العمامة
كابوس حقيقي تراءى له. كانت ليلته كافكوية بامتياز. ضحكة، ناثرت جسده المترهّل، كشظايا قنبلة. وهو يُزيل اللحاف عنه،
معقولة.. قالها.
سأتدبّر عنكَ الأمر قالت: العمامة. وآن الأوان لرأس حقيقي..
مفتاح السر بيدي، أضافت.
أثال – حَنْدول – اللحاف على جسده، لِيَقْبر حقيقة ما رآه. صوته الْمَخْنوق، وهو يردد قبل انطفائه، عمامة دون رأس، رأس دون عمامة. عمامة دون رأس. كأنه يستقرئ القادم، لما قد يؤول له.
تهيأت عمامته المزركشة كرقْية وحجاب، ليوم عمل جديد.
حين، ارْتَصتَ سيارته، في زحام الصباح. اظهرت كاميرات المراقبة، تلك العمائم الكثيرة، كلعبة “ ليِجو”.
الرأس في مكان آخر.. قالت كاميرات أخرى..
القزم الأزرق
بعد سهرة دسمة بأنواع اللحوم والشحوم المحلية المشوية على نار حطب السمر في ظلمة السيح القروي المليء بالنجوم والقمر الباهر بطلته المنيرة على المكان الفسيح. أحس – القزم الأزرق- بأن معدته تكوّرت تماما كـ «خرسٍ» مليء بمعتق عنب الجبل المشْهور. حينها وجد أن لا مجال، لمعضلة كهذه، إلا بالمشي، لكن الوقت متأخر، صرف الفكرة. وقاده فكره المتهوّر بمعالجة اللحوم باللحوم، ونطّتَ في ذهنه العبارة المكررة، الشيء بالشيء يذْكر. هكذا، وجد في نسائه المُتسْردِحَات مع ابناءهن فرصة متاحة، لتخفيف الانتفاخ وتأثير تلك اللحوم «الفياغراوية» ومع تسارع الدم إلى دماغه، كساقية جفّ ماؤها. تضغط معدته البالونية على- شيْئه – لتجعل من مجروره، مرفوعا، في انتظار فتحة لحمية يجري فيها المسمار. وإن حريمه المتباهي بِهنّ في القدرة على تحمل الأوزان والإنجاب، خُيّل له انتظارهن لمسماره، مهما كان شكله.
احتار القزم الأزرق بأي واحدة سيبدأ. فهن غارقات في نوم عميق، جراء عمل مرهق في المنزل الكبير وتربية زريبة الأطفال المنتشرين، كصوص الدجاج خلف أمهاتهم الأربع، وزاد كرشه بلّة، أنه فقد المعرفة بتواريخ جريان دمائهن، منذ زمن سفرات، العلاج والمساج، إلى الأرض الحرة.
كانت تصرفاته في العشية وضحاها تنم عن تخبّط في الحياة. مع انحلال عقد الأيام، انهارت قدراته في المراهنة على مسماره الحقيقي، ليعوضه بمسمار لسانه السفيه.
أبوكرش
تكورت واستدارت وتدلّت وأبانت عن سموم تخمّرت منذ زمن. المحيطون به من الأقرباء، لم يعلموه بـ(كُرْشه) الْمُسْتْدِيرة، باعتبارها وجاهة، ونعمة متغيرات جديدة قادمة.
كان زملاؤه، من الفوج العسكري لا يطيقونه. مما سهل لهم تمْييزه ومناداته مبكرا بأبي كرش، اختصارا للتعريف والتوصيف، حيث هو وآخرون لا يصلحون لشيء يناسب الحدث الجديد، إلا من باب سدّ حاجة، وظرف مرحلة ضمن «كُوتةً» حكومية شملت الكْسِير والِعْوير والدمير. تتالت الأيام، وأقعى أبوكرش مؤخرته على كرسي الوظيفة التي لم يكن حتى ليحلم به. وعلى ذلك الكرسي الهزاز، المصنوع من خشب الصندل، تَرضّفَتَ كرْشه عن سابق عهدها. بما جعل المكان الذي يكون فيه مخزن روائح نتِنة.
بعد سنين من عمل عبثي، راكم فيه خبث سمومه. لم تتغير الصورة التي رسمها لنفسه، كما لو كان في الفوج العسكري أو الوظيفة التي تدْمغه بالموقر. ولما كان من الأدب الذي لا يُحْسِنه. كان القول صراحة باسمه لصيق صفته في الفضاء العام،غير مُحبّذ من قبل الجمهور. لهذا، كانوا يضربون على بطونهم كالطبول، لتذهب تلك الاستعارة في مكْمنِ التشبيه المضْمر.
وحين طُرد أبوكرش من الصفة الموقرة. هبطت به التفاهة إلى سلم أدنى، وهكذا، هو الآن، يعيش.
طالب المعمري