إبداعات ليبية تنتصر للحياة تخرج من الحرب ولا تكتبها
في أتون فوضى السلاح، سقط الجسد كما سقط الشجر والحجر في حرب ضروس طال أمدها.. فما عادت البلاد كما كانت تحتفي بالحدائق والنوافير وضوء الكلام. صارت الأشباح التي تقافزت في ظلام البلاد، تصيد ما تبقى من أحلام الناس.. غير أن حارسا واحدا نبيلاً في المدينة، مؤمنا متألقاً عاشقاً للحياة، صار بإمكانه رصد الجمال الكائن بين الظل والضوء.. الجمال الخائف على الحياة من موت متوحّش يشعل النار في الليل والنهار، تارة يلتهم بناره مخادع الأطفال المفزوعين، وتارة يلتهم بناره محطات العابرين على أرصفة مقاه كانت تنأى بروحها في أركان العبق القديم.
صار إنتاج قصيدة واحدة تحت الرصاص، امرا ضروريا لوأد الموت الفاضح في الشوارع.. لهذا سقط القتلة الملثمون أمام وضوح النص في المكان. النص الذي بقدرته أمطر على نار الأرض المشتعلة، لتظهر النوافير في مكانها كيفما كانت، وكيفما كانت تعود الحدائق إلى عاشقيها.
في خلال ست سنوات من الحرب والفوضى، أنتجت رائحة الموت في الشوارع نصوص الحياة.. فكان أدباء ليبيا على الموعد دائما مع الانسان، في ماضيه الزاخر وحاضره المؤسف ومستقبله الموعود بالأمل.
ها هم شعراء ليبيا وقصاصوها يقدمون باقة أشعارهم وقصصهم ابتهاجا بالحياة ضد الموت المُعلن، لا ليؤرخوا للحرب وموت الإنسان، وإنما ليؤرخوا للحياة في زمن الحرب.. ايمانا من العاشقين بأن الحرب لا بدّ أن تنتهي، وأن لا تأخذ معها شيئا من ذاكرة الأشياء.. وليعلنوا بتأريخ اللحظة أن الحرب الفاجرة خسرت مشروعها الفاجع ضد الحياة.
هذه نماذج من إبداعات كُتّاب ليبيا وشعرائها.. قصصاً وقصائد هزمت الحرب في أتونها، انتصاراً للإنسان صانع الرواية والقصيدة العاشقة، الإنسان الحالم المسكون بالرغبات الجميلة.. الإنسان صانع الموسيقى في مرامي الخيال، وصانع المنحوتة البيضاء واللوحة التشكيلية الغارقة في سر غموضها.. وصانع مجد الكلام في الجموع.. فبقدر العبث الذي يصنعه الطغاة، ثمة ألق يصنعه الأدباء في الدروب.
جميل أن يطفر الكلام من تحت ركام الحرب.. والجميل أيضاً أن يحيا الأدباء كما تحيا البلاد.
تقديم وإعداد: سالم الهنداوي *