في شهر أبريل من العام الجاري رحل عن هذا العالم الكاتب والصحفي والشاعر الأورغوايي إدواردو غاليانو، أحد أبرز الوجوه في عالم الصحافة والأدب في أمريكا اللاتينية، ولد إدواردو غاليانو في الثالث من سبتمبر من عام 1940 في مونتفيديو، في أسرة ميسورة من أصول إسبانية إيطالية من جهة أمه وألمانية غالية من ناحية الأب. قبل أن يصير اسمه مكرسا في عالم الصحافة والأدب، وخلال مرحلة الشباب اشتغل إدواردو غاليانو عاملا في مصنع ورساما وناقل بعثيات وكاتبا عموميا وموظفا بالبنك… كما مارس العديد من المهن الأخرى..
بدأ عمله كصحفي مع بدايات 1960 حينما أصدر صحيفة أسبوعية مؤثرة في المشهد السياسي العام هي جريدة «مارشا» أي مسيرة، وقد حظيت هذه الصحيفة بتعاون أسماء بارزة في عالم الأدب في أمريكا اللاتينية من قبيل ماريو بارغاس يوصا الكاتب والروائي البيروفي، وماريو بينديتي الشاعر والقاص والروائي الأورغوايي، وروبيرطو فيرنانديث ريطامار الشاعر الكوبي، والكاتب البورتوريكي مانويل مالدونادو دينيس، وبعد جريدة «مارشا» الأسبوعية، سينشر يومية «إيبوكا» أي «مرحلة» التي سيتواصل صدورها على امتداد سنتين..
ويعتبر غاليانو بالإضافة إلى اهتماماته بالشأن السياسي في أمريكا اللاتينية، إذ أصدر أحد أهم الكتب التحليلية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأمريكا اللاتينية على مدى تاريخها كقارة منذ الاكتشاف وحتى وقتنا الراهن، فكتابه «الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية» يعتبر بحق إعادة قراءة نقدية لتاريخ هذه القارة أو كما يقول البعض كشفا بالأشعة عن حالة أمريكا اللاتينية، فإن اهتمامه بالشأن الإبداعي لا يقل عن اهتمامه بالتحليلات السياسية عبر الكتابات الصحفية، لأنه كتب نصوصا إبداعية أدبية تستعصي على التصنيف لأنها تتجاوز حدود التصنيف، إذ يصنف بعضها على أنه شعر والآخر على أنه قصة أو مقالة، لكن من أهم ما كتبه إدواردو غاليانو: كتاب العناقات» الذي يجمع بين نصوص سردية وشعرية، و«أغنيتنا» التي يعتبرها النقاد رواية عن المنفى والديكتاتورية في الأورغواي، وثلاثيته الشهيرة «ذاكرة النار» التي يستعيد فيها تاريخ قارة أمريكا اللاتينية عبر سرد يمزج فيه بين التاريخي والمتخيل في نثر يقترب أحيانا من تخوم الشعر، وقد عنون الأجزاء الثلاثة كالتالي: «الولادات: من خلق العالم حتى القرن السابع عشر»، «الوجوه والأقنعة: القرنان الثامن عشر والتاسع عشر»، و«قرن الريح: القرن العشرون»، وقد نالت هذه الرواية احتفاء كبيرا ففازت بجائزة وزارة الثقافة في الأورغواي وبجائزة الكتاب الأمريكي التي تمنحها جامعة واشنطن.
ويعتبر غاليانو أيضا من عشاق كرة القدم المهتمين بها في بلاده وخارجها فهو من مناصري نادي ناسيونال الأروغوايي مثله في ذلك مثل صديقه ومواطنه الشاعر ماريو بينيديتي، وقد كتب عن كرة القدم كتابين أحدهما عنونه بـ: «كرة القدم تحت الشمس و في الظل»، والثاني عنونه بـ: «صاحبة الجلالة: كرة القدم».
إدواردو غاليانو الالتزام السياسي وتجربة المنفى:
في السابع والعشرين من يونيو1973، عرفت الأورغواي انقلابا عسكريا أدى إلى تحالف بين المؤسسات العسكرية ورئيس الجمهورية الذي أرغم على إعلان حل الغرفتين المنتخبتين مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وتشكيل مجلس للدولة بالتعيين ليقوم مقام المؤسسات الدستورية المنتخبة، وبما أن الدكتاتورية فرضت سلطتها على الشعب الأورغوايي بقوة السلاح والاعتقالات فقد كان طبيعيا أن ينتهي إدواردو غاليانو وماريو بينيديتي وغيرهما من المثقفين والمبدعين والكتاب المحسوبين على اليسار في السجن قبل أن يتم ترحيلهم قسرا بعيدا عن الأورغواي، وهكذا أقام غاليانو لمدة في الأرجنتين، وتم بعد ذلك منع تداول كتابه «الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية» من طرف الأنظمة الدكتاتورية العسكرية في كل من الأورغواي والأرجنتين والشيلي، وفي منفاه الأرجنتيني أسس مجلة ثقافية سماها: « كرسيس» أي «أزمة»، وفي سنة 1976 وأمام إحساسه بالخطر المداهم لحياته إثر صعود الدكتاتورية العسكرية بالأرجنتين رحل إلى إسبانيا، وفي إسبانيا سيشرع في كتابة ثلاثيته الشهيرة «ذاكرة النار» التي ستصدر سنة 1984، ومع بدايات 1985 سيعود إدواردو غاليانو إلى مونتيفديو، وبتعاون مع ماريو بينيديتي وهوغو ألبارو وعدد آخر من الكتاب والصحفيين الذين كانوا ينتمون إلى جريدة الأسبوعية «مارشا»، سيؤسس جريدة أسبوعية جديدة «بريشا» أي «ثلمة»، وقد بقي عضوا في مجلسها المساعد حتى وفاته. وبين 1987 و 1989 أصبح عضوا في «المجلس الوطني المساند للاستفتاء» الذي تم تشكيله لإلغاء «قانون انتهاء صلاحية النية العقابية للدولة» الذي تم وضعه في دجنبر 1986 لمنع محاكمة المتورطين في الجرائم المقترفة إبان الدكتاتورية العسكرية في الأورغواي ما بين 1973‑1985، وفي سنة 1999 حصل غاليانو في الولايات المتحدة الأمريكية على جائزة الحرية الثقافية من مؤسسة لانا، وكان قد حصل من قبل وخلال مناسبتين على جائزة الأمريكيين في كوبا: في 1975 عن روايته» أغنيتنا»، وفي 1978 عن كتابه: «أيام وليالي الحب والحرب»، وهو عبارة عن يوميات يحكي فيها السارد معيش صحفي في بلد يرزح تحت القبضة الحديدية للسلطة العسكرية في الأورغواي والأرجنتين، في مرحلة فظيعة تتميز بالعنف ضد كل المعارضين والمختلفين الذين يجدون أنفسهم عرضة للاختطافات وللاختفاءات القسرية وأحيانا بالخطإ، لكن الكاتب يحكي أيضا عن الحب والصداقة والأبناء والطبيعة وكل الأشياء التي تغدو محفزا للمقاومة وللحياة وللدفاع عن فكرة ما أو لرفع المرء لصوته ضد من يعملون على نشر الرعب في عتمة حرب قذرة وقاسية ضد الاختلاف وضد من ينشدون الحرية.
في سنة 2004 ساند غاليانو فوز تحالف الجبهة الموسعة اليسارية بقيادة طاباري باثكيث الذي سينتخب رئيسا للجمهورية، وسيعاد انتخابه لمدة ثانية بعد ذلك، و في سنة 2005 وبصحبة مثقفين أساسيين من اليسار مثل: أدولفو بيريث إسكييل الكاتب والفنان والنحات الأرجنتيني الحاصل على جائزة نوبل، والشاعر النيكاراغوايي إرنيستو كاردينال، والكاتب الباكستاني طارق علي، والمؤرخ ورئيس تحرير جريدة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية إغناسيو رامونيط، والكاتب السينمائي والعالم السياسي الأمريكي ساوول لانداو، التحق بالقناة تيلي سور الأمريكية لاتينية بفنزويلا وهي القناة التي مولتها حكومات كل من الأرجنتين، بوليفيا، كوبا، الإكوادور، نيكاراغوا، الأروغواي وفنزويلا، وقد ارتبطت هذه القناة باتفاقية تعاون مع قناة «الجزيرة» القناة العربية التي تبث من قطر، ومع قنوات أخرى مثل الـ:بي بي سي البريطانية والتلفزة الصينية والقناة الإيرانية إيريب، كما واصل غاليانو الكتابة ونشر مقالاته بشكل منتظم في جريدة « لاخورنادا» المكسيكية، وفي يناير من 2006 التحق بالوجوه العالمية المعروفة في عالم الأدب والفن للمطالبة باستقلال بورتوريكو عن الولايات المتحدة الأمريكية ومن بين هذه الوجوه التي دافعت عن فكرة المطالبة بسيادة بورتوريكو مع غاليانو: الروائي والشاعر الأورغوايي ماريو بينديتي والروائي الأرجنتيني إرنستو ساباتو والشاعر البرازيلي كارلوس مونسيفايس والشاعر والروائي الكوبي بابلو أرماندو فيرنانديث والشاعر والروائي الإكواتوري خورخي إنريكي أدوم والروائية والقاصة البورتوريكية مايرا مانطيرو والكاتبة والقاصة البورتوريكية أنا ليديا بيغا والمؤلف الموسيقي والمغني الكوبي بابلو ميلانيس، لم يكتفوا فقط بالمطالبة باستقلال وإعلان سيادة بورتوريكو، بل وقعوا على إعلان استقلال البلاد عن الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي فبراير من عام 2007 اجتاز إدواردو غاليانو مرحلة صحية صعبة بعد عملية جراحية لعلاج سرطان الرئة… وبعد نجاح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية صرح غاليانو قائلا: «البيت الأبيض بني من طرف عبيد سود وأود و أتمنى ألا ينسى هو أبدا ذلك»، و في أبريل من عام 2009 قدم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيث نسخة من كتاب «الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية» للرئيس الأمريكي أوباما خلال انعقاد القمة الخامسة للأمريكيين في بورتو إسبانيا في ترينيداد و طوباغو، مما أحدث عملية رواج قياسي للكاتب في ساعات قليلة على الإنترنيت، وحينما سئل الكاتب عن الحادث أجاب: « لا أوباما ولا شافيث قادران على فهم النص […] هو[شافيث] سلم الكتاب لأوباما بأفضل ما في العالم من نوايا حسنة، لكنه أهدى لأوباما كتابا مكتوبا بلغة لا يعرفها، وإذن فإن هذه الحركة كانت كريمة من شافيث لكنها قاسية شيئا ما…». وفي مايو من نفس السنة وخلال حوار أجري معه صرح: «ليست الولايات المتحدة الأمريكية وحدها التي زرعت الديكتاتوريات في العالم بل هنالك أيضا بعض الدول الأوربية، ومع ذلك فهم يحسون كما لو أنهم وحدهم القادرون على تعليم الآخرين ما هي الديمقراطية».
توفي إدواردو غاليانو في الثالث عشر من أبريل من هذه السنة بسبب سرطان في الرئة في مسقط رأسه مونتفيديو بالأروغواي، وخلف العديد من المؤلفات في مجال المقالة الصحفية والقصة والشعر والرواية واليوميات، كما ترك العديد من الجمل والعبارات المسكوكة التي تتردد على لسان كثير من سكان أمريكا اللاتينية وغيرهم ستظل خالدة يتفوه بها هذا وذاك، كما نال العديد من الجوائز اعترافا بإسهاماته الإبداعية و غير الإبداعية، ومن الجوائز والتشريفات التي نالها:
1- جائزة بيت الأمريكتين في مناسبتين: 1975 و1978 بكوبا الأولى عن روايته «أغنيتنا» والثانية عن يومياته: «أيام وليالي الحب والحرب»
1- جائزة ألوا للناشرين الدانماركيين 1993
2- الجائزة الوطنية التي تمنحها وزارة الثقافة في الإورغواي 1998
3- جائزة الكتاب الأمريكي (American Book Award) التي تمنحها جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية 1998
4- جائزة الحرية الثقافية لمؤسسة لانان 1999 بسانطافي في الولايات المتحدة الأمريكية
5- جائزة أصدقاء ستيغ داغرمان الأدبي 2010 بالسويد الذي يعتبر جائزة نوبل للتمرد.
6- جائزة خوسيه ماريا أرغيداس للسرد 2011 عن مجموعته «مرايا» حكاية شبه كونية.
7_ جائزة ديودرو روكا التي تمنحها الفيدرالية الجامعية لبوينوس أيريس لكونه قدوة ومثالا بالنسبة للشباب الأمريكي اللاتيني.
8- جائزة ألبا للآداب والفنون 2012.
كما تم في مناسبات عديدة منح إدواردو غاليانو الدكتوراه الفخرية في العديد من الجامعات في أمريكا اللاتينية،
– الدكتوراه الفخرية من جامعة لاهافانا 2001.
– الدكتوراه الفخرية من جامعة السلفادور 2005.
– الدكتوراه الفخرية من جامعة فيراكروث بالمكسيك 2007.
– الدكتوراه الفخرية من الجامعة الوطنية لقرطبة بالأرجنتين 2008.
– الدكتوراه الفخرية من جامعة غوادالاخارا بالمكسيك 2013.
من أقوال إدواردو غاليانو المأثورة:
عن التغيير: نحن في نهاية المطاف، ما نفعله لنغير ما نحن عليه»
عن الضفاف: «أنا أنام على ضفة امرأة: أنا أنام على ضفة الهاوية»
عن الإدانة: «القانون الأخلاقي لنهاية الألفية لا يدين الظلم بل يدين الإخفاق»
عن أمريكا اللاتينية: «تاريخ أمريكا اللاتينية هو تاريخ نهب الموارد الطبيعية»
عن الغد: «ثمة مكان وحيد حيث يلتقي الأمس واليوم ويتعارفان ويتعانقان، ذاك المكان هو الغد»
عن قائد الفرقة: « أُنظر أيها الفتى، لو ولد بيتهوفن في تاكْوَارِيمْبُو لصار قائد فرقة القرية»
عن التضامن: « الإحسان مذل لأنه يمارس عموديا ومن أعلى، التضامن أفقي ويقتضي ضمنيا احتراما متبادلا»
عن اليوم: «أظن أننا ولدنا أبناء للأيام لأن كل يوم له حكايته، ونحن خلاصة الحكايات التي نحياها»
عن السياسة: «كلمة سياسة أصابها التلف الشديد من كثرة اللمس حتى صارت تعني كل شيء ولا تعني أي شيء، وإذن فأنا لا أثق كثيرا في البطاقة السياسية»
عن العمر: «أنفصل عن العناق، أخرج للشارع. في السماء يرْتَسِمُ القمر مضيئا دقيقا. للقمر ليلتان من العمر وأنا لي ليلة واحدة»
من أهم أعمال إدواردو غاليانو:
– الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية
– اكتشاف أمريكا بعد لم يتحقق وكتابات أخرى
– نحن نقول لا.
– مقلوب رأسا على عقب: مدرسة العالم بالمقلوب.
– رسالة إلى السيد الآتي.
– صاحبة الجلالة كرة القدم.
– كرة القدم تحت الشمس و في الظل
– أبناء الأيام.
– أفواه الزمن.
– الكلمات السائرة.
– المتسكع عبر العالم
– أغنيتنا
– أيام وليالي الحب والحرب
– ذاكرة النار (في ثلاثة أجزاء)
– كتاب العناقات
– مرايا
– نوافذ
– حكايات عشق
– نساء
و العديد من الكتب الأخرى…
نصوص شعرية لإدواردو غاليانو
من خوفنا
من خوفنا
تولد شجاعتنا
ومن ريبتنا
يحيا يقيننا.
تعلن الأحلام
واقعا ممكنا آخر
والهذياناتُ داعيا آخر.
في مسارات الضَّلالِ
تنْتَظِرُنا اكتشافات،
فلكي يعثر المرء على نفسه ثانية
يجب عليه أن يتيه.
يوم الاكتشاف (12 أكتوبر)
في سنة 1492 اكتشف السكان الأصليون أنهم هنود حمر،
واكتشفوا أنهم يعيشون في أمريكا،
اكتشفوا أنهم عراة
واكتشفوا أن الخطيئة موجودة،
واكتشفوا أن الطاعة واجبة عليهم تجاه ملك وملكة من عالم آخر
وإله من سماء أخرى،
وأن ذلك الإله قد خلق الخطيئة واللباسَ
وأنه أمرَ أن يُحْرَقَ حَيّاً كلُّ من يعبُدُ الشمسَ
والقمرَ والأرْضَ والمطرَ الذي يُبَلِّلُهَا.
يوم المُختفين (30 غشت)
مُخْتفُون:
الموتى بلا قبورٍ،
والقبُورُ بلا أسماءٍ،
النساءُ والرجالُ الذين ابتلعهم الرُّعْبُ،
والرُّضَّعُ الذين هُمْ غَنِيمَة حَرْبٍ أو كانوا غَنِيمَة حَرْبٍ.
وأيضاً:
الغاباتُ الأصليَّةُ،
والنُّجُومُ في ليالي المُدُنِ،
عبْقُ الأزْهارِ
وطَعْمُ الثِّمارِ،
الرَّسائلُ التي خَطَّتْها اليَدُ،
المقاهي العتيقة حيثُ كانَ هنالك وقتٌ لإضاعةِ الوقتِ،
كُرةُ القَدَمِ في الشَّارِعِ.
الحَقُّ في المشْيِ
والحَقُّ في التَّنَفُّسِ،
المِهَنُ المَأمُونَةُ،
والمَعَاشَاتُ المضْمُونَةُ،
البيوتُ بلا قُضْبَانٍ
والأبْوَابُ بِلا أقفالٍ،
الإحْساسُ الجماعِيُّ
وَالحِسُّ المُشْتَرَكُ.
يَوْمُ الخِدْمَةِ المَنْزليَّةِ (30 مارس)
مَارُوخَا ليسَ لها عُمْرٌ.
عنْ أعْوامِها السَّابِقَةِ لا تَحْكِي شَيْئاً، وَمِنْ أعْوَامِهَا
اللاحِقَةِ لا تَنْتَظِرُ شَيْئاً.
هِيَ لَمْ تَكُنْ لا جمِيلَةً ولا بَشِعَةً ولا بيْنَ بَيْن.
كَانَتْ تَمْشِي وَهِيَ تُجَرْجِرُ قَدَمَيْهَا ممْسِكَةً بِالمِنْفَضَةِ الرِّيشِ
أوِ المِكْنَسَةِ أوِ المغْرَفَةِ.
مُتَيَقِّظَةً كَانَتْ تغْمُرُ رأسَهَا بينَ الكَتِفَيْنِ.
وَنائِمَةً كَانَتْ تُغْرِقُ رَأْسَهَا بيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ.
حِينَمَا يُحَدِّثُونَهَا تَنْظُرُ إلَى الأرْضِ
مِثْلَ مَنْ يَعُدُّ النَّمْلَ.
اِشْتَغَلَتْ فِي بُيُوتٍ الآخَرِينَ مُنْذُ صَارَتْ لَهَا ذَاكِرَةٌ.
لَمْ تُغَادِرْ قَطُّ مَدِينَةَ لِيمَا،
تَنَقَّلَتْ كَثِيرأً مِنْ بَيْتٍ لِبَيْتٍ لَكِنَّهَا لَمْ تَعْثُرْ
قَطُّ عَلَى ذَاتِهَا فِي أيِّ بَيْتٍ،
أخِيراً عَثَرَتْ عَلَى مَكَانٍ حَيْثُ تَمَّتْ مُعَامَلَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ إنْسَاناً
لَكِنَّها بَعْدَ أيَّامٍ قَلِيلَةٍ غَادَرَتْهُ
لِأنَّهَا بَدَأَتْ تتَعَلَّقُ بِحُبِّهِ.
الحَقُّ فِي الهَذَيَانِ
مَاذا لوْ هَذَيْنَا لِهُنَيْهَةٍ؟
ماذَا لوْ سَمَّرْنَا عُيُونَنَا أبْعَدَ مِنَ العَارِ
لِنَتَكَهَّنَ بِعَالَمٍ آخَرَ مُمْكِنٍ؟
سَيَكُونُ الهَوَاءُ نَقِيّاً مِنْ كُلِّ السُّمُومِ
الَّتِي لا تَنْشَاُ عَنْ مَخَاوِفِ الإنْسَانِ
وعَنِ الأهْوَاءِ الإنْسَانِيَّةِ.
فِي الشَّوَارِعِ
السَّيَّارَاتُ سَتَسْحَقُهَا الكِلابُ
والنَّاسُ لَنْ تَقُودَهَا السَّيَّاراتُ،
ولنْ تُبَرْمِجَهَا الحَوَاسِيبُ،
وَلَنْ تَشْتَرِيَهَا أسْوَاقُ السُّوبِرْمَارْكِتْ،
وأيْضاً لنْ يُشَاهِدَهَا التِّلْفَازُ،
فَالتِّلْفَازُ سَيَكُفُّ عَنْ أنْ يَكُونَ أهَمَّ أفْرَادِ الأسْرَةِ
وَسَيُعَامَلُ مِثْلَ المِكْوَاةِ أوِ الغَسَّالَةِ.
سَتُضَمَّنُ بِقَانُونِ الجِنَايَاتِ جَرِيمَةُ البَلادَةِ
التِي يَقْتَرِفُهَا أولَئِكَ الذِينَ يَعِيشُونَ لِلتَّمَلُّكِ أوْ للرِّبْحِ
عِوَضَ أنْ يَعِيشُوا لأجْلِ العَيْشِ فَقَطْ
مِثْلَمَا يُغَنِّي الطَّائِرُ دُونَ أنْ يَدْرِي أنَّهُ يُغَنِّي
وَمِثْلَمَا يَلْعَبُ الطِّفْلُ دُونَ أنْ يَدْرِي أنَّهُ يَلْعَبُ.
وَلَنْ يَصِيرَ سُجَنَاءَ في أيِّ بَلَدٍ فِتْيَانٌ
يَرْفُضُونَ أدَاءَ الخِدْمَةِ العَسْكَرِيَّةِ
بَلْ سيَصِيرُ أولئِكَ الذِينَ يرْغَبُونَ في أدَائِهَا.
ولا أحَدَ سَيَعِيشُ لكَي يعْمَلَ
لَكِنَّنَا سَنَعْمَلُ جَمِيعاً لِكَيْ نَعِيشَ.
وَلَنْ يُسَمِّيَ الاقْتِصَادِيُّونَ مُسْتَوَى الاسْتِهْلاكِ
«مُسْتَوىً مَعِيشِيّاً»،
كَما لَنْ يُسَمُّوا عَدَدَ الأشْيَاءِ المُتَمَلَّكَةِ
جَوْدَةَ حَيَاةٍ،
وَلَنْ يَعْتَقِدَ الطَّبَّاخُونَ أنَّ الكَرْكَنْدَ
يَرُوقُ لَهُ أنْ يَتِمَّ غَلْيُهُ حَيّاً.
وَلَنْ يَعْتَقِدَ المُؤَرِّخُونَ أنَّ البُلْدَانَ
يَرُوقُهَا أنْ يَتِمَّ غَزْوُهَا،
وَلَنْ يَعْتَقِدَ السِّيَّاسِيُّونَ أنَّ الفُقَرَاءَ
يَرُوقُ لَهُمْ أنْ يَلْتَهِمُوا الوُعُودَ،
سَيَكُفُّ الاحْتِفَالُ عنْ أنْ يَكُونَ فَضِيلَةً
ولا أحَدَ، لا أحَدَ سَيُعَامِلُ بِجِدٍّ أحَدأً
لا يكُونُ قَادِراً عَلى أنْ يَسْخَرَ مِنْ ذَاتِهِ.
سيَفْقِدُ المَوْتُ وَالمَالُ سُلْطَتَهُمَا السِّحْرِيَّةَ
ولَنْ يَتَحَوَّلَ النَّذْلُ
لا بِسَببِ الوَفَاةِ ولا بِسَببِ الثَّرْوَةِ إلَى سَيِّدٍ فَاضِلٍ.
لا الغذَاءُ سَيَكُونَ سِلْعَةً
ولا التَّوَاصُلُ صَفْقَةً تِجَارِيَّةً،
لأنَّ الغذاءَ والتَّواصُلَ
حَقَّانِ إنْسَانِيَّانِ.
لا أحَدَ سَيَمُوتُ جُوعاً
لأنَّهُ لا أحَدَ سَيَمُوتُ مِنَ التُّخْمَةِ.
أطْفَالُ الشَّوَارعِ لَنْ يُعَامَلُوا كَما لَوْ كَانُوا نِفَايَاتٍ،
لأنَّهُ لَنْ يَكُونَ ثَمَّةَ أطْفَالُ شَوَارِعَ.
وَالأطْفَالُ الأغْنِيَاءُ لَنْ يُعَامَلُوا كَما لَوْ كانُوا أمْوَالاً،
لأنَّهُ لَنْ يَكُونَ ثَمَّة أطْفَالٌ أغْنِياء.
والتربيَّةُ لَنْ تَكُونَ امْتِيَازاً للقَادِرِينَ عَلَى أدَائِهَا
والبُولِيسُ لَنْ يَكُونَ لَعْنَةَ الذِينَ هُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى خَدَمَاتِهِ.
العَدْلُ وَالحُرِّيَّةُ التَّوْأمَانِ السِّيَّامِيَّانِ
المَحْكُومُ عَلَيْهِمَا بِالعَيْشِ مُنْفَصِلَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمَا
سَيَعُودَانِ مِنْ جَدِيدٍ لِلِّقَاءِ مُلْتَصِقَيْنِ كَاهِلاً عَلَى كَاهِلٍ.
فِي الأرْجَنْتِينِ مَجْنُونَاتُ سَاحَةِ أيار
سَيَصِرْنَ مِثَالاً لِسَلامَةِ الذِّهْنِ
لِأنَّهُنَّ رَفَضْنَ النِّسْيَانَ
في أزْمِنَةِ العَفْوِ الجَبْرِيِّ.
والكَنِيسَةُ الأُمُّ المُقَدَّسَةُ سَتُصَحِّحُ بَعْضَ الأخْطَاءِ
فِي ألْوَاحِ مُوسَى
وَسَتَأمُرُ الوَصِيَّةُ السَّادِسَةُ
الاِحْتِفَاءَ بِالجَسَدِ.
الكَنِيسَةُ سَتُمْلِي أيْضاً وَصِيَّةً أخْرَى
«سَوْفَ تَهْوَى الطَّبِيعَةَ الَّتِي أنْتَ جُزْءٌ مِنْهَا»
وَسَيُعَادُ تَشْجِيرُ صَحَارَى العَالَمِ
وَصَحَارَى الرُّوحِ.
اليَائِسُونَ سَيَمْتَلِئُونَ بِالأمَلِ
والتَّائِهُونَ سَيَتِمُّ العُثُورُ عَلَيْهِمْ،
لَقَدْ يَئِسُوا مِنْ فَرْطِ الانْتِظَارِ
وَتَاهُوا مِنْ فَرْطِ بَحْثِهِمْ.
سَنَكُونُ شُرَكَاءَ في الوَطَنِ ومُجَايِلِينَ
لِكُلِّ مَنْ يَمْتَلِكُ
إرَادَةَ الجَمَالِ وَإرَادَةَ العَدْلِ
وُلِدَ أيَّانَ وُلِدَ
وعَاشَ حَيْثُمَا عَاشَ
دُونَ أنْ تَهُمَّ وَلَوْ قَلِيلاً
حُدُودُ الخَرَائِطِ ولا حُدُودُ الزَّمَنِ.
وَسَنَكُونُ غَيْرَ مُكْتَمِلِينَ لِأنَّ الكَمَالَ
سَيَسْتَمِرُّ الامْتِيَازَ الرَّهِيبَ لِلآلِهَةِ.
لكِنْ في هَذَا العَالَمِ،
فِي هَذَا العَالَمِ الأخْرَقِ والتَّالِفِ
سَنَكُونُ قَادِرِينَ على العَيْشِ كُلَّ يَوْمٍ كَمَا لَوْ كَانَ اليَوْمَ الأوَّلَ
وَكُلَّ لَيْلَةٍ كَمَا لَوْ كَانَتِ اللَّيْلَةَ الأخِيرَةَ.
حُرُوبٌ صَامِتَةٌ
لا يَنْفَجِرُ مِثْلَ القَنَابِلِ وَلا يُلَعْلِعُ مِثْلَ الطَّلَقَاتِ،
الجُوعُ يَقْتُلُ في صَمْتٍ، يَقْتُلُ الصَّامِتِينَ،
عَنْهُمْ نَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ، الخُبَرَاءُ وَعُلَمَاءُ الفَقْرِ
يَدْرُسُونَهُمْ وَيُقَدِّمُونَ لَنَا مُعْطَيَاتٍ مُحَيَّنَةً:
مَا لا يَأكُلُونَهُ،
ما لا يَشْتَغِلُونَ بِهِ،
كَمْ عَدَدُهُمْ،
مَا لا يَزِنُونَ،
ما لا يَقِيسُونَ،
مَا لا يَمْتَلِكُونَ،
ما لا يُفَكِّرُونَ بِهِ،
ما لا يُصَوِّتُونَ عَنْهُ،
ما لا يُؤْمِنُونَ بِهِ،
يَنْقُصُنَا فَقَطْ أنْ نَعْرِفَ لمَاذا هُمُ الفُقَرَاءُ فُقَرَاءٌ.
هُمْ قَتْلَى الحُرُوبِ وَأسْرَى السُّجُونِ،
السَّوَاعِدُ تَحْتَ التَّصَرُّفِ، السَّوَاعِدُ القَابِلَةُ لِلطَّرْحِ،
بِلا أرْضٍ، بِلا بَيْتٍ وبِلا طَرِيقٍ.
أيَكُونُ الفُقَرَاءُ فُقَرَاءً
لِأنَّ جُوعَهُمْ يَمْنَحُنَا مَأكَلَنَا
وعُرْيُهُمْ يَكْسُونَا؟
مَا الَّذِي كَانَ سَيَصِيرُ عَلَيْهِ حَالُنَا بِدُونِهِمْ؟
الخَوْفُ
في صَبَاحٍ مَا أهْدَوْنَا أرْنَبَ جَبَلٍ.
حَمَلُوهُ إلَى البَيْتِ في قَفَصٍ.
عِنْدَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ فَتَحْتُ لَهُ بَابَ القَفَصِ.
عُدْتُ إلَى البَيْتِ في المَسَاءِ
فَوَجَدْتُهُ كَمَا تَرَكْتُهُ:
كَانَ دَاخِلَ القَفَصِ،
مُلْتَصِقاً بالقُضْبَانِ،
يَرْتَعِشُ خَوْفاً مِنَ الْحُرِّيَّةِ.
الخَوْفُ الشَّامِلُ
الذِينَ يَعْمَلُونَ يَخَافُونَ فُقْدَانَ عَمَلِهِمْ.
الذِينَ لا يَعْمَلُونَ يَخَافُونَ
ألّا يَعْثُرُوا أبَداً عَلَى عَمَلٍ.
مَنْ لا يَخَافُ الجُوعَ يَخَافُ مِنَ الشَّبَعِ.
أصْحَابُ السَّيَّارَاتِ يَخَافُونَ السَّيْرَ عَلَى الأقْدَامِ
وَالمُشَاةُ يَخَافُونَ أنْ تَدْهَسَهُمُ السَّيَّارَاتُ.
الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ تَخَافُ التَّذَكُّرَ
وَاللُّغَةُ تَخَافُ القَوْلَ.
المدَنِيُّونَ يَخَافُونَ مِن العَسْكَرِيِّينَ
والعَسْكَرِيُّونَ يَخَافُونَ مِنْ تَوَقُّفِ الحُرُوبِ.
هُوَ زَمَنُ الخَوْفِ.
خَوْفُ المَرْأةِ مِنْ عُنْفِ الرَّجُلِ
وَخوْفُ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَةٍ بِلا خَوْفٍ.
خَوْفٌ مِنَ اللُّصُوصِ وخَوْفٌ مِنَ البُولِيسِ.
خَوْفٌ مِنْ بَابٍ بِلا أغْلاقٍ،
ومِنْ زَمَنٍ بِلا سَاعَاتٍ،
ومِنْ طِفْلٍ بِلا تِلْفَازٍ،
خَوْفٌ مِنْ لَيْلٍ بِلا أقْرَاصٍ مُنَوِّمَةٍ
وَخَوْفٌ مِنْ نَهَارٍ بِلا أقْرَاصٍ مُنَبِّهَةٍ.
خَوْفٌ مِنَ الحَشْدِ
وخَوْفٌ مِنَ العُزْلَةِ،
خَوْفٌ مِمَّا كَانَ
ومِمَّا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ،
خَوْفٌ مِنَ المَوْتِ
وَخَوْفٌ مِنَ الحَيَاةِ.
العَالَمُ
رَجُلٌ مِنْ شَعْبِ نِيغْوا
عَلَى السَّاحِلِ الكُولومْبِيِّ
اسْتَطَاعَ أنْ يَرْتَقِيَ إلَى عِنَانِ السَّمَاءِ.
لَمَّا عَادَ، حَكَى،
فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ تَأمَّلَ الحَيَاةَ الإنْسَانِيَّةَ مِنَ الأعَالِي،
وقالَ: إنَّنا بَحْرٌ مِنَ النِّيرَانِ الصَّغِيرَةِ.
كُلُّ شَخْصٍ يَسْطَعُ بِضَوْئِهِ الخَاصِّ بَيْنَ كُلِّ مَا تَبَقَّى مِنَ الأضْوَاءِ
لَيْسَ ثَمَّةَ نَارَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ،
ثَمَّةَ نِيرَانٌ كَبِيرَةٌ وَنِيرَانٌ صَغِيرَةٌ
ونِيرَانٌ بِكُلِّ الألْوَانِ،
ثَمَّةَ أنَاسٌ مِنْ نِيرَانٍ هَادِئَةٍ لا تَأبَهُ بِالرِّيحِ،
وَاُنَاسٌ مِنْ نَارٍ مَجْنُونَةٍ تَمْلأ الهَوَاءَ شَرَارَاتٍ،
بَعْضُ النِّيرَانِ، نِيرَانٌ بَلْهَاءُ، لا هِيَ تُضِيءُ وَلا هِيَ تُحْرِقُ
لَكِنَّ أخْرَى تُشْعِلُ الحَيَاةَ مِنْ شِدَّةِ الرَّغْبَةِ
حَدَّ أنَّهُ لا يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَيْهَا دُونَ أنْ تَطْرَفَ العَيْنُ
وَمَنْ يَدْنُو مِنْهَا يَشْتَعِلُ.
في سَرِيرٍ ما بِخَلِيجِ كُورِينْثَ
في سَرِيرٍ ما بِخَلِيجِ كُورِينْثَ
فِي أزْمِنَةِ اليُونَانِ القَدِيمَةِ
عَلَى ضَوْءِ نَارٍ تَتَأمَّلُ امْرَأةٌ
الوَجْهَ الجَانِبِيَّ لِعَشِيقِهَا النَّائِمِ
وَعَلَى الجِدَارِ يَنْعَكِسُ الظِّلُّ.
العَشِيقُ الَّذِي يَضْطَجِعُ إلَى جَانِبِهَا سَيَمْضِي،
فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ سَيَمْضِي إلَى الحَرْبِ، سَيَمْضِي إلى المَوْتِ.
وَالظِّلُّ، رَفِيقُ سَفَرِهِ، أيْضاً سَيَمْضِي،
سَيَمْضِي بِصُحْبَتِهِ، وَفِي صُحْبَتِهِ سَيَمُوتُ.
اللَّيْلُ بَعْدُ مَا يَزَالُ مُدْلَهِمّاً.
تَلْتَقِطُ المَرْأَةُ جَذْوَةً مِنْ بَيْنِ الجَذَوَاتِ
وَتَرْسُمُ علَى الجِدَارِ مُحِيطَ الظِّلِّ.
هَذِهِ الخُطُوطُ لَنْ تَمْضِيَ.
لَنْ تُعَانِقَهَا، وَهِيَ تَعْرِفُ ذلِكَ.
لَكِنَّهَا لَنْ تَمْضِيَ.
ثَقَافَةُ الرُّعْبِ
الاسْتِعْمَارُ المَرْئِيُّ يُشَوِّهُ خِلْقَتَكَ بِلا رِيَاءٍ
يمْنَعُكَ مِنَ القَوْلِ
يمْنَعُكَ مِنَ الفِعْلِ
يمْنَعُكَ مِنَ الكَيْنُونَةِ
الاسْتِعْمَارُ اللامَرْئِيُّ بالْمُقَابِلِ يُقْنِعُكَ
بِأنَّ العُبُودِيَّةَ مَصِيرُكَ
وَبِأنَّ العَجْزَ طَبِيعَتَكَ
يُقْنِعُكَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِالإمْكَانِ القَوْلُ
لَيْسَ بِالإمْكَانِ الفِعْلُ
لَيْسَ بِالإمْكَانِ الكَيْنُونَةُ.
اليُوتُوبْيَا
اليُوتُوبْيَا في الأفقِ،
أدْنُو خطْوَتَيْنِ،
فَتَبْتَعِدُ هِيَ خطْوَتَيْنِ.
أمْشِي عَشْرَ خطوَاتٍ فَيَرْكُضُ
الأفقُ عَشْرَ خطواتٍ نَحْوَ الأقَاصِي.
مَهْمَا مَشَيْتُ،
فَلَنْ ألْحَقَ بِهَا أبَداً.
ما الَّذِي تُفِيدُهُ اليُوتُوبْيَا؟
لأولَئِكَ تُفِيدُ: في المَشْيِ.
التَّاسِعَةُ
حَالَ صَمَمُ بِيتْهُوفِنْ
دُونَ أنْ يَسْتَطِيعَ الاستِمَاعَ ولا حتَّى لنُوتَةٍ وَاحِدَةٍ
مِنْ سَمْفُونِيَتِهِ التَّاسِعَةِ.
وَحَالَ المَوْتُ دُونَ أنْ يَعْلَمَ
عَنْ مُغَامَرَاتِ وَنَكَبَاتِ
رَائِعَتِهِ.
لَقَدْ أعْلَنَ الأمِيرُ بِيسْمَارْكُ
أنَّ التَّاسِعَةَ هِيَ مُلْهِمَةُ
الجِنْسِ الألْمَانِيِّ.
وَبَاكُونِينُ اِسْتَمَعَ فِيهَا
لِمُوسِيقَى الفَوْضَوِيَّةِ.
إنْجِلْز أعْلَنَ أنَّهَا سَتَكُونُ
نَشِيدَ الإنْسَانِيَّةِ.
وَلِينِينُ ارْتَأى أنَّهَا أكْثَرُ
ثَوْرِية
مِنْ نَشِيدِ الأمَمِيَّةِ.
فُونْ كَارَيَان قَادَ عَزْفَهَا في كُونْشِيرتُو
مِنْ أجْلِ الحُكُومَةِ النَّازِيةِ
وَسَنَوَاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَرَّسَ بِهَا
وَحْدَةَ أوروبَّا الحُرَّةِ.
التَّاسِعَةُ صَاحَبَتِ
المُقَاتِلِينَ الكَامِيكازَ اليَابَانِيِّينَ
الذِينَ كَانُوا يَمُوتُونَ مِنْ أجْلِ إمْبرَاطُورِهِمْ،
وَصَاحَبَتِ المُقَاتِلِينَ الَّذِينَ وَهَبُوا حَيَاتَهُمْ
وَهُمْ يُكَافِحُونَ ضِدَّ كُلِّ الإمْبراطُورِيَّاتِ.
لَقَدْ تَمَّ إنْشَادُهَا مِنْ طَرَفِ أولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاوِمُونَ
الهَجَمَاتِ الألْمَانِيَّةَ
كَمَا تَمَّ التَّرَنُّمُ بِهَا مِنْ طَرَفِ هِتْلِر
الذِي في عَصْفَةِ تَوَاضُعٍ نَادِرَةٍ
قَالَ إنَّ بِيتْهُوفِن
هُوَ الفُوهْرُرُ الْحَقِيقِيُّ.
بُول رُوبِيسُون تَغَنَّى بِهَا ضِدَّ العُنْصُرِيَّةِ
وَعُنْصُرِيُّو جَنُوبِ إفْريقْيا
اسْتَعْمَلُوهَا مُوسِيقَى عُمْقٍ
في الدِّعَايَةِ للأبَّارْتَيْدِ.
فِي عَامِ 1961 وَعَلَى إيقَاعِ التَّاسِعَةِ
ارْتَفَعَ جِدَارُ بِرْلِينَ.
وَفِي عَامِ 1989 وَعَلَى إيقَاعِ التَّاسِعَةِ
سَقَطَ جِدَارُ بِرْلِينَ.
——————-
خالد الريسوني