علي المسعودي*
الصباح تكفلت بنفقات الترجمة إلى اللغة العربية في مؤتمر المرأة بنيروبي عام 1985 وهو عمل ذو تكلفة باهظة يناط بالحكومات، والتكفل بنفقات وفد كامل من الاتحاد النسائي العربي لذلك المؤتمر
راهن الكثيرون على أن السوسنة ستذوي عن قريب.. وسيكون مصيرها مثل ركام الورد المنتحر قبلها.. إذ كيف لنبتة رقيقة صغيرة أوجدتها الظروف في صحراء قاحلة أن تقاوم الملح والعطش، فتنمو ثم تكبر.
هنا مكان الشوك والجفاف والريح والأعاصير ولدغات الثعابين ستجفّ حتماً وتتهاوى، لكن السوسنة التي عرفت أسرار الشمس.. وامتلكت قلب الريح.. استطاعت الصمود!.
لم تغير لونها، ولم تختبئ خلف شجرة.. ولم تراوغ.. ولم تكذب ولم تنحن.
تمكنت من الحياة بكل ما في رقتها من قوة وصلابة وعناد.. إذ لا تغريها الوعود.. ولا يخيفها الوعيد.
هل تواطأ معها الربيع.. فأحاطها بغلالة من عناية.. وحرّضته هي على الصمود أمام لهب الصيف وتقلبات الخريف وسطوة الشتاء.. ليعيش عمراً أطول.. وتعيش على ضفافه معنى أغزر؟. أم هي علّمت الورود الغضب ولقنتها لغة الاحتجاج.. وقادتها في مسيرة المطالبة بالحياة الكريمة؟
كبرت الزهرة وتجاوزت.. واجتمع حولها الفراش والنحل والطيور.. محاطة بأطيب العطور..
قادت مظاهرة الطيور الملونة.. علّمت العصافير كيف تكتب الشعر بالأظافر.. ودرّست الورد كيف يكتب رسائل الحب.. وكيف لا يخجل من مشاعره، ويعلن الحب بكل صراحة، ويرفع الشعر راية في الحياة ونشيداً وطنياً لوطن جديد!
هكذا بدأ حقل الورد ينمو.. ويشيع.. ومع الأيام تحولت الصحراء إلى بساط ملون..
تفاجأت الصحراء بثورة الورود والعصافير والفَراش.. حاولت أن تترجمها بالحصى والإشاعات، لكن سطوة الوردة كان أقوى، إذ مضت في مهمة إلغاء الجفاف من الأرض والنفوس..
ثم كان للصقر المحلق في البعيد كلمته.. اقترب منها، لفّها بجناحيه الكبيرين، حماها من الرجم، ومن الجرذان.. ومن الإشاعات، ومن قناعات (عصر التنك)، ثم حلق بها إلى أماكن جديدة من العالم..
شجعها لتزرع الحلم في كل مكان.. طاف بها العالم، فكان أن زرعت الجمال ووزعت الحلوى.. والأغنيات.. والقصائد، والتف حولها الأطفال ينشدون: (نحن باقون هنا.. نحن باقون هنا).
تلك هي سعاد الصباح.. المرأة القصيدة.. والأغنية القديمة الجديدة.. والحكاية الفريدة.. وذلك كان حضورها في مواطن العراك الثقافي والمنجز الأدبي على مدار العمر المتواصل.. كانت فيه قاب صرختين من الدمع.. ولهفتين من الشعر.
قامت بتأسيس “دار سعاد الصباح للنشر”، التي أسهمت في نشر مئات الكتب والإصدارات والإسهامات الثقافية عبر مسيرة تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً، ومدت يدها لدعم مشروع الكتاب الشهري للطفل في الجمعية الكويتية لتقدُّم الطفولة العربية، وأطلقت جوائز الإبداع الفلسطيني للأطفال 1989.
وحضر الطفل الخليجي المبدع في مساحة تفكير د. سعاد الصباح، فقامت بتقديم جائزة في الفن التشكيلي من خلال مهرجان سنوي تشرف عليه جمعية الفنون التشكيلية، وكانت دورته الأولى في أبريل 2013، وأردفته بإطلاق مهرجان براعم الأدب العربي السنوي الخاص بالأطفال 2017، ومن أجمل ما سمعت يومها قول شاعر رأى براعم الأدب تتفتح على يد سعاد الصباح فقال:
سعِدتْ سعادُ وقدْ رأَتْهم غُدوةً
نطقوا بحرف الضاد طوعَ لسانها
قالوا وأشرقَ وجهُهم مُتهــــللاً:
شكراً سعــــادُ فأنتِ أمُّ زمانِها
واستمرت على هذا النهج، فأطلقت جائزة الإبداع التشكيلي على مستوى مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع جمعية الفنون التشكيلية، إذ يقام مهرجان الجائزة كل سنتين بدءاً من دورته الأولى عام 2008م، ورسخت ذلك بإطلاق بينالي سعاد الصباح للفنانين العرب بدءاً من عام 2017.
عندما تذكر جامعة القاهرة تستفيق أبجدية العلم الأكاديمي لدى سعاد الصباح، ومن أجل ألا تغيب الذكرى عن بالها قامت بتقديم دعم سنوي لجامعة القاهرة لتشجيع الدراسات العليا.
عندما يتنادى الناس لأمر عظيم، نسمع صوتاً آتياً من بعيد يردد:
إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتَىً خِلْتُ أنَّنِـي عُنِيْـتُ فَلَمْ أَكْسَـلْ وَلَمْ أَتَبَلَّـدِ
من ذلك أن سعاد الصباح تكفلت بنفقات الترجمة إلى اللغة العربية في مؤتمر المرأة بنيروبي عام 1985 وهو عمل ذو تكلفة باهظة يناط بالحكومات، والتكفل بنفقات وفد كامل من الاتحاد النسائي العربي لذلك المؤتمر، وقامت بتبنّي مشروع جمع المخطوطات الأصلية في العالم وتصويرها على الميكروفيلم وتذليلها للباحثين في مركز المخطوطات والوثائق في الكويت، حيث تم تصوير آلاف الوثائق، ومولت “جائزة الكتاب” التي تمنحها “جمعية الصداقة البريطانية الكويتية للدراسات الشرق أوسطية”، ويتم منح الجائزة سنوياً في لندن إلى أفضل ثلاثة كتب منشورة عن الشرق الأوسط في احتفال تشارك فيه سفارة دولة الكويت في بريطانيا.
وعملت على تأسيس صندوق متخصص في كلية “سانت كاترين” أكسفورد، لتحسين الدراسات السياسية، ويتضمن ذلك (دعماً مالياً ومعنوياً) لبرامج الزمالة باسم Wilfred Knapp. وتأسيـس “برنامـج عبـدالله المبـارك البحثي” للزمالة في كلية “بيمبروك، كامبريدج”. وتأسيس برنامج عبدالله المبارك البحثي للزمالة في كلية “الدراسات الشرقية والأفريقية” جامعة لندن. وتأسيس برنامج الزمالة في “جامعة ساري” في مجال اقتصاديات الطاقة. وقامت بتمويل تأسيس مكتبة في “كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة”، وتمويل مكتبة “عبدالله المبارك” في الفروانية بالكويت، ودعم “منتدى الفكر العربي” في عمّان بالأردن، بما في ذلك تمويل المقر الرئيسي له، وكذلك الدعم المالي لتأسيس (المؤسسة الثقافية) في لندن، ودعم “المنتدى العربي للثقافة” في بيروت، وغيرها الكثير.
وأما المسابقات الأدبية والثقافية فلها بريق السحر عند سعاد الصباح، وهي التي أطلقت أضخم مسابقة عربية مستمرة منذ عام 1988م، هي مسابقة عبدالله المبارك للإبداع العلمي ومسابقة سعاد الصباح للإبداع الفكري والأدبي.
وأسهمت نخلة الأدب العربي بالتعاون مع “الهيئة العامة المصرية للكتاب” لنشر العديد من الكتب، وقامت بإنشاء المكتبات ومراكز الكمبيوتر والبرامج الثقافية لدى العديد من المدارس في وزارة التربية، وكذلك تقديم الدعم الكامل لمشروع دراسة منتدى الفكر العربي الإستراتيجي حول مستقبل التربية والتعليم في الوطن العربي. وقد تم القيام بالمشروع وتنفيذه خلال الفترة ما بين 1987 – 1990، فضلاً عن دعم وتمويل الجزء الأول من الموسوعة العربية التي تصدرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “أليكسو”، وذلك في عام 1990.
دعمت د. سعاد الصباح الكثير من المراكز والجمعيات الثقافية ومنها: نادي الجامعيات العربيات في الأردن، وقامت ببناء مقر دائم لمنتدى الفكر العربي في عِمَّان، ونادي أطفال وكالة الغوث الدولية في الأردن، وجمعية إنعاش الأسرة في فلسطين، ومركز الدراسات العبرية في جامعة اليرموك.
من فرائد القلائد التي كُلِّل بها صدر الثقافة العربية ما قامت به سعاد الصباح عندما طبعت كافة أعداد مجلة الرسالة الصادرة خلال أعوام 1933 – 1953، في أربعين مجلداً، وكذلك إطلاق مبادرة “يوم الوفاء” المتمثلة في تكريم رواد الثقافة العربية الأحياء 1995. وشمل التكريم كلاً من المبدعين الكبار: أ.عبد العزيز حسين (الكويت) 1995م. أ.إبراهيم العريّض (البحرين) 1996م. أ.نزار قباني (سوريــا) 1998م. د.ثروت عكاشة (مصـر) 2000م. صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل (السعودية) 2001م. د.عبدالكريم غلاب (المغرب) 2003م. أ.غسان تويني (لبنـان) 2007م. د.صالح العجيري (الكويت) 2013م. د.الحبيب الجنحاني (تونس) 2016م.
ولأن الهم الثقافي يشغل فكر سعاد الصباح دائماً، فقد أصدرت كتاب الثقافة في الكويت (مسح علمي شامل – 3 أجزاء) 1997، وشاركت في الاجتماع التأسيسي للمجلس العربي للطفولة والتنمية، والذي عقد في عمّان بالمملكة الأردنية في أبريل 1987 بمشاركة مائتي شخصية عربية مرموقة من ضمنهم الملكة نور الحسين، والسيـدة سـارة صـادق المهدي، والمشير عبدالرحمن سـوار الذهب، والشيـخ عيسى بـن حمد آل خليفة، والمفكر العربي زكي نجيب محمود، والسيد عبداللطيف الحمد. وتم اختيار الدكتورة سعاد عضواً في مجلس أمناء المجلس.
تم إدراج أشعار د. سعاد الصباح في مدارس وجامعات عدد من الدول، ومنها: لبنان والبحرين وسوريا وفلسطين والإمارات والمغرب والعراق والسويد والهند وكندا وبولندا وكثير من الدول العربية والأجنبية. كما تم تقديم أشعارها في أطروحات لنيل الماجستير والدكتوراه في الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية ولبنان والبحرين والصين وفرنسا وإيران والهند واليمن وغيرها من الدول، وتم تدريس قصائدها لطلبة المدارس في مناهج وزارات التربية والتعليم الكويت ودول الخليج والأردن وسوريا وكثير من الدول العربية والأجنبية.