تقديم
ولد باسكال كينيارد عام 1948 في فيرنويل ، بمنطقة الأور.يقيم في باريس في تفرغ تام للكتابة منذ 1994. درس في جامعة فانسن ، وفي المدرسة التطبيقية للدراسات العليا للعلوم الاجتماعية. درس أيضا مادة « أصول الرواية القديمة». أسس مع الرئيس الفرنسي السابق «فرانسوا ميتران» مهرجان الأوبرا والمسرح الباروكي بفرساي. وهو أيضا عضو هيئة القراءة لدى دار نشر غاليمار.
نشأ كينيارد بهافر. عاش طفولة صعبة ومنطوية. مالت أذواقه منذ المراهقة إلى الموسيقى ، و إلى اللغتين اللاتينية واليونانية والآداب القديمة.. في سنة 1968 تابع دراسته في الفلسفة بنانتير. وفي 1969 نشر عند دار «ماركور دي فرانس» بحثه الفلسفي الأول عن « ساشير مازوش». لكن كان لابد من روايتي « صالون ورتمبورغ» ( 1986) و « أدراج شامبورد» (1989) كي ينال شهرة واسعة بين القراء. وفي عام 2002 حاز جائزة «غونكور» الشهيرة.
بأسلوب ينتمي إلى واقعية الرواية الحديثة ، حيث كل شيء مسمى ومحدد ، وبذلك الغموض الذي يطبع حكايات المغامرات ، كتب كينيارد رواية «الاحتلال الأمريكي».رواية فرنسا الحقيقية في نهاية الخمسينات ، من خلال تقديم مدينة صغيرة ولد على أرضها عشق «ماري_جوزي فير» لباتريك كاريون. المراهقان اللذان سيعيشان وقائع إقامة الثكنات الأمريكية على الأرض الفرنسية.أرضهما. أرض حبهما الأصلي المتوحد. فنقرأ الإغراء الذي تشرع في ممارسته عليهما السيارات والألبسة والموسيقى الغريبة التي تبدأ في التشويش على حبهما المصاب بالحمى والذي ينتهي بانحدار مخيف نحو الموت. وما ذلك كله سوى استعارة ملحمية عن الإنسان الذي أصبح عبدا لصورته المتعددة والمتشظية بسبب دخول الغريب إلى عالمه وإقامته على أرض روحه.
لا يحكي كينيارد ذكريات شبابه عن الجنود الأمريكيين في فرنسا، وما أحدثته من تغييرات على ساكنة المنطقة. فهو لا يتذكر شيئا من ذلك لأنه ولد متأخرا ،في سنة 1948. إنه ،بكل بساطة، وكما يعرف ذلك قراؤه ونقاده وناشروه ، يقدم مادة روائية ليبلغ أسمى هدف يمكن أن يحققه الفن الروائي :تقديم وتقليب الوجوه والصور. وجوه وصور الحقيقة الذاتية والاجتماعية والتاريخية.فكينيارد عندما يتحدث عن عواطف شخصياته ، أو عن جزر ورمال منطقة «لا لوار» ، فإن الصور تتزاحم في ذهن القارئ.لأننا نشهد ،بشكل جماعي، على عصر الاحتلال الأمريكي لكل شيء بهدف تسليع الحياة. واستهلال الرواية بجمل عن احتلال منطقة»مونغ» ليس حدثا فقط بل هو حالة تقدم لنا نتيجة في غاية الأهمية:»ليس للأمريكيين وجود آخر غير وجودهم الأسطوري» حسب تعبير «بيير لوباب»(لوموند ،14 أكتوبر 1994). «الاحتلال الأمريكي» رواية غير مريحة ، ولا ترحم أولئك المجانين الذين يضطرهم ضعفهم إلى السعي إلى القوة.
مونغ
متى تنتـهي الحرب؟ استعمر سكان «أورليان» من طرف السلتيين والجرمان والرومان بآلهتهم الإثنتي عشرة طيلة خمسة قرون. ومن طرف الوندال، والآلان، والفرنجيين، والنورمانديين، والإنجليز والألمان والأمريكيين. في نظرة المرأة. في الأيدي التي يمدها الاخوة، في صوت الأب المزمجر، في كل واحدة من العلاقات الاجتماعية، هناك شيء من العدو مازال ماكثا. شيء ما يريد أن يواجه. شيء ما يريد أن يقتل. هدف مجهوداتنا ليس أن نصبح سعداء، أن نشيخ في الدفء، ونموت بلا معاناة. هدف مجهوداتنا أن نصل إلى الليل أحياء. في «مونغ» يوم 15 يونيو 1429 ، تحت الاحتلال الأنجليزي، استعاد جان دارك القنطرة من جيش العدو . وفي «مونغ» يوم 17 يوليوز 1959، تحت الاحتلال الأمريكي، تمنى شخص ما ،فجأة، موت المرأة التي يحـب.
هو ابن بيطري. كان اسمه «باتريك كاريون» في السن الثامنة عشر. كان الابن الوحيد. ولد سنة 1941 تحت الاحتلال الألماني. وفي سنة 1943 استولى الألمان على الطابق الأول من المنزل العائلي.
لم يكن الدكتور «كاريون» يتحدث كثيرا، كان يملك سيارة «جوفاكاتر» عتيقة ،ويرتدي في كل الفصول بدلات من المخمل المضلع، ويعشق ، بشكل طبيعي زوجته، مهنته، ابنه، الغابات، الحيوانات، ذكريات الحرب، التبغ الأسود، البرد، رائحة الطين والأوراق الميتة التي تصر من الجمود، ويستمع إلى إذاعة «د.س.ف» (T.S.F).
كان يقطن أمام الكنيسة. للبيت حديقة صغيرة أمامية زينتها السيدة «كاريون» بالأزهار، ويمنع اللعب فيها. لا تحب السيدة «كاريون» أن يناديها ماما، بل أمي. كان لأم «باتريك كاريون» جسد متناغم وفارع. وقد أصبحت عوراء على إثر حادثة وقعت لها سنة 1943 عندما كانت تعبئ موقد الطبخ بالفحم. شرارة قفزت وأصابتها. أيامها استعاد الجند الروس «كورسك». أبقت على جفنها الأيمن مغمضا . لم تكن تلك هي المصيبة الدائمة. كان قوامها عاليا، شعرها كستنائي، وجهها مليء بالصفاء الممزوج بالألم، نعزو إليه مجموعة من التجارب. كانت تختار تيابها بعناية فائقة، وسط الفوضى التي تطبع النساء القاطنات في القرية. كانت غالبا ما ترتدي سترة شفافة مع فستان مقور على شكل V، وصدار ضيق. قامتها واضحة جدا وتنورتها تغطي نصف ربلة الساق. كانت غالبا ما تقرأ مجلات تصدر في باريس. حولت الغرفة إلى مكتبة كانت تغلق بابها لتختلي بنفسها، وكانت تمنع زوجها وابنها من الدخول.
كانت السيدة «كاريون» تميل بشكل طبيعي إلى العزلة، مع الأتواب، والتنورات والرغبة، والكتب والأزهار، ورائحة الأزهار، واللقاء مع الأزهار والصمت.
خلف الدار هناك حديقة ممتدة غير مزروعة ومليئة بالرمال تطل على نهر «لوار»، الذي ربط على ضفته قارب أسود مسطح وجهته قوة التيار نحو الجزيرة، حيث كان للطفل الحق في اللعب ومرافقة زميلته الصغيرة في المدرسة.
[[[
اسمها «ماري جوسي فير». ابنة صاحب دكان لبيع الخرداوات في «مونغ». كان للأب «فير» خمس فتيات. غادرته زوجته دون أن تخبره، حتى أنها لم تترك له كلمة واحدة، في ليلة من ليالي ما بعد الحرب، سنة 1947. وبعد مرور ثمانية أيام أخبرت بالأمر صاحبة صيدلية عبر الهاتف. يتلخص إخبارها في جملتين: لن تعود، وعليه أن يهتم بالأطفال. «ماري جوسي فير» هي آخر العنقود. بقيت طفلتان تعيشان مع والدهما، فوق الدكان. بداية
يجب اجتياز ممر طويل ومظلم رائحته مزعجة، يحاذي مستودع الخرداوات، قبل صعود الدرج الذي يؤدي إلى الطابق.
لا تفترق «ماري جوسي فيير» وباتريك كاريون» منذ الطفولة. كانا يلعبان في الشارع، في الساحة ، في الحديقة الخلفية، تحت السقيفة، على طول الضفاف. كانا يذهبان معا إلى المدرسة. كانا يرافقان بعضهما إلى تعلم المسيحية في إحدى القاعات السفلى في الحصن.
يبدو أن الأم أخفت عند طفلتها، عندما تركتها، كل المعرفة. صباح الغد، بعد أن غادرتهم أمهم في الليل بدون استئذان ، دنت «ماري جوسي فيير» بشفتيها الجافتين من وجنة «باتريك». وعندما التفت نحوها كان للطفلة الشجاعة لضغط شفتيها على فم «باتريك»، كما يفعل الكبار، ثم ضمته إليها وبكت. كانا يبلغان السادسة من عمرهما. في ذلك الصباح، في الفجر الندي والبارد، تعاهدا على حب أزلي: كانا يبكيان وينتحبان. أوثقا قفازاتهما الباردة، وركضا في اتجاه المدرسة. كانت ترافقه في كل الأماسي، يـدا في يد، قفاز مبلل في قفاز مبلل. المحفظة على الظهر والرأسان مخبآن في القناع الصوفي. كانا يهيئان واجباتهما المدرسية معا على مائدة الأكل الدائرية في مطبخ «آل فير» ، تحت ضوء مصباح معلق. كانا يتبادلان الطعام الخفيف، ويستعيران مسطريتهما من بعضهما ويقتسمان الممحاة. عندما ربط «باتريك» و «ماري جوسي فير» أوضاع ضيقهما كانا قد ربطا حياتيهما. كانت أم «باتريك» تعزل نفسها أحيانا في «أورليان» أو كانت تغلق باب غرفتها عليها.كانت نادرا ما ترى طفلها، كارهة نفسها بسبب عينها المفقودة، محاولة أن تثير الإعجاب رغم ذلك، باذلة قصاراها أن تعيش. والدكتور «كاريون» يجوب منطقة الـ«سولون» وهو وراء مقود سيارته «جوفاكاتر»، مكرسا حياته للأفراس، والأبقار والخنازير. وفي المساء، عندما يعود إلى البيت، لا يكون له القلب الذي يهتم بابنه. ذات يوم طلب من «باتريك» أن يزوره في «كليري». دخل أحد الفلاحين وهو يدفع حصانا إلى الخلف ليضع له المكباح الحديدي، كان يصرخ بقوة. بدأ الدكتور «كاريون» ببذلته الرمادية و»باتريك» الذي تلمع عيناه في ربط أرجل الحصان. شدا المحزم الجلدي حول خاصريه. دفع الدكتور المكباح في اتجاه أفقي ومد إلى «باتريك» كلابة الأنف وقال له أن يأخذ مكـانه عند رأس الحيوان المطروح أرضا. صرخ الدكتور «كاريون» في وجه ابنه:
— «ضع الكلابة في أنفه !»
ضغط «باتريك» بعنف على منخر الحصان. وفجأة قطع الدكتور «كاريون» أعضاء الحيوان التناسلية ليكرسه للفلاحة.
[[[
إذن، العالم كان غير العالم. في بداية الخمسينات، عندما أصبح للأطفال الحق في الذهاب إلى المدرسة على متن الدراجات الهوائية، كانوا يضربون الموعد في بيت الصيد «كليري»، على الجهة الأخرى من القنطرة، على الرمل الكستنائي، وراء القصب. في الربيع، عندما يصبح الرمل أكثر رطوبة ووحولة، كانوا يجلسون على المصطبة الحجرية في بيت الصيادين، الذي كان عبارة عن جناح لتربية الصقور. فتته مياه الأمطار و نخره الزبد . مياه نهر الـ «لوار»، في كل سورات غضبها، تنخر حجرتي الجلوس الصغيرتين.
قبل أن يتعلم تمتمة أولى الكلمات، كان «باتريك» قد تلقى البصمة البطيئة واللامحدودة للنهر الذي يسارع بلا نهاية نحو «نانت» ونحو البحر. كل هيجان يملأه بالخوف والحماس. لقد كان ذلك انتحار الأرض تحت السماء، يصمت الله أمام «نوي»* Noe، فقال له: «سأبيد الرجال فوق سطح الأرض لأنني ندمت على خلقهم. لقد أمرت بطوفان لن يفلت منه شيء».
إن هذا الدفن للأشكال ، وهذا الامتصاص، وهذا الابتلاع للأشياء الاعتيادية طيلة سنوات، كل ذلك قد عاد. وهذه الشساعة أصابت الجميع بالفزع. الجمال كان في ذروته والدمار الذي يلي هذا الجمال كان غير متوقع.
عندما حل الغضب كان الصغيران في أعلى السور، لمشاهدة اختفاء الحقول والضفاف والجزر والمنتزهات العامة والشوارع الصاعدة، والبيوت التي على حافة الماء. الشمس هبطت وغربت في الماء الذي يبلل كل شيء.
وبسبب حرارة الشمس تدثر الوادي بالبخار الصاعد من الماء الذي كان يتشكل تحت الأشعة الأخيرة. الأسقف، الكنائس، الأشجار، المراعي والسنابل كانت تهتز شيئا فشيئا وسط لون الدم. بدأ هذا الدم يتخذ لونا أسود. ماهو الدم الذي لا يسود ؟ الملابس بليت. الأصوات تغيرت. المرايا مكثت . قضبان الحدائق وأسلحة الحرب صدأت. الليل أكل العالم. وحده الحقد أنقذ الرغبة الآيلة إلى الزوال. الانتقام يحدد الهدف على مر الأيام. ترفض ماري جوسي اللعب في مأدبة الأطفال. ماري جوسي أقصيت من الركوع ومن دفع «دينكي تويز» على الطرق الرملية التي يرسمها «باتريك». كانت تفضل أن تتبادل الأحلام وهي محمومة. لم تكن تلك الأحلام سوى أسماء أدوات وملابس و مدن بعيدة: نانت، دراجات السباق، باريس، جوارب، مشغلة أسطوانات.
توجد في جنوب «مونغ» ثلاث جزر. الجزيرة الواقعة في الجنوب الشرقي تسمى جزيرة الصفصاف. من الربيع إلى الخريف، يكون عالمهم الحقيقي هو أيادي المياه الميتة في نهر «لوار». هيجان الضفة الأخرى. الصيد في التيارات. المعابر الحجرية المصطحة. روائح النعناع المفلفل المسحوق تحت الأرجل. التوت الذي يقطف بمد اليد حتى تتألم، لتجنب السقوط في دغل الشوك العريض.
يتبادل الطفلان التهام اللحم العجيب لحبات كستناء الماء ، التي جرداها من قشرتها اللزجة، يضعانها بين الأسنان الراضعة، تم في الثـقـوب التي خلفتها الأسنان التي سقطت، ثم بين الأسنان الثنية. كانا يصطادان بالشباك وأحيانا بعصي طويلة على ساحل الجزر. كانت تكره أن تمسك في راحة يدها هذه الأجسام التي تهتز وتترك فوق الجلد دبقا تبقى رائحته القوية مستمرة رغم غسلها بالصابون. كانت ماري جوسي تعدم السمكات، مثلما كانت تنفر من السيارات الصغيرة. يحفر باتريك في الرمل ويشيد كوخا عميقا شبيها بذلك الذي مزقته الحرب الكبرى.
لا شيء يخفي الكوخ بشكل أفضل غير أشجار الصفصاف. فوق جرف الجزيرة، يصبحان غير مرئيين كليا بفعل ستائر الأغصان. يغوران داخلها ويخفيان القارب المسطح الكبير المقطرن الذي يخفيه باتريك في أسفل الحديقة الخلفية.
وحدها الخيول التي تجر القوارب المسطحة وشباك الصيد، لأنهم ساروا بها نحو البحر، تشعر بحضور الأطفال على الضفة. كانت تصهل على طريق العبور الذي يحاذي أشجار الدلب في المنتزه العام.
Sharpe تعني أعظم الإدارات المركزية التي توحد أوربا الكبرى. في ذلك الوقت كانت تطلق كلمة «جينز» على البنطلونات ذات المسامير. سبعة وعشرون ألف جندي أمريكي وعائلاتهم يعيشون في فرنسا. وطيران القوات الأمريكية يتوفر على إحدى عشر قاعدة في العاصمة. مجموع القوات العسكرية الأمريكية أقامت معسكراتها في: شيربورغ، فوفيل، إيفرو، إيتان، روكانكور، ميتر، بريست، نانسي ، فيردون ودروكس. في شامبوري وفالسبورغ، نانت وباريس. في أورلي وتول. في شاتوروكس وكابتيو، شومونت، بوساك، بواتيي، شومور، شينون، إينغراد، كروا – شابو، تروا –فونتان، لاروشيل، شيز، ساران، لابراكون، مونغ. قيادتان عليتان اقتسمتا المنطقة: من جهة قيادة الولايات المتحدة في وسط أوربا بمعسكر «لوج»، قرب سان_ جيرمان – أون –لاي. ومن جهة أخرى قوة منطقة الاتصال، القاعدة التموينية بالنسبة لأوربا كلها، واستقرت في «أورليان». عشرة آلاف جندي أمريكي استقروا في المنطقة المحيطة مباشرة بـ «أورليان».
عند الغروب يتم إخراج قمامة معسكر «مونغ» خارج السور المسنن. ذات ليلة، نقب باتريك في القمامة.
[[[
قرفص باتريك في الظلمة، خلف السياج. تحت القمر رأى المعسكر الدائري وانعكاسات الضوء على صفيحة الحديد المتموجة. فجأة سمع صوت محرك. خبأ دراجته في الحفرة، وحشر نفسه وراء أرومة أشجار، أمام سياج المعسكر بالضبط، وبقي ينتظر السيارة حتى تمر.
مرت سيارة «جيب» تابعة لشرطة القوات المسلحة.
أسرع باتريك نحو القمامات الحديدية الكبيرة. وبدأ ينقب بسـرعة. وفي صباح الغد أخبر «ماري جوسي» بغضبه. كان على مشارف السن العاشرة. اجتاحت القوات الأمريكية «تيانغ يانغ». والصينية اجتاحت الـ«تيبت» .أما القوات الفرنسية فقد استولت على «هاو – بينه» . أمرته «ماري – جوسي» بأن يلتحق بها يوم غد ، ستنتظره على مقعد في بيت الصيادين.
[[[
بدأت قطرات المطر الثقيلة تسقط على الماء .تتحطم ببطء فوق صفحته. كانت منطقة «لوار» رمادية. والجو دافئ وثقيل. والقطرات تسقط فوق الدراجتين الموضوعتين واحدة فوق أخرى على عشب الضفة. كانت ماري- جوسي جالسة فوق مقعد قديم. جنبها قفتان مفتوحتان مصنوعتان من أغصان السوخر. كانت ماري – جوسي تتأمل «باتريك» الذي يرتدي سروالا قصيرا ، يحفر ثقبا وقد ظهرت تقطيبة على وجهه.
توقف عن حفر الأرض. نظر إلى ماري جوسي بعبوس، وقال إن الثقب عميق بما يكفي. نظرت إليه ماري –جوسي بدورها، عيناها تلمعان، وقالت: «اتفقنا ؟ اتفقنا؟».
هز باتريك رأسه بفتور. وعندما رأت أنه موافق، قفزت ماري جوسي من المقعد إلى العشب، وهي تمسك بالقفتين الموجودتين جنبها.
رمى «باتريك» مدراته فوق الأرض الرطبة التي كان يقلبها. فتش الطفلان في القفتين، وبدأ يرميان في الحفرة طنجرات صغيرة، مشواة حديدية، علبة بهارات كرتونية، سيارات صغيرة من نوع «دينكي تويز»، جنودا، رجال درك من البلاستيك. وأخيرا رمى باتريك، بسخط، جاذب السيارة الأمامي المصنوع من الحديد الأبيض، لعبته المفضلة وهو طفل، رمى كل ذلك في الحفرة التي ردمها بعد ذلك بالمدراة.
وطأت ماري –جوسي الأرض الهشة تحت المطر، صدر عنها صياحا خافتا. الطفلان متحمسان وهما يقفزان فوق الحفرة التي ردمها باترك.
فجأة وهي تقفز، صدمت ماري –جوسي حديد المدراة التي يمسكها باتريك. صرخت. وجمدا في مكانهما.
وهي جاثمة على قدميها فوق الأرض، شمرت تنورتها بيديها المخدوشتين، وأظافرها مليئة بالتراب، أظهرت لباتريك اللون الأزرق والجرح الصغير الذي أحدثه حديد المدراة على فخذها.
نظر باتريك إلى فخذ ماري -جوسي الطويل والأبيض. انحنى عليها. عندها خفضت ماري –جوسي تنورتها. فتحت يديها، فانسدل شعرها الطويل الأسود المبلل بالمطر فوق كتفيها بمهابة، فوشوشت له:
«اجلس على ركبتيك مثلي !»
قرفص أمامها، وهو يغرز ركبتيه العاريتين في التراب المقلب.
« أنظر!» قالت.
مدت يديها بشكل كامل، وفتحت كفيها. توقف المطر وهي مستغرقة في الحديث. رفع باتريك رأسه نحو السماء ،فسقطت آخر قطرة مطر على وجنته.
«أنا أتحكم في السماء» همست.
سمعا من جديد صوت نهر الـ«لوار» وهو يجري على طول الضفة.
وشوشت ماري – جوسي:
«هل جلبت معك خبر الدبيحة ؟»
أخرج باتريك من جيب سرواله الصوفي قطعتي خبز أخذهما من الكاهن ومدهما لماري –جوسي. أخذت منهما ماري-جوسي واحدة، ومدتها أمامها بيديها الاثنتين. وفعل مثلها باتريك.
مدا معا القطعتين أمامهما بوقار. همت ماري –جوسي وجفناها إلى أسفل:
«نحن الاثنان ولا أحد غيرنا».
– نحن الاثنان ولا أحد غيرنا. ردد باتريك.
– سنذهب إلى أمريكا. قالت ماري –جوسي.
– سنذهب إلى أمريكا.
– «افتح !» أمرته ماري – جوسي.
فتح باتريك فمه فأدخلت قطعة الخبز بين شفتيه.
وبدوره مد باتريك القطعة التي يمسكها ومررها بين شفتي ماري –جوسي التي أبقت جفنيها إلى أسفل. وبعينيها المغلقتين دائما، مدت يديها وأمسكت متحسسة يدي باتريك وضمتهما بين يديها. بعد المطر أصبح للأرض رائحة قوية جدا، تكاد تكون منفرة. وفي الأخير فتحا معا عيونهما بقوة.
[[[
استسلم الطفلان للمتعة التي شعرا بها أثناء ذهابهما وإيابهما في الليل، تسكعا. سرقا. النبش المقيت والمضطرب في مزابل المعسكر أثناء مجيء الليل أو تحت الشمس اللاهبة، أمر كان يثيرهما. كانا يذهبان إلى البحث عن الأقمصة العجيبة، والأقمصة القطنية، و قناني الكوكاكولا الفارغة، وأقمصة أوكسفورد ذات الياقات المزررة، والبلودجين نوع «لوفيس». فلا يجدانها، أو لا يخرجان من البقايا إلا مزقاتها. ورغم ذلك يدق قلباهما إلى حد التوقف، فلا يجنيان سوى علب الغسول المكسورة، وبضعة خرق غير قابلة للباس، وجوارب ممزقة، وبعض أعداد جريدة «Life» أو Racing News، ومطويات البيع عبر المراسلة، وبعض مجلات الرسوم المتحركة الملطخة. يخبئان كل ذلك بسرعة في حقائب ورقية نجت بنفسها من القذارة.
قطعت ماري – جوسي شموعا جديدة جلبتها من دكان والدها، ووضعتها في عنق قناني الكوكاكولا الفارغة التي يعودان بها إلى الكوخ.
يقال في ذلك الزمن إن الكوكاكولا سم يصيب بالجنون.
كانا يجمعان قناني الكوكاكولا الفارغة ويصنعان منها مصابيح، لم يكونا يعرفان حتى مذاقها. كان الأب «فير» يؤكد أنه أبدا لن تجد هذه القنينات الصغيرة المليئة بالغاز مكانا لها فوق رفوف متجره.
كانا يلقيان بنفسهما في العوالم الأمريكية، كما كانت الأرواح الورعة تلقي بنفسها قديما في عالم الدين. كانا ينقلان الفردوس إلى غرب العالم. وكانت ماري-جوسي فير تجد فردوسها في ألوهية كهانها الذين أصبحوا : الكونغستير والقنابل والنجوم. كانت ترتبط بنساء إنجليزيات بخيوط من حرير. فانفصلت ماري –جوسي عن الإنجليزيات.
بدأ ينجذبان بحضارة مختبئة وراء الشرفات، ولا يمسكان بين أصابعهما سوى بالبقايا. كانا يتبادلان الأحلام في غمرة الحمى. ولم تكن تلك الأحلام سوى أسماء أدوات وملابس، ومدن بعيدة: جاز، آلة كهربائية لطحن الخبز، هوليوود، ماركوري 1953، مبرد كيلفيناتور، نيويورك.
وعلى طريقة ماري_ جوسي، بدأ باتريك في تعلم الإنجليزية تحت أغصان شجرة الصفصاف، بدعوى أنه لا يستطيع انتظار دخوله إلى القسم السادس. ساعدته ماري_ جوسي على أن يضفي على إنجلزيته نبرة أمريكية لم يكن في الإمكان مقاومتها، ولكنها كانت تشكل جانبا سلبيا: لقد اخترعتها. كانا يساعدان بعضهما حتى يتمكنا من فهم مطويات البيع عبر المراسلة والتمكن من فهم الإشارات في الرسوم المتحركة التي افتتنا بها كما لو أن الله أوحى للمرة الأخيرة بكلامه إلى أرض فقاعات الرسوم المتحركة.
بدأ الله يفقد الرضا. نقل الله عدم الرضا هذا على لسان قسه. وهي طفلة كانت ماري –جوسي تـجد متعتها في لعب دور البائعة في دكان والدها، إلى جانب أختها بريجيت التي تقوم مقام أمها في المتجر.
في البداية رفضت أن يتم تعيينها من طرف أختها لتقف أمام صندوق المال، وأن تكون مجبرة على بيع بضاعة قروية، بعد أن تكون قد ارتدت البذلة المخصصة لذلك. يأتي القس «مونتريت»، مرتديا جبة سوداء، ليبتاع أوراق النعناع وأزهار البابونج لتهييء نقيع المساء.
كان رجلا قصير القامة، نحيفا ويشبه راهبا مروفنجيا(1)، كان له وجه مأساوي مثل أولئك الذين رأى الأطفال أشباحهم تتآكل في أورقه الكنائس القديمة في القرية. كان يضع إكليله بنفسه على رأسه إلى درجة أنه كان يبدو أصلع تقريبا طيلة شهرين وجمجمته تسيل دما. له عينان شاحبتان. كان قس «مونغ» يخاف من الناس كما لو أنهم حيوانات. نادى على «باتريك كاريون» لحضور قداس الفجر. في السادسة إلا عشر دقائق يقرع جرس باب المنزل، بين الأزهار، وسط الضباب الصاعد من النهر مخترقا كل شيء.
عندما ينتهي القداس يتناول القس «مونتريت» الفطور في الدير رفقة باتريك. مارسيل تسهر على خدمتهم. طلب القس من باتريك أن يساعده في إجراء مكالمة هاتفية، لأن الهاتف يسبب له رعبا غامضا لا يهدأ.
«أحتاج مساعدتك» ، قال له.
فطلب منه أن ينوب عنه في التحدث مع المزارعات العجائز اللواتي يمتن في أطراف القرية أو في الغرف الباردة الخاصة بالنساء. ما أن أجرى باتريك المكالمة، حتى أخذ منه القس الهاتف ببطء. وهو مرعوب قرب فمه.هو الذي لم يعش حياة متبذلة، غمغم وضاع وسط الكلمات.
أصبح باتريك كاريون طفل المذبح المفضل لدى القديس «مونتريت»، إلى درجة أنه في السنوات التالية كان قس مونغ يشرفه بكل الطرق الممكنة. وعندما بلغ السن الثانية عشر، في سنة 1953 ، في وقت كانت فيه القوات الأمريكية تغادر كوريا، وفيما بدأت القوات السوفييتية تقصف الألمان في برلين، كلفه بحمل المبخرة . ولقب حامل المبخرة يطلق على الطفل الحامل للبخور جيئة وذهابا، هابطا الدرجات نحو الجموع، والذي يحرك بشكل مفاجئ ونبيل المبخرة التي تثير إعجاب أنف الخلود.
[[[
في يوم من أيام سنة 1954 ، عندما علم من الراديو أن الفرنسيين غادروا الهند ، دفع القس «مونتريت» باب البقالة ، بوجه يبدو عليه الانفعال، وعينين شفافتين ، وخيطيته ذات العروة السوداء تتدلى من طرف يده. في نهاية تلك الظهيرة كانت ماري_جوسي تسهر على الدكان رفقة باتريك.
«أيها الصغير ،قال له ، أحتاج إلى مساعدتك».
كان باتريك يضع يده على الهاتف قرب الصندوق مسجل السلع.
«لا، قال له القس ،لقثد قررت أن أجعل منك قائد طقس كبير».
كانت تلك هي أعلى درجة يمكن أن يطمح إليها. قائد الطقس الكبير هو رجل الدين الذي يقود الاحتفالات التعبدية رفقة جمع المؤمنين. هو من يمسك الإكاء المتحكم في عمليات السجود ، ويوجه عازف الأرغن والحاجب. هو من يقود حركات الأطفال الآخرين الذين يقفون في الجوقة. هو من يخفض الوجه ، هو أيضا من يرفع غيمة البخور من بين يدي حامل المبخرة. هو من يعلن توبته وسط الخوف والصمت المحيطان بالجريمة التي ارتكبت في جنة عدن ، وهو يدندن شيئا فشيئا بالصلاة ، ويرفع النشيد ، ويخضب جراح الله.
لاذت مونغ بالصمت تحت وطأة الحرب العالمية الثانية. السكان صمتوا إلى الأبد لأن الرعب لم يكل طيلة سنوات. لقد عرفوا الألمان.
… يتبع المادة كاملة بموقع المجلة (www.nizwa.com)
واكتشفوا ، وهم في سبات، الأمريكيين الذين أخذوا مكانهم ، والذين اخترقوا ضواحي «أورليان» ، وبنوا أجنحة ، ووسعوا من ثكناتهم ، وبسطوا آلاف وآلاف الأسلاك الشائكة لحماية مستودعاتهم ، والحفاظ على محلاتهم الخاصة، ومراقبة مواخير الضاحية بمساعدة أطبائهم وقوانينهم الصحية.
نشرت بلدية «أورليان» منشور «لنكن أصدقاء». العلم المرصع بالنجوم يرفرف فوق ثكنة «كوليني». ثلاثة ملاين من البدون مأوى يتجولون في «أورليان». الضباط الأمريكيين يحتلون الفيلات والقصور.الجنرال القائد في المنطقة يقيم في قصر «لاموث» الواقع على شواطئ»لواري».
علق «غانفيل» صاحب مقهى ومطعم «عند لويس» هذا الإعلان: «محل لا يدخله جنود الاحتلال الأمريكي».
إذا كان الأورليانيون والمونغيون ، الذين كانوا تقدميين، يتأملون بمتعة البذخ الذي يعرض في شارع «شاتودوم» ، فإنهم كانوا أيضا يلاحظون بعين التجريم تنامي عدد الجنود وما يصدر عنهم من تصرفات، فكانوا يتمنون بمحض إرادتهم القدوم الوشيك للروس الذين سيحررونهم.فتكونت في القرية خلية شيوعية فرنسية من أجل التحرير بمبادرة من العامل البناء «ريدلسكي».
تم تثبيت الجزرة الحمراء فوق المقهى على الحائط الرمادي، على بعد عشرة أمتار من بيت الدكتور كاريون. لم تكن الجزرة الحمراء موصولة بالكهرباء . لقد كانت داكنة وليست حمراء. وهي مجردة من النور وراسخة في الجدار، كانت تجعل اليافطة العتيقة في شارع «لاموف»، التي غسلها المطر، تبدو متدلية. إنه مستودع التبغ في القرية. هناك كان يلتقي البناء» ريديلسكي» ومبيطر الخيول «كيليري» ومدرسا «مونغ» وأيضا طالبان أو ثلاثة يتابعون دراستهم ب «أورليان». يقولون: «نحن أحياء أموات» نحن أسوأ من العبيد، متطوعون عند الشر.هذه المرة الثانية خلال عشر سنوات ، ونحن نستقبل الأعداء ونعاملهم مثل الأمراء. الاحتلال الألماني عودنا على الإذعان والتواطؤ. تخلينا لهم على بيوتنا، فارتفعت أسعار الإيجار.كنا نطعمهم وبذلك أصبحت الحياة خرابا».
قال بيير بوجاد: «الدولة تريدنا أمواتا». والشيوعيون حذروا من استقلال مخجل يتم توسله. «إن استقبالهم، قال المدرسان، يعني السير على خطوات الجيش الذي احتل الشواطئ.
ستعملون لصالح الاحتلال. ستأكلون من يده ، ستلبسون ثيابه. ستعيدون إنتاج سلوكاته. ستشربون مايروي عطش الطاغية وستفكرون مثله ، وستتمنون استقلالكم وستعلنون موتكم».على الطرق المؤدية إلى قواعد حلف شمال الأطلسي العسكرية ، يمكن أن نقرأ ماكتب على الطريق بحروف بيضاء بارزة، أو فوق حيطان المعامل، أو على حواجز القناطر التي يعاد تشييدها: إذا ذهبنا إلى وطننا.
كانوا يذهبون قبل الفجر وهم يحملون سطولهم مثل الصيادين. كتبوا تلك الجملة بواسطة مكنسات بللت في الصباغة الزيتية التي تسيل ببطء فوق الحجارة البارزة على الحيطان. كانت القوات السوفياتية قد اقتحمت هنغاريا .أشباح صيادي الفجر تنفي أنها كانت تصب الزيت على الطرقات عند مرور المواكب الأمريكية حتى تنزلق أو تنقلب من أعلى الجسور. كانوا ينفون أنهم يضعون السكر في مستودعات وقود سيارات « ثيندوبونبورد» ولافورد» الكستنائية اللون بهدف حبس الضباط والجنود داخل الثكنات، على أمل أن يولدوا لديهم الرغبة في العودة.
[[[
« ضعي يدك.
-لا، يا باتريك
– هل تحبينني؟
– نعم»
– كانا يتهامسان .وفجأة سحب يده من يد ماري_ جوسي ليضعها على بطنها . فأزاحتهاوهي تصرخ.
– «لا أستطيع. ليس هكذا» قالت .
المرة الأولى التي ألح فيها باتريك على ماري_ جوسي لتترجم بطريقة أكثر وضوحا الحب الذي يكنان لبعضهما قوبل بالرفض .كان في الرابعة عشرة من عمره.
ألعابهما، أذواقهما، تأملاتهما جعلت منهما شبيهان تقريبا. وهما في العاشرة من العمر، عندما كانا طفلين، اكتشفا تباين جسديهما.فأشبعا فضولهما مبكرا. لقد لاحظا ما لا يمكن تغييره. فأخفياه من جديد. كانا قد كفا عن البحث عن دلائل لغز ظهر لهما على أنه مثير للشفقة أكثر منه إثارة للحيرة. وسخ أكثر منه غامض. فعادا منه كما لو أنهما عادا من شيء مخيف.
كل ما أخفته المراهقة وراء المسافات والخجل ، يلح باتريك على إعادة اكتشافه. كان يقود ماري جوسي إلى الجزيرة ليخلعا ثيابهما ويتبادلا القبل بلا نهاية.أو يصعدا إلى الطابق الذي توجد فيه غرفة ماري_جوسي ،عندما يكون والدها يقوم بجولته التي يجوب فيها ،على متن سيارته، ضيعات ومزرعات «سولون». كانا يحتكان ببعضهما بشدة وضيق.
[[[
في سنة 1958 تدخل الجيش الأمريكي في لبنان. وتدخل الجيش الانجليزي في الأردن. كانت ماري_جوسي في السابعة عشر من العمر. وما هو إلا فصل واحد حتى تغيرت ماري_جوسي. من فتاة قبيحة وثقيلة إلى فتاة ممشوقة. وبدون أن تكون جميلة ، أصبحت مثيرة بفضل قوة ملامح وجهها. على خطوط وجهها المليئة بالتوتر والحزن ،تلمع الابتسامة بشكل مفاجئ: تظهر أسنانها البيضاء ، اللامعة وسط الظلام الدافئ في فمها. وعندما تتكلم تختفي نظرتها السوداء.
غاصت عيناها من جديد في ذبول أكثر ازدراء وكآبة. كانت ترتدي عن قصد فساتين وقمصان ذات ألوان داكنة. وعندما كان والدها ينتقد ذلك ، كانت تجيب بأنها تلبس ثياب الحداد حزنا على أمها ، فكانت تتلقى صفعة. أصبحت تؤمن بالشعوذة. كانت تبكي عندما يشوه دمل جبينها أو انفها. كانت تنسحب بلا حذر إلى مناطق متعذر بلوغها ، وتبدأ في النظر إلى باتريك من فوق. كانت تقول له إنها لا تحب قميصه. لأنه يعطيه مظهر»طفل صغير». فكان باتريك يقول لنفسه بأنه سيخنقها إذا ما استمرت في تأنيبه بلا توقف أو إذا أرادت أن تهيمن على أذواقه.
«احلق قليلا شاربك المزغب».
كانت تضايقه. كانت تزعجه. في شهر ماي ، يوم 13 منه، استولى التلفزيون واحد الجنرالات القدامى على السلطة. رفض «شارل دي غول» أن يمد يده إلى «غاستون مونوفيل».
للمرة الثانية ، في غرفة ماري_جوسي، عندما تجرأ باتريك وشد أصابع ماري_جوسي الهزيلة باتجاه أعلى سرواله ،للمرة الثانية. رفضت ماري_جوسي تضرعات يده.فوجد باتريك الحل في الوصول إلى اللذة وحيدا، فوق غطاء سرير مار_جوسي ، فيما كانت هي تؤكد أنها تحبه.
في ذلك الوقت ،لم تكن أقراص منع الحمل. إنها مرحلة الفرنك الفرنسي القديم. لم تكن هناك وسيلة لمنع الحمل. والخوف من الإنجاب كان غامضا.
ابتعدت ماري_جوسي عن باتريك عندما تقوس جسده وبدأ يبحث عن اللذة. ابتعدت وجلست على صندوق.
كانت دائما تتطلع إلى البعيد، وهي محاطة بدخان سيجارتها.كانت تحب كتب «سيسبرون». وكانت تتحدث طيلة ساعات عن القضايا الكبرى التي يطرحها الخيال العلمي:الشر ،الله،الحب،السلم، الرومانسية ،الطيبة،المدن العواصم،الرفاهية،الخلود… لكنهما لا يتفقان على رأي واحد لأنهما يبلغان نفس السن.
في الثانوية، كان باتريك يخوض في شجارات مفاجئة ومتكررة فكان يعاقب قانونيا على ذلك بالسجن. وكان ذلك يضاعف ويؤكد الحقد اللاذع الذي لا يرتوي الذي يجد نفسه فيه في آخر النهار. كان يتشبث برايه ويخجل من كل رغباته التي لم يعد يجرؤ على اقتراحها على الحكم المزدري الصادر عن ماري_جوسي. فكان يخفيها في أعماق ذاته إلى درجة انه كان يضيعها.
[[[
مع وصول شهر شتنبر سنة 1958 ، رغب زملاء الدراسة في التسلية فحرفوا اسمه. أغلبية زملائه اتفقوا على مناداته بالأحرف الأولى من اسمه :ب.ك. كان ذلك يهينه في البداية ، ثم أصبح يحرجه. مع مرور الوقت أصبح حساسا أكثر تجاه هذا اللقب ، وأكثر تمزقا عندما يستجيب له عند مناداته به كما لو أنه اسمه الحقيقي.كانوا ينادونه «ب.ك» لأنهم كانوا يعتبرون عشقه للعالم الأمريكي مفرطا وربما غير قانوني. لقد أعاد الروس السلم لهنغاريا. وأقاموا الثورة في كوبا. ودخلوا مصر وشيدوا السد العالي.
لمناداته ،كانت ماري_جوسي تردد الأحرف الأولى من اسمه التي كانت تضحكها. كانت تنطقها على الطريقة الأمريكية:»بي كي». هذه العادة الجديدة كانت تجعله يفور من الغضب.
منذ أن كفوا عن الذهاب إلى نفس الثانوية ،بدأت تلحق به في الجزيرة. كان يجلب لها جوارب وعلب سجائر أمريكية اشتراها من السوق السوداء في ثانوية الذكور. كانت تدخل ببطء يديها الطويلتان والنحيفتان في الجوارب وتفحصها في الضوء. وكانت تشتم علب السجائر بتلذذ وبطء قبل فتحها. وفي الأخير تشعل عود ثقاب وتسحب نفسا. تتمدد على الضفة. وهي مرعوبة من فكرة الحمل ،كانت تزيل من ذهنها أنهما سينزعان ملابسهما الداخلية. وفي بعض الأحيان كانت تقبل أن تثيره بيديها فوق الثوب.
«ساعديني» ، للمرة الثالثة يتضرع إليها بصوت خفيض.
كان آخر يوم سبت من شهر فبراير ، من سنة 1959. كانا على الجزيرة المليئة بأشجار الصفصاف.الجو حار جدا. استسلمت وأدخلت أصابعها تحت سرواله. بلغ باتريك لذته بين أصابعها المشدودة. شعرت بقرف أسوأ مما توقعته. قضيب باتريك المبلل جعلها تفكر في قصب النيلوفر اللزج. جعلها تفكر أيضا في السمك الذي كانت تخرجه من الماء وهو يتلوى بين أصابعها كي يفلت من الصنارة. مالت ماري_جوسي على رأس باتريك ، وقربت شفتيها من أذنه وقالت له إنها لن تفعل ذلك ثانية.
تراجع باتريك إلى الوراء على الرمل ، ونظر إلى ماري- جوسي بعنف. لكنه صمت. ضجيج مصم ملأ السماء. مرت مروحية تابعة للقوات الأمريكية فوق رأسيهما. اخترقت المروحية سماء «لالوار» متجهة نحو الغرب. خفض باتريك رأسه.
بدأ يتأمل المرأة الشابة الطويلة القامة، المتربعة فوق المزهرية المشققة، وهي تدخن سيجارة لإزالة رائحة المني الذي قذفه بين أصابعها. شعرها الأسود الطويل منسدل فوق كتفيها العاريين. كان الجو حارا .خيم الصمت من جديد.هدير الأمواج الصغيرة يتردد على أحجار وأعمدة السد.أكدت له دون أن ترفع صوتها أنها ارتكبت خطا جسيما فعندما أحبها كان من الطبيعي أن يريدها كليا لنفسه. قال لها بصوت خفيض أنه ليس فقط يريد يدها من جديد، بل فمها، وفي الأخير هي ذاتها.
نهضت.
«أبدا.قالت. أبدا»
أكدت أنه كان مثل الوحش.قالت:» ليس هذا هو الحب».
رفعت شعرها بيديها. امتلأت عينيها بالدموع. بدأت تلعب بعلبة سجائرها «ل.م». كانت قد بقيت مطيعة تحت جسده، شبه عارية تماما، إلا من سروالها الداخلي القطني الأبيض. لم تعد الرغبة في الكلام. ارتدت ملابسها في صمت.فكاها مشدودتان دفعت القارب الأسود المسطح داخل الماء. التحقا بالضفة. وافترقا دون أن ينبسا بكلمة واحدة.
لم يذهب إلى بيته مباشرة. ركب دراجته الهوائية من الكوخ الموجود في الحديقة الخلفية، وصعد الهضبة .مع مجيء الليل اشتد البرد. لا نجوم في السماء.كان يتجول على دراجته في الليل.سار على طول الأسلاك الشائكة التي تحد المعسكر. نظر إلى الغيوم السوداء السائرة فوقه في الكون المظلم. الساعة تشير تقريبا إلى الحادية عشرة عندما بدأ المطر يهطل. المطر يصطدم ببلاط الشارع.فعاد عبر طريق القصر.
***
رآهم وهم يكتبون في صمت تام على جدار البيت المجاور لبيتهم. نزل على متن دراجته شارع « رامبار». المطر يهطل على وجهه ويديه. حاول فرملة الدراجة دون فائدة. ورث عن خالته دراجة نسائية عتيقة من نوع « بوجو»، إطارها على شكل v ، فراملها لا تعمل ، وإنارتها شبه عاطلة لا تضيء في الليل إلا أجزاء صغيرة.
رأى الشاحنة الصغيرة «رونو» مصابيحها مضاءة في اتجاه جدار البيت .فرمل بمساعدة رجليه. ترجل عن دراجته، وهو ينظر إلى باب الشاحنة الخلفي المفتوح، وإلى سطلي الصباغة البيضاء والفرشاة غير المستعملة والمتخلى عنها. يقع بيت الدكتور «كاريون» في ساحة الكنيسة، حيث يقع أيضا بيت المهندس، ثم شارع « لاموف» بمقهاه الذي يبيع التبغ، وبيت الآنسة «لاموري»، عازفة الأرغن، وأخبرا دكان الخردوات والبقالة . في الطابق الأول من بيت «آل فير» ، يقيم السيد فير والسيدة «مينار».
رأى النفس الأبيض الخارج من أفواههم وأنوفهم على ضوء مصابيح الشاحنة. رأى الفرشاة التي بدأت ترسم حرفي HO على جدار بيته، وتحديدا على الجدار الذي يحيط بالحديقة الصغيرة التي ترعاها والدته. توجه نحوهم تحت المطر الغزير، وهو يصرخ بأن يتوقفوا.
تلقى ضربة بالفرشاة على بطنه. نهض. تمكن من أخذ الفرشاة من بين يدي الطالب. قال أحدهم إن « فيديل كاسترو « انتزع «هافانا» ، أو شيئا من هذا القبيل.في تلك اللحظة دفعه أحدهم بقوة من الخلف. تلقى ضربة بحافة سطل الصباغة البيضاء على وجهه. شعره القصير تلطخ بالصباغة البيضاء. سقط على رأسه على حافة مجرى الماء.
****
ضابط الصف الأمريكي القادم من المعسكر توقف فجأة لاجتناب الاصطدام بالشاحنة «رونو» الخارجة بسرعة مفرطة من شارع «لاموف».
انقلبت «الشيفرولي» التي يقودها الرقيب الأول « و.ه.كابيرا».إلى جانب الرقيب كابيرا ، كان يجلس رجل قصير وسمين، في الأربعينيات من عمره ، أشقر، ساخر، يشبه الدمية، اختفى ذقنه في عنقه.كان برتبة ملازم، اسمه «وود».
أدار الرقيب كابيرا السيارة بسهولة .داس على السرعة من جديد، إلى أن وصل إلى ساحة الكنيسة، وصعد شارعا مائلا، قبل أن يدوس الفرامل من جديد بشكل مفاجئ.
فتح الملازم»وود» باب السيارة بالقرب من جسد «باتريك كاريون « المغمى ،ورفع رأسه كان شعر الشاب مغطى بالصباغة البيضاء، خيط من الدم امتزج بالمطر على الأرض. كان الدم يسيل فوق عينيه.
العين اليمنى مليئة بالدم ومفتوحة عن آخرها ، كان يبدو شبه ميت.
***
يعتقد باتريك كاريون أنه عندما يموت فإنه سيدخل عالما آخر. حدثت ضوضاء استثنائية، فتح عينيه لكن سحابة من الدم شوشت على ما رآه. كانت القاعة مليئة بالناس، بنساء،و طاولات،و أرائك،و كراسي،و قطع هندسية كستنائية و برتقالية تغطي الجدران.كانت مائدة الأكل الفارغة مغطاة بغطاء من الفورميكا كستنائي اللون . الأطباق الكرتونية ملطخة ببقايا الأكل. الذرة مأكولة إلى النصف. الكؤوس الكرتونية مدعوكة . قناني جعة «بيك»و «بيدويزر»، و الكيتشوب. أوعية «بينوت بوتر» و المايونيز الكثير القشدة. أقمصة تنتظر الكي متراكمة فوق مساند المقاعد. طاولة الكي مطوية بجانب مائدة الأكل. كان وقاء الثياب المصنوع من البلاستيك يضم البدلات العسكرية و الفساتين، معلقا مباشرة في حاملة المصباح. مجلات مرمية في كل مكان بلا ترتيب.
«بودي هودي» يغني بملء صوته : عار! فوق مكبر صوت الرمادي لمشغل الأسطوانات، وضعت روزنامة هولوودية تمثل « أفاغاردنر». تأوه باتريك عندما وضعه الرقيب « كابيرا» ، الذي كان يحمله بين يديه، برفق فوق الأريكة في بيت آل «وود».
أسرعت السيدة «وود» و هي تحمل كيسا صغيرا من القطن و قنينة من الميركيروكروم، كانت تجمع شعرها الأشقر بملقط ، و ترتدي لباس البيت.
«بودي هودي» يهمس:
i>m gonna love you too.
يرى باتريك القاعة في ضباب من الدم. كان يشعر بالألم. ميز طيف شابة تتوجه نحوه. عمرها خمسة عشرة عاما، دقيقة الأنف و شقراء. عيناها زرقاوان، شديدتا اللمعان، تكادان تكونان شفافتين. ترتدي سروالا قصيرا فوق فخذيها. قميصها الرياضي الضيق يبرز نهديها. نهداها ناضجان جدا. كانت تقوس جسدها كي تبرزهما أكثر. تضع في رجليها جوربين صغيرين أبيضين بدون حذاء .
مسحت عينيها. كانت تمسك في يدها صدرية صوف موشاة بوبر أبيض طويل. قرفصت بالقرب من باتريك الذي سمع صوتا فقفز من مكانه،و جحظ عينه اليسرى كي يرى : كانت تقضم قطعة من الحلوى.
بارتخاء جلست ابنة الملازم « وود» بالقرب من باتريك، وهي تدفع فخذها و ردفها. أمسكته من يده و هي تقضم الحلوى، قالت بالأمريكية بأن «بودي هولي» قد مات في حادث طائرة .
« you know, Buddy just died in a plane crash. At least you>re alive!»
، (قالت له ابنة الملازم «وود» بأنه محظوظ لأنه مازال حيا).
« معذرة! « همس باتريك.
وضعت صدرية الصوف على رأسها فيما كان الملازم « وود» يسأل باتريك و هو يتكلم ببطء :
you people got a phone?
(سأل الملازم «وود» باتريك كاريون هل يمتلك والديه جهاز الهاتف).
صرخ الدكتور كاريون و منهمك في خياطة حاجب ابنه. كانت ابنة الملازم «وود» تمسك يده، ضاغطة بقوة. العملية تطلبت غرزتين.
أثناء الغرزة الثانية، وبشكل مفاجئ ، انفجر الدم على صدر ابنة الملازم.
رأى، وهو يصرخ ، نقط الدم تحط مكورة فوق صوف الصدرية، الذي لم يمتصه بسرعة.
بعد ذلك امتص الصوف البقع، كان يراها تتسرب ببطء، صرخ عندما رأى الصوف يشرب الدم.
كان والده يدهن الجرح بالميركيركروم الذي مدته إليه السيدة «وود»، التي وضعت، أيضا، كمادة بينما كان الدكتور كاريون يمسح يديه عبثا بمنديل ورقي. كانت يداه ملطختان بالصباغة البيضاء التي كانت على شعر رأس ابنه. أغلق حقيبته الداكنة و نهض. فتح باتريك عينيه و رأى فجأة قنينة جعة بالقرب من وجه أبيه.
ابتعد الدكتور كاريون بحركة كلها حيوية. على يساره، أقفل الرقيب « ويلبور كابيرا» القنينة وهو يقلد بمهارة كلبا ينبح، ثم فتحها بفمه و بصق ثانية السدادة على الأرض.
ظن باتريك أنه دخل إلى عالم لا معنى له. أغمض عينيه. كان الملازم الأمريكي يقول : – care for a Bud doc?»
(سأل الملازم «وود» الطبيب كاريون هل يرغب في كأس من الجعة). رفع باتريك جفنيه، رأى والده يبتسم، وهو يوافق. كان والده يتحدث ببطء و بنبرة فرنسية قوية جعلت ابنه يشعر بالخزي
«thank you very much».
قال الطبيب كاريون.
جلس الطبيب قرب السيدة «وود» على مقعد له متكأ عريض مصنوع من الموكيت الرمادي، قهقه الرقيب «ويلبور كابير» و قال «french commies!» (أشار الرقيب «و.ك» إلى أن الشيوعيين الفرنسيين لا يبدون أكثر رعبا من أحزاب أخرى مقربة).
كان الملازم «وود» يشرب جعته، وهو يخفض رقبته نحو الوراء.خط من الجعة سال على ذقنه، قبل أ تجففه ياقة القميص الأبيض.أصيب باتريك بصداع قوي في الرأس.عيناه تؤلمانه.كان يسمعهم يتحدثون في مكان بعيد.شعر بالألم كانوا قد خاضوا في نقاش ضاج، ويتحدثون برطانة بدت له شديدة الغموض.
*****
شعر بحرارة فخد ابنة الملازم «وود».فتح عينيه من جديد.نظر إليها. كانت ابنة الملازم منهمكة كليا في التنظيف – بواسطة بمنديل – بقعة الدم على الصدرية التي تغطي نهديها.
نظر إليها.حدث ذلك بشكل مفاجئ.عندها فوجئ بكونه قد غادر الطفولة.كان ذلك اكتشاف انقبض له قلبه: لقد غادرت الطفولة، كل الروابط فكت، والاتحاد تحلل. الزمن بدأ يمضي دون أن ينتبه إليه.كل شيء افتقد في لحظة واحدة.كل شيء أصبح لغة. كل شيء أصبح ذاكرة. كل شيء أصبح قابلا للحكم.كل شيء بدأ يبتعد شيئا فشيئا، وهو يتدفق نحو عشرة آلاف فرسخ.
فجأة غادر بيت والده .العالم أصبح فضاء شاسعا. الزمن حط بالقرب منه.فجأة امحت كل أشكال الولع، والألعاب التي كانت تشغله بواسطة ممحاة الكلمات الدقيقة الخوف من السفهاء، والرعب الذي يصيب بالانقباض .الأب، الأم –وأيضا زملاء الدراسة، وحب الطفولة- نوع من الحماقة ارتبط فجأة بهما وأصابه بالخجل.
.
إذن كان يتأوه، وكانت تضع يديها على جبينه.مالت نحوه: « what’s your name?» (سألت ابنة الملازم «وود» باتريك كاريون عن اسمه ، وهي تتلفظ الكلمات ببطء، وتغضن جبينه).»
«باتريك»
-اسمي « ترودي»
وضغطت على يده.
سألت»ترودي وود» باتريك كاريون عن حالته
غضنت جبينه بيدها وهي تسأله
حاول أن يرفع كتفيه.لكن باتريك أمسك بأصابع «ترودي» وصمتا.
« I loved Buddy Holly .he was twenty- two and he was the greatest singer in the world. »
( قالت «ترودي وود» لباتريك كاريون بأنها تحب بودي هولي. وإنه كان في الثانية والعشرين من عمره ، وكان أكبر مغن في العالم).
* – شخصية في الإنجيل عندما علم بالطوفان هرب هو وعائلته في السفينة.
1 – مروفجي mérovingien: متعلق بالعهد المروفنجي.
باسكال كينيار ترجمة: محمود عبد الغني
شاعر من المغرب