كان من أبناء مسكت (مسقط) القلائل الذين برزوا في حقول التربية والتعليم والصحافة والإذاعة والكتابة في بحرين الخمسينات. سمعتُ عنه الكثير وقرأتُ بعضا من قصائده الجميلة، لكن دون أن أتتلمذ على يديه يوم أن كان مدرسا للغة العربية في الهداية الخليفية بالمحرق ما بين عامي 1950 و 1959 ، بسبب إتمامي للمرحلة الابتدائية خارج البحرين.
لكن تشاء الصدف أن ألتقي أثناء دراستي الجامعية في بيروت في أوائل السبعينات بابنه البكر مازن الذي إنتقل إلى جوار ربه في عام 2010 – الذي كان وقتذاك يدرس الهندسة في الجامعة الأمريكية، وبابنته لميس التي كانت تدرس علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بيروت العربية، حيث التقت هناك بمن صار لاحقا زوجا لها وهو المرحوم السفير سعود العنسي – توفي في عام 2006 – الذي كان ذات يوم دينامو الحركة الطلابية الخليجية في لبنان ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة عمان في بيروت، وأول رئيس لكونفدرالية طلبة عمان والخليج العربي في بيروت بل الشخصية المساندة بقوة لما كان يـُعرف بـ “الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج”، قبل أن يكتشف خرافة ذلك الكيان، وعبثية حروبه في ظفار، ويعود فينضم إلى قافلة الإصلاح والمصلحين من أبناء عمان الشقيقة الذين أخرجوا بلادهم من ظلمات القرون الوسطى إلى أنوار القرن العشرين بـُعيد تسلم جلالة السلطان قابوس بن سعيد لزمام الحكم في مسكت في عام 1970.
إنه المغفور له الأستاذ عبدالله بن محمد بن صالح بن عامر بن سعيد بن عامر بن خلف بن صالح بن محمد بن صالح الطيواني البطاشي الطائي المعروف اختصارا بعبدالله الطائي، صاحب السيرة العطرة، والمواهب المتعددة، والصولات والجولات في عوالم الشعر والصحافة والتعليم والتأريخ. الرجل الذي ما كان يستقر في مكان حتى تأتي الرياح – لسبب أو لآخر – بما لا تشتهيه سفن نفسه، فيضطر للانتقال منه إلى وطن آخر، ووظيفة أخرى. والقارئ لكل ما كــُتب عن مشواره العلمي والعملي، طالبا، وأديبا، وشاعرا، وقاصا، ومؤرخا، ثم وزيرا، ومستشارا لصناع القرار، يكتشف ذلك بجلاء.
فالرجل المولود في مسكت في عام 1924 لعائلة عُـرفت بالعلم وتولي القضاء ، والمتتلمذ ابتداء على يد السيد هلال بن محمد البوسعيدي كان ضمن الدفعة الأولى من الطلبة المتخرجين في أواخر الثلاثينات من المدرسة السلطانية الثانية في مسقط رأسه، كما كان ضمن أوائل العمانيين الذين قــُدر لهم الوصول إلى العراق في عام 1938 لإتمام تعليمهم الإعدادي والثانوي. وبمجرد إكماله للمرحلة الثانوية عاد إلى وطنه ليستثمر ما تعلمه في تعليم بني جلدته، فالتحق بسلك التدريس في المدرسة السعيدية بمسقط ما بين عامي 1943 و 1949.
وقد لا يعرف الكثيرون أن الطائي حينما حل في البحرين للعمل في الهداية الخليفية في عام 1950 كان آتيا من باكستان التي ذهب إليها مهاجرا من أجل تدريس اللغة العربية والفقه الإسلامي في تلك الديار. وأثناء تواجده في باكستان عمل، إلى جانب التدريس، مذيعا في القسم العربي بالإذاعة الباكستانية. لكن يبدو أن المقام لم يطب له هناك لظروف اقتصادية، أو أنه حنّ إلى المجتمعات العربية الشبيهة بمجتمعه الأم فوقع اختياره على البحرين كمكان جديد للإقامة والعمل لأسباب عدة، لعل أهمها ميزة البحرين كبلد تعددي متسامح حاضن لمختلف الأعراق والأجناس والمذاهب، وتردد عمانيون كثر وقتذاك علي البحرين للتجارة والدراسة والترويح والعمل، ناهيك عن سبب هام آخر هو وجود الصحافة والإذاعة والحركة الأدبية والثقافية التي كانت عشق الطائي الدائم والأبدي. لذا لم يكن غريبا أن نجد الطائي خلال الأعوام التي قضاها في البحرين كمعلم غارقا في الكتابة الصحفية، والمساهمة في إصدار مجلة “صوت البحرين”، والنشاط الإعلامي من خلال دائرة الإعلام الرسمية.
وكان بالإمكان أن تطول إقامة الطائي في البحرين التي أحبها وأحبته، غير أن المضايقات التي تعرض لها من جانب السلطات البريطانية بسبب توجهاته العروبية وتماهيه مع المد القومي، أجبرته على مغادرة البحرين إلى الكويت في عام 1959 . وفي الكويت التي رحبت به واحتضنته كعادتها في احتضان كل أبناء الخليج والجزيرة وتوفير سبل العيش الكريم أمامهم، عمل الطائي في وزارة الإعلام التي كانت وقتذاك تسمى بـ “وزارةالإرشاد والأنباء”، وترأس تحرير مجلة الكويت، كما عين نائبا لرئيس تحرير مجلة العربي. إلى ذلك استثمر ما تعلمه في البحرين من خلال صحافتها وجمعياتها وأنديتها الثقافية في تأسيس “رابطة الأدباء” الكويتية وتحرير مجلتها التي أطلق عليها إسم “البيان”. تلك الرابطة التي كرمته قبل رحيله الابدي فألقى في احتفائها به قصيدة خاصة من أبياتها:
لله من أدب أغنــــى روابطنــــا
كأنه نسب من عهد ذي يــــــــزن
اني لألمح في تكريمــــــــكم بـردا
يكاد يمسح ما في القلب من شجن
فلنبذل الجهد في خير الخليج لكي
يغدو ليعرب مثل الصدر للســــفن
فالأرض عطشى لأمجاد نجددهــا
والبحر يسأل عن ملاحه الفطــــن
وحينما استقلت الكويت في عام 1960 وصارت حكومتها أكثر حرية في التحرك نحو شقيقاتها الخليجيات الأقل ثراء لجهة دعمهن ماديا والتكفل بحاجاتهن من الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية من خلال البرنامج الذي أطلق عليه اسم “برنامج الخليج وجنوب الجزيرة العربية” الإنمائي اختير الطائي للعمل في البرنامج كونه الأقرب لفهم طبيعة المنطقة المستهدفة، بل انتدب للعمل في مكتب دولة الكويت في دبي كنائب لرئيسه خلال الفترة من عام 1962 ولغاية عام 1964 .
لم يكن الطائي غريبا على الامارات ولم تكن الامارات غريبة عليه، غير أن عمله في دبي قربه كثيرا من عــُلية القوم وعرّفه على كبار رجالات ومشايخ دبي والشارقة وأبوظبي وغيرها من إمارات الساحل المتصالح. لذا نجد انه بعد فترة وجيزة من تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لمقاليد الحكم في “أبوظبي” خلفا لأخيه الشيخ شخبوط، ودوران عجلة التنمية في هذه الإمارة، يـُستدعى الطائي ليعمل أولا مستشارا في ديوان الشيخ زايد من عام 1968 وحتى عام 1970، ثم ليكلف بإدارة جهاز العلاقات الخارجية للإمارة وتقديم الاستشارة لدائرة التربية والتعليم، قبل أن يساهم بعلمه وخبرته في إنشاء جهازي إذاعة وتلفزيون أبوظبي في فبراير 1969 ، ويتولى رئاسة لجنة التحرير المسؤولة عن إصدار مجلة الاتحاد الاسبوعية التي تحولت إلى صحيفة يومية في عام 1971 .
غير أن الحدث الأهم في حياة الطائي كان يوم أن لبى نداء وطنه الأم للعودة إلى أحضانه والمساهمة في تطويره وإخراجه من ظلمات القرون الوسطى. ويقال أن السيد طارق بن تيمور عم السلطان قابوس (الشقيق الأصغر لوالده سعيد بن تيمور) حينما تولى رئاسة أول حكومة عمانية بعد التغيير الإصلاحي في البلاد في عام 1970 هو من قام بترشيح الطائي لتولي حقيبتي الإعلام، والشؤون الاجتماعية والعمل، انطلاقا من إيمانه بقدرات ومواهب الرجل لجهة التطوير والتغيير المنشود، فضلا عما كان يعرفه الجميع من شوق الطائي لخدمة بلده والبذل والعطاء في سبيله. ولعل ما يشهد على ذلك قصائده الكثيرة في حب عمان، وحنينه للعودة إليها في ظروف مواتية، ناهيك عما كتبه في مخطوطة كتاب عثر عليها بعد وفاته. وهكذا عاد الطائي الى وطنه من بعد 23 عاما قضاها متنقلا من مكان إلى مكان، ليس ليتولى الحقيبتين الوزاريتين المذكورتين فحسب، وإنما أيضا ليقود وفد الصداقة التي أمر السلطان قابوس بإرساله إلى الدول العربية لتوثيق عرى الصداقة معها.
في تلك المخطوطة التي حاول فيها الطائي ان يـُعرّف ببلده عمان لما وجد أن الكثيرين من أبناء العروبة يجهلون موقعها وتاريخها وقبائلها وحضارتها الغابرة وتقسيماتها الجغرافية والديموغرافية وتجارتها وزراعتها، بل ويجهلون أيضا كيفية نطق اسمها فيخلطون بينه وبين اسم العاصمة الأردنية، ناهيك عن قيام البعض بإلحاقها تارة بإمارة قطر وتارة أخرى باليمن وتارة ثالثة بصحراء الربع الخالي – مثلما فعل أحد كتاب جريدة الحياة البيروتية في عام 1954 يقول الطائي حينما أكتب اسم عمان “تتصاعد في قلبي عشرات من التصورات والخواطر والآمال ، فلهذه الكلمة مفعول عزيز في نفسي ، إنها تنقلني إلى الماضي فأستعرض كل ما دار في بلادي خلال القرون الماضية ، ثم أنظر إلى الحاضر الأخر من حياة بلادي فأطرق برأسي لا خجلاً ولا حيرة ولكنه تأمل في مدة هذا الحاضر الثقيل ومدى استمراره ، أما المستقبل فأنا أرمقه مشرقا باسما ومن الغريب أنني رغم تأملي في هذا الحاضر لا أرى خلال نظرتي إلى مستقبل بلادي سدوداً ولا حواجز ، ذلك لأني مؤمن أن حل واقع بلادي المعقد سوف يساعد الجانب العربي فيه ، فعمان بقعه عربية تتأثر دون شك بما يحدث في الوطن العربي الأكبر ومجرى الحوادث في هذا الوطن جارف يبعث إلى التفاؤل ، بل إنه موكب وثاب طريقه مستقيم وسيره قويم وسبيله واضح فعلام أجزع على بلادي ؟ أليست هي جزء من الجسم إذا شفى من علله شفيت هي أليست بلادي عربية وعروبتها هذه كفيلة بأن تهزها وتبعث فيها الحركة ، ثم هل سيسكت عنا أبناء الأعمام ونحن قطعة منهم نعيش في واقع وصفته بأنه أخرس؟ أجل يا قارئي أنا متفائل حول مستقبل بلادي وأنا مؤمن أن نهضته ستكون سريعة رغم مشاكله الداخلية ، ذلك لأننا واجهنا هذه المشاكل في وقت مر على غيرنا من أوطاننا فعرفنا دواءها ذلك لأننا سننتبه إلى الصرخة الكبرى التي تنادينا بأن نرفع رؤوسنا وسنرفع رؤوسنا فعلا في عمان ، وسوف لن نضع أيدينا على صدورنا اشارة للذلة في مستقبلها الباسم. هنيئاً لذلك الجيل السعيد الذي سيرفع رأسه إلى السماء بدلاً من أن يضع يده إلى صدره علامة الخضوع للكبار في عمان”.
والمتمعن في هذا النص يجد نفسا عروبيا قوميا يسيطر على كاتبه، وهي التي تسببت له في الكثير من الاشكالات زمن الهيمنة البريطانية على منطقة الخليج، خصوصا وأنه أصر على تجسيدها في معظم أعماله الشعرية والقصصية حول القضية الفلسطينية مثل قصائد “مهر فيروز”، “رسالة من يافا”، “إنفخوا النار”، “موكب البطولات”، “أبو رمزي يحدث نفسه على الجسر”، “عائد من عمـّــان”، “رسالة من الجبهة”، و”فلسطين أمام الجدار”، وقصص “عبدالبديع”، “دوار جامع الحسين”، ومأساة صبيحة”، بل أنه ألف رواية سماها “ملائكة الجبل الأخضر” تدور أحداثها الدرامية إستنادا إلى مبادئ القومية العربية الداعية للوحدة، ويتحرك أبطالها من القاهرة إلى بغداد والكويت مرورا بالبحرين ومشيخات الخليج. وهذه الرواية بدأ صاحبها في كتابتها في البحرين في عام 1958 وأتمها في الكويت في عام 1962 وطبعها في بيروت في عام 1963.
وطبقا لبعض النقاد فإن من أعذب قصائد الطائي قصيدة “من مراحل الطريق” التي نظمها في دبي في عام 1964 ووضعها في ديوانه الموسوم بـ “الفجر الزاحف. في هذه القصيدة يستهل الطائي أبياتها بمقولة للأديب المصري عباس محمود العقاد نصها ” لقد علمتني تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها ، ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا”. ويبدو من هذه المقدمة والابيات المختارة التالية من هذه القصيدة أن حساد الطائي كانوا كثرا، و أن من أحسن إليهم قابلوا إحسانه بالجحود والنكران والتآمر، فأنشد قائلا:
اليــــوم قد أضحـى جميلك منكرا
ومشى عدوك شامتا متبخــــــــــترا
رام الــــوصول فنال كل مرامــه
مـن بعد أن حطب الدسائس و افترى
وسعى إلى صدر الصديق يثيـــره
لـــيت الصديـــــق لدى الإثارة فكـرا
ورنا إلى ماضــــــي الوداد بنظرة
وسعى إلى الرأي الصـــحيح و قـدرا
لكنه أصغــــى فناصر حاقدا
وأســـــــاء ظنا واستشــــــــاط تنكرا
وأراق من كأس الوداد رحــــــيقه
فأبى الرحيــــــق على الجفا أن يقطرا
يا للصداقة إذ ينال سمــــــــــاءها
قزم بأذيال الهــــــــــوان تعثـــــــــرا
غير أن هناك من يخالف هذا الرأي ويزعم أن أجمل ما نظمه الطائي موجود في تلك القصائد التي كتبها في البلاد التي هاجر إليها، أو حينما كان على وشك الهجرة، لأنه سكب فيها حنينه الفياض إلى وطنه وأصدقائه ومرابع صباه وطفولته بصدق، وصور شجونه وهواجسه بأسلوب مؤثر. وعدد هذه القصائد ثلاثة وهي “حنين” التي كتبها في كراتشي في عام 1949 ، و”مهاجر وشيطان” التي كتبها في البحرين في عام 1953 ، و”عماني يودع مسقط” التي كتبها في مسقط في عام 1949 .
وإذا ما عدنا إلى مخطوطة كتاب الطائي التي أتينا على ذكرها آنفا لوجدنا فيها ما يفيد بافتخاره بالمرأة العمانية ونصرته لقضاياها بدليل قوله “إن المراة العمانية مثال واضح للمرأة العربية في تاريخها الصحيح ، و إذا أنت غادرت مدينة مسقط لم تجد العباءة وانكماش المرأة ورضوخها للعبودية بل وجدت أن المرأة تؤدي واجبها وافرا في المجتمع العماني، فهي تشارك الرجل في تحمل شؤون الحياة ولا تعرف الحجاب إلا ما نص عليه الإسلام الحنيف فتراها تستر رأسها وصدرها ولكنها تكشف وجهها وتمشي في الطريق وتقابل أهالي الحي في حدود شؤونها المنزلية.
وقد خصصت مجلة نزوى العمانية في عددها التاسع الصادر في يونيو 2009 تحقيقا موسعا عن الطائي بقلم الأكاديمي العماني محسن الكندي الذي عزا التنوع الخصب في تجربة الطائي الأدبية ما بين الأدب والشعر والقصة والرواية والمسرحية والمقالة والدراسة التاريخية والسيرة الذاتية إلى عدة أسباب من بينها مواهبه الشخصية وسعة ثقافته، اختلاطه وعلاقاته بقامات فكرية كبيرة أثناء تغربه في البحرين والكويت من أمثال إبراهيم العريض وأحمد آل خليفة في الأولى وعبدالرزاق البصير في الثانية، وجود مناخ ثقافي موات لطموحات وميول الطائي ممثلا في الجمعيات والندوات والأندية الثقافية في الدول التي أقام بها ولاسيما البحرين والكويت، تجربته الخاصة المنبثقة من ظروف بلده التي حتمت عليه تسجيل وتوثيق بعض الأحداث والوقائع من خلال الفنون الأدبية المختلفة، المهن والوظائف التي شغلها في الصحافة والإعلام والتعليم والتي أذكت ميوله الإبداعية وحفزته على تأليف الكتب التاريخية وإعداد المسرحيات الشعرية كي تمثل على المسارح المدرسية اقتداء بما رآه أثناء عمله في البحرين على يد الشاعرين الكبيرين إبراهيم العريض وعبدالرحمن المعاودة اللذين عمدا إلى تأليف مسرحيات من وحي أحداث التاريخ الإسلامي. لذا قيل أن فضل الريادة في كتابة المسرحية في الأدب العماني يعود إلى الطائي تحديدا لأنه صاحب أول عملين مسرحيين في الأدب العماني الحديث وهما مسرحية”جابر عثرات الكرام” )مسرحية شعرية من ثلاثة فصول قصيرة نظمها الطائي على لسان ثلاث شخصيات رئيسية هي: شخصية خزيمة وعكرمة بن ربعي الفياض والخليفة سليمان بن عبدالملك. إضافة إلى بعض الشخصيات الثانوية أمثال الحاجب ، وثلاثة سائلين)، ومسرحية “بشرى لعبدالمطلب” (مسرحية نثرية من فصلين ، وتستوحي القصة التراثية القديمة التي تدور أحداثها في اليمن قبيل ولادة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بين الملك: سيف بن ذي يزن ملك اليمن ، ووفد قريش المكون من عبدالمطلب وعبدالله بن جدعان وغيرهما الذين جاؤوا لتهنئة الملك اليمني بانتصاره على الأحباش في حربهم له).
ويقول الكندي في دراسته عن الطائي شاعرا ان الشعر كان رفيقه طيلة حياته، وأن هذه الرفقة أثمرت عن قصائد ضمت قرابة 2092 بيتا وضعها في ثلاثة دواوين شعرية هي: “الفجر الزاحف”، “وداعا أيها الليل الطويل” و” حادي القافلة”، وأن بداية كتابته للشعر كانت في عام 1947 عبر قصيدته المخطوطة “قلب محطم”، بينما كتب آخر قصائده المعنونة بـ “قصيدة لم تتم” قبل وفاته بثمانية أيام، علما بأن الرجل انتقل إلى جوار ربه في العاشر من يوليو 1973 في “أبوظبي” التي انتقل إليها بعد فقدانه لحقائبه الوزارية جراء استقالة حكومة السيد طارق بن تيمور. وفي أبوظبي ظل الطائي منعزلا عن العمل وعن النشاط الثقافي الذي تميز به مشواره، إلى أن احتاجت بلاده إلى مواهبه مرة أخرى، لكن المنية هذه المرة كانت أسرع فرحل تاركا خلفه سيرة مضيئة.
أما الشاعر العماني سماء عيسى فقد تطرق في محاضرة له في عام 2009 عن طبيعة شعر الطائي ومواضيعه إلى إيمان الطائي العميق بإنتمائه إلى “الخليج والجزيرة العربية كدائرة أوسع تضم أبناءها جميعا في مواجهة المؤامرات التي تحاك عليها من القوى الاستعمارية الطامعة في ثرواتها”، مضيفا أن “هذا الأديب الرائد، عبر عمره القصير لكنه العميق في ثرائه الإبداعي، آمن بهذه الصيرورة .. صيرورة التحول، وعدم بقاء الأشياء في مكانها، وتقدم العطاء الانساني نحو الأفضل”.
وبهذا – يقول سماء عيسى فإن الطائي كان عربيا الأقرب إلى صوت الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري ، من حيث تماثل تجربتهما في المنفى والشعر الوطني والموقف الوطني السياسي ، وبالطبع فإن الطائي كان مدركاً لهذا التقارب الجميل بين تجربته والزبيري ، وقد وثق ذلك في قراءة حميمة لتجربته كتبها راثيا عند سماع خبر اغتياله 1965 م. أما خليجيا فقد اقتربت تجربته من تجربة صديقه حاكم الشارقة الأسبق الشاعر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، حيث قدمه في وقت مبكر كمناضل وطني وقومي.
وللطائي مذكرات أشبه بالسيرة الذاتية كتبها بنفسه في المحطات التي حل فيها واصفا حياته وعلاقاته الاجتماعية والأسرية ونشاطاته الثقافية وما كان يخالج نفسه من مشاعر إزاء الأحداث المحلية والاقليمية. وما يهمنا هنا هو ما كتبه عن المرحلة التي عاشها في البحرين والكويت وهو مدون بخط اليد في 68 صفحة، ويتطرق فيها إلى قضاياه الأسرية، وعلاقاته الاجتماعية، وصلاته بأصدقائه وأهله، كما يصف أولاده من حيث تواريخ ميلادهم وميولهم وطبائعهم، وصفاتهم وسير دراساتهم وأحلامهم وما يستجد في نموهم عقلا وجسما، ويسجل رحلات أسرته، وزياراتها، وما حدث فيها من مواقف مهمة ذات تأثير في مجرى حياته كحالات وفاة بعض أهله ( عمه – خاله – والديه ) وأيضا حالات الزواج التي تمت في نطاق أسرته. إلى ذلك يرد في تلك الصفحات ما يتعلق بنشاطه الادبي والثقافي من خلال كتابته في الصحف وإذاعته للبرامج الثقافية في الإذاعة. حيث نجد رصدا لكل ما نشره أو أذاعه في هذه الفترة ، إضافة الى ما قام به من أنشطة في النوادي والجمعيات الثقافية مثل دوره في أنشطة (اتحاد الأندية الوطنية) في البحرين بصفته سكرتيرا لها حيث محاضراته في المناسبات الدينية والوطنية ، وحيث استضافته للشخصيات الفنية والثقافية. فهو يقول، على سبيل المثال، في إحدى يومياته “بدأنا الموسم الثقافي لاتحاد الأندية بمحاضرة ألقاها الأستاذ رسول الجشي. ونستعد الآن للمحاضرة الثانية عن التعليم العام والفني. وننتظر وصول الاستاذ محمد فؤاد جلال للاشتراك في هذا الموسم “.
عبدالله المدني