l رؤيا الفارس
كلُّ ليلةٍ
عندما أغمض عينيَّ
طمعاً بنومٍ قليلٍ وأحلامٍ كثيرة
ينهض في داخلي فارسٌ ملثمٌ
يمتطي أحصنةً مُطهَّمةً
يتسوّر جدراناً عاليةً
يفتح بواباتٍ منيعةً لمدنٍ محصنةٍ
يقتل ملوكاً متوّجين
يختطف أميراتٍ باهرات الجمال
سيفه المحنيُّ راعفٌ بالدماء والرعب
عيناه مكحولتان بالإثمد والحرائق
فارسٌ دون وطنٍ أو هوية
سيفٌ مؤجرٌ للقضايا الخاسرة
ربما كنتُ أسدُّ خللاً في روحي
إذ كيف لشاعرٍ أن لا يكون فارساً
ولو في الأحلام
صلعوكاً أو قاطع طريق
يبتزُّ اللغةَ والقبائلَ
الوقت جبانٌ
والشرطة الآن في كل مكان
الأسلحة لا تباع وغير مرخّصة
تنابلةٌ يحوزون المال والجميلات
وأنا لا دور لي سوى الكتابة الأبدية
مقيدٌ ككلبٍ مسعور إلى طاولةٍ مشقّقة
أحرس الكلمات وأرواح الغرفة المظلمة
فلأرجع إلى إغماضتي
فلأُواصل القتالَ
المدن تتهاوى في مخيلتي
تحت وقع ضرباتي
كأني آخر البرابرة وقد ابتلعتهم الصحراء
صرختي تهدم الأسوار
سيفي يشقُّ جسد السلام لنصفين
يا للنصر!
يا للهزيمة!
يا للضجر!
l نصيحة الجثة المهشّمة
احذر خطواتك في شوارع مسقط
قد تموت بمجانيةٍ واستهتار
كآلاف القطط والآسيويين
الموت هنا وحشٌ فاغرٌ فاه
وأشداقه تقطر دماً بريئا
انتبه أيها الشاعر
أيتها العاملة
أيها الوزير
أيها الكادح
أيتها السيدة التي في طريقها لموعد عاطفي
أو غداء عمل
الموت ليست له أيدولوجيا هنا
هكذا يعمل بانتقائية مجهولة
الإسفلت لا يبرد حتى في الليل
من سيلتفت لموتنا؟
مركبات الإسعاف والمشارح وغرف الطوارئ
جاهزة لك ولي فاحذر
لا تمت إلا على فراشك يا صديقي
ويا صديقتي عجوزاً كهلاً محاطاً
بالأحفاد وأحفاد الأحفاد
عش طويلاً أطول من نسور لقمان
فالحياة ليست طريقاً معبداً
تذكر شفتيْ امرأتك
عشاءها اللذيذ
قهقهات أصدقائك
صلوات أمك
لا تمت
لدينا اكتفاءٌ ذاتيٌّ من الموت
عش ليومٍ آخر
واستبق الحياة ليومٍ آخر
l من وصايا الرحالة الميت
لا تذهب حيث السياح
مجموعة حمقى غررت بهم شركات السفر
بقبعات تافهة وملابس مقلدة تكتظ بهم الفنادق
والحافلات وردهات المتاحف والشوارع الرئيسة
اذهب لوحدك كأنك نشال أو مهرب آثار
أو نبيٌ في إجازة
بنظراتك الزائغة وخطواتك المتلعثمة تصفح المدن
ككتاب من أجساد وروائح ونسيانات لامتناهية
ابحث عن الفنادق الرخيصة
والحانات القديمة
والمقاهي الشعبية
تحدث مع المشردين
والندل والعاهرات والشرطة
وسائقي التاكسي
هم كتيبات المدينة الحقيقية
جالسْ المجانين والعازفين الشحاذين
اسكن القصبة دائما
تحجّرْ أمام كل جميلة تراها
اثمل بالبيرة الشعبية
واهتف: يحيا الدكتاتور
في قلبك طبعا
صاحبْ العابرين والمقيمين
لكن عد لوحدك لفندقك الرخيص
واحصِ ما لم تره من المدينة
وعندما ترجع لمدينتك الكئيبة المضجرة
اخبر الناس عن مغامرات لم تحدث
وعن حسناوات أحببنك وركعن على ركبهن
في المطارات كي تبقى
وعن روحك التي اقتطعت سكاكين الحنين
منها قسما وأطعمته للمدن اللواتي زرتها
كن المسافر أبداً في سفينة قراصنة الحلم
ارشِ الزمن بقليل من الإرادة
فقد سألتُ رحالةً مرةً كيف استطعت السفر
لكل هذه البلدان؟ فقال ببداهة: الأمر يسير.
أشتري تذكرة وأسافر!
بلى السفر كالحب كالموت كالحياة
اذهب إليه الآن الآن وليس غداً
لا تفكر لا تخطط
فقط اشتر تذكرة واذهب
أنت تحفظ كل المطارات
في خارطة روحك
منذ الأزل.
أليس كذلك؟
محمد السناني