1- على حافة التيه
لم أكن أتقن المشي
حيث أن الخطوات لم تكن مرتبة
والوجوه التي أراها تمر أمامي
لم تكن مدورة .. وغير واضحة الملامح
كانت ترتسم أمامي أشكالاً هندسية
مسلوبة منذ أن غادرها أصحابها
كأنها مرهونة لأمزجة الريح السوداء
تلك التي زارتهم منذ عقود
إيقاعها مأسور حركاته
وظلهم تحت مصابيح الشارع
مخزونا من الذل والآثام
منعتقا من سيرة أجدادهم
أصبحت وجوههم مخنوقة بأقنعة
غطت كل حواسهم
مسافرون بلا قرار
كالسائرين في نومهم
ولا ظل شجرة يسجد عليهم
أو طائر يحلق فوقهم
ليريهم لون السماء
مثقلين بالبلاهة والحقد
وأرواحهم غادرت قبل عقود
في محاولة اغتيال بعرس جماعي
* * *
أعود إلى غرفة صغيرة
أقف أمام أرفف المكتبة
أبحث عن سر النكبة
التي حولتهم جثثاً منقوعة بالبؤس
إلى طرائد لا تفارق مخابئها
وإلى أشباح
غابت عن مرآة الوجود
لأجد أن التقويم توقف منذ عقود
عندما سقطت الفراخ
عن جبال خضراء عاتية
بعد أن فارقت أوكار الصقور والعقبان.
2- الرحلة إلى سرنديب
المرأة التي كانت تذيب لي السكر
في فنجان الأحلام
نسيت أن تضع فتلة الشاي
ربما لأنها تعلم
بأني قضيت البارحة
أحلم بالرحلة إلى سرنديب
ضمن خارطة المنفى التي
تطرق قيامتي
تبحث عن تميمة لتغيير اسمي
تظن أن اللعنة تخرج من ينبوعه
حيث الحياة المزدحمة في رأسي
نسيت ان اسمي
أصبح مثل السكر الذي أذابته
لا فائدة من فصله
وأن الرحلة قادمة لا محالة.
3- باب للذكرى
الألم
قافلة تجوب صحرائي
وموانئ ترسو عليها سفنه
أشبهه بلعبة الساحرات
حين يشعلن النار وسط زوايا
من القماش البالي المزخرف بالألوان
ربما لأن الريح خانت زورقي
صرت أخلط بين الملهاة والمأساة
وتختلط لدي الروائح
فأشعل ثورة اللهو
لأسدّ طريق المأساة التي
تنبت في حقول أعضائي.
هناك سرب كبير من الأحلام
أوزعه قبل أن أنام
أحلم بقطع قطنٍ بيضاء متقطعة
في السماء
ومن خلالها يسقط الضوء
بحجم الفرح الذي أرغب
عندها يصبح الألم
هو الطفل الذي يداعب مشاعر البهجة
وأن الرتابة
مثل ديدان تنهش جسدا فانٍ.
في غرفة معزولة يكتنفها الظلام
أتذكر الأنهار الخالية من الضفاف
تلك التي أجدف عليها زورقي
في العتمة
وبعذوبة مطر
تهدهد موسيقى سماء الذكرى
فأنام
لأجد نفسي أجول
بين بساتين الظهيرة.
يحيى الناعبي
شاعر من عُمان