الشاعر الفلسطيني حنا ابو حنا، هو معلم عمالقة الشعر الفلسطيني في القرن الماضي، جيل الشعراء محمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وحنا ابراهيم وآخرون. ولد عام 1928، وقال عنه الشاعر الراحل محمود درويش ” منه تعلمنا ترابية القصيدة”. له الكثير من الاصدارات في الشعر والدراسات والترجمات، وكتب ادب السيرة. كتب عن الوطن ويعتبر احد شعراء المقاومة. وله دور كبير في تأسيس العديد من المجلات الثقافية في الداخل الفلسطيني حيث يقطن حتى الآن، كمجلة الجديد عام 1953 ومجلة الغد، ومجلة المواكب، ومجلة مواقف. ساهم في تعليم واثراء الحركة الثقافية داخل الخط الاخضر في اراضي الـ 48. تعرض للاعتقال والفصل من عمله والحصار من قبل سلطات الاحتلال منذ خمسينات القرن الماضي وحتى الان. تجربه شعرية فلسطينية استثنائية، اهتم باللغة العربية كاهتمامه بالشعر، وحمل الكثير من التاريخ والحكايات التي حدثت مع كبار الشعراء في فلسطين. “مجلة نزوى” التقته في مدينة رام الله وكان كما يلي.
البدايات
تحدث ابو حنا عن بداياته وهو طفل صغير مولع بالقراءة، والتي كانت اساسا ورصيدا هاما ثقافيا ساعده عبر مسيرته الطويلة، وقال، “بدأت في الصف الخامس بقراءات واسعة من بينها المعلقات وادب المهجر، وقرأت لجبران خليل جبران واخرين.” وتابع: في الصف السابع بدأت اكتب في حصة الانشاء الشعر يقراها معلموني وتلقى استحسانهم. ولان شعره كان متميزا اضاف ابو حنا كان معلموه يقراون قصائده لمن هم اكبر سنا منه.
وعلى الرغم من انه ابن الرينة القريبة من الناصرة، مدينة المسيح عليه السلام، الا ان ابو حنا تعلم في الكتاب – وحفظ القران مؤكدا ان هذا هو المكان الوحيد المتوفر للتعليم في ذاك الزمان.
وعن تجربته المتميزة بدراسة وحفظ القران، قال ابو حنا انه اعجب بالتجويد، وكان يحفظ القران مثل بقية الطلاب الاخرين – المسلمين. وهو ما جعله يهتم بالقران والدراسات عن الدين الاسلامي، فقرأ في صغره لمحمد عبده. واكد الشاعر ابو حنا ان اهتمامه كان باللغة العربية، مشيرا “ان ما يجمعنا ليس الدين لان هناك مسلمون ومسيحيون، وانما اللغة والتي هي تاريخنا.”
اول قصيدة نشرت
وتحدث عن اول قصيدة نشرت له عندما انتقل للكلية العربية في القدس، وكانت الكلية تنظم مسابقة في كتابة الشعر والشعر المترجم. وتابع، كنت اترجم الكثير من القصائد من الشعر الانجليزي وانا في الصف الثاني ثانوي. وحصلت على الجائزة الاولى في الشعر خلال سنوات دراستي في الكلية.
ذكريات من النكبة
وقال ابو حنا انه حصل على بعثة من حكومة فلسطين لدراسة الادب بلندن، وتابع قائلا، ان ابي اعد لي كل الاوراق وكفلني صديق له في رام الله واستعديت للسفرـ وعندما دخلت على امي وهي ترتب حقيبتي، اخذت تبكي وتتحسر على اخي الاصغر ابراهيم، وماذا ستفعل ليكمل تعليمه هو الاخر، فقمت بتأجيل البعثة لعام، حتى اعمل واساعد اخي واضمن له الدراسة. وقال، “توجهت لدائرة المعارف في القدس، واجلت البعثة، وحصلت على تعيين للتدريس في الناصرة، ولم اكن اعلم ما كان يخبئ القدر لي، ففي نفس السنة كانت النكبة. وكان قراري في ذلك الوقت عدم ترك فلسطين انسجاما مع الفلسفة المثالية التي تعلمتها.”
وقال، النكبة كانت ضربه قاصمة للوجود والتفكير الفلسطيني. وقال، كتبت قصيدة تتحدث عن الطبقة العاملة ودورها. واضاف، “كنت وقتها قد ايدت قرار التقسيم. وكتبت الشعر عن الطبقة العاملة ومقاومة الاضطهاد وتنقلنا من حيفا الى الناصرة مع فرقة موسيقية بعد دخول الاحتلال بثلاثة اشهر، ننشد الاناشيد ونكتب القصائد عن المرأة ودورها في النضال، وسميناها جوقة الطليعة، وزرنا العديد من العواصم منها رومانيا وموسكو. وانشأنا اتحاد الشبيبة الديموقراطية وتجولنا في القرى والمدن، وكنا نسير مشيا على الاقدام ننشد وندبك ونقيم مهرجانات شعرية واقمنا حياة ثقافية ترتقي بتصورات الناس وتحث على ضرورة مشاركتهم بالواقع وكانت لنا صدامات مستمرة مع الحكم العسكري” . وكانت هناك هجرة للمثقفين والقوى الثقافية حيث خرج ابو سلمى الى الشام. وبقي عدد محدود منهم اميل حبيبي وعصام العباسي وحنا ابراهيم وسيدة واحدة فقط هي الشاعرة والروائية نجوى قعوار فرح.
علاقته مع درويش
وعن علاقته بالشاعر الراحل محمود درويش، قال ابو حنا ان اللقاء الاول كان في كفرياسيف في المدرسة الثانوية، وكنت اعمل وقتها في حيفا، واشرفت على مهرجان للشعر في قرية كفرياسيف وكان درويش في الصف الاول الثانوي، وطلب الجمهور مني قراءة قصيدة الارض، ولم اكن احملها معي في ذلك الوقت، وتدخل درويش وقال ان لديه نسخة من القصيدة في بيته وراح وجلبها وقرأتها. ومن وقتها حافظ محمود على صلته بي. اشرفت على مجلة صوت الشبيبة وطلبت من الصحفيين ان يقوموا بمقابلة طلاب يكتبون الشعر وكان من بينهم درويش. وكنت مع درويش في ديوانه الاول “عصافير بلا اجنحة” وهو ديوان لا يحب ان يذكره لانه كتبه وهو طالب، والديوان الثاني “اوراق الزيتون” وكنت انا من كتب مقدمته. وكان دائما يزورني في البيت، وعمل معي في تحرير مجلة الجديد بين عامي 1959- 1960. وعمل مقابلة مع نجوى قعوار فرح حيث زودتنا بلوحة من رسمها تم وضعها على غلاف المجلة.
مع راشد حسين
اما عن علاقته مع الشاعر الراحل راشد حسين، ويعتبر من الشعراء الفلسطينين المهمين، قال ابو حنا، ان حسين جاء لبيتي لتدقيق ديوانه الاول، واتذكر انه رغب بان يطلق عليه “ازهار من جهنم” واقترحت عليه الاسم الذي اعتمده “الفجر” وسهرنا الليل بطوله ندققه. وتحدث عن الصداقة التي جمعت بينهم، كما تحدث عن حادثة مع حسين، عندما كان ابو حنا يكتب زاوية اسمها “تضامن شعري” وعندما سجن قام حسين بالكتابة بالزاوية باسم مستعار بدلا عنه.
ذكريات
يتحدث الشاعر ابو حنا عن زمن كانت الامكانيات فيه اقل، ولكن كان هناك اصرار وتصميم على التعلم واغناء الثقافة ، فكانت الانجليزية احدى اللغات التي قمنا بتعلمها وكذلك اللاتينية في الكلية العربية، كما درسنا التاريخ الاسلامي والعالمي والشعر العالمي. كما ركزنا على تعلم الفلسفة.
وقال خلال تواجدي في الكلية العربية والتي لا يدخلها الا المتفوقون، اتصلوا من دار الاذاعة الفلسطينية بي وبمنذر فاهوم واسعد يوسف نصر ودعينا لدار الاذاعة. وقال كنا نكتب ونؤدي المسرحيات في الادب العربي. كنا نكتب ونمثل. واذكر من بعض الاصدقاء من غزة انطوان ترزي والصديق هشام هاشم وهو دكتور في الاردن، والذي اصدر لي ديواني الاول “نداء الجرح” عام 1969، وقام بتقديمه رئيس مجمع اللغة العربية في مصر انذاك.
الشعر الآن
وعن تقييمه للشعر الفلسطيني حاليا قال انه يغلب عليه قصيدة النثر. وقال ان الاجيال الجديدة تعيش ماساة عدم معرفتها باللغة عربية عكس ما كان بمرحلتنا والتي كانت فيها طاقة شعرية مناضلة تقيم المهرجانات وتتحدى الحكم العسكري وتتحمل السجن. واضاف، كانت هناك رسالة وطنية بتلك الايام فنحن ورثنا الشعر الوطني، وكان لدينا ابراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، والشعراء قبل عام 48 وهو الدور الذي استمر عليه محمود درويش وسميح القاسم. وقال ، انا لست ضد قصيدة النثر، ولكن قصيدة النثر فتحت السوق حسب تعبيره لكل المستويات، ولم تُثر الشعر العربي. لاننا نحن ركزنا على القيام بدور المقاومة فقد ابدعنا ولكن اليوم على ما يبدو ان النظرة تركز على المنافسة في الابداع الادبي. مشيرا ان هذا الوضع ليس في فلسطين وحدها فمثلا ما حدث مع الشعر العراقي كان لديهم الجواهري والرصافي، موضحا ” للشعر مسؤولية اجتماعية ووطنية”.
تجربتة الشعرية
الشاعر ابو حنا اكد انه له شغف كبير بالشعر ولازال يكتبه حتى الان، ولكن بدا بالاهتمام بادب الاطفال واصدر كتاب “جحا يعلم حماره القراءة”.
لماذا الاطفال؟
وعن السبب في تحول اهتماماته من الشعر الى الاهتمام بأدب الاطفال قال ابو حنا، “عندي شعور بالمسؤولية بان اطفالنا لا يتعلمون لغتنا، وان هناك محاولات لجعل اللغة العبرية تسيطرعلى حساب اللغة العربية، ولذلك اخذت هذا الدور.” ويشرف الشاعر ابو حنا على مجموعة مدارس في الناصرة ورام الله والقدس. وتابع قائلا، “دائما عندي احساس شعري ولكن المسؤولية الوطنية تجعلني اهتم بهذا الجانب.” واضاف، احساسي بان الشعر له دوره ولكن رسالتي الوطنية عبر الاجيال بان اللغة العربية جزء منها، وضياعها ضياع للانسان.
اهتمام بالتراث
وتحدث الشاعر ابو حنا عن اهتمامه بالتراث حيث اصدر كتاب “رحلة البحث عن التراث” ولديه مخططان عن التراث وخاصة بالبيوغرافيا.
طقوس الكتابة
وعن طقوسه في الكتابة، قال الشاعر ابو حنا انه يبدا يومه الساعة الخامسة صباحا وهي وقت الكتابة، ويكتب على الورق وبالحبر السائل والى الان.
تغريد سعادة