ملف من اعداد وتقديم: محمود عبد الغني*
منذ ستينيات القرن الماضي نشأت كتابة مغربية جديدة، مختلفة، فيها من المغايرة ما لم يوجد من قبل، واستمرّت إلى اليوم بأنفاس قوية. حدث ذلك في كل أجناس الأدب، في الشعر والرواية والقصة القصية والنقد الأدبي على الخصوص. كما حدث في لغتي الكتابة في المغرب، العربية والفرنسية. وقد كان الشاعر والروائي عبد اللطيف اللعبي على تخوم أجناس الأدب، في الشعر والرواية، وعلى تخوم اللغتين، فما أن يكتب بالفرنسية حتى يعمل على عودة نصه إلى اللغة العربية. وبذلك ظل ملتبساً، فما أن يغترب حتى يعود بسرعة، كأنه يظل يفكر في هذه العودة، وفي ملاءمة نصه مع سياقه، السابق والحاضر واللاحق. وقد كان من شأن ذلك أن حقّق الشيء الكثير للأستاذ عبد اللطيف، وللأدب المغربي، وللغتي الكتابة.
لم يكن اللعبي يؤلف في جنس الشعر، بل في الشعر، بأوسع المعاني، التي قد تمتدّ إلى الحياة، والمواجهات التي تطبع هذه الحياة مع قوى الظلام، مع الأنظمة القامعة، مع الاستعمار بكل أشكاله، مع فلسطين، مع محمود درويش، وأدونيس، وخير الدين. مع الفن التشكيلي. وفي امتداد الشعر إلى هذا الحيز، أقام اللعبي رفقة المعاني، وظلال المعاني. مع الكتابة ورهانها، مع المجهول والمعلوم. من خلال فعل الطاقة الشعرية السامية هذه، أصبح اسم عبد اللطيف اللعبي دالاً على شيء يوجد في ملكوت الحياة والكتابة. اسمه قدره، يلعب بلطف بكل شيء.
إن مجلة “نزوى”، وهي تقدّم للقراء العرب ملفاً عن شاعر ظل يرى دوماً أن الحياة والكتابة أمران منظّمان وليسا عشوائيين (لكنهما من أفعال الجنون أيضا، وبقوة) تكون تقدّم أمثولة بندولية تذهب بين الحياة والكتابة، دون أن نسمع رنّة خاصة بالحياة وأخرى بالكتابة. إن ما نسمعه فقط هو صوت يشبه الأصوات الحافلة القادمة من الماوراء، من وراء القِلاع، من دهاليز النفس. كأن من يكتب هو شخص واقف على حبل، خفيف اليد والإدراك والتخييل.
من حقّ قراء عبد اللطيف اللعبي أن يتساءلوا؛ كيف كتب اللعبي ما كتبه وهو في منتهى العقل، ومنتهى الجنون؟ ما الذي يفعله المرء إزاء كاتب يفعل هكذا؟ يكتب بمنتهى العقل، ويناضل بمنتهى الساعد، ويشعر بقوة الحياة؟ يظهر في المغرب مع أنه “مختبئ” في باريس؟ صديق للقوة والنعومة معاً؟ إن اللعبي يخطط لأن يكون كل ذلك طوال الأيام، وهذا سرّ قوته، وسحره، وتأثيره في من صادقه أو قرأه، أو مجرّد رآه.
إن هذا الملف الذي يشارك فيه نخبة من الشعراء والكتاب، يضمّ زوايا نظر في عبد اللطيف اللعبي، تطلّ عليه وهو في عوالمه المتنوعة، الكثيرة، التي تزداد رسوخاً مع الأيام، في عالمنا العربي الذي يحتاج اليوم إلى ترسيخ العمل على رموزه وقضاياه.
اقرؤوا عبد اللطيف اللعبي (للمرّة الأولى أو من جديد)، ستشاهدون رجلاً يلقي خطاباً قاسياً أمام البشر، والأرض، والأبدية.