المبحث :
إن الصورة التي نتحراها في هذه الدراسة ليست هي الصورة البيانية من تشبيه واستعارات وكنايات ومجاز كما وردت في النقد العربي القديم ، وليست هي الصورة وفق التعريفات اللغوية والنقدية الحديثة … بمعنى أنها ليست تلك الصورة المتعلقة بالأدب وجماليات اللغة ، بل هي الصورة المتشكلة وفقا للرؤى الذهنية والفكرية للكاتب ، ومن ثم فإن صورة المرأة لدى كل كاتب تعني رؤية الكاتب الذهنية نحو المرأة ، ولأننا نتحدث عن أدب وأديب فان الأمر لن يكون بهذه الحدة من التحديد والفصل إذ لا بد من التداخل بين الصورتين ، لأن خطورة (الصورة ) لا تكمن في تنوع تشكيلها اللغوي ، وإنما في تعدد مستويات دلالتها، لقدرتها الفائقة، بل المذهلة ، على تجسيد وتمثيل (المـرئي – الواقعي) و(الخيالي) أيضا، أي تجسيد الوهم والغياب )
1 -( انظر: فتحية صرصور/ المرأة في الأدب )
فإذا توقفنا عند مصطلح الصورة كلغة معجمية سنجد أن الصورة تعني الخلق ، والإيجاد، والتشكيل ، والتركيب ، ونلاحظ بأن هذا المعنى اللغوي لصورة المصطلح يقف عند حدود التجسيد , أي هيئة الشيء وظاهره . لكن هذا التعريف يجعلنا نقف فقط عند الصورة الملموسة لأنه يصف شكل المرأة شعرها وجهها ثغرها وهذا الرسم الخارجي ليس هو الصورة الذهنية والفكرية التي يشكلها الطائي
للمرأة ، ووفق هذا المنظور لا يهدف الطائي إلى رسم شكل حسي للمرأة ، بل إلى تناول واقع المرأة وتفاعلها مع حركة المجتمع ودورها في هذه الحركة سواء أكان سلبا أو إيجابا. وبناء على هذه الرؤية , سنحاول استخلاص صورة المرأة لدى الكاتب .
من المعروف سلفا أن أديبنا الرائد صاحب منهج رؤيوي واضح ومحدد ، فهو من فئة كتاب الأدب الالتزامي ، لأنه كاتب ملتزم بقضايا وطنه وأمته بشكل خاص ، وقضايا الإنسان بشكل عام ، وأصحاب الأدب الملتزم ، عادة ينتهجون الوضوح لإيصال فكرهم ورؤاهم للآخرين كما أنه قيادي ورائد لجيل سادتْ فيه كثير من قيم الالتزام وكثير من الطموحات القومية والوطنية ، وكانت القضايا والمطالب السياسية والاجتماعية والثقافية واضحة كل الوضوح ،
من هنا يسهل على الناقد والقارئ أن يضع يديه بسهوله على رؤية الكاتب تجاه جملة التصورات الذهنية التي تبلور إبداعه الغزير والمتنوع بين الشعر والقصة والرواية والنثر عبر المقالات والدراسات التي قدمها للصحافة والإذاعة ، وللمراكز الثقافية التي كان يقدم فيها جرعاته الثقافية في ذلك الوقت.
إن الأديب عبدالله بن محمد الطائي لايحتاج لتعريف واستدلال لما قدمه من ثراء متميز ومتنوع على مدار سنوات حياته … لكننا ومن خلال هذه الدراسة نقف فقط عند موضوع صورة المرأة في أدبه :
ومن الملاحظ أن هذه الصورة تتسم لدى الطائي بعدة سمات واضحة ويتمثل أبرز هذه السمات فيما يلي :
1 – التناغم والانسجام والتوحد :
للمرأة صورة واحدة في مجالات كتابته المختلفة ، صورة لاتناقض فيها ولاتضاد ولاتصادم ، بل تتناغم وتتسق في نتاجه السردي ومقالاته النثرية ونتاجه الشعري ، والأكثر من هذا أن صدقه الفني يماثل صدقه الواقعي ، فما يرسمه في إبداعه وكتاباته هو مايترجمه في الواقع من خلال أفعاله الحياتية مع المرأة زوجة وابنة وأم .
2 – الإيجابية والمثالية :
تتسم صورة المرأة لدية بالمثالية والرومانسية وهي صورة في مجملها إيجابية ، بل إنها شديدة التطرف في إيجابياتها ، فنظرة الكاتب للمرأة تكاد تكون في غاية المثالية والرومانسية ، فهي الذكية الشريفة العفيفة المجاهدة الواعية الساعية للعلم والاجتهاد في بناء وطنها . وعلى سبيل المثال صورة شريفة التي طلقها زوجها زهران رغم حبه الشديد لها ليلتحق بالمجاهدين في الجبل الأخضر ، وبعد زمن ذهبت شريفة بصحبة وداد المناضلة العراقية لتمريض الجرحى من الحرب في الجبل ، وهناك التقت بزهران طليقها ، فأراد الإمام أن يعيدها لزوجها لكن شريفة الشابة جدا والجميلة جدا والتي تحب زوجها كثيرا ترفض قائلة ( لقد نذرتُ نفسي لوطني ولهذه الثورة ، فمالي وما للزواج ) 2 – (ملائكة الجبل الأخضر ص65)
طبعا هذه صورة متطرفة جدا في المثالية لكنها تبقى رؤية الكاتب الذهنية للمرأة المتخيلة لديه.
ويصف الطائي وداد بطلة قصة ملائكة الجبل الأخضر في ص 19على لسان خالد المناضل (فتاة عانت تعسف الظالمين في بغداد ، فتاة حملت المسؤولية العائلية … فقامت بشؤون أمها واخوتها الصغار ) وعندما يتكلم الإمام عن دور المرأة العمانية المجاهدة ذكر نموذجين أولهما أصيلة زوجة حارس قصر بيت سليط التي هدد الانجليز زوجها بتفجير القصر ليخرج منه ، فرفض لكنهم جروه غصبا إلى السجن ، أما أصيلة فقد رفضت أن تتحرك ففجروا القصر وهي فيه ) 3- (الشراع الكبير ص 61) ..
الثانية شمساء التي حاول الضابط الانجليزي الإعتداء على شرفها فضربته بسكين وهربت وضلت الطريق للجبل فماتت جوعا أو عطشا 4 -(المصدر السابق ص 62)
وهكذا نرى أن الكاتب يشيد بالمرأة ذات المواقف الإيجابية سواء أكانت هذه المرأة في غاية الرفعة مثل السيدة خديجة والسيدة عائشة وأم سلمة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، أو المجاهدات كخوله بنت الأزور وعاتكة بنت نهشل وجميلة بوحريد حديثا أو شخصية عادية مثل زوجة حارس بيت سليط ، ومثل المرأة العاملة التي تخرج بحثا عن الرزق ، يقول وهو يصف القرى الواقعة حول خور فكان ويجسد صورة المرأة الفاعلة
( والسالك إلى القرى يرى دور المرأة جليا في حياة تلك المنطقة فهى تخرج صباحا لترعى بقرها وغنمها وتجمع العشب والاحتطاب معتمدة على نفسها وكم هو جميل أن ترى في طريقك مظاهر الحياة ينطق بها رجل وامرأة ونسور ومواشى وطيور )
5 – (انظر دراسات عن الخليج العربي 60 )
ومن الواضح أن الكاتب حريص على رفع جانب المرأة الإنساني فالمرأة مساوية للرجل ولها دور هام في خدمة مجتمعها وفي الكفاح الوطني لتحرير الإنسان والوطن وفق رؤيته الذهنية… ويجسد هذا بوضوح عندما يصف اجتماعا عقد في مسقط لمقاومة البرتغاليين (وفي اليوم التالي من اتفاق القادة عقد الاجتماع الكبير ، لم يبق رجل ولا امرأة إلا وقد حضر الاجتماع ) 6- (رواية الشراع الكبير )
وعندما يتكلم الزعيم الشيخ حسن يقول 🙁 سلاما عليكم يا أبناء وبنات مسقط ، سلاما عليكم يارجالها ونساءها )
7 -(المصدر السابق.. الصفحة نفسها )
ولابد أن نتساءل : هل صورة المرأة في نص الطائي الأدبي تماثل كينونتها في الواقع ؟.
الحقيقة : يبدو لنا الأمر كأنه أمنية من أمنيات الكاتب أكثر من كونها صورة واقعية للمرأة في مجتمعنا آنذاك . لأن نظرة الاحترام الشديدة هذه تجاهها هي عكس نظرة الخطاب العربي السائد إعلاميا وشعبيا تجاه المرأة حتى الوقت الحالي ، يقول د. نصر حامد أبو زيد في كتابه ( المرأة في خطاب الأزمة) : «الخطاب المنتج حول المرأة في العالم العربي المعاصر خطاب في مجمله طائفي عنصري , بمعنى أنه خطاب يتحدث عن مطلق المرأة / الأنثى ويضعها في علاقة مقارنة مع مطلق الرجل/ الذكر. وحين تحدد علاقة ما بأنها بين طرفين متقابلين أو متعارضين , ويلزم منها ضرورة خضوع أحدهما للآخر واستسلامه له ودخوله طائعا منطقة نفوذه , فإن من شأن الطرف الذي يتصور نفسه مهيمنا أن ينتج خطابا طائفيا عنصريا بكل معاني الألفاظ ودلالاتها ) ولعلنا لا نجانب الصواب عندما نقول : إن الخطاب السائد حول المرأة هو خطاب متطرف فعلا يتذبذب بين طرفين متناقضين فالمرأة إما ملاك أو شيطان لا وسطية ، بينهما وهي صورة في الحالتين سلبية فتلك الملاك هي المسيطر عليها التي تقر بالتفوق الذكوري ، وهي خجولة رقيقة لاتبدي رأيا ولا تشاكس وهي قمة الخضوع والإخلاص والتبعية للرجل الذي يغدق عليها أوسمة الجمال المحدد عبر ارث أزمنة متراكمة ، من وجهة ذكورية بحتة حتى أصبح من علامات الجمال أن تكون المرأة مريضة الأهداب أي غافية حالمة نائمة تنظر بنصف عين وهذا لايعني إلا كونها مغيبة عن قضاياها وقضايا مجتمعها وصبها في قالب الجمود ، أما النظرة المضادة فهي شيطان رجيم أفعى بالغة الخبث بالغة الحقد كيدهن عظيم كما أنها عكس الصورة السابقة تماما فهي خائنة ولا أمان لها ، إن هاتين النظرتين (غاية الكمال وغاية النقص ) هما نظرتان سلبيتان للمرأة يجردانها من إنسانيتها فالمرأة كالرجل خيِّرة وشريرة بها جوانب النقص وجوانب الإيجاب ، والمحصلة النهائية كونها إنسانا محضا .
ولعل هدف الطائي من هذه المبالغة في تكريس الصورة الإيجابية للمرأة هو أن يعلي من شأن النماذج الجيدة في المجتمع ، لذا فإنه لا يلفت انتباهه إلا النموذج الجيد ، حتى يكون قدوة لغيره ومن ثم فهو يحتفي بالنموذج المتعلم الواعي المنتج الفاعل الذي تجسده المرأة التي تقف مع قضايا وطنها وتدفع بمجتمعها للإمام . ويشحن الطائي صورة المرأة بكل عنصر إيجابي فهي دائما كريمة معطاءة عطوفة متسامحة ، فهذه السيدة مكرم في أعقاب النكسة تتشرد بعد عز وتأخذ النقود من المتبرع وتتبرع بها طوال الطريق ولاتبقي لنفسها شيئا مع حاجتها إليها ، وهذه الشيخة لولوة تبعث بتبرعاتها للاجئين الأشقاء ) 8- ( انظر : المغلغل ص63 )
ونلاحظ أن الطائي لايقف طويلا أمام نماذج الرجال الكرماء وهم كثر في كتاباته لكنه يمرعليهم سريعا ، لأن غايته تكريس قيم المرأة الإيجابية وإعلاء شأنها من نظرة الهوان الاجتماعية ضدها. ونتيجة لهذا الهدف تأتي الصورة السلبية للمرأة في مجمل نتاجه نادرة وعرضية وهي في معظم تكويناتها تعود لبعض العادات الاجتماعية المتخلفة المنبوذة لدى الكاتب ، ففي قصة المغلغل يُحمِّل الأب مرض ابنه إلى ثرثرة النساء ( المعصرات ) أي المجتمعات وقت العصر لتناول ( الفوالة والقهوة ) وتبادل الأحاديث حيث تأتي ( سَلُوم ) وتقص عليهن وعلى الأولاد أخبار الخرافات والجن والأساطير ومن هنا جاءت حكاية المغلغل .
9 – ( ص11 المغلغل )
أوتأتي الصورة السلبية نتيجة لظروف المحيط السيئ بالمرأة وكأن الكاتب يقول ان السوء ليس في الأنثى بل في المحيط الذي يجعلها سيئة فهذه صبحية الصغيرة التي دفعها الفقر ومرض الأم وقسوة الأب واغترابه عن بلاده أن تقع فريسة سهلة في الغواية وهي طفلة مراهقة فتفقد عذريتها لتموت على يد الأب . 10-( المغلغل ص 71 ) .
أما رفيعة فهي ليست بائعة هوى بل استدرجت من قبل العجوز بعد أن ضلت طريقها وظلت تدافع عن شرفها بدون هوادة وهي بهذا ضحية الصديقة الجاهلة والمكر والحيلة من العجوز .
وحتى الصورة السلبية جدا للمرأة والمتمثلة في الزنى وخيانة الزوج يجد لها الطائي مبررا لكون أن زوج المرأة هو السبب فهو يشرب الخمر ولايقرب زوجته لفترات متباعدة ، الأمر الذي سهل لها الخيانة وبعد رجوع زوجها للصواب وتركه للإدمان كتبت نصيرة لعشيقها تعتذر عن مواصلة العلاقة وتقول ( لأنني خلقتُ عفيفة ، ولكنها تأبى أن تمتلئ سوادا ، والآن وقد رجعتُ إلى أصلي ، فتش عن أخرى تحبب إليها خيانة زوجها ) 11 -(انظر ص101 المغلغل )
ونلاحظ أن معظم الصور السلبية إذا كانت جماعية تأتي نتيجة لعدم الوعي والجهل ونقص الثقافة . فعندما نزلت الممرضة وداد متخفية عن الانجليز لتعالج الشيخ المجاهد تحسن الشيخ وتساءل الإنجليز من عالجه طبيا ليصح هكذا بسرعة وفتشوا كل مكان في بيت الشيخ فلم يجدوا أحدا لكن الإشاعة ظهرت من النساء( في بيتهم امرأة جميلة حمراء لاتجلس معنا ولايسمع لها صوت ، إن كنتم سمعتم عن بياض نساء بغداد وجمالهن فانظروا إليها ) ووصل الكلام إلى مركز القيادة فتم القبض على وداد وتسفيرها إلى بلادها. 12-( ملائكة الجبل الأخضر ص74 )
السمة الثالثة : شرعية الحب للمرأة :
يمجد الكاتب المرأة المحبة حبا فاعلا فهو الحب الذي يرقى بالإنسانية ويحث الرجل على مكارم الأخلاق . والحب تقديس للمرأة ويرى أن الحب عاطفة خير لا تمنع الإنسان من عمله وواجبه خاصة الحب الناجح وفق العبارة التي جاءت على لسان القائد البرتغالي باريرا .
13- ( انظر :ص54 الشراع الكبير )
و(خلفان في الجامعة وجد له رفيقه حيث يتبادل مع حصه الكويتية وجهات النظر ببراءة وتعقل ) 14-(المغلغل ص48 )
والحب الفاعل دفع بخالد بطل رواية ملائكة الجبل الأخضر إلى أن يصبح القيادي الأول في عمل المقاومة الوطنية .
4- المرأة بطلة للنص وإن تضاءل دورها في الحدث :
لقد كان حضور المرأة طاغيا ومعبرا عن دلالتها الاجتماعية ومكانتها السامية ودورها في نهضة المجتمع ، في روايته ملائكة الجبل الأخضر ، ففيها لا نجد المرأة ظلا للرجل بل أن البطولة تكاد تكون من نصيب المرأة رغم أن الشخصيات الرجالية كثيرة ومهمة ضمن محيطها السياسي الواقعي لكن شخصية ( وداد ) المرأة العراقية الواعية المناضلة قد طغت على شخصية خالد البطل المناضل وهو الشخصية الرئيسة في الحدث وطغت على شخصيات المناضلين الكبار الحقيقيين كالإمام غالب والشيخ المناضل سليمان بن حمير في الرواية .
وفي رواية الشراع الكبير تقوم شخصية تشاندرا الهندية ابنة التاجر نارويتم بدور البطولة بل أنها رغم مساحة الدور القصيرجدا نجد أن السرد يرتكز عليها لتحريك الحدث الدرامي حتى إذا ما وصلنا للختام تضاءلت كل الشخصيات أمام ذلك الانقلاب الكبير الذي حدث لتلك الشخصية ،التي أسلمت وأصبحتْ مناضلة بارزة مع الثوار العمانيين ، بعد أن كانت شخصية هامشية في بداية الحدث تدور فقط كظل لخلفية تحرك القائد البرتغالي .
* أما في قصة المغلغل فحبوه سَلـُوم التي يعتبر مرورها شبحيا نادرا في الحدث الدرامي تعتبر فنيا هي محور ارتكاز الحدث الفني في القصة والبطولة الحقيقة لا يجسدها إلا هي فاستحقت خرافتها عن المغلغل أن تسيطر على عنوان المجموعة القصصية .
السمة الخامسة التعليم والإبداع :
التعليم هو العلامة الفارقة من وجهة نظر الكاتب فالمرأة المؤثرة التي يعتبرها النموذج الذي يسعى لتكريسه هي المرأة المتعلمة الواعية ، ففي قصة عبدالبديع ص 84 لاتجد فتحية حلا لمشكلتها إلا عند مها الانثى المتعلمة رغم صغر سنها عن جميع أفراد العائلة . 19 – ( المغلغل ص84 )
* وهو في ديوانه الشعري الفجر الزاحف يصف أول دفعة تخرجت من طالبات الثانوية العامة ويبارك طموحهن ويحثهن على خدمة الوطن . أما احتفاؤه الكبير بالمرأة المبدعة فيتجسد بصورة المرأة الشاعرة التي وقف عند أبرز نماذجها كالخنساء وولادة بنت المستكفي ، وجليلة رضا وفدوى طوقان من العصر الحديث وخصص لهن صفحات لتمجيدهن في كتابه مواقف .
أبرز نماذج صور المرأة لدى الطائي :
تنحصر أبرز نماذج صور المرأة لدى الطائي فيما يلي
صورة الأم :
صورة الأم لديه دائما مبهرة فهي عاقلة ناصحة حنونة غاية في الشرف والكمال ففي قصة المغلغل يريد الأب راشد أن يأخذ خلفان ابنه للعلاج من الجان لكن الزوجه زوينه تناقشه وتقنعه أن هذه خرافة لاتصدق ، الأمر الذي جعل الزوج يتراجع ويقول لا ، (يارايه في كثير من الأحيان أنت أعقل )
وهذه أم الجندي المحارب هنري تحثه على الدفاع عن شرف الوطن وشرفه العسكري ، دون أن يأبه بموتها هي وأفراد أسرته.
صورة الزوجة :
ضربنا نماذج لصور الزوجة المساندة الفاعلة مثل السيدة خديجة رضي الله عنها زوجة النبي المساندة المجاهدة معه في حادثة المقاطعة القاسية ، وشريفة زوجة زهران ، ووداد العراقية زوجة خالد المجاهد ، وزوجة حارس بيت سليط التي فضلت الموت على خيانة الأمانة ، وزوجة الشاعر نفسه ورفيقة دربة التي سنتعرف عليها في نصه الشعري ،
صورة الحبيبة :
الحبيبة فاعلة وحاثة للرجل للدفاع عن الوطن وإعلاء قيم الفداء والعطاء يقول القائد باريرا لحبيبته داليا 🙁 انظر خيالك والأمجاد التي بنيناها للوطن هنا في سواحل جزيرة العرب) 20 -(الشراع الكبير ص37 )
هذا حضور المرأة السردي والنثري في كتابات الطائي فماذا عن حضورها الشعري ؟؟.
يشكل حضور المرأة الشعري الوجه الآخر المتطابق تمام التطابق مع السردي ومقالات الكاتب النثرية كما ذكرت .
وفي الشعر لم تكن المرأة لديه طيفا للتمني والأحلام أو امرأة للغزل والنسيب أوالتشبيب , بل شريكا في حمل المشاغل والهموم , وعبر تناولها من جميع جوانب وجودها الإنساني , عشيقة وحبيبة وأماً ومناضلة , وحاملة وسائل الخلاص وأدوات التطهير من أجل الحياة ، ومن قصيدة حنين يجسد صورة الزوجة ورفيقة كفاحه والمخففة لمتاعب الحياة عنه ، وفق رؤى ذهنية منتزعا ملامحها من الواقع :
ذكرتكِ في ديــار الهنـــد إلفا
عرفتُ بوصله سعدَ الزمانِ
بعدتِ وكم نهلنا الحبَّ صفـوا
بهيَّ الجــوِّ مطواع العنـــانِ
وكفُّ الدهــــر ترمينـــا بكيــد ٍ
وتزعجنا بأسقام ِ الطعان ِ
ولولا الحبُّ لطف ما نلاقـــي
لأهلكنــا الذي كنـــا نعاني
21 -( ص9 وداعا ايها الليل الطويل )
وعندما يجسد صورة الأم في رثاء أمه نجد الصورة ذاتها التي تناولها في السرد مجسدا العطاء والحب والكمال والحنان
لكن موتك قد آلان تجلــــدي
وأضاعني حتى زهدتُ حياتي
اليومَ أشعرُ أن أصـــلي قد هــــوى
فبقيتُ غصنا ذاوي الورقاتِ
كانت كمثل الروح بين جوانحـــي
والنورُ يكشفُ مغلقَ الطرقاتِ
كانت – وإن طال الفراقُ- ككوكبٍ
يجلــــو لعيني أقــومَ الغاياتِ
22 – (ص35 وداعاً أيها الليل الطويل )
أما صورة الحبيبة في التشكيل الشعري فهي مراوغة غائمة ليست بوضوحها في السردي وذلك لأن الشعر في مجملة ذاتي ومرتبط بتجربة صاحبه في معظم الأحيان يقول من قصيدة في مطار القاهرة
أجارتنـــــا إن المـــــزار قريـــــبُ
ولكننـــي مالي لديــــكِ نصيبُ
فيا عينُ إن لاحت لخلي ملامحٌ
بها ينطفي من خافقيَ لهيبُ
فلا يحجبنها منك دمعٌ مؤجج
فإنيّ مــــن شوقٍ إليــــه أذوبُ
سلامٌ على الأحبابِ في حيِّ ظاهر
لعل فــؤادي بالســلامِ يطيبُ
23 – (ص54 و55 وداعا أيها الليل الطويل )
وهكذا تنتهي القصيدة ولا نقبض على هيئة محددة الملامح لهذه الحبيبة فلا ندري هل الحبيبة ابنة ام زوجة ام صديقة لكنها كما يبدو حبيبة بالفعل ولهذا يقول مصورا انقطاع العلاقة بينه وبينها
انتهينا لا الهوى يحنو علينا
قد محــوناه كلانــــا بيدينا
انتهينـــا لا لقــــاءٌ ممكــــنٌ
يكشفُ الأعذارَ عما قد جنينا
كيف سُدَّ الباب ، هذا خبرٌ
ليس يدريه سوى القلبُ لدينا
23-( ص63 وداعا ايها الليل الطويل )
وكما احتفى الطائي كثيرا بصورة المرأة المتعلمة في السرد هاهو يحتفي بها شعريا وبمناسبة استقبال الشارقة لأول دفعة من خريجات التوجيهية ، عائدة من الكويت إلى الشارقة ، بعد أن أدين الامتحان وكانت إذاعة الكويت قد أعلنت أسماء الناجحات فثار حسه الوطني والفني حيث تحققت رؤيته لواقع مختلف لصورة المرأة العمانية :
قل يامذيــــعُ ورددِ الأسمــــاءَ
لك قد نسجنا في الأثير ثناءَ
حرك عمان بما بنته بناتـُها
فكيانـُها بالحــــزن كلَّ وناءَ
المشرقاتُ بشمس ِعلــم نيرٍ
والعائداتُ كعزمهــن مضاءَ
24-(ص 75 الفجر الزاحف )
الخلاصة :
ان صورة المرأة في أدب عبدالله الطائي هي صورة إيجابية إنسانية تحررية ، تحمل صفة اجتماعية ـ واقعية , وتؤدي المرأة دورها في عملية الإنتاج الاجتماعي . وكل إنسان في المجتمع سواء أكان ذكرا أو أنثى , يأخذ أهميته في المجتمع من الدور الاجتماعي الذي يقوم به ، وقد جسد الطائي – رحمه الله – رؤيته الذهنية المتجانسة الواضحة لصورة المرأة عبر نتاجه الأدبي المتنوع الثراء .
التعريف بالأديب :
الاسـم: عبدالله بن محمد بن صالح بن عامر الطـائي
محـل وتاريـخ الولادة: – سلطنة عمان – وادي الطائيين /1924 م
محـل وتاريـخ الوفاة: أبوظبي – دولة الإمارات العربية المتحدة – 18 يوليو 1973م
المهنة: معلم – صحفي و إعلامي – مفكر – مؤرخ – شاعر – أديب – وزير
كان له دور ريادي كبير في إرساء أسس النشاط الأدبي والثقافي في منطقة الخليج العربي .
تعليمه :
* حصل على الابتدائية من المدرسة السعيدية بمسقط .
* تم ابتعاثه بعد ذلك مباشرة في عام 1938م في أول بعثة تخرج من البلاد إلى بغداد – العراق حيث أكمل تعليمه الاعدادي ، الثانوي هناك.
* عاد بعدها إلى وطنه «عمان» عام 1943 م وعمل مدرسا في المدرسة السعيدية بمسقط حتى عام 1949م.
الهجرة:
* هاجر إلى الباكستان نتيجة للظروف التي مرت بها عمان قبل عهد السلطان قابوس بن سعيد ، و عمل مدرسا للغة العربية و الفقه الإسلامي وكذلك مذيعا في القسم العربي في الإذاعة الباكستانية (1949-1950 م).
* من عام (1950-1959 م) غادر إلى البحرين حيث عمل مدرسا للغة العربية والتاريخ في مدرسة الهداية الخليفية و كذلك في دائرة الإعلام في البحرين كما ساهم في تحرير مجلة صوت البحرين المعروفة و عدة أنشطة أدبية و ثقافية.
* من عام (1959-1968 م) غادر إلى دولة الكويت بسبب مضايقة السلطات الاستعمارية البريطانية له … ليعمل في الكويت في وزارة الإرشاد والأنباء (وزارة الإعلام) في رئاسة المطبوعات والنشر وكذلك كرئيس لتحرير مجلة الكويت ونائبا لرئيس تحرير مجلة العربي ، وأسهم في تأسيس رابطة الأدباء في الكويت و مجلتها البيان .
* من عام (1968-1970م) استدعاه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي إثر توليه مقاليد الحكم في الإمارة للعمل كمستشار له ومسؤولا عن العلاقات الخارجية في الديوان الأميري و نائبا لرئيس الإعلام و مستشارا للتربية و التعليم حيث أسهم في تأسيس الجهاز الإعلامي والتربوي و الثقافي في حكومة أبوظبي بالإضافة إلى تأسيس جريدة الإتحاد التي تصدر عن دائرة الإعلام في أبوظبي.
* إثر تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في سلطنة عمان ، عاد إلى مسقط رأسه لتولي منصبي وزير الإعلام ووزير الشؤون الاجتماعية و العمل .
* عام 1973 م تم دعوته من قبل مركز البحوث و الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية لإلقاء محاضرات عن الأدب المعاصر في الخليج العربي التي طبعت فيما بعد في كتاب يعتبر مرجعا هاما عن الأدب في المنطقة .
مؤلفـاته :
* رواية «ملائكة الجبل الأخضر»
* ديوان شعر «الفجر الزاحف»
* الأدب المعاصر في الخليج العربي
* ديوان شعر «وداعا … أيها الليل الطويل»
* رواية «الشراع الكبير»
* دراسات عن الخليج العربي
* شعراء معاصرون
* مواقف
* تاريخ عمان السياسي
* «المغلغل» مجموعة قصصية
* ديوان شعر «حادي القافلة» (مخطوط)
سعيدة بنت خاطر الفارسي