الرسالة الأول :
ككل الصباحات الجميلة ترقبت عاشقة العالم أن تأتي فمدينتي كسلى وطرقاتها تزحف ببطء قبل وصول اشعة الشمس الى خاصرتها وعندما تستيقظ بعد غفوة الصباح تركض في كل الشوارع مئات القطع الحديدية وآلاف الارجل.
في هذا الصباح ألقى العالم الى نافذتي وردة حملها عصفور دوري من أقصى الشرق.. نامت.. واستدارت تحلم بيد حانية تغسل عن كاهلها رحيل الشتات. في ازرارها استيقظ نبض محروق الانفاس، في لونها غفت الالوان السبعة، ورد.. لقب العمر وصلوات العشق الآتي من اصداف اللآليء.. ادارت الوردة رأسها الى عيني وابتسمت.. قوس قزح كان هناك يعبث في فرح بالغ بنداوة الارجوان.
الرسالة الثانية :
سكبت قطرات الندى شهدا واستعارت السحاب ظلا لتغفو الوردة هادئة مطمئنة لا يزعج سحرها ضجيج العالم ولا ثرثرات الالسن، نمت الوردة في قلبي، ذابت في دمي، اعجبها لون الشرايين متوزعة في جسدي كخارطة جزيرة مسحورة أعجب دمي لون الورد، ملمسه الحاني، استحال ملاكا يزرع البهجة في كل مكان، نحلة تمتص رحيق الزهر يخرج من بين اعماقها شهد، شجرة رمان بالآف الاغصان تحتضن المشرق والمغرب.. صارت الوردة بوحا.. قمرا.. سفرا..شعرا.. صارت اجمل مملكة عرفها الانسان من فجر التاريخ.
الرسالة الثالثة :
استدارت الشمس في كبد السماء.. اشعتها جلدت كل ما تحمله الكرة الارضية بوابل من سهامها الحارقة.. ضحكت في وجه الشمس. غازلت قرصها كعاشق اخير على سطح الارض.. شعرت بطعم التحدي في استدارته.. ركزت مصري اكثر وضحكت.. اكثر.. تحولت الاشياء من حولي لونا آخر.. ايتها الشمس : معي وردة تسكن دمي.. فردوس ينبت في داخلي.. يمنحني اشارة الامان.. ايتها الشمس : قادمة انت من بحر النسيان.. وردة تستيقظ معي كل صباح تمنحني القدرة ان احلم وانا مفتوح العينين.. ان ابدل الكون من حول.. اغير زواياه واتجاهاته.. اصنع من اللاشيء سفنا ومن الاشرعة واحات نخيل.. ايتها الشمس : وردة تغفو كل مساء قادم تعطيني ملايين الشموع أحرقها في وجه الليل يستحيل في حلكته كرة من نور تقتل كل السواد.. نترك للعشاق لونا رماديا كي لا تخنقهم اسطورة الخطيئة.. أنسيت ان العاشق يحتاج بعض ظلام وقليلا من اشعة القمر ؟! القت عيني بعض مائها واحسست بدوار.. العاشق يتلاشى من بؤبؤ محجري.. العالم كتلة سوداء من حولي.. قيل لي اني ذهبت في رحلة طويلة من الغيبوبة امتدت الف عام.. زاد خوفي على الوردة ان تتحول الى نبات متحجر يثير فضول علماء الآثار.. سافرت في صمتي وعشقي داخل الاساطير كطائر العنقاء.
الرسالة الرابعة :
وانا مغمض العينين رأيت يدا تسبح في دمي تلتقط عطرا منه، صنعت من العطر وردة ارجوانية عرفت انها الوردة التي عشقت. جادت يد أخرى.. عبثت بالاوراق في اكمامها.. القت بشرايين الوردة حرفا حرفا بهمجية عبثية.. كل ورقة تحولت دمعة.. كل دمعة نبتت حبرا.. جمعت كل ذلك وكتبت به بعض قصيدة.. قبل رحيل الشمس نحو المجهول جاء العصفور الدوري يطالبني بالوردة التي منحني اياها هذا الصباح.. او ذاك الصباح الذي كان من الف عام.. قرأ الجواب في شفتي.. اعطيته ما كتبت من كلمات.. بكى العصفور.. سالت دموعه براكين على الورقة.. ضاعت معالم الحروف.. اصبحت الورقة بقايا حروف، وبقايا حبر.. شرب العصفور تلك البقايا.. وطار.
الرسالة الخامسة :
حين نظرت للشمس تختفي في رحلتها اليومية احسست ان طعم سخرية يخرج من حمرتها.. ذكرتني بدمي، بلون الوردة.
وحين افاقني العالم من غيبوبتي.. كانت الشمس التي اراها في صحوي تقترب ايضا من خط النهاية، تذكرت مرة أخرى دمي.. الوردة التي استحالت عشقا داخلي.. اطلقت لساقي العنان اذ ابدأ في استيعاب ان الوردة لا تزال معي.. والليل يتنازل عن زرع الخوف.. وردة تبدد حزن المساء.. وردة تختزن عشق الطفولة..
محمد بن سيف (قاص عماني)