كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المسرح العماني والدور البارز الذي بات يلعبه في إنتاج العديد من الأعمال المسرحية التي أماطت اللثام عن الثقافة العمانية من جهة والواقع العربي من جهة ثانية، على اعتبار أن المسرح يمتلك أداة يستطيع مواجهة الإنسان بصورته الذاتية ويجبره -دون استخدام الأسلوب المباشر- على مواجهة أفكاره الحية، كما انه هو الفن الوحيد الذي يقوم على تعارض وجهات النظر في الصراع البشري من واقع الأحداث الفكرية والاجتماعية.
ويعد المسرح من المجالات التي حظيت بنصيب وافر من اهتمام الجامعة منذ افتتاحها، حيث أمدت الجامعة المجتمع بالمسرحيين المتخصصين، إلى جانب تنمية هذه الموهبة لدى غير المتخصصين. وقد أسهمت جامعة السلطان قابوس في رعاية النشاط المسرحي من خلال قسم الفنون المسرحية وجماعة المسرح، وعيا منها بأهمية المسرح الجامعي باعتباره قادرا على تلقين «الشعب وطلاب العلم ما تلقنه المعاهد والجامعات، وإذا كان من المقطوع به أن أثر المسرح في تنمية الوعي وتطوير الملكات لا يقل بأي حال عن أثر المدرسة والجامعة فهل يجوز لنا أن نقتصد في بناء المسارح وإعداد العدة لتكوينها مع علمنا بأنها إحدى الدعامات الأساسية في بناء نهضتنا؟ فمن التراث الإنساني ما هو صالح لنهضتنا الحديثة وتكويننا الجديد ومنه ما هو غير صالح، من أجل ذلك كان علينا عند نشر الوعي والثقافة أن نكون على بصيرة بما نقوم به، لأنه (المسرح) الفن الذي لا يمكن أن يتسلم قيادته إلا فنان قادر على التأثر بالجماعة الإنسانية التي يعيش معها والتأثير فيها… فالمسرحية تتجاوز تجربة الفرد في القصيدة والشعر إلى تجربة الجماعة كذوات متواصلة متأثرة ببعضها، وتتعدى القصة من نثر خيالي للقراءة إلى حياة تدب على الخشبة لكافة الشخوص والأحداث فضلا عن اشتماله للأزياء والإكسسوارات والمؤثرات الضوئية والصوتية»1
وقد تركزت جهود الجامعة في رعاية المسرح في بعدين هما المسرح الأكاديمي والذي يعنى بتخريج متخصصين في مجال المسرح، وقد أنيطت هذه المهمة بقسم الفنون المسرحية، أما القسم الثاني فهو رعاية المسرح كنشاط وقد حملت جماعة المسرح على عاتقها رعاية هذا الجانب من خلال مختصين أكاديميين هم من مخرجات قسم الفنون بالجامعة بعد ان كانت تحت إشراف أحد المختصين الوافدين والذي أسهم بشكل واضح في الحركة المسرحية في عمان.
وقد برزت أهمية المسرح الجامعي العماني من خلال افتتاح قسم الفنون المسرحية بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس، حيث أسهم قسم الفنون بشعبة الثلاث: شعبة النقد والدراما، وشعبة الديكور المسرحي، وشعبة التمثيل والإخراج أسهم في رفد الميدان المسرحي العماني بكوادر متخصصة قدمت وما زالت تقدم أعمالا خالدة على الساحة المحلية والعربية بل والعالمية ايضاً.
تأتي هذه الأهمية كذلك من خلال تقديم الطلبة للعديد من العروض المسرحية الجامعية التي اختلفت شكلا ومضمونا باختلاف الفضاء والمواضيع المطروحة للعرض، فكان أن وجد الطلبة في الجامعة فضاء خصبا للمسرحيات الكوميدية والاجتماعية التي تعالج الواقع العماني بطريقة هزلية، لا زلنا الى اليوم نتذكر مسرحية «باغي أتزوج» وهي مسرحية قدمتها جماعة المسرح في قالب اجتماعي كوميدي يعالج قضية الزواج وعوائقه كما اننا الى اليوم نحن لروائع الاعمال الخالدة في المسرح العماني وليس الجامعي فحسب التي قدمها طلاب شعبة التمثيل والإخراج التابع لقسم الفنون المسرحية وقام بإخراجها الدكتور هاني مطاوع رئيس القسم في تلك الفترة.
كثيرة هي المسرحيات الجامعية الاجتماعية التي عالجت الواقع المجتمعي للمسرح العماني وأبرزت بشكل كبير دور المسرح الجامعي في الساحة الأدبية العمانية، كمسرحية «قافلة التبريزي»، ومسرحية «حكايات من قرية عمانية»، وهي مسرحية اجتماعية تناقش قضايا المسرح العماني، وهي مكتوبة باللهجة المحلية.
وتشكل الدراما العصب الذي يقوم عليه المسرح في عمان كغيرها في المسارح العالمية، على اعتبار أن الدراما هي التي تشارك وتخطط في النصيب الأوفى لنهضة المسرح والدراما – خاصة في التطبيقات والورش والفعاليات الأدبية والفنية بأسلوب علمي متطور وحديث يواكب روح العصر وتطوراته المتلاحقة، إلا أن الملاحظ في اللغة المكتوب بها المسرح العماني وخاصة لغة الدراما أنها لغة تعتمد على السرد والحكي ولذا لا تجري أحداثها ومواقفها الدرامية في أماكن خيالية أو أسطورية، وهذا ما جعلها تدور في فلك واحد مكرر بجانب افتقار بعض كتاب المسرح ومؤلفيه إلى القدرة على رسم الشخصيات الدرامية – بخاصة الاجتماعية منها- بأسلوب إقناعي، بحيث يصبح لكل شخصية عالم قائم بذاته، له احباطاته وتوافقاته وانكساراته.
لعل الحديث هنا عن دور الدراما في المسرح العماني هو حديث أساس وجوهري لما تلعبه من دور مهم في تصوير الواقع المجتمعي وتقديمه للمتلقي في قالب مسرحي أدبي، وهي من جهة أخرى تعبر عن مواقف الأدباء وتصور ذواتهم الشخصية وأفكارهم ومعتقداتهم، وليست أفكار كل شخصية درامية ومعتقداتها وتصرفاتها بحيث تتباين الشخصيات، وتتضاد وتتصارع وتتوافق بين بعضها البعض، ولا شك أن أفضل الدراما ما يحقق التمازج التام بين العناصر الدرامية.
وتعد حكايات الواقع الاجتماعي الأخلاقي هي أنسب الحكايات الدرامية الشعبية التي تتعاطف معها الجماعات الشعبية متوسطة الطبقة، ذلك أنها أكثر الطبقات ارتباطا بأصولها وأكثرها محافظة على عاداتها وتقاليدها وتراثها الشعبي بصفة عامة.
هكذا إذن تتكشف لنا خيوط الواقع المسرحي في عمان على اختلاف توجهاتها وتنوع مشاربها إلا أنها تتظافر لتوفر لنا إنتاجا أدبيا مسرحيا جديدا يعبر عن هموم الواقع العماني في قالب مسرحي.
يتضح أيضا أن المسرح الجامعي العماني لم يرتبط فقط بالجامعة كرقعة جغرافية وإنما تعداها إلى خارج أسوار الجامعة، ونشير هنا إلى ما قام به طلاب شعبة التمثيل والإخراج خصوصا حينما قدموا مسرحية «حكايات من قرية عمانية» وعرضوها للمرة الثانية في مهرجان خريف صلالة 98 بعد أن عرضوها لأول مرة بمسرح الجامعة، كما قدموا أيضاً مسرحية «قافلة التبريزي» بمهرجان مسقط 99 بمسرح المدينة بحديقة القرم الطبيعية.
يتضح من خلال هذه الطفرة النوعية للمسرح الجامعي، هو حضوره القوي سواء داخل الجامعة أو خارجها، وتعتبر هذه العروض المسرحية التي قدمت في تلك الفترة الزمنية خارج نطاق الجامعة خطوة جيدة وانطلاقة متميزة للمسرح الجامعي، حيث إنه يمثل فرصة جيدة لإظهار مواهب التمثيل والإبداع لدى طلاب الجامعة، ويعطي انطباعاً جيداً لدى المشاهدين عن طبيعة النشاط المسرحي الموجود بالجامعة، ناهيك عن القيم التربوية التي يمررها للطلاب، على اعتبار أن المسرح الجامعي العماني يهدف إلى جملة من الأهداف التربوية حيث «يساعد الطلاب ليس فقط في معايشة الظروف والأحداث في ظل التنظيمات الكبرى، بل ينمي المشاعر الأخلاقية تجاه الإنسانية، وغرس العادات والتقاليد الحاضرة وتطور الأحكام الاخلاقية المتطلبة لحاجات المستقبل، حيث يعد أداة تربوية للإنجاز من خلال إحداث التغير في المجتمع»2
الحديث عن إنجازات المسرح الجامعي العماني لا يعني خلوه من بعض الأعطاب والمشاكل التي طبعت مسار تكوينه وامتداده، خصوصا في الجانب المتعلق بالمواضيع التي يطرقها هذا الفنان، على اعتبار أن الجانب التاريخ يغيب بشكل كبير عن المسرح الجامعي في عمان، خصوصا وأن الإطار التاريخي يعيد للأذهان مراحل مهمة من تاريخ السلطنة التي تؤرخ لأحداث سياسية واجتماعية مهمة من تاريخ الدولة، والحديث عن التاريخ العماني هو اتجاه وطني بالدرجة الأولى في شكله ومضمونه لأنه يستمد موضوعاته من التاريخ العماني والعربي والإسلامي وهذا في حد ذاته تأريخ وتعريف بالأدب العماني بشكل خاص والتاريخ العماني بشكل عام، ومعالجة هذا التاريخ هو تعريف باللغة واللهجة العمانية على اختلافها وتنوعها مع توظيف الفولكلور والأدب الشعبي المستمد من التراث أو الواقع، كالأمثال الشعبية وفن العرائس وكل موروثات الفنون العمانية على وجه الخصوص بخاصة أن كل هذه الإبداعات يحييها ويستوعبها ويطالب بها كل جمهور المسرح في أي مكان.
ولعل هذا التاريخ الأدبي المسرحي العماني هو ما يعطي ذلك التلاحم الثقافي والفني والتراثي والاستعراضي العالمي، ويبرز الأثر الأدبي على المتلقي والثقافة العمانية على حد سواء.
2 – خصوصية المسرح الجامعي العماني
شكلت جامعة السلطان قابوس على مر الزمن قاطرة الأدب بالنسبة للعديد من الأجيال التي مرت عليها، باعتبارها الحاضن الأول لمواهب الطلبة وإبداعاتهم من ما تقدمه للمجتمع من كوادر مؤهلة ومدربة على جميع الأصعدة وفي مختلف القطاعات، الامر الذي أعطاها الدور الريادي في بناء المجتمع العماني في شتى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم تقف جامعة السلطان قابوس عند هذا الحد بل تعدته إلى مجالات شتى اهتمت عبرها بالجانب الإبداعي في الإنسان من خلال البحث والتنقيب على مواهب الطلبة الباحثين في مختلف المجالات لما لذلك من أهمية بالغة في تكوين شخصية الفرد المبدع.
والحديث عن جامعة السلطان قابوس لا يقتصر فقط عن دورها في تكوين الطلبة في مجالات الدراسة وإنما يجرنا الحديث هنا عن دور هذه الجامعة في بالاهتمام بالمسرح الجامعي والمسرحيين الشباب، من خلال تنمية الموهبة المسرحية لدى الطلبة.
وتتجلى عناية الجامعة بالمسرح الجامعي من خلال مسارين رئيسيين هما رعاية المسرح الأكاديمي الذي يدرس في الجامعة والذي يعنى بتخريج متخصصين في مجال المسرح، ثم المسار الثاني الذي يهتم بالمسرح كنشاط إبداعي.
لعل الحديث عن خصوصية المسرح الجامعي العماني سيبرز لنا العديد من الاتجاهات الفنية التي ركزت عليها الجامعة لتعطينا أدبا مسرحيا جامعيا له العديد من المميزات والخصائص التي يتميز بها ويتفرد بها عن باقي الآداب الأخرى.
* الاهتمام بمواهب الطلبة:
تعتبر فئة الشباب هي الفئة الأكثر حيوية في كل المجتمعات لما تقدمه من خدمات كبيرة للمجتمع في جل القطاعات، ولعل تركيز جامعة السلطان على هاته الفئة العمرية نابع من الأهمية التي تكتسيها في فضاء الجامعة، وقد اتضح هذا الأمر بشكل جلي من خلال العمل الذي قام به قسم الفنون المسرحية والذي أولى عناية كبيرة بتطوير مواهب الطلبة في مجالات التمثيل والإخراج والتصميم والإضاءة المسرحية، إلى جانب تنمية قدرات التأليف للمسرح والتلفزيون والإذاعة.
نتيجة هذا الاهتمام المتزايد من طرف الجامعة بالعمل المسرحي الجامعي كان أن توج هذا المجهود بفئة مهمة من الشباب لهم مؤهلات مسرحية وإخراجية، الأمر الذي بدأت معه الجامعة في الدفع بهذه الفئة لصقل موهبتها خارج أسوار الجامعة فأصبحوا يقدمون العروض المسرحية المتكاملة في مهرجانات السلطنة المسرحية، والمهرجانات التي تقيمها الجامعات العربية، ويقوم بإخراج هذه العروض خريجي القسم ممن أصبحوا يشرفون على النشاط المسرحي وأحيانا الطلبة والطالبات من كليات الجامعة.
إن انفتاح الجامعة على مواهب الطلبة فتح الباب بشكل أكبر لإبداعات الطلبة سواء من خلال المشاريع السنوية التي يقدمونها في نهاية الموسم، أو من خلال العروض المسرحية داخل القاعات المسرحية المجهزة بأجهزة الصوت والضوء والتصوير، كل هذا ساهم في بروز فئة طلابية مثقفة منفتحة على المسرح الجامعي بكل تجلياته ومساهمة في تنمية الحركة الثقافية ولفنية والفكرية للسلطنة.
* الانفتاح على الآخر:
بغض النظر عن الأهمية التي يتميز بها المسرح الجامعي رغم حداثته إلا أن جامعة السلطان قابوس أولته عناية بالغة الأهمية من خلال تسخير طاقات إدارية هائلة خدمة لهذا الفن، الأمر الذي انخرط فيه الجميع طلبة وإداريين، بهدف تكوين كوادر علمية متخصصة في المسرح بكل فروعه: الإخراج والتمثيل، النقد والتأليف، الديكور المسرحي.
عملت جامعة السلطان قابوس على إعداد مسرحيين مؤهلين في جميع اتجاهات المسرح وتنمية مواهب الطلبة داخل الحرم الجامعي وخارجه بغية تقوية الوعي الفني لدى فئة عريضة من المجتمع، وتسويق المنتوج المسرحي الجامعي خارج أسوار الجامعة على أنه مسرح له أهميته وخصوصيته التي ترتقي به لتثقيف المجتمع وتوعيته في مجالات مختلفة.
لعل هذا الاختلاف هو ما جعل التنوع قائما في الأعمال الأدبية المسرحية بين الطلاب، الأمر الذي أسهم في تحقيق الكثير من مكتسبات المسرح الجامعي، نتيجة الجهد الكبير الذي يقوم به الطلاب في التأليف والإعداد للمسرحيات من خلال عدة مصادر مختلفة ومتنوعة، من بينها التراث الشعبي بأشكاله المختلفة من قصص وحكايات وفنون وكذلك الواقع والخيال، بجانب المسرحيات الوطنية والتاريخية والدينية.
طبيعي جدا أن يعطي هذا الانفتاح على الآخر ثمارا إيجابية في أوساط الطلبة والإنتاج المسرحي العماني، فكان من ثمار هذا الانفتاح أن أصبحت المسرحيات تتسم بالقصر والتنوع والغنى الثقافي، بالإضافة إلى تأثر هؤلاء الدارسين بالعديد من القضايا والموضوعات التي تتشابه في كثير من جزئياتها بالبيئة العمانية، والتأثر الحاصل كذلك ببعض التقنيات الخاصة بالعرض المسرحي من خلال متابعة طلاب الجامعات العمانية للعروض المسرحية التي كانت تعرض في تلك الدول.
استفاد المسرح الجامعي العماني من الآخر الأوروبي خصوصا في مجال إنتاج أعمال من مختلف الاتجاهات والمدارس الفنية؛ لما في ذلك من تعزيز لتقديم مسرح راقٍ بهزله وجدّه؛ لذلك فمن الأهمية للكاتب المسرحي العماني الاستفادة من جميع المصادر وتوظيفها في أعمال مسرحية تربط المتفرج بتاريخه وتراثه، إضافة إلى أنها قد تكون انعكاسا لحاضره الذي يعيشه؛ لأنّ فيها الكثير من القيم والمبادئ التي تذكر المرء بتاريخه وتراثه وتواصله القديم والحديث مع الآخر، إلى جانب ما يحمله إنتاج الآخر من أفكار ومبادئ وقيم لها ارتباط بالواقع، والقضايا المعاصرة التي يتفاعل معها المتفرج والجمهور العمانيّ.
إن كل ما ذكرناه سابقا من أشكال التأثير والتأثر بالآخر في المسرح العربي والعالمي؛ جاء من حرص الباحثين على إبراز المحاولات والجهود في مجال المسرح؛ لتقديم تجارب مسرحية مستقبلية نتمنى أن تظهر بشكل أوسع على المسرح العماني، هذه التجارب التي إذا أعدت جيدا فإنها ستجد الجمهور المسرحي القادر على التفاعل معها دائما.
3 – تحديات المسرح العماني:
أثبتت الوقائع أنّ المسرح من أكثر الفنون تأثيراً في نفوس المتلقين على تباين أذواقهم وثقافاتهم، وانحداراتهم الطبقية بوصفه يعتمد على الاتصال الحيوي المباشر، ومن ثم يتوفر على المتعة والتعليم إذا ما اتحف بنصوص درامية محكمة البناء، تكرس موضوعاتها لهذا النوع المسرحي، أي التصدي لمشكلات وتطلعات الطلبة والأساتذة وممن هم ضمن فضاء الجامعة، مع أهمية الانفتاح على الهموم والمشكلات الواقعية المعاصرة.
ولا يمكن للمسرح الجامعي أن تترسخ جذوره في المؤسسة الجامعية من دون توفر مخرجين مختصين يقنعون الآخر بصحة توجهاتهم، ونبل رسالتهم، وروعة عروضهم المسرحية، لكي تتحقق أسمى مراتب الاستجابة الجمالية والوجدانية والفكرية مع الآخرين جمهوراً ومسؤولين ومتذوقين ونقاداً ومختصين.
إلا أن هذا النقلة النوعية التي شهدها المسرح الجامعي العماني قابلتها العديد من التحديات التي عصفت به في ركن الزاوية، وبدأت الانكسارات تتوالى رغم المجهودات المبذولة في هذا الباب، وتتلخص اشكالية المسرح الجامعي في عدة أسباب وأخص بالذكر هنا ذلك المسرح الذي تخلق في جامعة السلطان قابوس باعتبارها الجامعة الأم في السلطنة وباعتبارها الجامعة الخليجية الاولى التي قامت بإنشاء قسم للفنون المسرحية عام 1991م ضمن تخصصات كلية الآداب والعلوم الاجتماعية وهي ايضا من الجامعات الرائدة في الاهتمام بالنشاط المسرحي اللاصفي ومن اهم أسباب إخفاقات المسرح الجامعي: غياب الاستراتيجية الواضحة من إنشاء قسم للفنون بالجامعة والذي لم يتوأم ومتطلبات سوق العمل إذ لم تكن الموهبة هي اساس القبول وانما نسبة النجاح في الدبلوم العام كانت هي بوابة العبور وقليل من هم دخلوا التخصص عن موهبة أكيدة مما أدى هذا إلى تخريج عشر دفعات فقط بإجمالي 178 طالبا وطالبة آخرها كان دفعة عام 2003/2004م ليجمد برنامج البكالوريوس في القسم وأصبح يطرح مواد اختيارية للجامعة في مجال الفنون المسرحية ومن ثم فتح بعد ذلك برنامج التخصص الفرعي.
وكان النشاط المسرحي_ قبل أن تجمد تخصصات القسم بأربع سنوات تقريبا _ قد بدأ مسارا مختلفا على مستوى المسرح الجامعي في السلطنة وذلك بتسلم مخرجات القسم زمام الإشراف على هذا المجال فبعد ان كان نتاج الجامعة عرضا مسرحيا واحدا كل عام هو بمثابة مشروع التخرج لطلبة القسم أصبح رصيد الجامعة من خلال النشاط المسرحي ما يقارب عشرة عروض في السنة وجاءت النقلة النوعية بتأسيس مهرجان مسرحي جامعي ضم كل مؤسسات التعليم العالي وقد ارهص لهذا المهرجان مسابقات مسرحية تبناها النشاط بين اربع كليات عام 1996م ليبدأ بعدها المهرجان الفعلي للمسرح الجامعي عام2002م إلا أن هذا المهرجان استمر لست دورات توقف بعدها بسبب تقليل موازنة المهرجان. كما كان هناك مهرجان جامعي آخر هو خاص بالمونو دراما واستمر لثلاث دورات وتوقف بعدها لنفس الاسباب الاآفة وخفت ضوء المسرح الجامعي دون آن يلتفت له أحد من المسؤولين ولم لا يخفت لأنه في الحقيقة ارتبط بجهود افراد ناضلوا من اجل وجوده. لهذا نحن اليوم بأمس الحاجة لإعادة الروح لقسم الفنون وللنشاط المسرحي بالجامعة لا سيما وأن هناك اجتهادات فعلية تبناها المسرح الأهلي هي بحاجة للصقل الأكاديمي.
«فعلى الرغم من كل المجهودات التي بذلت وما زالت تبذل لترسيخ الحركة المسرحية فإننا لا نستطيع أن نجزم بأن المسرح في عمان قد وصل إلى مستوى الطموح أو كون قاعدة جماهيرية حقيقية لأسباب عديدة ومتداخلة منها نظام عمل الهواة الذي ما زال غالبا على طابع العمل المسرحي ومنها موسمية أغلب العروض المسرحية وارتباطها بمناسبات محددة يجعلها ذات طابع احتفالي ومهرجاني أكثر منه جوهريا مرتبطا بالعملية الإبداعية المتواصلة.»3
يقع العبء بشكل كبير على الجامعات التي تحتضن أو تحتوي كليات للفنون الجميلة، من خلال تقديم العروض المسرحية، الأمر الذي ينبغي أن يتوفر في سائر كليات الجامعة، والتي ينبغي أن يكون فيها مسرحاً، وفرقة مسرحية في كل كلية، لكي يرتقي المسرح الجامعي، مع يقيننا أنّ ما هو سائد ومتعارف عليه الآن، هو عروض مسرحية وليست مسرحاً جامعياً، بكل ما يعنيه هذا المصطلح من دلالة.
فالحديث عن مسرح جامعي مستقل لن يتم إلا بوجود مؤسسة معنية متخصصة بالمسرح، على اعتبار أن إشراف وزارة التراث والثقافة على المسرح يتم عبر قسم أو دائرة بالوزارة، بينما ينبغي أن تكون هناك مؤسسة متكاملة مكونة من متخصصين لرعاية المسرح، وهذا لن يتأتى إلا بوجود مرافق مسرحية متخصصة للأعمال المسرحية، بغية جذب الجمهور ومناقشة قضايا الوطن، على اعتبار أن الاقتراب من الجمهور ليس أمرا صعبا.
وإلى جانب الإشكاليات، تبرز لنا إشكالية اخرى تفوق الاخريات من حيث طبيعتها، إذ لا يمكن للفن عامة، والمسرح خاصة، أن يزدهر في الجامعات، ما لم يوجد من يؤمن بالفن كشكل حضاري والمسرح كوسيلة ثقافية وإبداعية، يمكن لها أن تلعب دوراً خطيراً في بث الوعي الفني والثقافي والمعرفي، ومن ثم إزاحة القيم المتخلفة من عقول الطلبة وطرح بدائل عنها ذات طبيعة موضوعية.
يعاني المسرح الجامعي في سلطنة عمان من قلة المسارح، فلا يمكن الحديث عن مسرح جامعي دون توفير مسارح مناسبة أو فضاءات مفتوحة لممارسة النشاط المسرحي، لا سيما وأن «فرق المسرح الجامعي بدأت تنتشر في كافة محافظات السلطنة وتشارك دوريا في مهرجانات محلية وإقليمية وعربية»4
بالإضافة إلى هذه التحديات، نجد هناك تحديات أخرى تتعلق بندرة كتّاب النص المسرحي، وقلة العنصر النسوي في المسرح وهذا يعود إلى عدة أمور تتعلق بالتقاليد الاجتماعية والأعراف والأوضاع التي تشهدها السلطنة، وكأن الفن قضية معيبة رغم ما يحمله من رسالة إنسانية عظيمة ومهمة، الأمر الذي أضاع الكثير من المواهب المهمة فنيا بسبب هذه النظرة الضيقة.
وبما أن المحيط الجامعي يعد منبعاً ثرياً لأنواع السلوكيات المختلفة، فهذا يوفر للدراما رصيداً مضمونياً هائلاً، إذا ما توفر الكاتب المسرحي الماهر الذي يستوحي من ذلك المحيط موضوعات تتصل بحياة الأفراد الذين يمثلون شرائح الأساتذة والطلبة والموظفين على حد سواء، كالموضوعات العلمية والثقافية والتربوية والأخلاقية.
على هذا الأساس يمثل المسرح الجامعي ضرورة تربوية وتعليمية لا غنى عنها، ويكتسب أهميته أكثر حينما يصار إلى تأسيس فرق مسرحية في جميع الكليات، لكي يسهم هذا الكم في توفير أعداد مسرحية تقدم على طول السنة الجامعية، لدعم الحركة المسرحية في فضاء الجامعة، ومن ثم تعميق اواصر صلة الجامعة بالمجتمع عبر المسرح الجامعي، إذ تشاد على وفق ذلك النشاط المسرحي اسمى تجليات العلاقة الثقافية بين الجامعة بوصفها صرحاً علمياً وثقافياً، وبين المؤسسات التي تعنى بالشأن الثقافي وبضمنها منظمات المجتمع المدني ذات الصلة بالثقافة والفن.
* لتجاوز هذه المعيقات ينبغي توفير العديد من الحاجيات التي نراها ضرورية لاستمرار وتطوير المسرح الجامعي من بينها:
– حث الطلبة الموهوبين على الانخراط في هذا الفن الأدبي.
– بناء مسرح في كل كلية ليتسنى للمبدعين المسرحيين تقديم عروضهم المسرحية.
– اعتماد المسرح الجامعي وسيلة لتطبيق المواد الدراسية وتجسيدها بشكل فني جذاب.
– دراسة وتطوير المناهج المسرحية بما بلائم تخصص الطلبة ومستقبل توظيفهم في مجال المسرح الجامعي.
– الحث على التأليف المسرحي مع تكريس مسابقات في هذا المجال والعمل على تطوير أفضل الكتابات المسرحية.
– ضرورة اشتمال المنهاج التربوي على أعمال مسرحية مناسبة للطلاب في جميع المستويات إضافة إل اهتمام الدولة والجامعات بالموهوبين من الطلبة، علاوة على تنظيم زيارات متكررة للمسارح العالمية قصد مشاهدة العروض الجيدة من دون إهمال تحفيز الطلاب على الاعتناء بالمنتوج الوطني المحلي.
الهوامش
1 – العشماوي، محمد زكي، بدون تاريخ (المسرح)، دار النهضة العربية – بيروت.
2 –
Nelli Mc Cas Lin,1990, Children Drama,p.107-108. Nellie Mc Cas Lin, creative drama in the school,5th ed players press, California.
3 – المسرح في عمان من الظاهرة التقليدية إلى رؤى الحداثة، عبد الكريم بن علي بن جواد، وزارة التراث والثقافة، 2006، ص: 375
4 – المسرح في عمان من الظاهرة التقليدية إلى رؤى الحداثة، عبد الكريم بن علي بن جواد، ص: 374-375
رحيمة الجابري *