** من الفترة الثاني عشر من اكتوبر " تشرين" عام 1996 الى السابع عشر من نفس الشهر زار مصر المفكر الفرنسي روجيه جارودي، بدعوة من سعد الدين وهبة بصفته رئيس اتحاد الفنانين العرب، رئيس رابطة المثقفين المصريين.
وقد تضمنت الزيارة القاء محاضرة مكتوبة من قبل في دار الضيافة بجامعة عين شمس "عن الاساطير المؤسسة لاسرائيل". ومحاضرة أخرى على جمهور ضخم في احد فنادق القاهرة الكبرى عن الاسلام. والتقى خلال وجوده في مصر بالصحفيين المصريين في نقابتهم والكتاب في اتحادهم، والمثقفين في مائدة حوار مستديرة مغلقة. وزار نجيب محفوظ في مركب رأسية بجوار شاطىء نيل الجيزة لمدة دقائق. وألقى محاضرة في المجلس الأعلى للثقافة. في مقر المجلس بالزمالك، وكان معه في كل هذه التحركات سعد الدين وهبة، مضيفه وموجه الدعوة له، والرجل صاحب اكثر المواقف حدة ضد اسرائيل في اوساط المثقفين المصريين. وكانت مع جارودي في كل هذه التحركات ايضا زوجته الفلسطينية سلمى الفاروقي بلباسها الاسود التقليدي الذي اصبح جزءا من شخصيتها.
وقد كانت الدعوة الموجهة لجارودي لزيارة مصر في هذا الوقت بالذات، ضربة معلم من سعد الدين وهبة، فقد تمت الزيارة في الوقت المناسب. والمكان المناسب تماما، فقد وصل – او كاد ان يصل – السلام العربي – الاسرائيلي الى طريق مسدود. وصورة اسرائيل في الوجدان العربي بعد صعود ناتانياهو الى الحكم في اسرائيل، وصلت الى حالة من الرفض العربي لها لم تحدث من قبل ابدا. هذا الرفض كان موجودا منذ اغتصاب فلسطين سنة 1948. ولكن ناتنياهو جاء بعد محاولة سلام عربية – اسرائيلية. كان هناك نوع من القبول العربي بها ولها. ولكن التطورات اللاحقة نسفت هذه الاحتمالات حتى اشعار آخر.
وسعد الدين وهبة اصبح رمزا من رموز رفض التطبيع الثقافي مع العدو الاسرائيلي. وهذا ليس موقفا طارئا له. ولا هو محاولة للسير مع اتجاه الريح. فالرياح كلها ضد ممارسات اسرائيل.
ولكن سعد الدين وهبة فقد وظيفته كوكيل اول لوزارة الثقافة المصرية في زمن السادات، بسبب موقفه من التطبيع الثقافي، حيث رفض من موقعه المشروع الاسرائيلي الذي كان مقدما لمصر من اجل فتح علاقات ثقافية مصرية – اسرائيلية. وما زالت فصول هذه القصة لم تنشر حتى الان.
وفي السنوات الاخيرة اصبحت قضية التطبيع هي همه الاساسي. وتحول الى نقطة جذب جوهرية في هذه المسألة. وهو يكتب مقالات اسبوعية في جريدة «الاهرام». تشكل اختراقا حقيقيا لمواقف الصحافة القومية من مسألة اسرائيل.
وقد انتهى مؤخرا من كتابة مسرحية جديدة عن التطبيع مع اسرائيل اسماها "المحروسة 95" من المتوقع ان تعرض على مسارح القاهرة في القريب العاجل. ما لم تقع عقبات تحول دون عرضها.
هذا عن المناخ، وعن الداعي فماذا عن المدعو؟ انه روجيه جارودي، او محمد رجاء جارودي معلما اطلقت عليه بعض الصحف المحافظة. حيث منحته اسما جديدا. هو اسم اسلامي اساسا.
وجارودي هو رجل التقلبات الكبرى في القرن العشرين. كان مسيحيا ملتزما ثم انتقل الى الماركسية الاوروبية. ثم تحول عنها بطريقة نجومية، ومؤخرا اشهر اسلامه، ثم قيل انه ارتد عنه ونفى هو ذلك.
وقيل عنه في باب هذه التقلبات العنيفة انه كان في زمان مضى – حوالي الخمسينات وجزء من الستينات – من المتعاطفين مع اليهود، وكان هذا التعاطف جزءا من موقفه العام.
ثم انتقل مؤخرا وفجأة الى موقف شديد العداء للصهيونية، وتوقف امام «الهولوكست» وهي مذابح اليهود ابان الحرب العالمية الثانية، التي حولتها اسرائيل الى اسطورة، من الاساطير المؤسسة لها.
باقي قصته مع الصهيونية العالمية في فرنسا، ومحاولة مصادرة كتابه الهام عن الاساطير الاسرائيلية معروفة، وهو من المواقف التي يجب ان تسانده الامة العربية فيها.
وزيارة جارودي للقاهرة التي تمت في اكتوبر الماضي ليست زيارته الأولى لها. فقد جاء في الستينات وقابل عبد الناصر بحضور محمد حسنين هيكل. وعرض على عبد الناصر الوساطة في لقاءات مصرية – اسرائيلية، وان كان عبد الناصر لم يأخذ العرض على سبيل الجد. واكتفى بالاستماع له، بنصف اذن ونصف اهتمام.
وجاء مرة أخرى في العقد الثامن من هذا القرن بعد ان اشهر اسلامه، ودعاه لزيارة مصر الدكتور ممدوح البلتاجي رئيس هيئة الاستعلامات المصرية في ذلك الوقت، وألقى محاضرة في جامعة الإسكندرية عن الاسلام.
واذكر انني كنت ضمن المدعوين للسفر معه من القاهرة الى الإسكندرية، وقضاء ليلة معا والعودة في اليوم التالي. وكانت معه في هذه الزيارة زوجته الفلسطينية سلمى الفاروقي وان لم تكن قد ظهرت عليه اعراض تضامنه القوي مع القضية الفلسطينية في ذلك الوقت.
كان في ذروة حماسه لتحوله الطازج في ذلك الوقت، ولم يكن قد كتب مؤلفاته عن الاسلام ولكن الذي ادهشني في هذه الرواية، وقد دونته في يومياتي عنها، وعدت اليه مؤخرا انني عندما كلمته – عبر ترجمة زوجته – في فندق فلسطين في ليل سكندري شتوي يوحي بالشجن. عن كتابه "واقعية بلا ضفاف" اكتشفت انه ينظر الى هذا الكتاب الهام والخطير على انه من الحفريات القديمة.
تحدثت يومها عن الاثر الذي تركه هذا الكتاب علينا – نحن ابناء جيل الستينات في الواقع الادبي المصري – وان هذا الكتاب نقلنا من مفاهيم ضيقة ومحدودة للواقعية، الى مفهوم جديد شكل اللبنة الأولى في المغامرة الفنية للجيل كله.
كان الرجل متحفظا على هذا الحماس العاطفي لكتابه، والتضخيم للاثر الذي تركه فينا، وكان يحب ان يضعه في سياقه الطبيعي في تطور سيرته الفكرية. مع اننا تعلمنا من هذا الكتاب ان الارتفاع فوق الواقع، والتحليق بعيدا عنه ليس ضد الواقعية بل ربما كان جوهرها ومن صميمها.
لا اقول ان رد الفعل عندي كان خيبة الامل، ولكن الادراك العميق. ان هذا الكتاب كان نتاج مرحلة مضت، وان الرجل لم يتوقف طويلا امام هذه المرحلة، وغادرها الى غيرها. بينما نحن مازلنا في نفس المرحلة، معجبين بها، وهذا هو الفارق الجوهري بين حضارة أتى منها الينا. وبقايا حضارة مازلنا نعوم في بحيرتها الراكدة، حتى الآن وسنظل هكذا حتى اشعار آخر.
في زيارته التسعينية للقاهرة، والتي تمت تحت عباءة العداء للصهيونية لم اتمكن من متابعة لقاءاته كلها لظروف العمل والارهاق النفسي. وحالة من الاكتئاب الطارىء التي احاول جاهدا طردها عن نفسي والخروج من نفقها بأقل الخسائر الممكنة.
لكنني شهدت بأم عيني لقاء جارودي مع نجيب محفوظ، على مركب جاثية على شاطىء النيل بالقرب من الجيزة، استمر اللقاء كله خمس عشرة دقيقة بالضبط، وقد جاء خطفا من وقت بين لقاء تم في مكتبة القاهرة الكبرى في الزمالك. ولقاء آخر كان من المفروض ان يتم في مقر اتحاد الكتاب في الزمالك ايضا.
بين هذا وذاك جاء الينا جارودي، ومعه سعد الدين وهبة، وزوجته السيدة سلمى، ومكث معنا ربع ساعة حسب التعبير المصري ومضى، وقد شهدته في هذا الوقت القصير.
وفكرة لقاء جارودي بنجيب محفوظ نبتت في اتصال تليفوني بيني وبين سعد الدين وهبة، وعلى طريقته في التقاط الجوهري من الامور رأسا، رحب هو بالفكرة التي كانت تدور في ذهنه قبل أن أطرحها عليه، ولكن بشرطين ان يعرضها هو على جارودي ويحصل على موافقته، وان اعرضها أنا من جانبي على نجيب محفوظ وأحصل على موافقته.
اتصلت بنجيب محفوظ في بيته، كان الوقت صباحا ربما كانت من المرات القلائل التي يرد على التليفون مباشرة دون وساطة أحد من أهل بيته، لان الرجل يتكلم في التليفون بصعوبة بالغة، رغم وجود آلة جيدة عنده أهديت له بعد نوبل ترفع صوت المتحدث، كما لو كان يتكلم في ميكروفون.
ومع هذا كان من الصعب ان يصله صوتي قلت في نفسي، لعن الله الشيخوخة وما تفعله بالانسان ولولا وجود الزميل محمد صبري السيد، المحرر بالاهرام معه في ذلك الوقت، من اجل ان يقرأ له صحف الصباح لما تمكنت من اتمام الاتصال به.
وعبر التليفون اولا وصبري السيد ثانيا، وبجهد ضخم وخارق أوصلت له حكاية ان جارودي سيمر علينا مساء الثلاثاء بعد غد – كان يوم الاتصال هو الاحد – للسلام عليه قال لي على الفور "طيب وليه ؟".
ولكنه استدرك مرحبا، ثم قال بعد قليل "وان كان لم يعد حمل مناقشات ولا يحزنون، فان هذا الرجل -يقصد جارودي – يجادل كثيرا، وفي امور وقضايا من المفروض ان نكون مستعدين لها. قبل اللقاء".
سألني نجيب محفوظ بعد ذلك باهتمام عن صاحب فكرة اللقاء. هل هو سعد الدين وهبة ام انا؟ ام ان فكرة حضور جارودي الينا نابهة من جارودي نفسه.
ونحن نلتقي عادة مع نجيب محفوظ مساء الثلاثاء من كل اسبوع، من السادسة بعد الظهر، وحتى العاشرة مساء اربع ساعات كاملة يتخللها عشاء خفيف لا يخرج عن الطعمية والجبنة البيضاء والسلطة الخضراء، وخبز ساخن.
وهذا العشاء يقدم عادة في الثامنة والنصف تماما ذلك لاننا لا ننسى ابدا اننا نجلس مع الرجل الساعة، او الرجل الذي جرى تركيب ساعة بداخله، تضبط له ايقاع كل ما في الحياة بصورة مذهلة، واي تأخير او تقديم في عاداته اليومية يعطيه الانطباع ان ثمة مشكلة كبرى قد حدثت.
ان التعود هو مفتاح شخصية نجيب محفوظ، وعندما يصل الامر الى حد العادة، تصبح لها القداسة عما سواها من الامور الاخرى. والرجل يبدو مطمئنا وربما سعيدا. طالما ان عاداته تسير وفق النظام الذي وضعه، واي خلل – مهما كان ضئيلا – يشعره بحالة من القلق من الصعب وصفها.
جاء الينا جارودي في الثامنة تماما. وانصرف في الثامنة والربع وهكذا لم يتسبب حضوره في اي تغيير يذكر لعاداتنا، كان معه سعد الدين وهبة، وزوجته سلمى وحراسة امنية مكثفة "وهذا وضع طبيعي فالرجل يهاجم اسرائيل" وجيش من الصحفيين ومندوبي وكالات الانباء والتليفزيونات.
حدثت حالة من الكوكبة في المكان وكنت انا قد ذهبت اليه، مسلحا بزميلي وصديقي "المصور" شوقي مصطفى كبير مصوري عموم مصر.
كانت ملابس سعد الدين وهبة بيضاء يشرب من فوقها العصفور وكانت ملابس زوجة جارودي سوداء وهكذا فقد كونا نوعا من التقابل اللوني حول الرجل، وبينهما جارودي الذي كان يرتدي بدلة كحلية اللون، وربطة عنق من نفس اللون وقميصا ابيض.
قبل الدخول الى رواق ما جرى في هذا اللقاء اقول ان جارودي في اللقاء الثاني كان مثقفا صلبا شعرت انني امام مثقف قوي بموقفه وعملاق بما يقوم به، وهو الاحساس الذي لا أشعر به إزاء العديد من المثقفين العرب في هذا الزمان الصعب والعجيب.
كنت أمام رجل يصل في كل مرحلة من عمره الى قناعة معينة، ثم يدافع عن هذه القناعة حتى الموت، وربما ما بعد الموت نفسه، والموت في هذه الحالة يعتبر استشهادا لا نملك سوى الانحناء امامه في احترام حقيقي.
ها هو كيان ثقافي، يقول لك ان المثقف الحقيقي موقف وان هذا الموقف عندما يخرج من اختيار صادق يساوي العمر بكل ما فيه.
تحت وابل من اضواء ادوات التصوير وامام ميكروفونات وكالات الانباء المختلفة جرى اللقاء قامت بدور المترجمة زوجة جارودي "ربما كان هذا هو السبب في وجودها في كل لقاء عقده هنا في مصر، سواء اكان لقاء عاما ام خاصا".
المصافحة، وخلالها يتحدث نجيب محفوظ الانجليزية بطلاقة، وعنده القدرة على نطق بعض الكلمات التي تسعف الموقف بالفرنسية، انه واحد من الجيل الذي اسس نفسه، ووضع اسس مشروعه، قبل زمان السرعة، وحالة اللهاث التي وصلنا اليها.
كان سؤال جارودي عن الصحة والحال، وقال نجيب انه بخير وانه يحاول ان يكتب اسمه، ثم ضحك ضحكته المجلجلة، المنطلقة الى عنان السماء سماء الله العالية.
قال نجيب محفوظ لجارودي انه حاول في ايام الصبا التي ولت ولن تعود ابدا، ان يقرأ مارسيل بروسف وبالتحديد رائعته الخالدة، " البحث عن الزمن الضائع " بالفرنسية، وانه كان يستخدم قاموس عربي/ فرنسي من اجل ان يتمم هذه المهمة الصعبة.
سألت جارودي ان كان قد قرأ لنجيب محفوظ بعض رواياته المترجمة الى الفرنسية، خاصة بعد ان حصل على نوبل، فقال لي انه قرأ واعجب برواياته ايما اعجاب، كانت الاجابة فيها قدر كبير من التعميم فحاول سعد الدين وهبة، ان يكمل الفجوات في اللقاء فسارع الى القول ان جارودي ذكر له انه قرأ له "اي لنجيب محفوظ " ثلاثية بين القصرين. وانه "اي جارودي" قد اشاد بالثلاثية اكثر من مرة من قبل.
قال نجيب محفوظ انه قرأ لجارودي كتابه الهام "واقعية بلا ضفاف" مترجما الى العربية وكتابه عن النظرية المادية في المعرفة، وان الكتابين أعجباه كثيرا.
سألت جارودي ان كان قد تابع المحادث الذي وقع لنجيب محفوظ منذ حوالي عامين، فرد على سؤالي بسؤال وسط دهشة واستغراب الحاضرين اي حادث تقصد؟! ثم أكمل قبل ان اجيب انه لم يسمع بهذا المحادث سوى الآن ثم تساءل: هل هو حادث سيارة؟!
قال له جمال الغيطاني انها محاولة اغتيال. واشار بيده الى رقبته في محاولة لتمثيل ما جرى حتى يوصل الامر الى الرجل، وان نحن جميعا قد تشككنا في حقيقة ان جارودي لم يعرف بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها نجيب محفوظ، فقد كأن دويها في خارج مصر اكثر من داخلها.
ومن قبل رفض جارودي ان يعلق على قضية تفريق نصر حامد ابوزيد عن زوجته ابتهال يونس وقال "هذا شأن داخلي لا علاقة لي به ". ويبدو ان الرجل لا يريد أن يصبح طرفا في الجدل الدائر في مصر حول هذه القضية او تلك.
ومن الاسئلة التي رفض الاجابة عليها عندما سأله احد الحاضرين في احدى ندواته ان كان وقوفه مع القضية الفلسمطينية بسبب ان زوجته فلسطينية. لقد احتج جارودي بحد سماعه السؤال اكثر من مرة. الاولى لان السؤال يحاول التسلل الى حياته الخاصة، وهذا ما يرفضه شكلا وموضوعا، والثانية: ان السؤال فيه تبسيط مخل للامور واختزال لها. وان وقوفه مع القضية الفلسطينية هو اختيار سياسي لا علاقة له بزواج او غيره.
وهذا الإختيار بالوقوف مع الحق العربي هو الذي دفعه الى الذهاب الى كان. بعد المذبحة الشهيرة التي وقعت هناك، هذا "ما لم يحاول ان يفعله اي مثقف عربي، منذ وقوع المذبحة وحتى اشعار آخر". سأل جارودي نجيب محفوظ عن سنه، وقبل ان يجيب نجيب قال له جارودي عن نفسه انه في الثالثة والثمانين، كانت هذا مفاجأة لي. يبدو ان التقدم في العمر في العالم الاول، لا يحمل معه كل ملامح الكهولة التي نراها في بلادنا نحن ابناء العالم الثالث، كان نجيب محفوظ في الخامسة والثمانين من العمر، اي ان عامين فقط يفصلان بين عمريهما، ومع هذا فان النظر اليها يوحي بأن نجيب محفوظ هو والد جارودي وربما جده ولعل هذا هو الفارق بين جارودي الذي يعيش في باريس، ومحفوظ الذي يحيا في القاهرة.
لاحظت على زيارته لمصر انها كانت شعبية، فلم يستقبله مسئول رسمي واحد وحتى احزاب المعارضة المصرية وما اكثرها وكلها لها مواقف ضد اسرائيل. ومع هذا لم يحاول احد من هذه الاحزاب دعوته، ويبدو ان الهدف من كل هذا جو الزيارة علاوة على شعبيتها ان تظل في دائرة الفكر والثقافة بعيدا عن اي طرح سياسي محتمل.
أيضا فان المؤسسة الدينية تعاملت مع الزيارة كما لو كانت لم تتم اصلا. وقد سألت سعد الدين وهبة عن هذه الظاهرة، فقال لي انه لم يفكر في ان يقابل جاودي احد من رجال الازهر، وان كان لا يعرف السبب في ذلك بالتحديد.
ولكن- يكمل سعد الدين وهبة- محمد عودة نبهه الى اهمية لقاء شيخ الازهر به، وعندما اتصل سعد الدين وهبة من اجل تحديد موعد بين جارودي وشيخ الازهر الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي، اكتشف انه "اي شيخ الازهر" في جولة خارج مصر تشمل الهند وباكستان وبنجلاديش، وانه طوال وجود جارودي في مصر، سيكون شيخ الازهر خارجها، وان مفتي الديار المصرية، وهو الرجل الثاني بعد شيخ الازهر لم يعين بعد، لانه منذ ترك الدكتور طنطاوي دار الافتاء الى مشيخة الازهر، والمكان خال تماما.
على هامش وجود جارودي في القاهرة اصدر الدكتور عبدالوهاب المسيري – وهو من رموز الرفض المصري لاسرائيل. ولكن على مستوى اكاديمي- اقول انه اصدر كتابا، فيه بعض المقالات عن جارودي سبق وان نشرت في الصحافة المصرية لعبدالوهاب المسيري نفسه وفهمي هويدي وآخرين، وفي الكتاب بيان دقيق لكتب جارودي التي سبق ترجمتها الى اللغة العربية. وحتى يكون هذا البيان بمثابة مرجع يعود الناس اليه، بعد ذلك كان لابد من وجود بيان اضافي بمترجم كل كتاب ودار النشر التي نشرته، وسنة الصدور، خاصة ان بعض كتب جارودي ترجمت مرتين الى اللغة العربية، مثل كتابه عن "الاساطير السياسية" الذي ترجم في القاهرة، ثم ترجم في بيروت، واشاد جارودي خلال وجوده في القاهرة بترجمة بيروت وهاجم ترجمة القاهرة التي جاءت ناقصة ومبتورة، وهو موقف يحسب لجارودي.
كذلك فان دار الشروق، وهي من اعرق دور النشر المصرية، انزلت الى الاسواق كتابه "اي جارودي " عن الاصولية، وسحبته من الاسواق خلال وجوده من مصر لاسباب غير معروفة، كذلك فان له كتابا عن احدى الدول العربية، ولم يظهر هذا الكتاب لا في قائمة عبدالوهاب المسيري ولا في الاسواق خلال وجود جارودي في مصر ويبدو ان مضيفيه قد طلبوا منه عدم التعرض لاي دولة من الدول الشقيقة خلال وجوده في مصر لان ذلك ليس في مصلحة رحلته المصرية. هذا بعض ما جرى وما كان في رحلة جارودي المصرية.
يوسف القعيد (كاتب وروائي من مصر)