صندوق البريد
لا أملك شقة، بل صندوق بريد فقط، زرني هنا.
حالي هو حال الحشرات التي تتخذ لبلاب جدي عنوانا لها. تتبادل أخبارا حول الحرب البروسة النمساوية (1)، حول نوع السنبك. نوعية التوابل.عند العقعق الأسود. زرني هنا، هناك، وفي كل مكان:
مازلت، حتى اليوم أرتعب من طلقات جمعية الحرب الثلاث. قطعة السكر بدت لي، وحسب، واضحة كدواء للقلب. زرني يا قطي، بين قطرتي مهديء!
الزنابير نادرة، لكنها تعشعش في صندوق بريدي. هي بحجم البرقوق، طيبة، تخشخش في الرسائل القديمة التي لم أعد آخذها. تستخدم لأعشاشها ورقا مخططا وتربى من جديد زنابير تشبهها وتستخدم نفس الدرجة الصوتية في غنائها. زرني بين الخلف والسلف وبين أغلفة الكتب الكتانية. طلقات الأصوات هنا خفيفة جدا وأخبار كونفغرتس(2) لم تصل بعد.
نشارة
لو لم أكن كاتبا سلبيا، لأردت أن أكون نجارا سلبيا. لم يصبح العمل أقل منذ وضع فالنتين الطيب الذكر (3) المنجز. تولاه رجال الدولة. لكن مع هذا فلتحي الفوضوية !
مع هذا الهتاف أدخل الدورة القادمة. النشارة بالنسبة لي أهم من اللوح. الألواح تذكرني بالتوابيت، النشارة بالشعر الحي. العالم يبدو لي عاطفيا، كذا. لكنا ضرر بالتأكيد، إذ نحتاج الى قلوب قوية، قرأت على مدخل الممر في المحطة قبل ثلاثين سنة، لكن مع هذا فلتحي الفوضى.
الدورة الثالثة، أبواب السجن. فالنتين الطيب يستسلم مشدودا من ذراعه. سليله يغني أغنيته في بارات صغيرة. آخ من مساعدي الطغيان هؤلاء الشيزوفرنيا تستحق العقاب، الحزن سبب لاطلاق السراح. نحن نبتسم بافتعال.
الحاجيات مغلفة جيدا، وهذا جزأ من الخدمة. سوى أن ما يصلك محض نوايا على شكل مطبوعات، تأتيك الى البيت في مظاريف مفتوحة، كبريد صوتي بتعريفات مخفضة، كل شيء له تعريفة مناسبة، كما يليق به وكالعادة. في الحقيقة ة أن دورات ثلاثا تكفي، إذ الفوضوية لا تأتي إلا على الميزان والميزان (4) يكتب الآن بألفين.
هنا، في هذه القضية لم أعد أفرق بين الحاجيات والنوايا، يجب أن نراجع كل هذا في دفاتر التعريفات الخاصة بالألواح والنشارة.
يونان
لقد كلفت بمهمة بلعه. كان هذا في الزمن الذي لم يكن بمقدور المرء فيه تبين نفسه. وقد كرهت كل "بلع " لأنها لا تحاكي طريقتي في تناول الطعام. كما أنني لا أحب الرسائل المستعجلة. لأنها تربكني. لأنه ينقصها التوقيع. طبعا استطعت أن أتخيل من هو المرسل. ولهذا أشعر للأسف بأن علي أن أخضع للأمر.
لكن من الصعب العثور على يونان، طالما أني لا أعرفه. همست في أذني سمكة، بأنه نبي. من هم الأنبياء وما علاماتهم، هذا ما لا أعرفه أيضا. هل يونان سمكة ؟ أنا لا أحب الأسماك، إلا في أيام الجمع. وقسرا. كان عليهم أن يخبروني بكل بساطة أن يونان سيقدم نفسه لي، ولا حاجة بي لعمل أي شيء، سوى أن أترك فمي مفتوحا دائما، أنا شخص عصابي، لي أطفال علي أن أطعمهم وأن أتنفس بين آونة وأخرى. آخذ الرسائل المستعجلة المجهولة التوقيع على محمل الجد، وهأنذا على الطريق. لقد أعجبني فورا وأعجبنا المقام عند الهبرديين (5).
آه تلك البحار الفقيرة، التيارات الحارة، التعميدات الاستوائية. اخترقت بحر "سارغوس" وكان علي أن أعبر سمكا خلال فمي ولم يكن بينها واحد اسمه يونان، حول ارض النار(6) تحسن الطقس. لكن مهمتي لم تنته بعد، ولم تتحقق، لا هي أوصلتني الى الحافة ولا الى النهاية، رغم كثرة ما احتسيت من الماء عبر مصفاة أسناني. القطب الجنوبي صالح، ثلاجة الجليد على ما يرام، لكن بعيدا عن العائلة حتى رفاق اللعب يصبحون منفى.
مهمتي يونان، هكذا فهمتها مع الوقت: لا عائلة ولا منفى هذا نصيبي. من أجل يونان فقط افتح فمي، لا من أجل شيء آخر. يا أطفال اللطفاء، أنتم تلعبون في جزر الهبرديين، لقد ولدتكم عبثا. فقط يونان فقط يونان. أبقى مثلا مشينا، مجرد ساع، صدفة يحتاج اليها في الوقت المناسب.
لكني لا أجد يونان، إنه لا يأتي، أبحث وأبحث. النص لم يعد واضحا في الذاكرة. ألم يكن من المفروض، بأنه كان على يونان أن يبتلعني، ربما ؟
اشارات
1-2 Kôniggrâtz- المدينة الرئيسية في شرق بوهيميا.. حدثت قربها معركة مهمة غيرت مجرى الحرب البروسية النمساوية عام 1866.
3- كارل فالنتين (1882-1948) ممثل شعبي من بافاريا، عرف عنه سخريته اللاذعة، أثر كثيرا على الشاب برتولد برشت.
4 – كانت كلمة ميزان Wagge تكتب سابقا wage.
5 – مجموعة جزر تقع شرق سكوتلندا، غالبيتها غير مأهولة بالسكان.
6- مجموعة جزر جنوب أمريكا اللاتينية.
خالد المعالي (شاعر من العراق يقيم في المانيا)