أكثر من 27 عاما مرت على وفاة جمال عبدالناصر أكبر زعيم عرفه التاريخ الحديث للوطن العربي والشرق الأوسط، دون أن يجرؤ أحد على تناول هذه الشخصية التي أثارت الكثير من الجدل في الوطن العربي والخارج، كيف ذلك وهو الذي كان بحنكته قادرا على الامساك بزمام الأمور، وبعظمته وهيبته على جمع شمل العرب، والذي مع وفاته -التي جاءت بعد يوم واحد من المصالحة بين الملك حسين وياسر عرفات بعد أحداث أيلول الأسود الداعية التي قامت على خلفية موافقة عبدالناصر على "مبادرة روجرز" التي تقوم على أساس قرار 242 والاعتراف بدولة اسرائيل -أغلقت ملفات كثيرة كان أي حديث عنه يعني عادة نبشها. فهل كانت كل هذه السنوات كافية لاعادة تناول شخصية عبدالناصر تناولا موضوعيا عن إثارة الحساسيات.
هذا ما يحاول أن يفعله المخرج السوري أنور القوادري الذي تصدى لهذا الموضوع ليكون أول عمل سينمائي عربي يقدمه بعد ستة أفلام أنتجها في الغرب وواحد من انتاج مشترك عربي – بريطاني، وكما هو متوقع، لم تكن خالية من المتاعب، منذ أن كان الفيلم لا يزال على الورق وقبل أن يشاهد النور. عن هذه العقبات والاشكاليات كان لنا معه هذا الحوار.
نزوى: قررت اللجنة الثقافية في مجلس الشعب المصري لأحد (8 شباط /فبراير) لعب دور الرقيب ومشاهدة النسخة قبل النهائية من فيلم "جمال عبدالناصر" الذي أقرت الرقابة المصرية السيناريو الخاص به قبل بدء تصويره منذ عام تقريبا، فما الذي يقف وراء مثل هذا القرار غير المسبوق.
أنور القوادري: وراء ذلك اشكاليات كثيرة واتهامات وشائعات لا أساس لها. القرار اتخذ بعد قيام نائب في مجلس الشعب المصري يدعى شوقي النجار برفع طلب احاطة الى اللجنة الثقافية في المجلس يشير فيه الى الاتهامات التي وجهت الى الفيلم على خلفية ما نشر في الصحف المصرية، كمثل اتهام الفيلم بالاساءة الى عبدالناصر، وبالتالي الى تاريخ مصر، وانني لقيت تمويلا مشبوها لانجازه، وهي كما ترين ادعاءات لا أساس لها. بالأمس فقط (الاثنين 9 شباط / فبراير) اضطررت الى تكذيب ادعاء على لسان نائبة في مجلس الشعب تدعى فايدة كامل انضمت الى النجار في اتهامها لي بتشويه صورة الزعيم المصري بادعاء أن الفيلم يتضمن مكالمة هاتفية بين عبدالناصر وبن جوريون، وهو ادعاء عار تماما من الصحة. كل ما يقدم يستند على شهادات الغير، وهي شهادات مبتورة. هناك للأسف حملة تشويه تستهدف هذا العمل لأنه يحاول تقديم رؤية موضوعية بعيدة عن التبجيل في هذا الرجل الذي حقق انجازات كبيرة للوطن العربي.
نزوى: لكن كيف تفسر الاتهامات نفسها وما هو مصدرها، وهل يعقل أن تلقي على عواهنها؟
أنور القوادري: أود في البداية أن أؤكد، أن ما دفعني الى انجاز فيلم عبدالناصر هو اعجابي بهذه الشخصية الفذة النادرة التي أثارت الكثير من الجدل. ان المشكلة تكن في رأيي في أن الفيلم الذي يتناول حياة عبدالناصر منذ دخوله المدرسة الحربية في 1935 وحتى وفاته في 1970، على خلفية الصراع العربي الاسرائيلي، ليس فيلما تبجيليا. فهو فيلم يختلف مثلا عن «ناصر 56» الذي أنتجه التليفزيون المصري عام 1996. انه فيلم عن عبدالناصر الزعيم والقائد، في قمة مجده وقوته وعبدالناصر الانسان فيما فيه من ضعف، في الوقت نفسه هذا الموضوع، اضافة الى كون الفيلم يفتح ملفات كثيرة هو الذي أثار كل هذه الحساسيات وجعله عرضة لوابل من الاتهامات لا أساس لها.
نزوى: لكنك تواجه بلا شك خصما قويا متمثلا في ابنة عبدالناصر الدكتورة هدى التي تدخلت لدى الرقابة المصرية لحذف مشاهد عدة من الفيلم قالت انها تشوه صورة والدها، اضافة الى برلنتي عبدالحميد، أرملة المشير عبدالحكيم عامر، الذي توفي مسموما في 14 أيلول / سبتمبر 1967.
أنور القوادري: هدى عبدالناصر وبرلنتي عبدالحميد ارادتا الحظر على المصادر التي استندت اليها، وفرض رقابة على السيناريو وعندما رفضت اتهمتاني بأني أتلقى تمويلا مشبوها وأقوم بالدعاية للاسرائيليين. هدى عبدالناصر وصلت الى حد تهديدي باستخدام نفوذها لمنعي من عرض الفيلم في مصر. والسبب، كما أوضحت سابقا، هو اعتراضها أساسا على تقديم فيلم روائي عن عبدالناصر، فيلم يثير جدلا وتساؤلات ويحاول أن يحسم بعض الأمور، كما يتضمن اجتهادات، مبنية على روايات معاصري عبدالناصر، من مؤيديه وخصومة. لكن اعتراض هدى عبدالناصر هو للأسف اعتراض على القشور.
نزوى: هدى عبدالناصر ترفض اجراء أي مقابلات صحفية تتمحور حول الفيلم في الوقت الحالي، لكن الصحف المصرية نقلت عنها اعتراضها على مشاهد تقول أنها مخالفة لسياق حياة والدها، كمثل موقفه من اليهودية، واصابته بالسكري، وما هي قصة البيجاما بالمناسبة ؟
القوادري: هدى عبدالناصر اعترفت على مشهد يظهر فيه عبدالناصر بالبيجاما. المشهد يدور ليلا عندما ينهض من سريره وينزل الى الصالون بسبب قلقه وانشغاله بصفقة الأسلحة السوفييتية التي ستصله في طريق تشيكوسلوفاكيا عام 1955، فهل يعقل أن ينهض من سريره ليرتدي بذلته الرسمية في منتصف الليل. اعترضت أيضا على قولي في الفيلم أن عبدالناصر كان يعاني من السكري بعد فشل مشروع الوحدة مع سوريا في 1961، معتبرة أن ذلك يعني ابراز نقطة ضعف عنده. أما مسألة موقفه من اليهود فهي أكثر ما استفز الدكتورة هدى عبدالناصر التي طلبت حذف مشهد لقائه بالضابط اليهودي يروهام كوهين عام 1948 عندما كان الجيش المصري محاصرا في الفالوجة وقول كوهين، الذي اكد انه احتفظ بذكرى جيدة عن عبدالناصر فيما بعد، أن «ناصر لا يكره اليهود لكنه ضد الصهيونية». هدى وعديد غيرها طالبوا بحذف هذه المشاهد لأنهم لا يريدون إثارة أي تأويلات حول موقف عبدالناصر من اليهود.
نزوى: لكن ما وجه اعتراض برلنتي عبدالحميد التي وجهت اتهام الأقسى اليك ؟
القوادري: الغريب والمضحك في الأمر أن تتفق برلنتي عبدالحميد وهدى عبدالناصر معا علي، وهذا يؤكد لي أنني على حق، كونهما تقفان على طرفي نقيض. إن القضية بالنسبة لبرلنتي عبدالحميد هي قصة تصفية حساب. برلنتي اعترضت على الفيلم برمته واتهمتني بأني تلقيت أموالا مشبوهة دون أن تقدم أي تفسير أو دليل على ما تقول. وانا أعتقد أن أكثر ما أثارها هو تبني الفيلم وجهة النظر الرسمية التي تقول إن المشير انتحر وهذا يخالف ما تقوله هي في مذكراتها التي تؤكد أن المشير قتل، وكذلك على اظهار خلافات عبدالناصر مع المشير واعترافه على زواجه منها كونها ممثلة.
نزوى: قلت إن الفيلم يحاول حسم بعض الأمور المهمة، ذكرت منها موقفه من اليهودية وعلاقته بالمشير عامر، فهل تعتقد أن هذا الموقف هو الذي أثار كل هذه الاتهامات والا تخاف أن يثير جدلا ويلقي في وجهك تهما جديدة بعد صدوره ان صدر سالما من مقص الرقيب ؟
القوادري: أنا لست خائفا من الجدل وكنت أتوقعه. فأنا لا أنكر ان الفيلم استفزازي، انه فيلم يستفز كل الأطراف لأنه يعيد فتح ملفات قديمة يريد كثيرون غلقها. لكن وان كنت لا أدعي أني أحطت بكامل شخصية عبدالناصر الا أني أحاول حسم أمور عدة أبرزها موقفه من اليهود، وعلاقته بالمشير، وعلاقته بالقضية الفلسطينية وبالتالي رؤيته للسلام في المنطقة، وقضية اغتياله في 1954.
نزوى: لماذا يقلقك ابراز موقف عبدالناصر من اليهود؟
القوادري: انه موضوع أردت أن أحسمه نظرا للدعاية التي نثرت في الغرب والتي استهدفت تشويه عبدالناصر باتهامه بالعداء للسامية عندما بدأ نجمه يسطع في المنطقة قبيل 1956. كان الغرب يطلق على عبدالناصر اسم «هتلر»، في وقت كانت لا تزال فيه محرقة اليهود ماثلة في الأذهان. وزير الخارجية البريطاني انطوني ايدن اطق عليه اسم «هتلر النيل» (هتلر أوف ذا نايل) واتهمه بمعاداة السامية، ليس ايدن وحده، بل الاعلام الغربي كله، حتى يحملوا الرأي العام على كرهه. لكن عبدالناصر لم يكن معاديا لليهود، عبدالناصر استقبل كتابا يهود امريكيين وأوروبيين في مصر والدكتورة هدى عبدالناصر نثرت كتابا تضمن صورا عن هذه اللقاءات التي تمت في أوج الصراع في 1965. هذا الموضوع أثار اعتراض كثيرين على الفيلم، لاعتقادهم بأنه يظهر عبدالناصر متعاطفا مع اليهود، لكن الفيلم يظهر عبدالناصر شخصا مسلما لا يكره اليهود ويتعامل مع اليهودية كديانة سماوية، لكنه يحارب الصهيونية. وهذا موضوع من المهم حسمه بالنسبة للرأي العام العالمي.
نزوى: تحدثت أيضا عن حادث اغتيال عبدالناصر وصراعه مع الاخوان المسلمين ؟
القوادري: أجل، الموضوع الثاني الذي يحسمه الفيلم هو محاولة اغتيال عبدالناصر في ساحة المنشية في 1954. هناك عدة اقاويل تقول إن الحادثة كانت تمثيلية مدبرة، لكن الفيلم يؤكد أن جماعة الاخوان كانوا يريدون السلطة وأرادوا اغتيال عبدالناصر، وان الحادثة لم تكن مدبرة وانما تمت فعلا. وهو أمر مهم جدا اذ أن الحادث ساهم في سطوع نجم عبدالناصر وتثبيت زعامته في مصر.
نزوى: الموضوع الأول موضوع يتعلق بالرأي العام العالمي والثاني بالرأي العام المصري لكن الموضوع الثالث على ما أعتقد أكثر الموضوعات وعورة في الفيلم، ألا وهو موقف عبدالناصر من السلام مع اسرائيل وموافقته على مبادرة روجرز.
القوادري: دعيني قبل الخوض في الموضوع أعرج مجددا على قضية المشير عامر، لأني أعتبرها من القضايا الأساسية التي حسمها الفيلم أيضا كونها لا تزال تثير جدلا. في العام الماضي طلب شقيق المشير الفريق حسن عامر إعادة فتح ملف القضية لكنه سرعان ما أقفل. الفيلم يؤكد أن المشير انتحر ولم يقتل على خلفية أنه لم يكن من الممكن لعبدالناصر أن يقتل صديق عمره مهما كانت الخلافات بينهما والمشير الذي كان قائدا للقوات المسلحة قرر الانتحار بسبب هزيمة 1967.
القضية الأخيرة هي القضية الفلسطينية وهي محور الفيلم، وعملية السلام. القضية الفلسطينية كانت قضية عبدالناصر، وفي القضية مشهد مهم لعبدالناصر مع عبداللطيف البغدادي، عضو مجلس قيادة الثورة، يشرح له أنه قبل مشروع روجرز (شباط /فبراير 1970) كخطوة تكتيكية لبناء حائط الصواريخ الذي عبرت بفضله القوات المصرية قناة السويس في 1973. قبول عبدالناصر للمشروع جعله يبدو وكأنه يتخلى عن الفلسطينيين. لكن عبدالناصر كان يحتاج لوقف إطلاق النار لأن الإسرائيليين كانوا يدمرون كل ما كان يبنيه. الفيلم هنا يؤكد أن عبدالناصر كان دائما مع اقامة سلام عادل وشامل، ويبرز كيف رفض بعد ستة أشهر من نكسة 1967 عرضا اسرائيليا لاعادة سيناء اليه، لأنه كان يعرف أن سيناء ستعود، لكن إعادة الأراضي العربية المحتلة أمر صعب. عبدالناصر كان اذن رجل سلام لكنا أراد سلاما عادلا وشاملا واعادة الأراضي العربية قبل المصرية.
نزوى: موافقته اذن لم تكن تكتيكية، وهو بذلك وافق على قرار 242 الذي قام عليه مشروع روجرز والذي يعني الاعتراف باسرائيل وهو الذي فجر أحداث الأردن على خلفية سياسية وعلى خلفية الضغط على العرب ؟
القوادري: الجانب العسكري كان مهما جدا بالنسبة لعبدالناصر، كان مطلوبا منه وقفا لاطلاق النار يتيح بناء حائط الصواريخ. وقرار 242 الذي وافق عيه عبدالناصر يقول انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة. عبدالناصر كان الوحيد الذي يمسك العصا من الوسط، وهو قال للفلسطينيين: أنا وافقت لكن أنتم رفضتم، وسنراه يقول لعرفات في الفيلم: أنا وافقت لأني احتاج الى ثلاثة شهور يا أبو عمار من أجل أن أبني حائط الصواريخ. والواقع أن ذلك ما كان سيتحقق لو لم يقم بذلك، الاسرائيليون ضربوا بحر البقر، ونجع حمادي، ضربوا في العمق المصري. وهم كانوا يدركون هدف عبدالناصر، والفيلم يؤكد ذلك على لسان موشيه دايان عندما يقول إنهم لم يتركوا فرصة له لتحقيق أي مكاسب على القناة. لذلك فإن مبادرة روجرز لقيت معارضة كبيرة في إسرائيل. لكن ارادة عبدالناصر وصلابته جعلته في النهاية يحقق هدفا ويمهد لعبور 1972.
نزوى: المعروف أن موافقة عبدالناصر على مشروع روجرز شكلت منعطفا في موقفه بعد لاءات الخرطوم في 1967؟
القوادري: البعض يعتبر ذلك بداية لعملية السلام. لكن المهم التأكيد أن عبدالناصر لم يستسلم اطلاقا، هو صاحب مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وهو الرافض لأي استسلام، والمطالب بسلام عادل وشامل، لأنه لم يكن يريد مزيدا من اراقة الدماء. ويجب الا ننس أن عبدالناصر كان بعد 1967 قائدا فذا تمكن من جمع شمل العرب، حتى أنه صحح خلافاته مع الملك فيصل نتيجة حرب اليمن (1963)، واستخرج اللاءات الثلاث، وكان أساسا لادخال سلاح البترول في المعركة القادمة.
نزوى: أرى أن تبرير أو تفسير موقف عبدالناصر من السلام يحتل حيزا رئيسيا في الفيلم ؟
القوادري: أفضل أن أقول أن القضية الفلسطينية تشكل فعلا رئيسيا من خطوط الفيلم لأنها كانت قضية عبدالناصر كما قلت، اضافة الى الوحدة العربية، وعدم الانحياز، وثورة 1952، وانهاء الاحتلال البريطاني، وافراج الاستعمار من مصر والمنطقة العربية. مشروع روجرز يحل حيزا مهما لعلاقته بأحداث أيلول الأسود، التي تدخل لانهائها واقرار المصالحة بين عرفات والملك حسين قبل وفاته بيوم واحد. الخط الثاني يركز على اتجاه عبدالناصر الى ايجاد حلول عربية للقضايا العربية وليس حلولا علمية، كما حصل في 1961 عندما تصدى لمحاولة عبدالكريم قاسم احتلال الكويت، وهي أزمة شبيهة لما حدث في 1990.
نزوى: عدا حادث المنشية وقضية المشير عامر، ألا يتطرق الفيلم الى سياسة عبدالناصر الداخلية؟
القوادري: الفيلم لا يتطرق الى الوضع الداخلي الا في مواضع قليلة. الفيلم ليس سيرة ذاتية، انه فيلم يعرض لهذه الشخصية الجدلية من وجهة نظر خاصة، وأنا اعتبره مليئا بحقول الألغام لأنه يبحث خلف الكواليس، ان فكرته شبيهة بفكرة فيلم «جي اف كي» لاوليفر ستون.
نزوى: تقول انه يمثل وجهة نظر خاصة لكن لابد أنك استندت الى مصادر معينة في وضع السيناريو؟
القوادري: السيناريو كتبته مع السيناريست البريطاني أريك ساندرن وهو يستند الى شهادات المؤرخين الذين عاصروا عبدالناصر سواء من المؤيدين له أو المعارضين، مثل عبداللطيف البغدادي، ومحمد حسنين هيكل وانطوني ناتنج مؤلف كتاب «ناصر» الذي هاجمه الاسرائيليون واتهموه بأنه صديق العرب، والفرنسي جان لا كاتور، وأمين هويدي، وعبدالرحمن الرافعي، والفريق فوزي عبدالله امام، ومصادر أخرى.
نزوى: قلت لي أن المونتاج أصبح في مراحله الأخيرة، فهل لنا بفكرة عن جهة تمويل الفيلم وكلفته ؟
القوادري: الفيلم من انتاج شركة «البطريق للانتاج » وهي شركة مصرية يملكها عادل الميهي ومحمود حميدة، أما كلفته فبلغت 5 ملايين جنيه (5ر1 مليون دولار) وهي ميزانية كبيرة قياسا بالافلام المصرية، ووجود ممثلين أجانب في الفيلم هو الذي رفع ميزانيته اضافة الى تكليف البريطاني سيمون بارك بوضع الموسيقى التصويرية واعداد الميكساج والطبع في بريطانيا.
نزوى: علمت أنك تستعد للمشاركة بالفيلم في مهرجان كان ؟
القوادري: أنا آمل الانتهاء من المونتاج في الموعد المحدد حتى أتمكن من ارسال نسخة من الفيلم الى لجنة اختيار الأفلام في المهرجان قبل نهاية شباط / فبراير. وآمل أن يشارك الفيلم في هذا المهرجان. ونحن نعد لعرضه لأول مرة في مصر في تموز / يوليو المقبل قبل عرضه في باقي الدول العربية والعالم.
نزوى: هل ستشارك بالفيلم ممثلا عن سوريا أم عن مصر؟
القوادري: الفيلم سيمثل مصر، فهو مصري الانتاج وان كانت أبعاده تتخطى الحدود الوطنية وحتى الاقليمية، انه فيلم تتداخل فيه عناصر كثيرة، وأنا سعيت لأن يكون شاملا ومتعدد الأقطاب رغم تمحوره حول عبدالناصر. فأنا حاولت أن أعيد وضع عبدالناصر في إطار موضوعي عربي واقليمي وعالمي.
نزوى: هناك تساؤلات كثيرة برزت حول اعتمادك في الفيلم على وجوه جديدة أفلا تعتبر ذلك مجازفة؟
القوادري: صحيح أنني أعتمد على وجوه جديدة، لكن ذلك تم بعد وقت طويل من البحث. وأنا لم أتردد في تغيير أي ممثل عندما كنت أجد بديلا أفضل. الكاتب والممثل المسرحي خالد الصاوي الذي يقوم بدور عبدالناصر، هو وجه سينمائي جديد، لكني لا أعتبر اختياره مجازفة لا بل اعتبره اكتشافا مذهلا، لأنه في رأيي أفضل من كان يمكن أن يلعب هذا الدور، وهذا ينطلق على باقي الممثلين مثل هشام سليم في دور عبدالحكيم عامر، وعبلة كامل في دور تحية زوجة عبدالناصر، وجميل راتب في دور محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية بعد الثورة، وطلعت زين في دور أنور السادات. كنت حريصا كما ترين على تنويع خياراتي فاخترت بشار اسماعيل من سوريا للعب دور ياسر عرفات، وابراهيم الصلال من الكويت للعب دور أمير الكويت صباح سالم الصباح، ووليد القوتلي للعب دور شكري القوتلي. أما الشخصيات الأجنبية فاسندتها الى ممثلين أجانب أبرزهم بيتر بيريل، وجون اتربوري، وجورجينا هيل وستيوارت رينر في أدوار ديفيد بن جوريون، وموشيه دايان وانطوني ايدن وزوجته.
نزوى: هل لنا أن ندع الفيلم قليلا للحديث عن موضوع أشمل، هو رويتك للسينما العربية بشكل عام ؟
القوادري: الحقيقة أنا متفائل بمستقبل السينما العربية لاسيما بوجود مخرجين شبان مثل أسامة فوزي الذي أخرج «عفاريت الأسفلت» ويعد حاليا فيلما عالي المستوى هو "جنة الشياطين"، ومجدي أحمد علي الذي أخرج "يا دنيا يا غرامي" ورضوان الكاشف (ليه يا بنفسج، وعرق البلح) في مصر، وفي سوريا محمد ملص، وريمون بطرس، وفي تونس نوري بوزيد.
هناك انطلاقة جدية ضمن كم الافلام التجارية وأنا لست ضد الأفلام التجارية، لكني ضد تقديم فيلم ذي مستوى فني ضعيف، أنا ضد السلق الذي دمر السينما المصرية وسبب لها أزمة، وفما الاهمال التقني للصوت والصورة الذي دفع الممثلين للاتجاه الى التليفزيون. مرحلة الثمانينات وظاهرة أفلام المقاولات المعدة للاستهلاك من قبل الحرفيين في مصر وأسواق الخليج سخرت السينما لانتاج أفلام الفيديو، ما أدى الى اهمال انتاج أفلام للشاشة الكبيرة. لذلك فالجيل الشاب مهمته صعبة، وما يدعو الى التفاؤل أن الجمهور بدأ يعود الى السينما العربية مع السينما الجادة والمثال نجاح "يا دنيا يا غرامي" و "عفاريت الأسفلت". ومع عدم نسيان يوسف شاهين، أتمنى عودة مخرجين مثل محمد خان، وداوود عبدالسيد، هناك شركات جديدة تأسست ودم جديد، وأنا متفائل ان شاء الله.
نزوى: شهدنا خلال الأشهر الأخيرة ظاهرة غريبة تمثلت فى تحقيق فيلم "اساعيلية رايح جاي" لضياء عبدالكريم نجاحا كبيرا كادت السينما المصرية تنساه، فرغم تدني المستوى الفني للفيلم، لا يزال يعرض ويحقق ايرادات منذ ستة أشهر، فكيف تفسر ذلك؟
القوادري: هذه الظاهرة ليست جديدة وهي موجودة في الغرب، هناك أفلام سخيفة لارنولد شوارزينجر حقتت ايرادات مهولة، وأفلام جيدة تفشل. "اسماعيلية رايح جاي" يشكل حالة خاصة. الفيلم نجح بفضل أغنية "كمننا" (كلمة مبتكرة لا تعي شيئا لكنها ترمز الى امتلاك السيارة والفيلا والمرأة الجميلة). الأغنية كانت دعاية ناجحة للفيلم، ونجاح أي فيلم يعتمد كثيرا على الدعاية والتسويق، وهذا جزء من العملية كلها.
نزوى: لكن الفيلم تجاوز "المصير" ليسوف شاهين وبتعبير آخر "ازاحه" عندما عرضا في الوقت نفسه الصيف الماضي؟
القوادري: هو تجاوز فيلم "المصير" لأنه موجه الى طبقة الحرفيين الذين ذكرتهم، إن الجمهور المصري يعتبر يوسف شاهين «خواجة» (تعبير مصري يطق على الأجانب) ويعتبر أفلامه صعبة، الطبقات الشعبية لا تفهم أفلامه، لكننا لا نستطيع أن نقول إن الفيلم لم يحقق نجاحا.
نزوى: هل يعني هذا أن على المخرجين أن ينزلوا الى مستوى فهم الجمهور أم أنه يفترض بهم أن يرتقوا بذوقه ؟
القوادري: هنا دخلت المعادلة الصعبة، المخرج حسن الامام مثلا حقق ذلك في فيلم «خلي باك من زوزو»، لا نستطيع أن نقول إن هذا الفيلم كان تافها، كان أعلى فنيا بكثير من "اسماعيلية رايح جاي" وكان تجاريا وحقق نجاحا كبيرا. كريم ضياء الدين بنفسه قال انه كان لم يكن يتوقع كل هذا النجاح لفيلمه، وهذا لن يحدث مرة ثانية، وليس مقياسا. فيلم "جمال عبدالناصر" هو محك مهم جدا في هذا المجال، لأنه يتوجه الى جمهور واسع، انه موجه الى غير المثقفين الذين يشكلون أكثر من 80 في المئة من جمهور السينما، كما يقدم مستوى فنيا عاليا، ويطرح قضايا جادة. أتمنى أن أكون حققت المعادلة الصعبة من خلاله لأني أخاطب جميع الفئات، المثقفين وغير المثقفين، من يطلب تسلية سيجد فيه حدوتة، كما يقول المصريون ومن يريد فتح ملفات كبيرة للنقاش سيجد غايته.
هذه المعادلة تفتقدها السينما العربية وأتمنى أن يبقى المخرجون الجدد عينهم على شباك التذاكر عندما يفكرون بالقضايا الجدية، الفيلم التجاري ليس عيبا، لأن السينما مكلفة، ويجب أن يحقق الفيلم أرباحا. لكن كما قلت إنها معادلة صعبة تمكنوا من تحقيقها في هوليوود وفي أوروبا، والنجاح التجاري ليس ذما، مع الحفاظ على مستوى فني عال. أما أن ننتج أفلاما لفئة تمثل 2 أو 3 في المئة من الجمهور فإن هذا يعني الفشل التام.
نزوى: ان هاجس النجاح التجاري دفع كثيرين أخيرا الى الاتجاه الى سينما الحركة على طريقة الأفلام الغربية ؟
القوادري: تقليد أفلام الغرب، يحتاج الى امكانيات هائلة، من الخطأ محاولة تقليد الأفلام الامريكية التي تصرف لها ميزانيات ضخمة، طرق هذا الباب خطأ، ويمكن تعويضه بعنصر التشويق، لكي يصبح الموضوع أو الفكرة هي البطل وليس الحركة. الأفلام الامريكية موضوعها ليس البطل وانما الحركة. فيلما «عيش الغراب» (نور الشريف) و«الرجل الثالث» (أحمد زكي) فشلا تجاريا وفنيا لأنهما حاولا تقليد الطريقة الامريكية. الافلام الامريكية متوافرة فكيف ننافسها وهي متوافرة للجمهور.
نزوى: لكن هذه الأفلام اعتمدت بشكل كبير على العنصر الوطني، كما في "عيش الغراب" ومنع اسرائيل من من الاستيلاء على "البلوتونيوم" وفي "الرجل الثالث" الذي يروي قصة بطل من حرب أكتوبر، وفيلم نادية الجندي "48 ساعة في اسرائيل" وعادل امام "رسالة الى الوالي" الذي يوجه من خلاله رسالة مباشرة الى الرئيس المصري يحذره من العدو الذي يتربص الوطن.
القوادري: أجل العنصر الوطني يلعب دورا مهما في السينما المصرية لجذب الجمهور لاسيما من الشباب. لكن نادية الجندي لها جمهورها، ووجودها في الفيلم يشكل ضمانة لتغطي تكاليفه، وان كان يؤخذ عليه تدني مستواه الفني. والأمر نفسه ينطبق على عادل أمام كنجم شباك. ويجب الا نظلم عادل امام فهو قدم أفلاما عالجت قضايا جدية مثل "الارهاب والكباب"، في "رسالة الى الوالي" القضية ضائعة بسبب المعالجة الفنية الضعيفة، لبسيوني عثمان، الذي كتب أيضا «48ساعة في اسرائيل» (الفيلمان من اخراج نادر جلال، وهما حققا أعلى الايرادات خلال عرضهما في أيام عيد الفطر الثلاثة).
نزوى: عودة الى "جمال عبدالناصر" هل تستطيع أن تلخص ما يشكله هذا الفيلم بالنسبة لك ؟
القوادري: انه يشكل أول انطلاقة عربية – عالمية بعد سبعة أفلام انتجتها في بريطانيا منذ تخرجي في الاكاديمية البريطانية لسينما عام 1978. والفيلم قمة طموحي، كان حلما كبيرا عشته منذ أكثر من عشر سنوات، ووضعت فيه كل طاقتي ليظهر في صورة متميزة.
نبذة عن أنور القوادري:
ولد أنور القوادري في دمشق في العام 1953، أنهى دراسته الثانوية في مدرسة سوق الغرب في لبنان سنة 1970، ثم سانو الى لندن حيث درس فن الاخراج في الأكاديمية المركزية للعلوم السينمائية والدرامية وتخرج في 1978 حيث فاز فيلمه الأولى «بولينا» بجائزة مهرجان شيكاغو السينمائي. اخرج القوادري بعدها ستة افلام هي «لوف وذ ستارز» (حب مع الابراج) عـام 1980، و«يتنج روم » (غرفة الانتظار) عام 1981 الذي يتحدث عن الحرب الباردة في 1983، و"كلوديا" المأخوذ من فيلم «موعد على العشاء» لمحمد خان في 1985، و"امباير ستيت" عام 1987، و"آوت أوف تايم" (خارج الزمن) في عام 1990، وهو عضو الاكاديمية البريطانية للسينما، وعضو نقابة السينمائيين البريطانيين ونقابة المخربين البريطانية، ونقابة الفنانين السوريين.
حاورته في القاهرة صفاء كنج (كاتبة من لبنان)