محمد محمود البشتاوي*
لم تقف الشاعرة الكويتية د. سعاد الصباح عندَ تخومِ القصيدةِ، ولم تتقيد أيضاً بالجُغرافيا، فتخطت عتبةِ المحلية، لتتفاعلَ في ميادينَ شتى، في الأدبِ والثقافةِ والفنون، من المحيطِ إلى الخليجِ، ولتثبتَ أن المرأة العربية، الخليجية، والكويتية تحديدا، قادرةٌ على العطاء.
تبدأُ رحلةُ الصباحِ من عتباتِ الطفولةِ، إذ قُدِّرَ لها أن تكونَ في جوِّ أسريٍّ ساهمَ في تكوينِ البذرةِ الأولى لدى الشاعرة؛ فوالدها، محمد الصباح، جَهَّزها للمستقبلِ كما تقول، كانَ يحثُّها على القراءةِ، منحها حقَّ التعليمِ في خمسينيات القرن الماضي. كان يكافؤها على كل خطوةٍ تخطوها نحوَ المعرفةِ والثقافةِ والأدب، فوفرَ لها في سبيل ذلك الكُتب، ولعلَّ أهم ما توفَّرَ في حينهِ لها، أعداد مجلة الرسالة المصرية، وعبرها أطلَّت شاعرتنا على خريطة الثقافة العربية، وتعرفت عبرها على أعلام النقد والأدب في مصر والعالم العربي.
المحطة التالية في سيرة ابنة الكويت كانت في العام 1960م، حينما تزوجت من الشيخ عبدالله بن مبارك الصباح، نائب حاكم الكويت خلال فترة حكم الشيخ عبد الله بن السالم بن الصباح، الذي كانَ لها السندَ، والداعمَ الأول لأن تكون كما تريد، فشجعها على إصدارِ ديوانها الشعري “ومضات باكرة” في العام 1961م، لتكون بذلك أول امرأة كويتية تصدرُ ديواناً شعريا، ثم تتالت الإصدارات الشعرية بدعمٍ وتشجيعٍ من زوجها، الذي كان عروبيًّا دون تعصبٍ، منفتحاً، ومحبًّا للمعرفةِ والأدبِ.
تعدُ هذه المحطة الأهم في مسيرة الصباح، لأن زوجها، وبعدَ أن استقالَ من مهامهِ كرجلِ دولةٍ، أخذها وطارَ بها إلى القاهرةِ وبيروت، حيث وجدت نفسها في بيئةٍ تفيضُ بالحراك الثقافي والسياسي، كانت العاصمتان شُعلتينِ ثقافيتين في الوطن العربي، الأمر الذي عزز من تكوينها، لتنطلق في مسارها الثقافي متأثرةً بالأوضاعِ العربيةِ الراهنةِ آنذاك، فكتبت قصائدَ عن فلسطين، والجزائر، ومصر، ولبنان، عن الثورة، وجميلة بوحريد.
لم تكتفِ الصباح بـ”سلاحِ الكلمةِ” ذهبت إلى الميدان لتشاركَ بتوجيهٍ من زوجها في دعمِ الجيش المصري بمعدات للهلال الأحمر وسيارات إسعاف وأدوية وتبرعات بلغت مليون دولار لمساندة المجهود الحربي ضد الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967م، ولم تكن هذه محطة المساندة الوحيدة، وإنما أيضاً أعقبها دعمٌ آخر في حرب العام 1973م، في حين بقيت الصباح حتى اليوم الداعم المستمر للشعب الفلسطيني في ميادين شتى، فمديت يدها إلى الثورة الفلسطينية، وإلى أطفال الحجارة، وانطلقت تصدحُ شعراً وقصائدَ لأولئك القابضينَ على الجمر في مواجهةِ الاحتلال والاستيطان.
ورغمَ انشغالها كأمٍّ وزوجةٍ، وانغماسها في القضايا العربية، فإن الصباح لم تنسَ العلم، فحصلت على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة في العام 1973م، ثم على الماجستير من جامعة لندن في العام 1976م، واختتمت مسيرتها التعليمية من جامعة ساري جلفورد في لندن بشهادة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية في العام 1981م، لكن رحلتها مع العلم لم تقف عند هذه الحدود، فأصدرت الدراسات والأبحاث الاقتصادية، ومن ذلك الكتب التالية: التخطيط والتنمية في الاقتصاد الكويتي ودور المرأة – 1983م باللغة الإنجليزية، الكويت / أضواء على الاقتصاد – 1985م، أوبك بين تجارب الماضي وملامح المستقبل – 1986م، السوق النفطي الجديد – 1986م، أزمة الموارد في الوطن العربي – 1989م، مجموعة بحوث «المرأة الخليجية ومشاركتها في القوى العاملة» – 1990م، ولم تقتصر كتاباتها على الاقتصاد، وإنما امتدت إلى التاريخ الذي أصدرت فيه مجموعة من الكتب حول تاريخ الكويت.
وعوداً على بدء، فرغمَ أن الصباح – في مسيرتها وحياتها – أكثر من قصيدة، فإن لشعرها رونقٌ خاص، يحملُ سماتٌ تتفرد به عن غيرها من الشعراء والشاعرات؛ فهي في مناصرتها للمرأة لم تكن خصماً للرجل فأنشدت “كن صديقي”، لأنها تريدُ تكون “أمام الرجل أميرة / وبين النساء أميرة”.
وفي مقامِ الشعر، نذكر أن شاعرتنا أصدرت الأعمال التالية: “ومضات باكرة” عام 1961م، “لحظات من عمري” عام 1961م، “من عمري” 1964م، “أمنية” عام 1971م، “إليك يا ولدي” 1982م، “فتافيت امرأة” عام 1986م، “حوار الورود والبنادق” عام 1986م، في البدء كانت الأنثى” عام 1988م، “برقيات عاجلة إلى وطني” عام 1990م، “آخر السيوف” عام 1992م، “قصائد حب” عام 1992، “امرأة بلا سواحل” عام 1997م، وخذني إلى حدود الشمس” عام 1997م، “لقصيدة أنثى والأنثى قصيدة – 1999م، والورود تعرف الغضب – 2005م، رسائل من الزمن الجميل – 2006م، كلمات خارج حدود الزمن – 2008م، الشعر والنثر.. لك وحدك 2016م، قراءة في كف الوطن 2018م، وللعصافير أظافر تكتب الشعر 2018م.