– 1 –
انفُضي غبارَ العدمِ
ايّتُها الصبيةُ المستحمةُ بماءِ العشق
لا تنقري دفوفَ الهباءِ …أيتُّها المحروسةُ
بالحبِّ
يقولونَ للشام سبعةُ أبوابٍ و يومُ خلقٍ واحدٍ
على أبوابك نُقِشَتْ كواكبٌ سبعةً .. عطاردُ للفراديس
وألفُ بستانٍ ومقبرة
على باب الجُنيق قمرٌ
الزهرةُ لِقَوسَك بابِ تُوما و الشمسُ لبابِ شرقي..
ما بالُه زُحل يقفُ مَدْهُوشا على بابِ كيسان
… نحو باب الصغير أمشي…أرى المريخَ يُضيءُ عتمةَ الليل
سبعةُ أبوابٍ وأنا
قُرْبَ باب الجابية حيث دراويشُ الريف والقرى نشربُ من حنفياتها فَنَرى المُشتري مضاءا على بابِها
ويُقالُ أنَّ أولَّ حائطٍ بُني في الأرضِ بعدَ الطُّوفان هو حائطُ دمشق
طوفان دمٍ ولا سفينة
– 2 –
لم يبق أمامَ المطرِ والريح سوى أشجارٍ عتيقةٍ وأناسٍ نسيهم الزمان
..وها أنا أركض ركضة المحموم
أمضغُ شحوبي
هل عرفتها مدينتي ؟
متى تهدأ ريحُ الحربِ إلهي؟.
ها أنا أذرفُ الأسئلةَ
دموعي تحجبُ الطُّرقاتِ
أحتفظُ بدمعي ولُهَاثِي
أسردُ حكايتي.. و اتركُ النهايات
لَمْ نكُن نعرفُ أنَّ الدربَ مقفلٌ
وأن السيلَ لم يبقِ احدا
فاعتصموا بالحبِّ …
سيرةٌ أزليةٌ ..الحربُ .
والشامُ عاقَرَتْهَا الأًوبِئَةُ
ها هي تختالُ بصمتِها ..تمسحُ دموعَ عاشقةٍ
هامَ الرجالُ. على وُجُوهِهِم….
تَفَكَكَ اللؤلؤ
تفكك طوقُ العقيقِ..أمِّي..
تفككتْ الجموعُ وانفرطَ الخرزُ
لم يَعُدْ احدٌ يعرفُ إلى أين يسير او على أي ارض يقف!!!
كيفَ لِشَوك العُزلة أن يُصبحَ قصيدةً….كيفَ لرملِ المدى أن يركُضَ في العيون وكيفَ لي أن أكون عصيةً على الدمع؟!
– 3 –
أبتعدُ قليلا قليلا عن الموت
كحسرةٍ عتيقةٍ أندهُ لكَ حبيبي
تعالَ نمشي تحتَ المطر
نسمعُ الموسيقى
نسيرُ في الشوارعِ والأزقةِ
نسرقُ قُبْلَةً
و نغمضُ عُيونَنَا كي لا نرى أحدا
– 4 –
ها أنا أخلع حذائي واركض
دموعي تحجب الطرقات
أعرفها تدعكُ تجاعيَدها
وبؤسَها الشامُ
قال لي أخي: لن أغادرَها
لا يخرجُ منها إلا كلُّ هالكٍ
سألزمُ ظلي
أقصقصُ أجنحةَ الرَّحيل
من يدخلها يدخلُ الجنة
ومن يخرجُ منها فإلى هلاك
أتسللُ بين أحراجِ الذاكرة
أعود إليها
أتشممُ مطرَ العشق في أزقتها
حَيْرَتي غامقةٌ كدمنا المنثال في الوادي
من يضربُ الهواء من يزمجر من يرعد الأرض والسماء؟
من؟
هل أطرقُ الباب حبيبي؟!
– 5 –
أنا فراشة الضوء
أجدلُ الرائحةً بجناحيَ
أنا موسيقى الورد
قميصُ الفتنة
خشخشاتُ حَلَق
خلاخيل الحكايا
العصافير تخاصر نهاري
ومواعيدي تغلي…تغلي وتفور
كحليب في وعائك أمي
– 6 –
أجوبُ الشوارعَ الأزقةَ
أجلسُ على كرسيٍّ خيزران في مقهى النوفرة
أسمعُ المُوسيقى
الحكواتي غائبٌ
وحدها الكراسي باردةٌ
أطلقُ الغناءَ… يا مالْ الشام
أدخلُ جنَّتَك حبيبي أشدُكَ من شعرِك
أدفِشُك كعادتي
أشدك
أنائ .. وأغني طال المطال يا حبيبي تعال
الباب أفق مغلق …………ما أطولَ الكابوس
– 7 –
ها أنت تفتحين باب حمَّامَاتك
تفردينَ نهديكِ على الوله
تسكبين سبع طاسات ليُطهرَ كلُّ داخلٍ إليك
دمشق كأي مدينة يلوكها الغبارُ والتعبُ
عاقرتْها أوبئةُ الحرب
هناك أهلي …هناك ينتظرون السماءَ أن تمطرَ
بصمتٍ يحمِلون تعبَهُم
ينتظرون على القارعةِ أن تُمطرَ
أن تلدَ الأرضُ قمحا و وردا
تختالُ دمشقُ بصمتها
وهي التي لا يحرك سكونها إلا بكاءُ عاشقين
أو قبلةٌ على خدِ الورد
خدُك يا شام
– 8 –
الوقتُ ليس وقتُك أيَّتُها المجنونة
ولا الطريق
من يرفع الغناء
من يسفحْ تراتيل المسيح
على باب توما وشرقي
من ؟
أنا الأم الحزينة …………………..
أركب القصيدة وأمضي نحو الأفق
نحوك أيها المجنون
ألكزُ أحصنةَ الرّيح
أفتحُ سؤالَ الغيم
هل أدمنا الحزن…فجف دمعنا؟!
هل عرفت دمشق سيدي
هل عرفت قلبها
هل عرفْتَ خيمةَ الِّسترِ فيها؟
أهشُّ وجعي بالضحك
أهذي
الشام أمرأةٌ تكتمُ لعناتِها
تاركةً لعيوني شُعاعَ البَوحِ
وللأكتاف المتهدلة الهموم
ها أنا أمارس جنوني أسير على طرف الأرض
الشام تسقي العاشقَ
المتصوف
وابن السبيل.. تسقي المقطوعَ
والخارج من خمارة بعد الفجر
ارى الوطن معلقا من قدمه كشاة
الباب أفق مغلق ..ما أعتق الناقوس
– 9 –
أسمع صوتَ السقف
يئنُ يتململ يتحرك..خشبهُ
….تقول أمي:
إنه صوتُ أبي الذي غادرنا باكرا تاركا سلالَ الخُبز
لفطورِنا القادم
أبي الذي يعرفُ منذُ زمنٍ بعيدٍ أنَّ للسقفِ أسئلةٌ ثقيلة
حين يقلق على أحوالنا
السقفُ صدرُه حزينٌ جدا..
امتنعَ عن التدخينِ والتفكيرِ بالمعجزة
هديرُ طائرةٍ وصُراااااااخ
ما عادَ السقفُ
ولا عادَ أبي
فهل نعود ……إلهي؟
-10-
قالت لي أمرأة:
الرجلُ جمرٌ هالكٌ
إياك أن تضعيه في قلبكِ
تدفأي به واعبري طريقَك
قلتُ:
جمرهُ
تغلغلَ بي فَشَاطت رائحةُ الحرائقِ
جمرهُ ورمادهُ في ثيابِ عُمْرِي
لا أقوى على إطفائهِ
كزهرةٍ أتمايلُ بِغُصتي
أتركُ أقدامَ فَرَسي للغيم
فتنتشرُ على كلِّ جهاتي الجراحُ
أحملُ دلاءَ ماءٍ
أغسلُ رُوحي
واغني
«بيني وبينك يا ها الليل في حب وغنية «
-11-
إنها الحربُ
..آه يا لوركا..سلام عليك على عرس دم مازال يانعا
هناك في الأفق شمسُ صباحٍ جديد ..
انهضي أيتها المرأة من موتِك
يا شجرةً من سلالاتِ خصبٍ وآلهة
انهضي
لم يَكُنْ غريبا أن تتساقطَ أجسادُنا كورقِ خريفٍ يابس
موتٌ أصفرُ ولاجنازات
لا عنبَ في جراركِ ولا نبيذ
أتوضأُ بصبرٍ مُرّ
أركضُ كمن يبحثُ عن زهرة في أرض خراب
بضحكة خاطفة وحقيقية
ببكاء ونشيج
مازال فم الأرض فاغرا …يريد البوح
مقبرة من التساؤلات رأسي
ولاجواب
سوى هذا المشهد من خريف متساقط
وقلبي
قلبي المتلهف إليك أبدا
ها نحن نتجرع حزنا إضافيا
نقتسم بعدك وموتك
لقد طفح الدمُ في الوادي
-12-
ها أنا أمشي في أروقةِ العَدَمِ
كيفِ سَمِعْتَ صُراخي أيُّها الولد
مشينا معا ..كانت الصورةُ حربا تُعَرْبِدُ
رجلا مجنونا يشربْ كأسَ دمِنَا
يرددُ كاسك ياوطن
مشيتُ على أرصفةٍ كانت مثلي تماما.. غريبةً عن نفسها
حبيبي
أنا قمر الله
هل سَمٍعْتَ دويَّ الرَّصاصِ؟
لقد أطلقتُه على نفسي عشراتِ المرات
ومرةً واحدة
ولم أمْت
-12-
الذي وقف لي على زاوية الشارع
أرسل رسائلَ الشّوقِ
مع حمائمِ الجيران
قدَّمَ لي أطواقَ الياسمين
واعدني في اللاتيرنا
الذي أحبَبْتُه بصمت
أِخَذَتْهُ الحربُ مِنّي
ولمْ يَعُدْ
***
الذي وقفَ لي على بابِ المدرسة
وبعدها بسنواتٍ وقف على بابِ المُدَرَجِ الخامسِ في الجامعة
الذي حملَ لي قصاصاتِ شوقه
والورود
الذي أهداني العُزلةَ وأعوامها المائة
الذي أحبني وأحببتُه
أخذَهُ البحرُ
طعاما للقرش
***
الذي رآني في بيتي
أقرأُ مرةً
وأعدّ عشاءَ المساءِ
الذي لم يكترثْ لأحدٍ حَولي
عرفَ أنني وحيدةٌ
الذي اشتهاني واشتهيت خرزَ كلماتِه
شدّني من يدي
فضمَمْتُه عُقدا
وأسوارةً
و خاتما
الذي فرطَ خرزَ الأيام
تركتُ لهُ قُبْلةً على المرآة
وقرطيَ الفيروز في اللوحة
الذي تركَ نوافذَهُ مشرعةً لأنسامِ الصباح
لم يَعُدْ
الحربُ هَدَمَتْ بيتَهُ
أيتُّها العصافير
ليس للصباحِ غصنٌ بدونهِ
عُزلتي تُهرولُ
أمسكُ كتابَ الموتى وأقرأُ المدنَ
شوقي شتاءٌ
فأغزلُ لكَ لفحةَ صوفٍ
بماءِ الزهرِ أرشُّها
انتظريني لحظة ..تقولُ
تلفّها على عنقي
لقد سرقتُ عطرَكِ يا بنت……………..
روحي تالفةٌ
أعرفُ أنَّكَ حيثُ لا بلاد
أعرفُ كتفَكَ الذي حطّت عليها خصلاتُ شعري
صدرَك الذي داعبتهُ بأناملي
جسدُك الذي لففتُ حولَهُ أغصاني
أعرفُ غيمَ سريرِكَ
خطواتُنا سرقَتْها رياحُ العُزْلَةِ
وأنا أفكر بنهاية الحرب وحدي
****
(البقية بموقع المجلة على الانترنت)
فتحتْ أبوابها مشرعةً
كانت الريحُ تكنسُ غبارَ طاولةِ عاشقين
طاولةٌ وكأسان من الشاي
طاولةٌ وكأسٌ واحدة يعلوها أوراقُ حبقٍ يابسة
ريح وشجرة في العراء
ريح وامرأة تقف بعينين شاردتين
سلال تلوّح في الريح
تبلعُ الغصصَ
تُفَلي ظلالَ الحكاية
على طرف القصيدة تقفُ امرأةٌ
تفوحُ منها رائحة الغرق
أخذتني الطرقُ كلّ الطرق
إلى الشام
فكيف غطّاني الرملُ والغياب
في قارب متصدع
رماني البحر
في الغياب السابع افتح نوافذي لنسمة البعيد
اشعل الموسيقى
أدخل القصيدة
على رؤوس أصابعي
أهش الغبار
افتح نوافذي احتسي ظلام النهار
وأهش عتمة الليل
أُرقّع أشرعتك الممزقة
أيها البحر كيف تفوح رائحة الغرق
أخذتني الطرقُ كلُّ الطرقِ إلى اللاشيء
وها أنا أمسك بيد العدم
مبكى.. هي الأرض مبكى.. ولا جدار
-13-
لأنَّ لي ذاكرةٌ رديئةٌ….أنساك
أنسى طيشَكَ و جنونَكَ ….
أنسى يوميَ وأمسي
أنسى كلَّ من مرَّ بحياتي لأتذكركَ في لحظةٍ خاطفةٍ …
أتذكرُ بِسُرْعَةِ الضَّوءِ ما يُشعلُ عيني
اذوبُ كوردةٍ بين يديك
أوقظُ شياطيني كلَّها ..للحظةٍ واحدةٍ فَقَطْ ..
أتذكرُ قبلتَك العاصفةَ وأمضي
أو أطوي صفحةً عليك
كما أعمارُنا التي تُطوى
كما أيامُنا التي يُغطيها الرملُ
أنسى يوميَ وأمسيَ ايُّها المجنون
فَمَن ينقشُ أسمي على قبري
أو اسمينا معا ؟
أمسي مُعلقٌ في الريح
ذاكرتي تركتُها تجفُ من مائِك على حبلِ الغسيل
..مِنْ عرقِ حُرُوفِك
و من نبيذٍ سفحتَه على قميصي
شاردةُ الذهن امشي ..أو اجلسُ.. قلقي مُتَقَطِّعُ الأوصالِ..وَحُدكَ تقفُ على الحافةِ القُصوى من انتباهي
ذاكرتي زنزانةٌ ….فلنفرحْ بالنسيان
ننسى أننا في حرب
وأننا عشاقٌ فاشلون
لكنني هنا، في هذه اللحظةِ حيثُ يقفُ الصَّوتُ ..تقفُ صورةٌ متكررةٌ.. صارخةٌ ومجنونة… تعضُ على أسنانِها كي تدفعَ الزمنَ مثل أي جبان تدفعهُ
أتحكم بجنوني المُنسلِ كالشَّبح أو كقصيدةِ بحارٍ مَلَّ السَّفَر
في بئرٍ عميقةٍ أرى عالمي
أشدهُ بدلاءِ روحي
أغوصُ وأغوصُ في ينابيعي
واسهو عن تجاربَ لا أستطيعُ البوحَ بها
منبهٌ خطرٌ الذاكرة … أدرْ ظهركَ للحربِ
ولتلكَ القُبْلَةِ
التي جَعَلْتُكَ بَعْدَها تَحْكي مع الجدران
..أُقَلِّبُ الأيامَ
اُسقطك في الضبابِ ..في ذاكرة الحلم ..برقٌ لذيذٌ ورعدٌ
الفضولُ شِعْرٌ لهذا أنا شاردة
لا أعرف كم مرة تتردد في ذاكرتي
أغمسك كعكعةً في فنجانِ الشاي..
طفولتي تمّ إغراؤها بالنسيان
لمذاقك مطرٌ أسْتَحضرهُ من بئرٍ فارغةٍ.
الزمنُ انبعاثٌ وفناء
مُحَفِزٌ ومُسكّن
تُعاودُ المجيءَ.. كما يعودُ اللونُ الأحمرُ في سباعية فستاني وبُلوزتي وحُمرةُ شفاهي …وقلبي ….وجفون ذاكرتي ..والدم .. الدم
ضوضاءٌ .. صوتُ ذاكرةٍ تدورُ كزوبعةٍ
عِبْرَ الشَّفَقِ ألمَحُكَ من ستارةِ غُرفتي
صخرةٌ كالحةٌ الشام
تَقْطَعُ مُنَبِهَ عُزلتي… رسائِلُك
وصورٌ كثيرةٌ خزّنتَها
يقطعُ المُنبهُ عُزلتي فأهتزُّ كجوربٍ على حَبْلِ غسيل
أهتزُّ على حبال عزلتي ..
لم تُبقِ لي بهارا للأيام
فكيفَ أقطُفُ شجرَكَ أيُّها الغريب….
أُعِدُ الحَصَى أَتَسلى بتمريرِ الوقت
لاوقتَ لي أصلا ..
خداعٌ تائهٌ أنت
وأنا ما أزالُ أحملُ فتنةَ أسمي
العادةُ موتٌ
أليفةٌ روحي لكنَّ المحيطَ مُرْعِبٌ
أفكُ خيوط َقميصي
في لحظةٍ من التعبِ والكآبةِ.. لم يكن لغيابك من آثر على روايتي أكثرَ من موتِ شخصٍ غريبٍ عني
أتفقّدُ نفسي
سلاسلٌ لا تنتهي
أنحني فوق كآبتك
فنجانُ قَهْوَةٍ أعرفُ أنَّكَ لن تشربَهُ فقد هَرَمَ الحُبُّ
مركبٌ مؤلمٌ الحياة
بقاءٌ فناءٌ …الزمنُ
كآبتك المتأرجحةُ يعرفُها الجدارُ
..وحدي في عربةِ القطارِ…
لا قُبْلَةٌ …ولاسكة مربوطة بخيوطِ المَطَر
أتَمَسَّكُ بحبلِ الخيبةِ
لا استطيعُ حبسَ دموعي .. أنظرُ إلى الألمِ من بعيد
هزةٌ أرضيةٌ في الشام
ولأن لي ذاكرة رديئةٌ….أنساكَ
أنسى طَيْشَكَ و جُنُونَك ….
وملاحقتك …لامار