تكتسب الصورة أهميتها في عالم اليوم الحافل بالتطورات المتلاحقة أو العصي عن الملاحقة حيث تزداد المعلومات غزارة- ومنها الصورة- عن مختلف الجوانب والظواهر الحياتية المميزة والمحيطة بنا والمؤثرة في نمط التفكير وأسلوب العيش. ومع التوسع الذي شمل علم التصوير ايضا كسمة لهذا الانفجار المعلوماتي الذي ميز عالمنا،وكون الفرد يعيش ضمن ثقافة الصورة بطريقة اعتيادية، فان انواع الصور التي يتلقاها الفرد تفرز لديه مشاعر وردود فعل مختلفة تتراوح بين الدهشة أو الحزن أو التعجب وقد تمتد هذه الى احاسيس الانبساط أو التأمل الى الغضب وخلافه من احاسيس اخرى قد تتباين من فرد الى آخر.
وفي عصر تبدو فيه وفرة الالوان حقيقة ساطعة كنتيجة طبيعية للتطور الرقمي والحاسوبي الذي عزز دور اللون وأبرز تنوع درجاته، فان استخدام الابيض والاسود في التصوير قد يكون مفارقة تاريخية وحيث تسعى هذه المقالة الى الالتفات لبعض تجليات هذه الظاهرة وابراز بعض جوانبها وصولا الى المساهمة في رفع الذائقة لهذا النوع من التصوير معززا بالانجازات التي يحققها المصور العُماني على مختلف الاصعدة محلية كانت أو عالمية. وفي هذا السياق فان الرهان على الابيض والاسود ادى الى ان تتلألأ رقعة المنجز العُماني بضياء الفوز الذي يحيط بمعظم مشاركاته. وقد يكون من المجحف حقا ان نقحم بعجالة اسم المصور العُماني سيف الهنائي بصورة لن تفيه حقه فهو يستحق مقالة بعينها للاشارة الى بعض اجتهاداته اشتغالا وتعلما وتعليما وحيث انعكس عطاؤه بشكل كبير على انتشار فن التصوير الضوئي في عُمان ولكن في هذا المقام تجدر الاشارة الى كتابه المهم، الذي صدر باللغتين العربية والانجليزية تحت عنوان:
«عُمان: انطباعات بصرية Oman : Visual Impressions»
يحوي الكتاب مجموعة مهمة من صور الابيض والاسود تستحضر الى الاذهان امجاد المصور الامريكي انسل ادمز؛ واهمية صور سيف الهنائي تكمن في براعتها الفنية والانتماء الى هذه الارض الذي يظهر جليا في بذخ عناصر التكوين البصري الذي يغدقه في تشكيل الصورة. وينبع ذلك من الهاجس الذي يحمله سيف حول الدور الصعب الذي يلعبه المصور ليس في اخذ الصورة فحسب بل، وهو الاهم، في ايجادها من خلال اختيار العناصر المكونة والملائمة بينها بأسلوب يؤدي، في بعض الاحيان، الى كسر قواعد التصوير المتعارف عليها؛ وربما هذا يعكس صعوبة دور وقلق المصور الفوتغرافي مقارنة مثلا مع الفنان التشكيلي الذي يمتلك حرية اوسع لرسم اللوحة.
وبشكل عام يمكن القول ان ظاهرة انتشار فوتوغرافيا الأبيض والأسود أدت اضافة نوعية الى هذه الوسيلة كعمل فني ووسيلة اتصال وبالتالي الى تنوع الصور بالكثرة التي يمكن تصنيفها الى ثلاثة اقسام:
1- الصورالوثائقية:
لاسباب تاريخية يرتبط هذا النوع من الصور بالاسود والابيض وربما يعزى ذلك الى ان العالم شهد أحداثا وتحولات كبرى كالحروب مع بداية التوسع في التصوير الذي كانت بداياته بالابيض والاسود. كما ان بعض الاحداث المأساوية والتحولات العالمية تعمقت في الذاكرة بفضل انتشار الصحافة التي كانت ولا زالت لاسباب اقتصادية تفضل نشر الصور بالابيض والاسود. اضافة الى الاعتقاد بان تصوير الاحداث بالابيض والأسود يعطيها ابعادا تعزز من مصداقيتها وواقعيتها.
2- الصور الدعائية أو الاعلانية:
مع التوسع التجاري والاعلامي الذي يشهده عالم الاعمال ومع ما صاحب ذلك من زخم في عالم التسويق، استغلت الصورة الملونة كأساس في الدعاية حيث ساعد تطور التقنية الرقمية وانتشار الحاسوب في ابراز التنوع في الالوان كوسيلة جذب بعد عقود من اختفائها. ومع ما تمثله الالوان من اهمية في الدعاية، فقد تم العودة لاستخدامات الابيض والاسود لاكساب الصورة الدعاية ابعادا اخرى تثريها كعنصر جذب متمثلة في الظلال والاحجام والاشكال والخطوط والتباينات وهو ما سنستعرضه لاحقا.
3- الصور الفنية:
اذا كانت الصورة بالابيض والاسود اصبحت هامة فيما يتعلق بالنوعين الوثائقي والدعائي لاسباب تاريخية وتجارية، فان فن الابيض والاسود اصبح واقعا يقوم على اساسه ابداع كثير من المصورين. تعزى اهمية هذا النوع من الصور الى ارتفاع مستوى التذوق لهذا النوع من الفن الذي ساهم فيه الاشتغال الجاد لبعض المصورين بالانتقال بهذا النوع من التصوير الى افاق جمالية ارحب تخرجه من اطار التسجيلية وانتشار فوتوغرافيا الابيض والاسود ساهمت فيه كذلك المعارض التي تعلي من شأنه كنوع من انواع الفنون مقرونا باستقبال جاد من النقاد.
ولاشك ان تقسيم الصور بهذه الطريقة قد يكون جائرا؛ فربما تتشكل صورة وثائقية ما بطريقة فنية وقد تصبح صورة دعاية محط انظار النقاد والمحللين للابعاد الفنية والتساؤلات التي تثيرها. وبدوره فان هذا يحيل الى التساؤل عن الامكانات التي تتيحها الصورة لاقتناص المعنى وايضا عن الادوات المتاحة لـ«تفسير» الصورة.
الصورة: مقاربات سيمائية
حتى يمكن الرد على التساؤل الذي طرح آنفا حول اضفاء معنى على صورة ما، فان الدراسات اللسانية والسيميائية توفر مجالا خصبا لفهم الصورة وخصوصا تلك التي تمتاز بجمالية عالية بحيث يمكن الاستعانة بايجاز وعلى وجه التحديد باسهامات اللغوي السويسري فردناندو دوسوسير وكتابه دروس في اللغويات العامة وايضا بالافكار التي طرحها الفيلسوف الفرنسي رولان بارت.
بناء على ما يطرحه دوسوسور (1985) فان الصورة يمكن تشبيهها بالعلامة اللسانية. وفي الحالة هذه فان الصورة كعلامة (Sign) تتمثل بمستويين اثنين: المستوى الاول وهو الدال (Signifier)، اما المستوى الثاني فهو المدلول (Signified) الدال عبارة عن التمثيل المادي اي الصورة؛ اما المدلول فهو المعنى الذي قد تحمله الصورة الى ذهن المتلقي.
ويمكن التدليل على المستويين بالترسيمة المصاحبة:
وبصورة عامة وحسب المفهوم السوسيري فانه بالرغم من الارتباط الاعتباطي لعنصري العلامة فانهما يشكلان وحدة واحدة من خلال الخط الذي يجمعهما. وبالاخذ بما يقوله مؤسس مدرسة كوبنهاكن الدينماركي يلمسليف (1968/ 1987) فان ما يقابل ثنائية الدال والمدلول يكون ببعدين هما التعبير والمحتوى expression & Content على التوالي.
و في الصورة قد يتماهى الدال والمدلول في حالات كمعظم صور البورتريه التي لا يمكن تاويل مدلول الصورة بعيدا عن دالها،و كذلك الايقونات التي تحفل بصور القديسين والرهبان، وحيث يمكن ان يتخلق معنى الصورة بين الشيء ومظهره.
وفي سياق الاشتغال على تطوير المفهوم السوسيري للعلامة يبني المفكر الفرنسي بارت فهمه للصورة كعلامة دلالية علىمستويين: الاول مستوى اشاري اي ان الصورة تتضمن رسالة اشارية اي الصورة نفسها، كما ان المستوى الاخر هو مضمون الصورة اي المعنى الذي تحمله الصورة. وعليه فان هناك مصطلحين (باللغة الانجليزية) يستخدمان هنا للتعبير عن انموذج بارت: الاول وهو (Denotation) ويعني التعيين اي المعنى البارز الذي تحمله الصورة. وهذا المعنى المباشر هو الذي يتم انتاجه بالوسائط الميكانيكية أو الالكترونية للكاميرا كعملية انتاج للصورة. واما الاخر فهو (Connotation) ويعني التضمين اي مضمون الصورة أو ما يمكن تأويله عن معنى الصورة. وعليه فان التعيين ثابت لا يتغير بينما التضمين يتغير حسب التاويل الذي يتولد في ذهن المتلقي وهو يبصر الصورة.
هذا التمييز بين جزءي الصورة كعلامة يقودنا الى اهمية الرسالة الاشارية حيث تلعب عناصر التكوين الثابته في الصورة دور المحرك لخصوصية التضمين وانفتاحها تاوئلا على تعددية المعنى مما يطرح اشكالية المعادل الثقافي للمتلقي وتغاير المعنى عند رؤية الصورة خارج الخطاب الثقافي، وبالذات العلامي، الذي تشكلت بداخله. وهنا يحق التساؤل عن الدور الذي يمارسه الفرد من خلال حاسة البصر في تحفيز حواسه الاخرى لاستيعاب وظائف الصورة المعلنة والضمنية وصولا الى تشكل ذهني قد يفضي الى معنى أو ردة فعل.
ما وراء الابيض والاسود
في حياتنا اليومية وفي بعض الاحيان نتحدث عما يدور حولنا من احداث وشخوص بصيغة تبسيطية وكأن الاشياء اسود أو ابيض وحقيقة الامر انه في خضم الانتشار الواسع للتصوير الملون فان مفهوم الابيض والاسود في الفوتوغرافيا يبدو اكثر غنى واشد تأثيرا بحكم توزيع الظلال والتدرج ما بين الظلمة والنور. واذا اخذنا هذا المفهوم بدلالة اخرى مغايرة فقد يحيل ذلك الى القول الشهير: قليل يغني خير من كثير يلهي. هذا التقشف ان صح التعبير يصبح بطريقة جمالية تحديا بصريا وتاويليا بعيدا عن مزالق المقارنة بين الالوان ونظائرها من اطياف الابيض والاسود بل ينجلي التقشف بابراز عناصر التجريد، مثلا، حيث يؤول المشاهد الصورة بتحد ذهني يستوعب عناصرها بتقاطع قد يرشح معنى أو خيالا… اذن نحن في الصميم على صعيد الرؤية ولكن ذلك يتطلب حذقا أو براعة فنية تعتمد على اسس سنتعرض لبعضها في هذا المقال. والى حد كبير يعتمد فن التصميم على هذه الاسس لخلق تصور جمالي جاذب للعمل الفني سواء على مستوى المعمار أو اللوحة الفنية أو الصورة الفوتوغرافية.
واذا كانت النظرة الطاغية عن فوتوغرافيا الابيض والاسود هي نظرة الى صورة تاريخية ورومانسية وربما يلفها الغموض، فان هذا النوع من التصوير يعتبر اليوم احد الخيارات الهامة للمصور المحترف حيث يحقق جزءا من خياراته الابداعية. ولكن بعض الدراسات تشىء بالتناقض حول النظر الى هذا النوع من التصوير. فمن جهة، هناك من يرى بان الصورة بالابيض والاسود تعني الواقعية وبالتالي فان وجود الالوان في الصورة يقلل من تلك الواقعية ويبعدها عن مهمة تسجيل الواقع لصالح التاويل الذي يمارسه المشاهد عليها. ومن جهة اخرى تقترب بعض الرؤى من كون الصورة تلعب دورا هاما في اذكاء مخيّلة المشاهد بالالوان والتي لا غنى عنها في تذوق الصورة الفوتوغرافية بشكل عام.
أمثلة على بروز فوتوغرافيا الابيض والاسود
لعل الاكثر شهرة في مجال التصوير على مستوى ابداعي غير توثيقي هو انسل ادمز الذي مازالت صوره عن مناظر الطبيعة تبهر وكذلك تسهم في تعزيز الحفاظ على البيئة؛ اما مع المصور يوسف كارش فان فن البورتريه يتبوأ مكانة رفيعة في علم وعالم الفوتوغرافيا من خلال الصور التي التقطها لبعض الشخصيات العالمية. ويعتبر الفرنسي هنري كارتيه – بريسون الاشهر الذي تمتاز صوره التوثيقية، برؤية انسانية وزمن محكم، بالسعي وراء «اللحظة الحاسمة» ولكن بعفوية تعلي من شأن الفرد وقدرته على الادهاش. واستخدم الطليعي مان راي الة التصوير كاداة لابتكاراته الفنية وتصوير رؤاءه وتغايراته الجمالية على صعيد حركة دادا أو الحركة السريالية الذين امتازا بهما القرن العشرين. هذه بالطبع امثلة محدودة على المستوى الرفيع الذي يتبوأه فن التصوير بشكل عام والتصوير بالابيض والاسود بشكل خاص. ولكن بنظرة عامة على مستوى المسابقات العالمية نجد العوالم اللامحدودة التي ينهض بها هذا النوع من التصوير والقدرة على الادهاش من خلال رؤية فنية عميقة باهمية الكاميرا كوسيلة فعالة بالرسم بالضوء كما هجس به الاغريق منذ قرون حيث استمدت كلمة الفوتوغرافيا أصلها.
العناصر الفنية للصورة
وحتى تتحقق النظرة الفنية للمصور الفوتوغرافي، فان الرؤية بالابيض والاسود تتطلب الاهتمام ببعض العناصر التي تساعد في تكوين صورة مؤثرة:
j الملمس:
وتأخذ اهمية كبرى بالذات عند تصوير الماكرو أو التصوير المقرب. الملمس له علاقة بالخواص السطحية للمادة المصورة فقد يكون ناعما أو خشنا، معتما أو مشعا.
ولتوضيح دور الملمس في العمل الفني يقول عبدالفتاح رياض(1995) ان أسباب الاختلاف البصري في الملمس يمكن ملاحظتها من خلال اربعة عوامل:
– مدى انعكاس أو امتصاص الضوء الساقط على المادة؛
– اللون, اي الخصائص اللونية كافة, اي أصل اللون ودرجة تشبعه؛
– الإعتام والشفافية وما بينهما؛
– حجم الحبيبات السطحية للمادة ومدى تقاربها أو تباعدها ومدى انتظامها.
j الخطوط:
من خلال تتبع مسارات الخطوط بين اجزاء الصورة، فان اهميتها تكمن في توجية الرؤية عند المشاهد من نواحي الاماكن موضعالاهتمام كما انها عنصر هام لاضفاء الاحساس بالحركة والتوتر على الصورة. وحيث ان العناصر التي نتحدث عنها مترابطة وبالتالي فان الخطوط قد تكون مستقيمة أو منحنية أو مائلة وقد نراها بشكل افقي أو عمودي. كما ان الخطوط تمتاز بان لها سمكا وقد تكون بيضاء على خلفية سوداء والعكس صحيح وخصائص الخطوط هذه تلعب دورها في استقبال الصورة وخصوصا من ناحية وقع التأثيرات النفسية لدى المتلقي.
j التباين:
تكتسب الصورة اهميتها حيث تبين بعض الاجزاء بينما تختفي الأخرى ويلعب توزيع الاضاءة على أجزاء الصورة دوره المؤثر في خلق التباين. ولهذا السبب فان هارولد ديفيز (2010) يقول ان التفكير بالابيض والاسود يعني التفكير بعنصر التباين، وبالتالي فان على المصور الاخذ بعين الاعتبار موقع الكاميرا لابراز الحواف حيث ان التركيز على الحواف يعطي بعدا عادة ما يكون غائبا في الصورة الملونة. كما يجب الاهتمام بالاضاءة وتقليل أو زيادة التعريض حسب الحاجة.
j الشكل (Shape) والهيئة (Form):
يكمن الاساس في تشكيل الصورة في هذين العنصرين وهما عنصران بصريان مهمان لتكوين الصورة. فمن خلال الشكل والعلاقة بين الاشكال يتكون موضوع الصورة ببعدين اثنين واوضح مثال على ذلك ما يعرف بالسيلويت (Silhouette) واما من خلال الهيئة فان المصور بمهارته الفنية يعطي الاحساس بالبعد الثالث على موضوع الصورة مما يضفي عمقا عليها بواسطة الخطوط والظلال. يشدد ديفيز (2010) علىان الصور بالابيض والاسود تتكون بامتياز من الاشكال والخطوط اضافة الى ان الحواف والانحناءت تعطي الصورة اهميتها.
j الظلال الرمادية:
بما ان الظلال مرتبطة بالاضاءة فان هذه تؤثر على موضوع الصورة من ناحية عوامل كنوعية ومصدر وتوزيع واتجاه الاضاءة للموضوع المصور وبالتالي فان خلق الظلال يعتمد على هذه العوامل وعلى الخصائص الطبيعية للاجسام المصورة. وكون الالوان في الابيض والاسود تتحول الى مختلف درجات الرمادي فان الالوان الفاتحة تصبح درجات فاتحة للرمادي والالوان الغامقة تصبح درجات غامقة أو داكنة للرمادي والتباين بين هذه الدرجات يسمى باللغة الانجليزية Tonal Contrast أو ما يمكن تسميته تجاوزا بالتباين الظلي الرمادي الذي يلعب دوره في اضفاء ظلال متدرجة حسبما يقتضيه موضوع وجماليات الصورة. كما يشير عبدالفتاح رياض انه اضافة الى تحقيق التوزان، فأن الاضاءة والظلال تمد العمل الفني ثنائي الابعاد بالعمق الفراغي لاعطاء الاحساس بالبعد الثالث.
j الايقاع- Rhythm:
رغم بعض التماثلات بين الموسيقى والتصوير فاننا هنا، فيما يهم هذا المقال، سنتعرض للجانب الايقاعي فقط. فموسيقيا، في الصورة، فان الاحساس الايقاعي يتأتى من خلال النمط–Patterns- الذي يكون على صورة اشكال أو خطوط أو تبيانات ضوئية تتكرر أو تتدرج أو تتنوع لاعطاء بنية للصورة ولافساح المجال للمشاهد لتكوين انطباع معين عن ذلك الشكل أو الهيئة. وربما يتبادر الىالذهن ان النمط قد يمتد الى ما نهاية بيد ان ديفيز (2010) يشير الى غير ذلك، اذ يجب ان تكون للنمط نهاية في الصورة بطريقة واضحة أو ضمنية ويبرر ذلك بان خصوصية الصورة بالابيض والاسود تبرز بواسطة الكيفية التي ترتبط فيها الانماط باطار الصورة.
ولا ريب انه على اهمية العناصر الانفة الذكر فان الاضاءة هي الاساس التي يتكيء عليها المصور لخلق الصورة، وهي المعادل في الحقيقة الشائعة ان الماء اساس الحياة. وعليه فان تكون الاضاءة اساس الصورة، فالاكيد ان وظيفتها تكمن في ابراز العناصر الفنية للصورة بكافة تنوعاتها.
الرؤية: ما وراء الأبيض والأسود
تكتسب الرؤية اهمية قصوى في تكوين والتقاط صورة مؤثرة وعلى خلق حس جمالي اساسه الاحساس البصري بالعناصر المكونة للصورة وترتبط الرؤية بتطوير المهارات الادراكية فقد اورد بيرت كراغس (2005) في كتابه ان اهم المهارات التي يحتاجها المصور تحوي الادراك بالحواف، الفضاءات، العلاقات أو التداخلات، الضوء والظلال، وأخيرا الادراك بالمكون الكلي. وبناء على ذلك فان الادراك بالفضاء يعني شيئين مهمين: الفضاء الايجابي وهو المكون لشكل أو مادة ملموسة والفضاء السلبي الذي يلف تلك المادة والذي يلعب دورا محوريا في تكوين الصورة من حيث حجم وشكل واسلوب توزيع تلك الفضاءات السلبية.
ان كانت مقولة احد اعمدة التصوير المتفردين وهو الفريد شتيغليتز «ان التصوير يبرز ما كان خافيا الىالسطح « تعبر عن ماهية التصوير بشكل عام، الا انها قد تبدو بالاحرى تعبيرا عن فوتوغرافيا الابيض والاسود.
ان العناصر الفنية للصورة التي تحدثنا عنها تبدو مهمة من حيث ترابط بعضها البعض في تكوين وخلق صورة جديرة بالاهتمام. وللتدليل علىهذا الترابط يمكن الاستشهاد بكلمات المصور والكاتب بريان بيترسون (2009) حين يقول انه بدون خطوط لا يوجد شكل. وبدون شكل لا توجد هيئة. وبدون شكل ولا هيئة لا يوجد الملمس وبدون خط أو شكل لا يوجد ايقاع.
وفي نهاية هذه المقالة لا بد من القول ان التسمية الشائعة بتصوير الابيض والاسود هي تسمية خاطئة من الناحية التقنية كون هذا يعني ان الصورة تتشكل من اللونين الابيض والاسود بينما نادرا ما تكون هكذا بل تتكون الصورة من التدرجات الرمادية للالوان التي تبزغ بنوع وكمية الاضاءة التي تنيرها.
وفي الختام يمكن القول ان الصورة المسماة مجازا بالابيض والاسود تفرض حضورها وذلك للابعاد الفنية التي تتشكل بها من خطوط وظلال واشكال ومنظور. وبينما يجول المتلقي ببصرة مأخوذا بما توحيه تلك الابعاد الفنية، يتشكل المعنى في ذهنه ليجسر المسافة العالقة بينه وبين الصورة وربما يزيد من عمقها.
المراجع
* Saussure, Ferdinand de (1985) Corso di linguistica generale, Bari: Laterza.
Hjelmslev, Louis (1968,1987) I fondamenti della teoria del linguaggio. Torino: Einaudi.
* Barthes, Roland (1977) ‘The Photographic Message’ (1961) in Image Music Text, edited by Stephen Heath. London: Fontana, pp. 15-31.
* Krages, Bert (2005). Photography – the art of composition, New York: Allworth Press.
* Davis, Harold (2010). Creative black &white: Digital photography tips &techniques, Indianapolis, Indiana: Wiley Publishing.
* Peterson, Bryan (2009).Understanding photography- Field guide. New York: Watson- Guptil.
j رياض . عبدالفتاح (1995)، التكوين في الفنون التشكيلية. القاهرة: دار النهضة العربية.
سالم المعمري
مصور وأكاديمي من عُمان