانه «زيارة إلى سينترا»، وهي مدينة تقع شمال لشبونة، وتبعد عنها بخمسة وعشرين كيلومترا، التجانس التام بين الطبيعة وتراث المدينة، جعل منظمة اليونسكو تصنفها ضمن التراث الإنساني، عام 1995 .
إن هذا الكتاب الذي عثر عليه ضمن الحقيبة الجلدية التي تحوي مخطوطات عديدة، لدليل سياحي شامل يشي بحب الشاعر لمدينته، وافتنانه بها، مثلما يشي بمعرفة بيسوا العميقة بأسرار مدينته: تاريخا وجغرافية وعمارة وفنونا، فكما ارتبط اسم براغ بكافكا، ودبلن بجويس، وباريس ببودلير، وطنجة بمحمد شكري، فإن لشبونة مدينة «اللاطمأنينة»، أمست مقترنة باسم بيسوا، وبفضله ولجت عالم الأدب من بابه الشاسع..
النصان المترجمان
1 – المقدمة
ولد في الثالث عشر من يونيو عام 1988 بلشبونة، تلقت أمه– ماريا مادالينا نوغييرا– تكوينا ثقافيا متينا، وعمل أبوه– يواكيم بيسوا – موظفا، عرف بصحته العليلة، وبشغفه بالموسيقى، وبمساهمته بمقالات في «جريدة الأخبار». خلال خمس سنوات قضى فيرناندو بيسوا طفولته في نعيم مابرح غضا، مترعا بالحب والحنان والرعاية . وبحلول عام 1893 سيرحل أبوه، فيما كانت أمه حاملا تنتظر طفلا ثانيا، هو جورجي الذي سيرث عن أبيه هشاشة البنية، فيقضي نحبه خلال عام .
في العام 1895، ستتزوج مادلينا بيسوا بـ«جواو ميغيل روسا»، الذي عين للتو قنصلا للبرتغال في «دوربان» بجنوب إفريقيا، التي سترحل إليها هذه الأسرة الجديدة لتقيم بها في يناير 1896 . شعر بيسوا ،الذي يقترب وقتئذ من عامه الثامن، باغتصاب مزدوج : أولا، لأنه محروم من أمه التي ما عادت تمحضه الرعاية والإهتمام ، (وهو ما خلق عنده كراهية طبيعية لزوج أمه)، وثانيا، لأنه حرم من لشبونة، ومن نهرها التاج، ومن ألعاب طفولته، ومن كل ما كان يشكله حيّه ومدينته من أساس لسعادة، ستعوزه منذ الآن فصاعدا .
حتى العام 1905، ظل بدوربان التي تلقى دروسه بها، في مؤسسة كاثوليكية أجبر فيها على استعمال الإنجليزية التي اكتسب التحدث والكتابة بها، بطلاقة وإتقان، في وقت وجيز. عكست حياة بيسوا بدوربان، بصورة دائمة، حنينه الجارف إلى لشبونة، يحفّ به أشخاص لا علاقة لهم بالبرتغال، يحدثونه عن مدينته، بنوع من الجفاء واللامبالاة . وفيما بعد، لم يكتب، البتة، في صفحة واحدة من كتاباته العديدة عن دوربان، مدينة «المنفى»، هو أسير ذكرياته التي فاقمها هذا البعاد القسري .
من المرجح، في جنوب إفريقيا، أن ذكريات طفولته القصيرة، ودروب ومشاهد الماضي، تلازم ذاكرته بطريقة تكاد تكون يومية، ستبدو هذه النوستالجيا لا تحتمل بالنسبة لهذا الفتى اليافع الذي استحال عليه، لمّا كان في طور المراهقة، أن يحيا حياة النعيم والهناءة التي عاشها في طفولته القصيرة، جرّاء هذا الإقتلاع المفاجىء من مدينته التي رأى النور بها . بعناية تكاد تشبه الوسواس الإستحواذي، يتذكر، في كل لحظة، سنوات سعادته المطلقة، ويتذكر كل إحساس، وكل صبيحة، وكل عشية قضاها في المدينة البيضاء، في هذا المكان الذي يصفه في الصفحات التي ستلي بـ: «رؤية حلم فاتنة».
في السابعة عشرة من عمره، سيعود، في النهاية، إلى لشبونة، وفي الحق، ستجعله هذه العودة يلامس حقيقة مؤثرة وعنيفة، لأنها ستسم بميسمها هذه اللقى المستحيلة بأحلام يتعذر تحققها منذ الآن، لكنها، مع ذلك، تعد متنفسا له.
يكتب في قصيدته «العودة ثانية إلى لشبونة»، التي نظمها عام 1924: «مازلت أراك، من جديد، مرة أخرى / يا مدينة طفولتي المنصرمة بصورة رهيبة»، وفي العام 1926، أدخل تنويعا فاستبدل لفظة «المنصرمة» بـ«الضائعة». فإلى ماذا يشير ؟ . في البيت الأصلي، يبدو من المحقق أن طفولته هي التي «انصرمت بصورة رهيبة»، وبأن هذه الحقيقة المرة تمتد لتشمل المدينة، لكن، في التنويع الذي أدخله، عامين فيما بعد، يمكننا أن نفكر في ما كان «ضاع بصورة رهيبة»، إذ ليس طفولته فحسب، بل المدينة التي شكلت إطارا له، إلا أن هذا الإطار، بالرغم من تشكله، دائما، من العناصر ذاتها، كان قد تراءى له، من الآن، مختلفا، بالمقدار الذي يختلف فيه الإنسياب الغض للطفولة من جهة، ومن جهة أخرى ملاحظة هذا المشهد الذي انسابت فيه عبر عيون الراشد البصيرة .
في الواقع، نحن أمام معاناة الشاعر المفتوحة، وعزلته الرهيبة واستحالة شفائه منها، يعرونا القلق بسبب التفكير في أن بيسوا قد أدخل التنويعة «الضائعة»، بعد أن انقاد إلى تفكير داخلي مرير حول الصراع الذي يقابل بين واقع الأحداث الفظ، وواقع الأحاسيس الشفاف الواضح .
هذا الرجل الواضح بشكل خاص، الذي وهب ملكات قوية في الإستنتاج والتحليل، الحساس بصورة عميقة،كان يقيد على الورق، بطبيعة مرهبة وكثيفة، كل ما يكابده: «أحاسيسي أرمدة/ لخيالي/ أتركها تسقط/ في مرمدة العقل».
لمّا عاد إلى لشبونة، انتظرته المدينة من دون أن يطرأ عليها تغييرات، بيد أن له من العمر،الآن، سبعة عشر عاما، وما يزال بمقدوره أن يتذكر الجوّ الذي احتضن سنواته الأولى، غير أن الدروب لا يمكنها أن تستقبل سوى معاناته وحيرته. أمست حياته بحثا مستحيلا عن نعمة غير موجودة، لم يعد، أبدا، يغادر لشبونة ونواحيها (باستثناء سفر إلى بورتوأليغري، وآخر إلى إبورا)، وكما تقول تيريسا ريتا لوبيز – مختصة في حياة وأعمال الشاعر – : إن لشبونة، بالنسبة لبيسوا،لم تعد مدينة فحسب،بل اختزلت وطنه برمته .
يشيع هذا الكتاب- الدليل نشيد فخار بمجد التراث الفني والتاريخي والثقافي للغة البرتغالية والبرتغاليين ولشبونة، الذي يشكل عصارة البلد، فخار يمتدّ ليسع الحدائق والتماثيل والصروح والزخارف والعقار والكنائس والمتاحف والسجون والمسارح والخزانات والصحف… هذه الصحائف مهداة إلى أكبر المبدعين البرتغاليين، وإلى المهن المتنوعة، وإلى عمل الفنانين الغرباء الذين ساهمت أعمالهم في نماء جمال المدينة المثير، وإلى عمل الموسيقيين والملحنين ورجالات السياسة الذين عرفوا كيف يعكسون، بحساسية مرهفة، هيئة المدينة البيضاء . إنها أعمال تشي بالإعتزاز الذي مكن من انبعاث لشبونة بعد الزلزال الكبير لعام 1755، إنها تعكس هذا الماضي المجيد الذي صمد إلى أيامنا في شكل غرانيت أو رخام أو رقوق، تطوق، رمزيا، مصبّ نهر التاج أو في مصعد سانتا جوستا أو تمثال كامويس. («…مازلت أراك مرة أخرى / يالشبونة، ويا نهر التاج وكل ماتبقى/ أنا العابرلك ولي، بلا جدوى…») . أكبّ بيسوا، خلال عودته، وقد ذكرنا هذا، على آثار الماضي («… مازلت أراك مرة أخرى/ لكنني، أنا، ياحسرة، لم أعد أرى ذاتي مرة أخرى…»)، يحسّ أنه غريب عن ذاته («… أنا ؟ أنا الشخص ذاته الذي عاش هنا، والذي عاد هنا / والذي عاد أيضا وأيضا / والذي عاد أيضا إلى هنا مرة أخرى.. »)، لن تكون الأشياء مثلما كانت من قبل، بيد أنه، مع ذلك، لن يقدر أبدا على فراق مدينته (يتطابق بيسوا، على مستوى القافية، مع ليسبوا = لشبونة). تقول تيريسا ريتا لوبيس : كل القرى البرتغالية، عنده، هي أحياء لشبونة، وكل الغابات غير المزروعة هي منتزهاتها وحدائقها، كل شيء يوجد في مدينته مكثفا وممدّنا .
ابتداء من هذه اللحظة، يتفنن الشاعر في إعطاء البرتغال المكانة التي تستحقها في التاريخ، سنحت له الفرصة، وهو بدوربان، أن يلحظ إنكار الناس، غالبا، للدور الذي لعبه البرتغاليون في تاريخ الإنسانية، فعقد العزم، يحذوه الجدّ، على ضرورة كتابة دليل سيسمح بالرفع من شأن بلده إلى المكانة الجديرة به . (يحرر عام 1934 ديوان «رسالة» وهو الإصدار الوحيد باللغة البرتغالية الذي سيطبعه، والذي يحمل عنوانا مؤقتا هو «البرتغال»، أي ما يشي أيضا بنيته تحقيق هذا الهدف) .
إن هذا الدليل الذي بين أيدينا، هو ثمرة هذه الفكرة الأصيلة التي، وهي تحمل عنوانا عاما: «كل شيء عن البرتغال»، كان بمقدورها أن تكون المرآة المكتوبة للتاريخ الماضي والحاضر للبرتغاليين، لأحداثهم العظيمة ولإكتشافاتهم، وكذا لإسهاماتهم الهامة في تاريخ العالم . لقد اختزل المشروع في هذا الدليل البسيط، وإذ يبدو أن بيسوا كتبه في العام 1925، إلا أنه يحظى، مع ذلك، براهنية مدهشة . في هذه الصفحات التي يستعمل فيها الشاعر لغة يسيرة على قرائه طرّا، يسعى إلى تقديم هذه البرتغال المهملة والمنسية والتي أغمطت حقها المشروع، إن لشبونة بوصفها رمزا واختصارا للبلد ولأراضيه في ما وراء البحار، تترئ، هنا، «وقد ردّ الإعتبار إليها باستحقاق»، نجوب، في كنف المؤلف، مدينة ينماز تراثها الثقافي والمعماري والفني بالروعة. بغرابة احتفظ بيسوا بهذا المؤلف مهيأ للنشر، ولقد رأى النور، في آخر المطاف، عام 1992 بلشبونة، بعد أن عثر عليه بين أوراقه .
في مدينته التي ولد بها (عندي، كما يحلو له القول )، سيقيم الشاعر الكبير في صنوف شتى من الأحياء، عمل بوصفه مسؤولا عن البريد التجاري لشركات متنوعة، تقيم اتصالا من هذا النوع مع الخارج، وكان يشغل وظيفة محاسب لدى شركات أخرى، وهي الأعمال التي يحصل بواسطتها على قوته . إن عزلته وغربته عن العالم حملته، بالتدريج، على الشرب(بعد عودته من دوربان، وحده العرق يبدو له قادرا على التخفيف من وطء الأحاسيس التي تفتته)، وليلة تلو أخرى تراه لشبونة يتسكع في دروبها، فاقدا الوعي من فرط الشرب، وغالبا ما كان يتسكع تحت وابل من المطر، من دون أن يهتدي إلى ملاذ يلوذ به . يعتاش من برّ بعض الأصدقاء النادرين، ومنهم، بخاصة، الشاعر ماريو دي سا- كارنييرو (أخلص أصدقائه وأقربهم إليه، الذي سبّب انتحاره في باريس، في سن الخامسة والعشرين، رجّة عميقة لبيسوا) : «لم نشكل – نحن الإثنين – إلا ذاتا واحدة، حين كنا نتحدث، كنا – نحن الإثنين – حوارا في روح واحدة…» . بدأت صحته تسوء شيئا فشيئا، في غضون ذلك، وخلال فترات صفائه، يكتب بفورة محمومة. يسكن غرفا مفروشة، أقام بعد عودته من دوربان في شارع بيلا فيستا، ثم اكترى سكنا في ساحة كارمو، وحتى 1912 سكن في شارع باسوس مانويل، ثم انتقل، بعد ذلك، إلى شارع باسكوال دي ميلو، قبل أن يحل بغرفة متواضعة بشارع دونا إستفانيا (من المحتمل أن يكون منزل كوّاءة)، ثم اتخذ مسكنا بشارع أنتيرو دي كينتال، ويعتقد أنه التجأ إلى قبو مقشدة في شارع ألميرنتي باروسو … وخلال هذه السنة، أقام بحي بنيفيكا، شارع كوميس بيريرا .
ليلة 27 من نونبر 1935، نقل إلى المشفى الكائن بشارع لوز سوريانو، جراء معاناته من أزمة مغص الكبد الوبائي. هنا سيرحل هذا الشاعر الكوني الكبير، أحد أكبر الكتاب في عصرنا، يوم 30 من نونبر 1935، وكانت الكلمات الأخيرة التي لفظها أن طلب نظارتيه .
يرقد جثمانه بالبانثيون الوطني، لكن روحه تنتظرنا عند كل منعطف من دروب لشبونة، لتصعد معنا صوب كل العصور التي مضت ..
الرجل الذي استعمل هذا المقدار من الأسماء المستعارة، ترك لنا منها واحدا يجهله هو نفسه، إنه هذا الذي يوجد في كلمات هذا الكتاب الماثل أمامنا، هذا الذي عاش مختبئا في هذه الصفحات حيث أفلح الكاتب في إبراز شخصه ولشبونة وآلهتها البيتية، إنه بالنهاية بيسوا الذي سيعيش طويلا ما عاشت لشبونة .
2 – الخاتمة
لا يوجد أحد في لشبونة
على خطى فرناندو بيسوا
في الرقم 16 من شارع كويلهو دا روشا، ثمة سلسلة مقفلة تشد الباب بشكل سيء، يبدو أن المنزل ذا الواجهة التي شحب لونها الأخضر وحال، منزل مهجور . في الطابق الأول، ناحية اليمين، مصاريع الخشب المتآكلة مغلقة «رحل الجميع منذ ثلاثة أشهر، وستتقوض جميعها»: على عتبة باب مرآبه ، أمام المنزل بالتحديد، يشير الرجل إلى دكان متوسط، «اذهب إلى ذلك المكان، فثمة شخص عرفه». اكتنف صوته أزيز وصرير لينوتيب يتسرب من مطبعة صغيرة مجاورة، تكثر أنواعها في المدينة، فهل سبق لها أن وجدت في تلك الفترة ؟
المتجر المقصود هو، بالأحرى، حانوت صغير، باب الدخول يستعمل طاولة متجر. في الوراء، وعلى بضعة أمتار مربعة توجد أسقاط من الآلات الكهربائية العتيقة، والحبال المعلقة، وأجهزة التلفاز المبقورة .
يبتسم الحرفي قائلا : «نعم، لقد عرفته، كان يحب الأطفال كثيرا، وكان يجيب دائما على الأسئلة التي تطرح عليه . كان أبي حلاقه، وكان يراه كل يوم، هنا أو في بيته . كانت شقته معتمة، وكان ينبغي لأبي أن يحلقه أمام النافذة التي تطل على الشارع، كان شخصا منعزلا، قليل المعاشرة، يخرج كل يوم نحو منتصف النهار، فيذهب إلى المقهى المقابل، وكان له طقس إذ يقول : « ناولني سبعة»، وهو شفرة بينه وبين صاحب المقهى، يدلّ على أنه يرغب في شرب الخمرة، كان يشرب ثم ينصرف، كان شرّيبا، وكنت عرفت من أبي، الذي أخبرني بالأمر، أنه كاتب، أبي كان يعلم أمورا كثيرة عنه، فالناس يتحدثون كثيرا مع حلاقه، لكن لا أحد يشك في أنه سيصبح مشهورا جدا، كان يكتب ليلا، وفي الصباح لما كنت أرافق أبي إلى بيته، كانت المرامد ملأى».
ومحلّ السجائر، أين يوجد ؟ أليس في مكان المخبزة أو المغسلة؟ هل كان يراه فعلا من نافذته ؟ «لا، لقد كان في شارع صغير مجاور»، لكن، كما هو متوقع، لم يعد محلّ السجائر موجودا منذ زمن طويل «فيما بعد سيختفي عنوان المحلّ بدوره، وستختفي أبياتي أيضا / فيما بعد سيختفي الشارع الذي كان فيه العنوان / واللغة التي كتبت بها أبياتي/ ثم سيختفي الكوكب الدائر، حيث هذي كلها ستمسي أثرا بعد عين».
أنطونيو سيكساس لم يصبح حلاقا مثل أبيه، كان نزل إلى الميناء فأبحر وسافر لمدة طويلة، وغيّر، بدوره، دكان أبيه إلى مشغل لإصلاح الآلات الكهربائية . «ليس ثمة ما يقال عن هذا الرجل، كانت له مشاكل مالية، لكنه كان يحرص على أناقة ملبسه، وكان الناس يحترمونه، وكان ذا شخصية قوية جدا، ذات يوم، وأنا عنده، وضع يده على كتفي وقال لي ثلاث مرات وهو يحدجني بنظرة حادة : «لا تترك من لا كفاءة له يغلبك»، لقد حدث هذا أياما قبل رحيله». مصادفة : في اليوم الذي مات فيه الحلاق أبو أنطونيو سيكساس، تمّ نقل رماد زبونه السابق في موكب مهيب إلى البانثيون، الذي سبق أن رقد فيه جثمانا فاسكو دي كاما و لويس دي كامويس .
يتخذ الاحتفال بمئوية فرناندو بيسوا أبعاد حدث عظيم، هو الذي مات في سن السابعة والأربعين، يوم 30 من نونبر 1935، عام بالتمام بعد عرض ديوانه «رسالة»للبيع (وهو العمل الوحيد الذي نشره الكاتب بالبرتغالية وهو على قيد الحياة)، بهذه المناسبة تقام مؤتمرات في البرتغال والبرازيل والولايات المتحدة، وجرى عراك سياسي في لشبونة قصد افتتاح متحف للحداثة البرتغالية بالمنزل الذي رأى الكاتب فيه النور، الكائن، بالتحديد، قبالة مسرح «ساو كارلوس»، وفي فرنسا ستقام له ذكرى في مهرجان أفينيون، وتترجم أعماله بصورة متتابعة، أما في مدينة لشبونة فالمرء يبحثعن آثار ظاهرة لعيد ميلاده القادم فلا يعثر عليها، وفيها ثمة تماثيل شاردة وسوداء لأطياف تجسد بيسوا، رسمها فنان مجهول على منابع الماء والجدران لا يلحظها إلا السائح المطّلع .
في شارع المذهبين هذا الذي يتشكل من : مخازن ودور واطئة ومقاولين ومكاتب ومطاعم حقيرة، كان المحاسب المساعد بيرناردو سواريس، مؤلف كتاب «اللاطمأنينة»، يجوب العالم وهو ثابت لا يتحرك، « أحيانا أقول بأنني لن أبرح أبدا شارع المذهبين، وبمجرد كتابة هذا، فإن الزمن يبدو لي سرمديا (…) نعم، إن شارع المذهبين هذا يشمل، بالنسبة لي،المعنى الكلي للأشياء، يشمل حلّ كل الألغاز، ولا يشمل حلّ وجودها ذاته، لأن اللغز، تحديدا، لا يقبل الحلّ». يؤكد صاحب مطعم بيسوا بأن المنزل إذا لم تكن له علاقة بالشاعر، فإن هذا الأخير كان غالبا ما يتردد عليه للأكل فيه، لكن، ألا يوجد ثلاثة عشر فيرناندو بيسوا في دليل الهاتف ؟
«أنا جادات مدينة لا توجد، الشرح المستفيض لكتاب لم يكتبه أحد أبدا، لست أيّ أحد، أيّ أحد،أنا شخصية في رواية ظلت في حاجة إلى الكتابة، أعوم، هوائي أنا، مبعثر وإن لم أوجد ضمن أحلام كائن لم يعرف كيف يكملني». يطفو فرناندو بيسوا فوق لشبونة، ولا يمكننا قراءة بيسوا من دون أن نفكر في لشبونة . تراكم المدينة الرموز، بيد أن الكاتب راكم الضلال والتعثر، من العبث، على سبيل المثال، أن نثق في العديد من بطاقات الزيارة التي طبعها باسم عنوان محله الذي يحمل اسمه أو أسماءه المستعارة، فالثلاثة المشهورة تدعى: ( ألبارو دي كامبوس، ريكاردو رييس، وألبيرتو كاييرو )، أو مؤسساته التجارية: هكذا لم توجد المطبعة أبدا في رقم 38 بشارع كاسيكاو دا غلوريا، والجزار صاحب المحل المشهور الذي كان يبيع فيه منذ خمسة وعشرين عاما حقيقة أكيدة، أما الرقم 18، ساحة كارمو التي كان يقيم فيها فرناندو الشاب أثناء عودته من إفريقيا الجنوبية (وكان ذلك بين 1905 و1912)، فلا أحد يتذكره بدقة : لكن بهذا المكان عدة سلالم في الرقم نفسه، فأيها كان الشاعر يستعمل ؟
وفي الجانب الآخر من الساحة، في الواجهة تحديدا، تمّ، للتوّ، تمليط واجهة ثكنة الحرس الوطني الجمهوري: فقبل شهور كانت آثار الرصاص تطرزها، فهنا، في الخامس والعشرين من 1974، استسلم مارسيليو كيتانو خليفة سالازار، بعد تراشق بالرصاص : أسلمت الدولة الجديدة الروح وهي نفسها التي كان بيسوا قد شهد ولادتها، وآزرها لفترة مؤقتة في نص كتبه في العام 1928، لكنها مؤازرة لامعة، قبل أن ينكر هذا النص في السنة التي قضى فيها . في نص للشاعر لم يسبق نشره، كتبه بالفرنسية مباشرة عام 1935، ونشر في الأيام القليلة السابقة في مجلة «المنتدى»، وبهذه المناسبة كان له وقع كبير في العاصمة البرتغالية، يقدم فيه بيسوا صورة لـ«سالزار المنافق»، «القاسي والداهية»، «ثمرة لقصر النظر ومحدوديته» الذي «يمقت الحالمين لأنهم يحلمون»، ويحمل فيه حملة شعواء على «الديكتاتور الطاغية الممقوت جدا» وعلى خطابه الموسكوفي الذي يقعّد للرقابة: «لن أنشر مقالا إلا إذا كنت متفقا مع نهج الحكومة، ولن أتفوه بشيء في الحالات التي أكون فيها على خلاف معها، النتيجة الطبيعية هي ألا ينشر أي شيء (…) لا ينشا سوى أدب هائل من الصمت». تختتم مقالة الهجاء هذه بتحليل سياسي لا يعدم لا الدقة ولا بعد النظر (ونحن في العام 1935): «من المؤكد أن أي ثورة لا يكتب لها النجاح، إلا إذا شارك فيها قطاع واسع من الجيش».
هذا العمل غير المنشور، هو واحد من آلاف كانت حقيبة الشاعر تضمها، وهي الحقيبة التي اكتشفت بعد موته، واشترتها مؤسسة « Gulbenkian » من عائلته بمبلغ ستة ملايين إسكودوس في العام 1979، حيث أعيد محتواها، في حفل، إلى المكتبة الوطنية للشبونة في العام 1982، وتحوي، بالضبط، 27543 وثيقة تشكل اليوم ذخيرة، لم ينشر منها إلا النصف فقط : تقييدات القراءة، صحف، أبراج، وأعمال تنجيم (هواية كان بيسوا يقتسمها مع أمه)، نصوص سياسية، لوائح كتب، أغاني، قصائد، نثر، مسرح، ترجمات، دراسات طبنفسية و رياضية، تجارية وجمالية، مراسلات، بحوث للتأهيل إلى الماسونية ودفاع عنها، إن الجرد الشامل يظل دائما غير مكتمل بحسب مانويل فيلا بيردي كابرال، مدير المكتبة الوطنية البرتغالية، إن منع المحافل الماسونية بداية 1935، هو الذي حمل الشاعر،بالضبط، على اتخاذ موقف معارض للنظام، وعلى التراجع عن مواقفه لعام 1928، يقول: «لقد كان نخبويا أكثر ولا يمكن أن يكون فاشيا، لقد كان محافظا على الطريقة الإنجليزية».
من بين أربعين ألف ميكروفيلم في المكتبة الوطنية، يمكننا أيضا رؤية صفحات وصفحات من جناسات تصحيفية (أناغرامات)، وشفرات سرية، ومبهمات، وتوليفات باطنية، قال بلطف أنطونيو براز دي أوليفييرا، المسؤول منذ سبعة أعوام عن مجموع أعمال بيسوا : «لقد كان مؤرخ عصره». وعلى أي حال، كان رجلا يدون كل شيء، يحتفظ بكل شيء ، ويصنف كل شيء . كان يكتب على أي وسيلة، مهما كان شأنها، على ظهر الإعلانات وأوراق الإشهار، في هوامش الصحف، وحتى على ظهر مقالاته الهجائية عينها، التي كان أصدقاؤه الحداثيون يعلقونها في المدينة .
في ظل هذه الشروط، ليس من العجب أن لا توجد، حتى اليوم، أي طبعة كاملة لبيسوا، أيمكن لصناديق الشاعر المئة والخمسين في المكتبة الوطنية أن تكشف عن كنوز بمقدورها أن تغير، بعمق، صورة الشاعر وبدائله الأساسيين ؟ لا أحد يعتقد في هذا حتى ولو إن واحدة من أشهر شرّاح الكاتب وهي، ماريا تيريسا ريتا لوبيس – أستاذة الأدب ومديرة معهد الدراسات حول الحداثة – وهو المعهد الأكثر بيسوية، ترى أن وجوها غير منشورة للكاتب مازالت تنتظر من يكتشفها: منها، على سبيل المثال، مؤلف «فاوست»، أو المقالة الهجائية التي تحمل اسما بديلا هو جواو كانييرو .
توجد الغرفة 27 بالطابق الثالث بمشفى سانت لويس دي فرانس، وهو الأقدم في لشبونة، تطل النافذة على أحد أقدم الأحياء في المدينة العليا، في التاسع والعشرين من نونبر عام 1935، رقد فيرناندو بيسوا في هذه الغرفة، من سريره يرى ذروة إحدى النخلات الثلاث لساحة المشفى، طلب نظارتيه فكتب على ورق أبيض «لن أعلم ما سيكون عليه الغد»، بالكاد يكون الخط رقيقا ورفيعا أكثر كعادته، لكنه رائق . ستكون هذه جملته الأخيرة، وفي الغد سيهزمه داء الكبد الوبائي .
لا يوجد هذا المخطوط الأخير ضمن أعمال المكتبة الوطنية، فالعائلة تحتفظ به بعناية قصوى، وتكشف عنه بطريقة تشف عن الحب والإجلال، لأن أخت الشاعر غير الشقيقة ما تزال على قيد الحياة، هنريكيتا مادلينا هي كبرى الأطفال المنحدرين من الزواج الثاني لأم فرناندو بالقنصل البرتغالي بجنوب إفريقيا، لها، الآن، من العمر ثلاثة و تسعون عاما، تعيش في الأحياء الجديدة للمدينة، في طريق المطار، وتقيم ابنتها في الطابق الفوقي بالضبط . كلتاهما تستعرض، بسعادة، سلسلة من مخلفات الكاتب الثمينة غير المرتبة: دبلوم جامعي لعام 1903، الرموز العائلية المرسومة باليد، الطبعة الأولى من ديوان «رسالة» مؤِرخة ومشروحة بل ومنقحة من قبل الكاتب، حافظة نقود مهداة إلى أمه، كتاب صلوات بالإنجليزية وصور مقدسة، من بينها صورة القديس أنطون شفيع لشبونة، يحتفل به في الثالث عشر من يونيو وهو يوم ميلاد الشاعر، وملعقة طفل من فضة، بطاقات زيارات شخصية، وتجارية وباسم البديل الإنجليزي ألكسندر سارش، علبة ثقاب من فضة، رسالة من البديل ألفارو دي كامبوس إلى مبدعه («أرسل الورق والمداد والريشة من أجل الكتابة»)، رسالة من صديقه الشاعر المنتحر ماريو دي سا-كارنييرو، مشبك ربطة عنق من فضة، مفكرة ومذكرة حسابات معها قلم رصاص، ومقص أوراق من الباكليت الأسود يحمل اسم بنك من وسط المدينة، يذكّر ابنة أخت الشاعر بمشاهد من الطفولة، تحاكي أنطونيو سيكساس ابن حلاق شارع «كويلهو دا روشا»، «كان خالي شغوفا بالأطفال، كان يلعب كثيرا، ويحكي قصصا غريبة، كانت لعبته المفضلة أن يجلس على كرسي يحوط عنقه منديل، كنت أقوم بدور الحلاق فأحلق له بمقص الأوراق هذا، ثم كنت أقوم بدور تقليم أظافره بمقلم أظافر أهدانيه، كان يلقبني بـ«الثورية» .
تتذكر «هنريكيتا» ذات العينين النجلاوين السوداوين خلف نظارتيها المكبرتين، لها بشرة فتاة، وفي يدها عصا تتوكأ عليها : «كنت أصغره بسبع سنوات، لم يكن يلعب كثيرا حين كان طفلا، وسبق أن كان يكتب طيلة الوقت، كان قليل الأصدقاء، مفتونا بأمه، لا يتحدث، البتة، عن أبيه الذي مات لما كان عمره خمس سنوات، وكان يتحدث معي في أمور الدين . حين بلغ السابعة عشرة، ترك دوربان قصد الدراسة بلشبونة، لم أره إلا بعد مرور سنوات. جاء يفتش عنّا في الباخرة، أنا وأمي. في الميناء كان عمال حوض السفن مضربين، صدم فرناندو أشد الصدمة لرؤيته أمي مصابة بشلل نصفي جرّاء تجمد الدم، وبعد مضي وقت قليل أقمنا، نحن الثلاثة،في شارع كويلهو دا روشا، كان ينفق ساعاته في الكتابة وفي صناعة التنجيم، أحيانا كان يأتي إلى المطبخ ويقول لنا : «أترغبان في أن أقرأ لكما ما كتبته ؟» وكانت أمي تجيب دائما بنعم… كانت حياته قليلة التنظيم، يقصد المكتب في الصباح، يخرج في المساء ويعبر المدينة راجلا، ولمّا يعود ينصرف إلى الكتابة. كان يشرب ويدخن كثيرا، وكان يستحمّ بالماء البارد، صحته كانت عليلة ومرارا كان يشكو، وفي أغلب الأحيان كان يسهر آناء الليل يجوب الشقة، وفي الصباح كان يسترجع سهاده فيقول : «لم أستطع النوم، شعرت بالحمّى»، كان يتحدث عن البدائل التي أبدعها كما لو كانوا أشخاصا أحياء، وكانت أمي التي تحبه حبا جمّا مقتنعة بها، أمّا أنا فتعذر عليّ تصديقها، لم أستطع أبدا حمله محمل الجد بخصوص هذا الموضوع، بيد أن الإعجاب يتملكنا لرؤيته يغير شخصيته بهذه الطريقة».
تحوي شقة هنريكيتا آثارا أخرى ل فرناندو بيسوا، حقيبة المخطوطات المشهورة أمست منذ الآن فارغة: «كان أخي يفكر في إنجاز عمل هائل، كان يعتقد أنه لن يعيش كثيرا، ولم يكن ليرغب في إهدار الوقت في طبع أعماله، إذ كان يرى أن من المبكر القيام بهذا، وأنه سيحصل حين يتقدم أشواطا في عمله، ولم يكن، أبدا،كل شيء كاملا خاليا من العيوب، فكان ينقّح ويصنف بلا انقطاع»، والصوان الذي كان يكتب عليه وهو واقف: «كان يرتدي دوما إما بزة سوداء أو قميصا أبيض»، في التذكارات التي تحتفظ بها هنريكيتا وابنتها، تبدو بضعة بطاقات حبّ، تنم على ذوق رديء، كتبت على كرتون صغير جدا، بعث بها فرناندو بيسوا إلى أوفيليا كيروز، وهي المرأة الوحيدة التي شاع ارتباط الشاعر بها، والتي يتخذها ذريعة، وهم كثر في البرتغال، أولئك الذين لا يقرون بمثلية الكاتب المحتملة مع ذلك. التقى العاشقان عام 1920 في مكاتب شركة فليكس، فريتاس وبالا داس، حيث كانا يعملان سوية، كان عمرها ثمانية عشر عاما، أما هو فاثنان وثلاثون عاما . ذات مساء عاصف تسبب في انقطاع التيار الكهربائي، سيفصح فرناندو عن حبه وهو يحمل في يده شمعة وعلى كتفه وقاء المطر، منشدا مونولوغ هاملت وأوفيليا . دامت العلاقة عاما واحدا، ثم استؤنفت بعد انصرام تسع سنوات، قبل أن تتوقف بصورة نهائية عام 1931، تؤكد، اليوم، أخت الكاتب قائلة : «لم أسمعه قط يتحدث عن أوفيليا»، بيد أن أوفيليا كيروز مازالت على قيد الحياة، بل إنها، في عام 1978، قبلت بأن تقدم لطبعة مراسلاتها مع بيسوا، غير أنها تظل متوارية عن الأنظار، تحميها عائلتها من فضول الصحافيين، ووحدها القناة التلفزية البرازيلية «غلوبو» أفلحت، منذ ثلاث سنوات، في تصويرها من وراء ستارة نافذتها .
يكاد يكون هذا الظهور العابر سرابا، مثلما نعتقد أن يكون سرابا هذا الرجل الثاوي في زيّ أسود معتمرا قبعته في المكان المحدد الذي يفضله الشاعر بمقهى «مارتينهو دا أركادا»، في ساحة التجارة . المكان معتم، خشب التغطية مشرب بالنيكوتين، والطاولات من رخام رمادي، لا شيء تغير، على الطاولة التي كان يستقر فيها الكاتب وجميع أصدقائه من جماعة الطليعة الحداثية، ثمة قصيدة بخط المؤلف عام 1926 ، كتبت على ورق بعنوان محلّ للحلوى مشهور بالمدينة : «نقول؟ / ننسى / لا نقول؟ / ينبغي القول / نعمل؟ / محتوم / لا نفعل شيئا؟ / مساو / فيم الإنتظار ؟ / كل شيء حلم». كان فرناندو بيسوا يصطحب أوفيليا إلى مطلّ سانتا كاتارينا أحد أجمل المناظر على نهر التاج، لقد كانت واحدة من نزهاته الأثيرة، من هناك ترى حركة السير بالميناء: «فوضى وصول وشيك تنتشر على طول الرصيف / باكرا، يصل المهووسون بالإنتظار / من بعيد تتراءى باخرة إفريقيا: جسيمة وبادية أكثر / جئت هنا كي لا أنتظر أحدا / فقط لرؤية الآخرين وهم ينتظرون / كيما أصبح كل الآخرين الذين ينتظرون / لكي أكون الإنتظار الذي ينتظره الجميع». اليوم، لم تعد أي باخرة تأتي أو تذهب، يأتي طلبة الجامعة إلى هذا النتوء الصخري لإنشاد أشعار ألفارو دي كامبوس . في هذا المكان تخيل الكاتب جوزي ساراماغو في إحدى رواياته أن ريكاردو رييس قد مات، وهو البديل الوحيد الذي نسي فرناندو بيسوا أن يجعله يموت .
وقد صار بيسوا بدوره موضوعا للسرد التخييلي، «إنه جدير به»، هذا مايقوله أنطونيو تابوكي، مدير المركز الإيطالي بلشبونة، ومترجم بيسوا في موطنه إيطاليا، والذي يمكن أن تكون روايته القصيرة «خيط الأفق» استعارة لهذا التحقيق . وفيها يسعى شخص إلى التحقق من هوية شخص آخر … وكلما ظن أنه قاب قوسين من الحقيقة، تتوارى الحقيقة مثلما يتوارى الأفق كلما دنونا منه، ولربما هذا هو شأن بيسوا كذلك: فالذهاب لتقصي آثاره هو العودة من جديد إلى التنقيب، بلا جدوى، في المدينة .
لن يبلغ أي رجل تحرّ قرار وكنه هذا القارىء الكبير لـ Conan Doyle(9)، هذا الخالق للأسرار الخفية، مثلما لم يبلغ بعد أي كائن كنه هذه الحقيبة ذات 27543 مخطوطا، حيث ماتزال تحوي بعض البدائل المجهولة . «وأنا أفكر، وجدتني قد خلقت للهوة والصدى، وأنا أغوص في أعماقي، وجدتني قد تضاعفت (…)، حطّمت كياني كيما أخلق ذاتي، تجليت أيما تجلّ داخل ذاتي، حدّ أن وجودي لا يتحقق في باطن ذاتي بل في ظاهرها، أنا مسرح حيّ يتنقل فيه ممثلون شتى، يؤدون مسرحيات شتى».
هذا المسرح هو لشبونة مدينة اللاطمأنينة، التي ولجت عالم الأدب بعد «براغ» كافكا و«دبلن» جويس، ويعد «عابرها التام» كطيف سوداوي مفقود.ّ
هوامش من وضع المترجم :
1 – إشارة إلى كتاب الروائي الأمريكي « إرنست همنغواي « الذي يسرد فيه وقائع سنواته في باريس الحافلة بالحب والشرب والتجوال، وعلاقاته بالأدباء الأمريكيين الذين يمثلون الجيل الضائع، يطفح الكتاب بمشاعر الحب التي يكنها الكاتب لباريس . ترجم الكتاب إلى الفرنسية بعنوان :
Paris est une fête. Gallimard, traduction de Marc Sa porta
وترجمه الكاتب العراقي علي القاسمي إلى العربية بعنوان « الوليمة المتنقلة « منشورات الزمن- المغرب
2 – أنظر العدد الخاص بفالتير بنيامين من المجلة الأدبية الفرنسية : Le magazine littéraire ع 408 / أبريل / 2002 ( الصفحات 34، 45، 81 )
3 – استفدنا من المقالات التالية التي حواها عدد المجلة الأدبية الفرنسية الخاص بفرانز كافكا : « كافكا المتمرد « و « براغ : حب ملتبس « و» حلقة براغ « ع 415 / دجنبر / 2002 .
4 – صحيفة « القدس العربي « اللندنية : 28 / 6 / 2010 . دانييل روندو، ترجمة عبد المنعم الشنتوف .
5 – إبراهيم الخطيب، موقع مجلة الثقافة المغربية على الشابكة .
6 – « القدس العربي « عدد مذكور.
7 – ألف أورهان باموق كتابا جميلا يروي فيه ذكرياته في اسطنبول، عنوانه : « اسطنبول : ذكريات مدينة «، وكتب نديم غورسيل رواية بعنوان : « صيف طويل في اسطنبول «، ترجمها إلى العربية أحمد سويد – دار الفارابي
8 – شغل أنطون دي غودمار منصب رئيس تحرير صحيفة « ليبيراسيون» الفرنسية اليسارية، من 2002 حتى 2007، ويرأس، الآن، تحرير مجلة « قارات « Continents، التي تعنى بقضايا الأدب الفرنسي .
9 – كونان دويل : كاتب اسكتلندي (1859 – 1930 )، اشتهر برواياته التي قامت على رجل التحرّي شيرلوك هولمز والتي أحدثت تجديدا كبيرا في الرواية البوليسية .