(1)
سرت القشعريرة في جسدها ماسحة مساماتها بالقبل المدعاة، الوحدة توخزها بأشواكها الصحراوية والظلام يتسيد المكان الخالي إلا من الصناديق المهملة التي تلوذ بها ذكريات ممزوجة بالغبار والصمت، تفكر أن ما يحدث لها لا يمكن أن يكون من ضمن ما ستحويه حياتها لاحقا، على الزمن أن يتوقف لتسدل الستارة على حلم شتوي لن يتكرر ليس بسبب الوحشة أو الاحتقار الذي استحوذ عليهم أو حتى عنصر المفاجأة بل لأنها لم تتخيل نفسها يوما مهملة معاقبة في القبو من بقايا المنزل القديمة غير المحدد مصيرها منذ سنوات مستلقية على لحاف صوفي ترقب بابا قد لا يفتح وجرحا قد لا يبرأ!
(2)
صدقني يا ربي أن أي عقاب ستحظى به تلك الـ… لن يكون عادلا إن قيس بمقدار خوفي وألمي، أتمنى أن تنسحب وتترك لي سحبي وسمائي بلا صراع ولا صراخ ولا دموع، الثور الذي أعجبته الحلبة سينتظر فارسته هذا المساء ولن تأتى سوى بوجه مشوه وقلب ممزق وخطوة نازفة، هل أبدو سادية النزعة إن أحرقت جناحي الفراشة المذهبة التي تحوم حول طبقي ولا رغبة لي بالتهامها حية، فقط أحاول تصحيح مسار رحلتها الفاشلة وانقاذ ما تبقى من الأغصان الغارقة في الظل.
(3)
فراغ يغزو روحها تحاول أن تنسى ما حدث، أن تدع ليالي الشتاء تعبر بحر الأوجاع بقارب خشبي صغير دون التوقف عنك التفاصيل الواقع المر، من الأفضل أن تسمح لأحزانها بالنوم التدريجي وتواجه مصيرها المجهول بالصمت والانكار. وجهه الذي طال غيابه يستحيل عبثا آخر ويمسي ذنبا لا يغتفر، ليتها انسحبت قبل أن تتهجى لذة عشقه، ليتها راوغت حبال العشق قبل أن تلتف حول رقبتها.
(4)
دائما وأبدا كنا غريبين رغم القرابة والتي لولاها لما ارتبطنا، له ينحني الليل المليء بالتنهدات ولي يستفيق نهار الجري وراء الأطفال وأواني الطبخ وأكوام الغسيل، كنت أستمتع بدور الأم الشابة نصف المتعلمة التي دخلت سن اليأس عن رغبة أكيدة تشبه في إلحاحها رغباته التي تعذبني وتقتحمني في لحظات الغفلة بلا شوق. أتنفس الهواء الخارج من رئتيه والمشبع برائحة التبغ والمو حذاءه وأبتسم بطيبة عندما يشتمني في لحظات انفعاله، بالنسبة لي هو صمام الأمان وبطاقة السحب الآلي وظهر ضخم ندمتنا عليه.
(5)
تمر في خيالها المشوش أشباحهم تترجل عن منفاها نحوهم، يديرون ظهورهم وينسحبون تاركين أعينهم للتلصص وأصابعهم للتفتيش بين ثيابها عن آثار السقوط وأسماعهم لرصد تغير نبرة الصوت المبحوح، ما يحدث الآن لا يتعلق بضحكة أنثوية عليهم قمعها قبل أن تصل لمنزل الجيران ولا مشكلة ثوب ضيق تحل بمقص، إنها رائحة الرجل الغريب الذي سرق تفاح البيت العريق ولوث بياض الكذبة! ستعاقب بلعق جراحها أطول فترة ممكنة فزواجه منها مرفوض وجذوره الممتدة في أعماقها عليهم انتزاعها الى الأبد.
(6)
الخوف من نوبات غضبه عندما يسود من الخارج متصيدا أخطائي هو الشيء الوحيد الذي كنت أظنه يهدد استقرارنا كعائلة صغيرة تسكن في كنف العائلة الكبيرة حيث لا يكف الأطفال عن الشجار ولا تهدأ مناوشات زوجات الأخوة حتى يمدن بخطط جديدة، الديوانية مفتوحة على مدار الساعة وأصدقاؤه يقيمون فيها من مغيب الشمس حتى شروقها، من النادر أن تجمعنا مائدة الغداء أو العشاء أو رحلة للخارج الشيء الوحيد الذي يمارسه معي يبدو أكثر من المعتاد ربما محاولة تعويض عن غيابه لكنها لا تستهويني أضاجع خلالها سحبا من الأفكار الشاردة.
(7)
حايلت مشاعرها بمحاولات الغياب فعادت اللهفة أكثر تبرجا، لم يكن هناك ما يمكن أن يفض اشتباك أصابعها سوى غيبوبة النوم، كانت تشعر بالذنب ان لمحت في أوقات صحوتها أفراد أسرته يختبئون كنجوم الفجر في معطفه الواسع وعليه أن يحملهم معه الى الأبد وهي المرأة الغريبة لا رغبة لها في مزاحمتهم الوقوف على رصيفهم الوحيد كما لا تقوى على الانعتاق من قيد هواه وما نالها وما طالها محفور في دهاليز الروح، هو سحر البوح ووهج الحقيقة وهي تحاول لعب دور الأنثى العابرة بلا جدوى!
(8)
هو أو غيره من الرجال تحركهم غرائزهم في لحظات ضعف بشرية لا تترك سوى ندوب صغيرة، لن أشعره أني رصدت لحظة احتراق قدميه وشاهدته يرقص محتفلا بامرأة تتشح بالسواد وتحسست في ظهري طعنة خنجره سأبقى في عينيه الواسعتين الزوجة الضعيفة اللامبالية، فقط سأغسل ملابسه الملوثة بأحمر شفاهها بسواد الليالي التي مرت عليها وهي تتلقى العقاب من قوم لا تكشف نساؤهن وجوههن للغريب، لقد حملت تابوتها ووضعته على عتبة دارها وهذا ما كان ينبغي على فعله.
(9)
يفتح الباب الموصد منذ أيام، يدخل أفراد القبيلة الأب والعم والخال وابن العم والأخوة وابن الخال وفي آخر الصف الطويل الأم والأخوات وفي يد كل منهم أداة تعذيبه الخاصة وفي عقل كل منهم ألف مخطط للعقاب والجلد… يفتشون عنها بين الصناديق والحقائب القديمة يسلطون الضوء على كل بقة بحثا عنها فلا يعثرون إلا على ثياب ممزقة وقلادة لازمتها منذ الطفولة.. هل هربت لحقل بعيد ورجل يطهرها ؟!!
باسمة العنزي (كاتبة من الكويت)