محمد سيف*
إليزابيث تشكشوك، مواطنة بولندية من مدينة فروتسلافا، أمضت بداياتها الأولى، وهي تستحم في نهرين مسرحيين بارزين لهذه المدينة: «جيرزي غروتوفسكي وهنريك توماشيفسكي Henryk Tomaszewski1 «، وهما شخصيتان بارزتان في المسرح البولندي والعالمي في آن واحد. دخلت المعهد الوطني للفنون المسرحية في عام 1984، في كراكوفي، مدينة المخرج والسينوغراف تاديوز كانتور.
في عام 1991، حصلت على منحة من الحكومة الفرنسية، للدراسة في الكونسرفاتوار في باريس، لمتابعة تعليمها مع المخرج الفرنسي دانييل ميسغيش، فيليب أدريان وجان بيير فينسن. بعد ذلك، التحقت بمدرسة «مارسيل مارسو» للبانتومايم، ثم طورت نفسها في «الكوميدي فرانسيز»، من خلال اخراجات «دانيل ميسغيش» لأعمال «راسين»، ومن ثم مع «كارين سابورتا»، ولا سيما في عملها « نار موسيقى الهال الراقص، المأخوذ عن احدى روايات الكاتبة الفرنسية «كوليت»، ثم أصبحت فيما بعد مديرة إنتاج وتوزيع أعمالها الفنية الراقصة، في بولندا واليابان.
منقسمة دائما وابدا بين بولندا وفرنسا، وتسعى من خلال أنشطتها المسرحية الكثيرة، إلى زرع جذورها، وتقريب الثقافتين الفرنسية والبولندية. هدفها هو الجمع بين كمال التقنية الفرنسية والقلب والعاطفة المتأصلة في الدراماتورجية البولندية.
• ممثلة وراقصة
في بولندا، بدأت كممثلة، تحت إشراف العديد من المخرجين المهمين: جيرزي ستور(2)، فالديمار سميكا فيتش(3) ، جيرزي غروتوفسكي Jerzy Grotowski … لعبت خارج وطنها دور «سارافومبي» في مسرحية «بيع المرأة الشيطانية» المستوحاة عن الكاتب البولوني «ستنسلان إجناسي ويتكيفيتش» (4) وإخراج «صوفيا كالينسكا»، إحدى ممثلات تاديوز كانتور، لعبت في، Grand Meeting Company، في إنجلترا، دور «هدفيج» في مسرحية «البطة البرية» لـلكاتب النرويجي» إبسن»، التي أخرجتها الكوريغراف «كاترين سابورتا»، حيث قدمت في العديد من مهرجانات الدول الإسكندنافية، ومن ثم في مسرح المدينة في باريس؛ ثم لعبت دور «سالومي»، «لاسكار وايلد»، مع «دانييل ميسغيش» (5) كمستشار للإخراج في المهرجانات الدولية في مدينة ليبزغ، سان بطرسبرج ، ألمادا-لشبونة ، دريسدن ، وكذلك في مهرجان أفينيون في عدة عروض.
• مخرجة
أسست إليزابيث تشكشوك فرقتها الخاصة في عام 1992 ومنذ ذلك الحين، وهي تقوم بإنتاج برامجها الخاصة التي غالباً ما تمليها عليها أصوات الكتّاب البولنديين العظماء، وتخلق عروضها من خلال رسائل حية، مثل «صرخة أوفيليا»، استناداً على دراسة هاملت لـ «فيسبينسكي» (6)، أو مسرحية Matka، لـ» ستنسلان إجناسي ويتكيفيتش». وتكريما لبعض الكتاب الكبار، مثل الشاعر والكاتب الروسي « آدم ميكيفيتش» (7)، قدمت في عام 1998، في الذكرى المئوية لميلاده، ولأول مرة في فرنسا، عمل الأجداد « Les Aïeux» (الجزآن الثاني والثالث)، تحت رعاية كوليج دو فرانس، حيث كان أستاذا؛ أو، تكريم في عام 2015 «تاديوز كانتور»، في الذكرى المئوية لميلاده، من خلال تقديم عرض «The Bench Scholl» ، المستوحى عن عرضه «الفصل الدراسي الميت»، حيث خضع المتدربون المبتدئون فيه، إلى تدريب مكثف حول مسرح «تاديوز كانتور»، الذي لا يمكننا أن نتخيل فيه الانسان بدون المادة، والمادة دون إنسان. في هذا العمل، قادت المخرجة إليزابيت تشكشوك، المتدربين من الطلاب إلى جوهر اندفاعاتهم المفعمة بالحيوية ودعتهم لرقصة فالس خالدة برفقة الموت، حيث أصبح الأحياء فيها بشرا آليين والأشياء حية، تذكرنا بالحياة والموت وتشابكهما الوثيق في إنسانيتنا الحالية. وتم عرض ثمرة هذا العمل على خشبة مسرح المختبر أمام الجمهور. وفي نفس العام، وفي الذكرى 250 لإنشاء مسرح الشعب في بولندا، أخرجت «صرخة ايفون» المستوحاة عن مسرحية « أميرة بوركون» للكاتب البولوني «ويتولد كومبروفيتش» التي نشرت عام 1938 وعرضت لأول مرة في عام 1957 في وأرشو 1957 – وقد تم اختيارها في مهرجان 1212 x، في باريس، ولعبت على مسرح الأكواريوم في Cartoucherie de Vincennes.
وقد صارت اليوم، إليزابيت تشكشوك معلمة مشهورة، لديها أكثر من 10 سنوات من الخبرة في التدريس في مدارس السينما والمسرح، البولندية، استمدت تقنياتها من الفرق المسرحية المرموقة في بولونيا، مثل: فرقة مسرح جيرزي غروتوفسكي، وهيرنك توماشيفسكي. وقد وعملت بشكل خاص مع زد موليك Z. Molik، وجي سيزلاك J. Cieslak وصوفيا كالينسكا Zofia Kalinska ممثلي تاديوز كانتور، في مسرحية «الفصل المدرسي الميت». قدمت العديد من العروض في فرنسا وفي جميع أنحاء أوروبا. وتدير حاليا مدرستها الخاصة « مختبر مسرح التعبير ومختبر» إليزابيث تشكشوك» في باريس.(8)
• التأرجح بين غروتوفسكي وكانتور
لا حظنا من خلال تتبعنا للمسار الفني لهذه المخرجة البولونية، انها تسير على خطى شيوخ المسرح البولوني، حيث تتخذ عروضها في النهاية اتجاها آخر، اتجاها شاملا، على نهج آرتو. فهي تتحاشى اتباع أسلوب واحد، وتحاول انتقاء ما تعتبره الأفضل من بين مختلف الأساليب، وفي نفس الوقت، فهي لا تعتبر المسرح مجرد تجميع لعدة تخصصات فنية، وإنما هو بحث وتنقيب فيما هو مشترك بين التخصصات المختلفة، وهو أكثر ملاءمة من مصطلح (تعدد التخصصات)، الذي يترك فكرة التقسيم الصارم قائمة) (9). لهذا تكون عروضها بمثابة بحوث مستفيضة في العلاقة بين الممثل والجمهور، بمعنى آخر، تعتبر « تكنيك الممثل هو جوهر الفن المسرحي» (10). إنها تستعير من منهج غروتوفسكي الرغبة في التغلب على الفجوة ما بين المسرح، الرقص، الغناء، والطقوس. وينصب جل اهتمامها على منح الممثل لعب عضوي وفوري. وبهذه الطريقة، فهي تستأنف بحوث غروتوفسكي المسرحية وحاجته « لإلغاء المسافة بين الممثل والجمهور، بإلغاء الخشبة وتدمير كل الحدود التي تفصل الجمهور عن الممثلين». إنها تعمل على جعل مشاهد مسرحياتها تقع وجها لوجه أمام المتفرج، لدرجة أن يكون الممثل في متناول يد هذا الأخير، الذي يشعر بدوره، بتنفسه وعرقه المتصبب.
عندما نعبر بوابات عروض مختبر إليزابيت تشكشوك وندخل في أروقتها، يجب علينا ألا نحلم بجلوس مريح، كما اعتدنا عليه في المسرح الكلاسيكي؛ وعلينا ان لا نتوقع الاستماع ورؤية ممثلينا المفضلين بنفس الطريقة التي يكونون فيها على خشبة المسرح، ولا نفكر في تذوق الموسيقى مثلما لو كنا مستلقين على أريكه. وإنما يجب أن نشارك في العلاقة الحميمة لهذه الكائنات وحالاتها الذهنية؛ يجب علينا معاشرتهم كما لو كانت جزءًا لا يتجزأ من دائرة أصدقائنا المقربين، ونعيش حياتهم اليومية مثلما يعيشونها هم أنفسهم. لأن إليزابيت تشكشوك، تلميذة وفية ومنافسة لغروتوفسكي، وبولونية مثله، وتشعر بالحاجة والضرورة في التخلص من التقاليد، وتخليص متفرجها في ذات الوقت، من العادات التي اعتداد عليها، لتجعله يعيش بأقصى قدر ممكن مع الشخصيات التي تقدمها على المسرح. إن غروتوفسكي معروف باختياره لعدد صغير من المتفرجين، الذين يتقاسمون نفس المساحة المسرحية لممثليه. فالممثل بالنسبة له « هو كل المسرح والمسرح هنا لتعزيز مروره إلى درجة من الإنسانية أكثر واقعية من الدرجة اليومية» (11) ، لهذا كان يستغني عن الديكور، الأزياء، المكياج، وهلم جرا، لأنه اكتشف أن في المسرح هناك الكثير من العناصر الزائدة على الحاجة وبالإمكان إلغائها. في حين أن إليزابيت تشكشوك، تتشبث في جميع هذه العناصر، بل تفرط في استعمالها، على الرغم من تنكر أستاذها لها، لأن عروضها لا تنبع تماما من قواعد نظرية مسبقة وإنما ينطبق عليها ما قاله سارتر من أن « كل تكتيك يقود إلى نظرية».
إذن، كل شيء في عروضها يلعب، على ومع فيزيائية جسد الممثلين المدربين تدريبا عاليا، وعلى الصفات التعبيرية لأصواتهم، وعلى وجودهم في الفضاء، ومكياجهم المفرط، وتنكرهم الملفت للنظر. وعلى الرغم من بريق العمل العنيف، في بعض الأحيان، فإنه يطيع نوعا من الدقة الصارمة كضرورة طقسية. مسرحها، ليس بمسرح بالمعنى المعتاد للمصطلح، بل هو معهد «علمي» مخصص للبحث في مجال الفن، شأنه شأن المختبر المسرحي لغروتوفسكي، ولهذا تطلق عليه بالمختبر المسرحي، الذي يكون فيه المسرح، كما يقول بيتر بروك، بمثابة مركبة، تقود ركابها لا لتمثيل أدوارهم فقط وإنما لاكتشاف ومعرفة ذواتهم، وخاصة التعرف على بعضهم البعض». (12)
هذه التقنية، التي تعتمد على كلية الجسد والعواطف، هي أيضًا طريقة هنريك تومازوفسكي التي لم تكن إليزابيث تشكشوك تلميذة له فحسب، وإنما مديرة لمسرحه بعد وفاته. وإذا كان تصور العرض لدى غروتوفسكي أكثر توجها نحو المسرح، فإن توجه تومازويسكي كان في الغالب يتجه نحو التمثيل الصامت والرقص. ومع ذلك، فإن هذين الفنانين يتقاسمان نفس الاهتمام والشغف لجميع أشكال الطقوس والممارسات التي تسيطر عليها النشوة. كما في ثلاثية (قداس للفنانين، Démence praecox، ماتكا»، التي تواصل من خلالها إليزابيت تشكشوك استكشافها المسرحي للحدود بين الحياة والموت من خلال طرح أسئلة الجنون.
إن مجال الرؤية في أعمال هذه المخرجة، تكون أمامية بحته، ولا شيء يفصل المتفرجين عن المختلين عقليا. وذلك من خلال انزلاق مساحة اللعب برفق نحو ممر مركزي يجلس على جانبيه المتفرجون. وهكذا يصبح المتفرج في وسط هذيان هذا العالم، الذي سيتم دعوته اليه والمشاركة فيه، في لحظة ما، فيصبح شريكا مع الممثلين في هذا الحفل الراقص بعد إن تم تفكيك حدوده. وهذا ما نلمسه، في تعاملها مع شخصيات «المجنون والراهبة» لستانيسلاف إحناسي ويتكيفيتش، التي كيفتها مع عالمنا الحالي بطريقة مكثفة حرة جداً. تتجاوز إليزابيت في عروضها الاتفاقات المسرحية، وتقوم بتفجير المفاهيم المسرحية التي تدعو متفرجها من خلالها إلى تجربة قوية بقدر ما هي محيرة. إنها بولونية جدا، ووفية للتقاليد المسرحية التي نشأت عليها! لهذا علينا أن ننسى الواقعية كثيرا وليس قليلا.
• مسرحية «قداس للفنانين»
يقترح الجزء الأول من ثلاثية المتذمرين (Les inassouvis)، رحلة سريالية ما بعد الموت، وانغماس في عالم الجحيم الذي هو أيضا عودة إلى الطفولة وإشادة بمعلمي إليزابيت تشكشوك، ومن بينهم « تاديوز كانتور» و»ستانيسلاف إحناسي ويتكيفيتش»، مؤلفها المفضل. في هذا العرض البصري، الشعري، الكوريغرافي، تعطي المخرجة ظهرها للتقاليد المسرحية، وتفضل التجريب، على غرار « تاديوز كانتور» صاحب مسرح الموت، وجيرزي غروتوفسكي، صاحب المسرح الفقير، على وجه الخصوص؛ وتنصرف بعيدًا عن الاتفاقيات المسرحية، لكي تلقي بنا في أحضان التجريب.
في هذا العرض، نفقد إمكانية السيطرة على أقدامنا ونسمح لأنفسنا بالتحليق مع الموسيقى (ثلاثة موسيقيين – كمان، تشيلوا، كورديون – في زاوية المسرح) كما كان يفعل الممثلون العشرون الذين كانوا يتعثرون على سطح خشبة منحدرة، وهم يتدفقون في أثواب حمراء وبيضاء تؤطرها هياكل حديدية ظاهرة، ووجوه شبه شاحبة مثل مؤدي المسرح الكابوكي الياباني. تبدأ الممثلات، الثواني الأولى لعرض « قداس للفنانين» في رقص غريب يضع المسرحية مباشرة في زمكان خاص جدا. إنهن ميتات-أحياء، يصلن بخطأ بطيئة، يتلوونّ من الألم؛ يبدأن بحركات من الرقص، كل حركة من الحركات أو الإيماءات قد تم تنظيمها بالمليمتر، مثل الضوء. في أيديهن حقائب، بمجرد ما تفتح تنزلق منها الذكريات. هذه هي نقطة بداية الرحلة التي تعيد إحياء الماضي.
في هذا العرض تميل إليزابيت تشكشوك، نحو مفهوم «تاديوز كانتور» للمسرح الميتافيزيقي ومسرح تناسخ الأرواح. حيث نشاهد موكب للموتى-الأحياء، الذين ينعشون، ويأخذون الحياة أمام أعيننا خاصة عندما تهرب ذكرياتهم من الحقائب الثقيلة التي يحملونها. نشاهدهم وهم يعبرون نوعا من المطهر لأجل استعادة ماضيهم، ومواجهته، علهم ينجحون في تغييره. بهذه الطريقة، تخلق المخرجة «حوارا مع الموتى»، وتجعل من فضاء عملها المسرحي «مكانا لتحريرهم».(13) فهي، كما يبدو، لا تميل فقط نحو مسرح كانتور، وإنما تأخذ منه مفرداته المتكررة أيضا: الحقائب، تجسيد الذكريات، أفعال الحياة الماضية، النوافذ، ومقاعد تلاميذ المدارس، لتوقيع عرض، كما هو الحال دائمًا، غير نمطي وفريد في راديكاليته الفنية. تصحبنا من خلال كوريغرافيا الرقص، إلى أعماق الجحيم حيث الصوت الفاتن، والواهي، الذي يوقظ الموتى. بحيث نجد أنفسنا في عالم تحت الأرض، يقبض على أحشائنا، يرسلنا إلى أمنياتنا الخالدة، وهوس رغباتنا في إعادة رسم الحياة من جديد، لتحقيق الأحلام التي لم تتحقق، وإعادة كتابة هذه الحياة القصيرة جدا.
تنتشر الممثلات في الفضاء على أنغام الموسيقى المتوهجة بصورة تدريجية، يتحركن مثل الدمى المفككة وهن يحملن حقائب ذكرياتهن، يبدأن رقصا متشنجا يستمد نشاطه وحيوته من اليأس الذي يسكنهن. حركات إيمائية تشبه إلى حد كبير آلية حركة الموتى، بينما، في الجزء العلوي من المنحدر الذي يشكل العنصر الرئيسي لسينوغرافيا «جوزيف كروزيل»، هناك مخلوقات غير عادية أخرى: جنديان يترنحان وموكب صغير من الرجال والنساء يرتدون أزياء جنائزية.
اليأس في هذا العرض، يغذي هذه الكائنات التي تحمل ذكرياتها في حقائبها، ويغذي الإعياء الذي يلتصق ببشرة هؤلاء المحبوسين في وجود مصنوع من التمزق، مثلما يغذي العزلة، والبؤس الذي لا يستطيعون التخلص منه؛ إنه ينعش ويغذي في آن واحد، القدرية التي تعيدهم بلا هوادة إلى مصيرهم. فالقفزات الفجائية للجثث والخطوات الصغيرة المتذبذبة، تذهب فجأة سدى، وكذلك الصراخ اليأس، والدموع التي لا تفعل شيئا.
الرقص يعيد الحياة لهؤلاء الأموات، ويخفف من صلابة أجسادهم. باستثناء شخصية ذلك الرجل الصغير الأصلع، الذي راح يتقدم حتى النهاية مثل دمية ميكانيكية. تتقدم الشخصيات مثل الزوبعة، وهي تنتشل الإكسسوارات: تبدأ أولا بالحقائب، ثم الكراسي، التي تضعها فوق رؤوسها، وهي تحركها في كل الاتجاهات، تضعها مرة على صدرها، وثانية على بطنها، وثالثة على ظهرها، كما لو أنها ملتصقة أو بالأحرى ملحومة بأجسادهم، حتى تتحول في مشهد العودة إلى الطفولة، إلى جداول أو مناضد لتلاميذ المدارس، حيث يبدا الجميع بتلاوة القصائد التي تعلموها في الفصل المدرسي:
تَحْتَ جِسْرِ مِيرَابُو يَجْرِي السِّينْ
وَمَاذَا عَنْ غَرَامِيّاتِنا
هَلْ يَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّرَنِي
كَانَتِ الْبَهْجَةُ تَحُلُّ دَوْمًا بَعْدَ الْحُزْنِ
فَلْيَحُلّْ اللَّيْلُ فَلْتَدُقّْ السَّاعَةُ
تَمْضِي الْأَيَّامُ وَأَنَا أَبْقَى، وإلى آخره (شعر كيوم أبولينيير)
وكلما نمعن بالنظر في العرض، كلما نشعر بأننا في موضع مشاهدة أيضا. فهناك شخصيات غريبة بمعاطف سوداء تضع على رأسها قبعات أو أقنعة بيضاء، مزروعة خلف نوافذ في عمق قمة الخشبة، تتابع العرض مثلنا، وتترصدنا في نفس الوقت. ربما انهم يستمتعون أيضا بهذا العرض الغريب أو انهم لا يريدون أن يفوتوا فرصة مشاهدة أي فقرة من فقرات هذه الباليه، أو تفاصيل من مشهد الشخصيات وهي تستجدي القبل من الجمهور.(14)
إن هذا العرض ينسينا تقريبا كل ما رأيناه من مسرح من قبل، ونكتشف من خلاله شكلا من أشكال التعبير الفني المعاصر، بل والغريب الأطوار الذي من الصعب الاستمتاع به أو فهمه منذ الوهلة الأولى! ديكوره بسيط إلى اقصى حد، ويمكن أن نقول عنه عاريا تقريبا (ثلاث نوافذ فقط) فوق خشبة مائلة جزئيا، يتجول فوقها عشرون ممثلا وراقصا يغيرون سحنتهم بشكل شنيع وملابسهم، ذات الطراز القوطي الغريب، ولكنها ملونة إلى حد ما، مثل الموتى الأحياء الذين يرتدون ملابس لحفلة زومبي ثملة.
هذا العرض الحديث نصفه رقص ونصفه الأخر تلاوة، إنه مزيج من الأنواع التجريبية التي تخرج حقا عن دائرة المألوف والمسار المطروق، تتخلله الكوريغرافية الكلاسيكية، ولكنها ليست بعيدة عن رقصة مايكل جاكسون في فيديو كليب» Thriller»؛ عرض تتداخل فيه النصوص، المونولوجات، واللهجات الشفوية الأخرى التي تتناوب مع اللغة الفرنسية والإنكليزية والبولونية، مثلما تتخلله المواقف التي يتم المبالغة فيها، والوقاحة أيضا، على أنغام التوزيعات الموسيقية الباروكية تقريبا، التي تشبه الهلوسة المؤلمة والمبهمة، ويرجع الفضل في ذلك بشكل خاص إلى وجود ثلاثة موسيقيين يلعبون بشكل مباشر.
إن إليزابيت تشكشوك، مخرجة وممثلة ترفض أولوية النص، شأنها شأن «كانتور»، وتستخدم في مسرحها الكثير من الغناء والرقص والموسيقى والمؤثرات البصرية، وخاصة التعبير الجسدي. إن عرضها هذا، لا يشبه أي عرض آخر، ولكن من أجل التعرف عليه، لا بد لنا من العودة إلى عروض مسرح كانتور (كراكوفي 2)، للعثور على الإحساس بالزوبعة الجنائزية، والانتقام التهريجي الذي هو عنف ميتافيزيقي بقدر ما هو اجتماعي أيضا. فمسرح «كانتور» بمثابة مهرجان جنائزي، يتحكم به وينظمه بنفسه لحظة العرض، خال من أي حمولة سياسية كانت أو رمزية. ويدعو الجمهور الذي ينتمي إلى عالم الموتى للاحتفال معه بالانهيار. هناك معنى واحد لمسرحه، هو الموت. وهذا ليس موضوعا، وإنما جمالية مسرحية. لقد اخترع كانتور مسرحا طقوسيا يحتفل بكوارث القرن العشرين. أليس هذا ما تقوم به إليزابيت تشكشوك؟
• مسرحية « Dementia Praecox»
هو الجزء الثاني من ثلاثية « المتذمرين» التي قدمتها إليزابيت تشكشوك، بشكل متسلسل. في هذه المسرحية التفاعلية التي لا بد من مشاهدتها من زاوية عوالم كانتور الذي استوحى بأعماله، البنائية، الدادائية، والسريالية، هناك حوالي عشرين شخصية باذخة ورثة في آن واحد، يعانون كلهم أنواعا مختلفة من الجنون وبدرجات متفاوتة، بدءا من فقدان الثقة بالنفس وبالأخرين إلى الجنون الغاضب، وانتهاء بالدعارة لانعدام الحب. تعتمد إليزابيت تشكشوك في هذا العمل على نص « المجنون والراهبة»، لويتكيفيتش، وهي مسرحية ذات أصداء شهوانية يمتزج فيها اللامعقول بالمألوف والمأساة. كتب فيها مؤلفها، نقدا لاذعا لنظام استبدادي، شبيه بالسجن تقريبا، ولكنه متساهل نوعا ما، راسما من خلاله فلسفة الفرد الحر والمضطرب عقليا. عالم ويتكيفيتش بالأساس هو أسود متشائم. لكن تهكمه الضارب، وسخريته المدمرة، ولامعقوليته المحيرة هي التي قادت «إليزابيت تشكشوك» نحو رؤية فوضوية وشاذة للعالم، وهي التي غذت إبداعها وشخصياتها الغريبة الأطوار الممزقة بين الضحك والدموع. تقول المخرجة: « يعتبر المرض العقلي والفكاهة السوداء جوهر هذه المسرحية حيث كل شيء فيها ما هو إلا وهم وانحطاط. تركز كتابات « ويتكيفيتش» على اللعب مع الكون المغلق، الشبه سجن، حيث الشخصيات التي تهذي وتكشف عن نفسها بلا حدود وفي الضرورة الملحة. أود تقديم نظرة جديدة لعمل ويتكيفيتش، ونصه، نظرة يمكن القراءة من خلالها العلاقة الفوضوية بين المرضى والنظام النفسي كصدى للعلاقة بين الفنانين والمؤسسات الثقافية، وبين الفنانين والجمهور وبين الإنسان والمجتمع. أريد أن أغتنم السخرية والهذيان في عالم ويتكيفيتش لإنتاج تعبير فني مزعج ومربك. هذه النظرة الحادة والفصامية تقريبا للتناقضات البشرية تقدم مجالا مسرحيا غنياً، ولعبا دراميا ذات إمكانات قوية وشاذة، وفكرة فريدة عن وجودنا. هذه هي الينابيع التي أدعي نسجها وحبكها وأحكامها وتفكيكها وثنيها واللعب معها، في هذا المكان الاستثنائي الذي هو عبارة عن مجتمع فضولي، مع مشاركة فريقي الشغوف بهذا العمل».(15)
إن عمل Dementia Praecox، يكشف هنا عن حالة التأرجح في عالم الجنون، ليتحدث عن وجع الأنسان، عن فنان محجوز عليه، شاعر فاشل، عاشق مرفوض، وراهبة مجنونة بتفانيها … في هذا العمل، توجد الشراهة، الحبس، الإملاءات الاجتماعية، الانتحار، الإثارة الجنسية، لامعقولية الحروب، والانبعاث … كل شيء يسير بسرعة كبيرة وكل شيء يهرب منها!
يبدأ المسرح الشعري الكوريغرافي لإليزابيت تشكشوك من العاطفة الخالصة ليذهب إلى الجنون الكلي. ومن خلال الفكاهة والجاذبية، تدعو الجمهور لاكتشاف لغة هجينة جديدة، صوتية، إيمائية ودراماتورجية، في وقت واحد. في هذه الوجبة الجمالية المتعددة الثقافات، يتم تفكيك جميع اللغات، وتحطيم الجدار الرابع لجعل المتفرج يصبح أحد عناصره.
فعندما ندخل المسرح، نترك عند المدخل الهدوء البرجوازي، المطمئن، لمسرح «باريسي» لأجل اكتشاف مكان غريب، مزعج قليلاً، يتأرجح مناخه بين الملهى والكنيسة ذات الكتل السوداء. وهكذا يصبح الغموض بالنسبة لنا بمثابة قاعدة. اللون الأحمر والأسود يهيمنان على مساحة مزدحمة بتماثيل ذات أحجام طبيعية لعارضات أزياء، تذكرنا بالروح المتفسخة لعوالم القرن العشرين: الرجال في جوارب شبكية والنساء يلبسن ملابس داخلية مغرية، وإلخ. إيروس إله الحب وثانتوس إله الموت، يشكلان روح المكان. يأخذنا العرض من الحانة الغريبة، المسكونة بالأرواح، حيث يتم دعوتنا للدخول، إلى الصالة التي يجري فيها العرض. بهذه الطريقة يتم إلغاء مسبق لبعض الحدود والعلاقة بين الصالة والخشبة: الممثلون يأخذونا من أيدينا لكي يزجوا بنا في عالمهم.
• الحكاية
تتحدث مسرحية « المجنون والراهبة»، عن شاعر يدعى Walpurg، مسجون في مستشفى الأمراض النفسية. الدكتور Grün مقتنع ان بالإمكان معالجته بالاكتشافات الجديدة للتحليل النفسي، وذلك من خلال الاستخدام المفرط والمتكرر للمخدرات. رفاقه الآخرون من الأطباء يشكون في ذلك. ولكن وصول الراهبة (الأخت آن) المسؤولة عن تهدئته، إلى زنزانته سوف يغير كل شيء ويقلب الأشياء رأسا على عقب. يبدأ اللقاء بينهما مثل لعبة قطة وفأر، ولكن سرعان ما تتغير، بتحرير الشاعر من قيوده ورغباته، من قبل الراهبة. كل شيء سوف يسير بسرعة كبيرة، مثل زوبعة من المشاعر، دون أن تدرك أي من الشخصيات ما يحدث لها. ولأن بطل الحكاية شاعر فإنه يصبح ذريعة للموازاة بين اللجوء ومجتمعنا الشيزوفرني.
تكشف المسرحية عن عالم في حالة انزلاق كامل نحو الجرائم والانتحار والقيامة، التي تشكل فيه الأساس المتين وغير المقبول. وقد وصفت هذه المسرحية من قبل النقاد خلال عرضها في عام 1959، بأنها عبارة عن « كباري تعبيري». ولقد كُتبت المسرحية في ليلة واحدة، كما يقال، ودون إعادة قراءة وتدقيق، تطور روح الفكاهة التخريبية وغير التقليدية، وتجعل الإثارة الجنسية واحدة من ينابيع التحرير. كما هو الحال في القصة القصيرة التي كتبها إدغار آلان بو « نظام الدكتور Goudron والبروفسور Plume» (16)، حيث يصبح المجانين هم الحراس و»الحكماء» للجنون من خلال دوامة تسقط فيها الاتفاقيات والإملاءات الاجتماعية.
لقد احتفظت المخرجة بروح المسرحية اكثر من احتفاظها بالمتن الأدبي للنص، ولهذا طغت الرؤية الكورغرافيه المروعة على العرض اكثر مما طغى النص. فبدأ العرض تشكيليا جدا، وقويا من الناحية الجمالية، لانخراطه مباشرة في عالم من خارج الواقع، عالم من الأحلام، اهتم بالتهجين الذي ألغى الحدود بين الجنون والحياة الطبيعية. بحيث كانت كل شخصية من شخصياته محاصرة في هذيانها الخاص، وهي تستنكر، العوامل التي دفعتها إلى الجنون وجعلتها كائنات هامشية، محبوسة في مجتمع لم يعد قادرا على تحمل الفوضى الناجمة عن انحرافه. وقد ذكرنا التشنج، الاختلاج الصرعي، الارتعاش والضحك العصبي، بالقوة الداخلية التي تحدث عنها « آرتو» في مسرح الطاعون(17)، لوضع أسس معينة للمسرح، وتحرير نفسه من أجل العثور على شكله البدائي الأول، الضروري، والمنفصل عن الاتفاقيات. لقد قارن آرتو المسرح، في هذا الفصل من كتابه (المسرح وقرينه)، بتجربة الطاعون والآثار التي يخلفها المرض على الجسد، وهذا يعني، هذيان المريض الذي ينتج انهيارا في كل أماكن جسده، وفي جميع سياقاته الاجتماعية. وهكذا يصبح المسرح شيئا فشيئا بالنسبة للناظر مكان للتفريغ العاطفي بقوة تماثل قوة الوباء. ولكي يعمق هذا المفهوم، استخدم أرتو نظرية القديس « أوغسطين» الذي يعتقد أن المسرح هو خطر مثل الطاعون. ولكن الفرق بينهما هو أن الطاعون يقتل دون أن يقضي على الأعضاء، في حين أن المسرح لا يقتل، ولكنه يثير أكثر التغيرات غموضا، لا في فكر الفرد فحسب، وإنما في فكر شعب بأكمله. وهذا ما كانت تبحث عنه إليزابيت تشكشوك من خلال انغمارها في جمالية الموت لكانتور، الذي يعتقد أن الموت ليس له طريقة أخرى للظهور سوى أن يتبع مسار الأحياء. إن هذا الاقتناع الفني، لدى كانتور بمثابة اعتقاد، استعاره بمعنى حرفي من الثقافة اليديشية، ويؤدي إلى تصور غير مسبوق لحالة الممثل، المسكون من قبل الموت، والذي يجعله يتصرف أو يقوم بأفعال تشبه إلى حد كبير دمية من اللحم، مثل شبح، مسكون بالروح الهائمة للـديابوك « d’un dibbouk» وهو روح أو شيطان يعيش في جسد فرد يظل مرتبطا به. هذا بالإضافة إلى إلغائها للحدود بين الصالة والخشبة، وتبنيها مفهوم العرض كنوع من الاقتحام على غرار غروتوفسكي، وعودتها المتعمدة إلى الجذور الطقسية، بحثا عن العلاقة الحية بين الممثل والجمهور. وبالتالي إيجاد تنويعات، لا حد لها لعلاقة الممثل بالجمهور، وهكذا صار بإمكان هذا الأخير أن يؤدي وسط الجمهور، ويتصل به اتصالا مباشرا من خلال أشراكه بالحدث الدرامي بشكل فعلي (كما في مسرحية قداس للفنانين، عندما يدعون الموتى الأحياء، الجمهور إلى الرقص معهم على أنغام الفالس أو عندما يصعدون إلى المدرجات التي يجلس عليها وهم يستجدون الحب والعاطفة وبعض القبل).
• ما وراء الجدار الرابع
للاستمتاع الكامل بالعرض، يجب علينا قبول ترك جلد المتفرج المستهلك جانبا، وإعطاء القليل من الذات، وإطلاق العنان للنفس من اجل العبور إلى الجانب الآخر من المرآة. فعندما تمت في سبعينيات القرن الفائت، إعادة مساءلة الفضاء المسرحي، واستجوابه، والتشكيك به، وتحديه من قبل مخرجين متنوعين مثل أنطوان فيتيز، لوكا رونكوني أو أريان منوشكين وإلخ، كنا على مستوى واحد مع المجتمع الذي شكك في جميع افتراضاته، وأعاد النظر في العلاقة بين الخشبة والصالة على أساس العلاقات بين الأفراد. كانت الحياة آنذاك والمسرح يعيشان جنبا إلى جنب. ولكن في مرحلة التقلص التي صرنا نعرفها اليوم، من خلال العودة إلى «القيم» المستقرة والثابتة، ماذا عن تلك الأشكال التي تؤكد على طلاقها مع المجتمع؟ هذه الأشكال التي تبدو في نفس الوقت مذهلة بديمومتها العنيدة وتثير السخرية كآلة لإزالة كل ما يتجاوزها، وتقديم كل ما يستفز وبلا رحمة. لقد كان المسرح دائما مكانا للاستفزاز، فهو قادر، وفقا لغروتوفسكي: « على أن يتحدى نفسه وجمهوره بتحطيم الأنماط الثابتة والمتعارف عليها من الرؤية والشعور والفكر، ويصبح أكثر إيلاما لأنه يجسد ذلك من خلال تنفس الكائن البشري وجسمه ودوافعه الباطنية). (18)
تقوم إليزابيت تشكشوك، في مختبرها الفني ومدرستها المسرحية، بتطوير آليات مسرح يجرّب التفكير المستعاد في جميع مكونات الجسم والعقل، من خلال البحث الحشوي عن المشاعر ومتطلبات الاستثمار الكلي – للصوت، التنفس، الإيماءة، الرقص، الغناء، والعاطفة – لتقدم عملا دراميا متعدد التخصصات التي تفضي إلى الاختلاط والتهجيين. تكون شعريته الركحية، التي يمكن أن تصل إلى الجميع، ليس من خلال اللغة فحسب، وإنما الفضاء والحركة، على الرغم من وضع حوارات شخصياتها المتألمة، في لغات مختلفة: البولونية، القبائلية، الإنجليزية، مرورا بالإسبانية، ناهيك عن لغة الإشارة الغريبة الأطوار، التي تتخللها نبضات القلب وإيقاعاته المختلفة من لغة لأخرى. فالتعبير الجسدي في مسرحها، لديه حضوره القوي، الذي يجسد كل ما هو غير المرئي، بعيدا عن الكلمات.
وعلى الرغم من تشبع مسرح هذه المخرجة، بمسرح كانتور، غروتوفسكي، آرتو، وبيتر لبروك، فهو متأصل أيضا في نظرية «الشكل الأصيل» لـ « ويتكيفيتش»:
(من المستحيل معرفة فيما إذا كان الأدب المسرحي، بشكله الجديد، سوف يساوي في الحجم، الأعمال القديمة. هذا ما حدث في الرسم، وإن عباقرة مثل: كوكان، بيكاسو وفان كوخ، يساوون بالنسبة لنا أعظم الأساتذة القدماء. ولكن دعونا نتفاءل ونأمل أنه سيكون الأمر نفسه في المسرح. إذن، كم هي جميلة، ستكون حقيقة مثل هذا العرض! حقيقة ليس لها أي علاقة بحقيقة الحياة الزائفة، ولن تكون حقيقة غير نقية، ولن تكون حقيقة الأنانية أو ما يسمى بالتضحية، ولكن حقيقة جمالية مكثفة والتي يبدو أن المسرح المعاصر قد نسى وجودها. بالنسبة لي، يقول ويتكيفيتش: الهدف من المسرح هو غمر المتفرج في حالة استثنائية، يتعذر الوصول إليها في الحياة اليومية…» (19) (نظرية الشكل الأصيل في المسرح، «ويتكيفيتش). فعدم نقاء الفن، ينبعث من حقيقة أن المرء لا يستطيع تجنب تفرد المشاعر الميتافيزيقية وجميع سوء الفهم حول الشكل والمحتوى، وإعادة الخلق والتشويه. أحكام من نوع: « أنا لا أحب بيكاسو لأنني لا أحب تكوين لوحاته، وتناغم ألوانه ومفاهيمه عن الشكل»، هو حكم مقبول تماما، ولا يوجد ما يقال ضده. ولكن عندما تقول: « أنا لا أحب بيكاسو لأنه يرسم الناس مثل مكعبات ملونة لا تتوافق مع الطبيعة»، فإننا نصدر حكما لا معنى له، ويكشف عن جهل الشخص، فيما يتعلق بالغرض من الرسم. انه مثل شخص يقول: «أنا لا أحب السمك بالمايونيز لأنه ليس نائم في الدرجة الأولى».(20)
على هذا النحو، فإن إبداعات مختبر هذه المخرجة، لا تتكيف مع مسرحيات المؤلفين البولنديين الكبار، وإنما هي مستوحاة بحرية من مواضيعها القوية واقتباساتها. لا سيما إن تغيرات سجل الأداء، وصدمات التشظي حيث العنف والهشاشة تتناوب في عروضها، وتتحول فيها المأساة فجأة في بعض الأحيان إلى غروتسك حيث يمسك اللامعقول بتلابيب غير الواقعي.
إن قوة وموهبة فن إليزابيت تشكشوك في الرقص والإخراج، يكمن في جعل شخصياتها تكون حالية، ومقروءة بشكل كامل، وترغم الجمهور على مشاركتها حالاتها . ومن هنا تنبثق الحاجة إلى الاختلاط – لكيلا نقول الانصهار- بين الممثلين-الراقصين والجمهور. قد يبدو هذا مزعجًا في بعض الأحيان ومقلقا بالنسبة لهم. ولكنه يسمح في نهاية المطاف إلى وصول الجمهور لحالة تطهير حقيقية، وتسمح، في ذات الوقت، للمسرح المعاصر بإعادة انخراطه في مسار لا يزال غير مستكشف بشكل كافٍ.
• مسرحية الأم « Matka»
عشرة مرضى يقتحمون خشبة المسرح، في موكب غريب. يمشون بتشنج، يضحكون بشكل عصبي، عيونهم يحيطها السواد، يضعون ضمادات على رؤوسهم. بحيث نتساءل نحن كمتفرجين: هل أن تعبير الهلوسة هذا هو مجرد فارس هزلي أم انه بداية كابوس؟. يأخذنا العرض، خلال ساعة وخمسة عشرة دقيقة، في نوع من الزوبعة، مع رقص يتخذ من الموت موضوعا، مواكب مختلفة، عرض جلسات لثقافة الإعلان، ومشهد حرب. كل هذا يحدث برفقة موسيقى وإضاءة أنيقة جدا. هل نحن غارقون في جنون هؤلاء المجانين أم أننا نشهد غربة الأرواح تحت تأثير وسائل الأعلام المنتشرة في كل مكان والتي تخنق إبداعنا؟ كل هذا في نفس الوقت.
بين الحركات الكوريغرافية والاختفاء الظاهري للنص، كل شيء يأتي لزعزعة عاداتنا كمتفرجين، مثلما يحدث تماما تقريبا في مسرح «تاديوز كانتور»، الذي تستعير منه تشكشوك، المفهوم الراديكالي الموروث من الدادائية، واتهام السلطة وتجاوزاتها، والعنف الذي حدث للبشر، وكذلك أيضا ذكريات الماضي التي تجعل أشباح الذاكرة تطفو فوق السطح، مع بقايا طفولتهم، والقوة البلاستيكية لهذه الوجوه المبيضة، المزرقة الرمادية، التي تتحدث من خلالها بأصوات غير أصواتها، لتبرز شيئا آخر بخلاف ما هي عليه. فصور « نهاية الحياة، الموت، الكارثة، نهاية العالم، ليست بدون سبب»21. ما أعيشه في داخلي يأخذ شكل سوناتا، مخيفة وغير محتملة»، إن ما يقوله الشاعر (رولاند جيراولت، قبل أن ينفجر في البكاء، لا علاقة له بشخصيته الكوميدية)، لأن معنى العبث والغروتسك في هذا العمل، مضاعف. والفكاهة سوداء جدا أيضا.
داخل مسرح المختبر، تصور إليزابيث تشكشوك التجربة المسرحية كتطهير، للممثلين كما للمتفرجين، وكبحث عن الحقيقة الداخلية والشكل الملائم. في هذا المسرح الجسدي المكثف، والعميق والروحي في ذات الوقت، يشارك المتفرجون في قلب الفضاء، في علاقة استثنائية مع الممثلين، بعد أن يتم إلغاء الحدود الفاصلة بين المسرح والصالة. إنه بحث في الأضداد، التي تجدد وتحفز الفكر، وتشحذ الحساسية، وخيال العضلات، وتوقظ الإنسان؛ بحث، من خلال الاستفزاز المفترض، الذي يهز كيان الجمهور ويفضل استجوابه الوجودي، وحتى قلقه …
يجمع العرض حول الأم وابنها، ستة راقصين وثلاثة موسيقيين وراو، يبدأ العرض في ردهة المسرح بإلقائه بعض القصائد، للافونتين، بودلير، لا مارتين وفيريلن، تاركا الاختيار والتقدير للمتفرجين، ولكن من خلال وضع شروط مفاجئة تزعزع استقرارهم، خاصة عندما نعرف أن بقية العرض الذي لا يحتوي على شيء أثيري، سوف يغرقنا بالانحطاط، حيث تدفق الكحول، وانتشار المخدرات بحرية أكثر من الكلام … وأكثر ما يفاجئنا، هو «فن الصدمة» بالمعنى الحقيقي للكلمة، الذي تلجأ اليه «إليزابيت تشكشوك»، « فن ضد اغتراب عصرنا، دون تنازل أو نصف قياس» كما تقول. وهذا في الواقع الهدف، الذي تصل إليه من خلال إرباك المتفرج بالصور الصادمة العنيفة والملوّنة إلى أقصى حد (لكن بعض الجمال يكمن في قبحها)، أي كليشيهات يرفض المرء في بعض الأحيان حتى الاعتراف بها … وبهذا الاستيلاء الطوعي على المتفرج، الذي يشعر حينئذ، بالدهشة والترهيب، وحتى الصاعقة، والذي لم يعد لديه وقت كافٍ للرد، باستثناء الهرب عن طريق أغلاق نفسه في قوقعته. صور تعكس بالطبع هشاشة وضعف الأنسان ولكن أيضا جبنه وعدم قدرته على التواصل وكذلك الرد، وبالتالي، مغالاته وتجاوزاته … بداية الحوار وبصيص الأمل الذي تدافع عنه المخرجة، لن يحدث إلا في نهاية العرض، مثل خلاص.
إنه عمل بصري مذهل، وعنيف كما هو مثير للدهشة، يغذي الفكر ولا يترك مجالا لعدم المبالاة؛ عمل يتأرجح بين المسرح والأوبرا-روك والرقص. لا يتركنا ننتظر حتى بداية المسرحية لدخول عوالم Witkiewicz، إذ يبدو أن مسرحها بحد ذاته تجسيد لهذه العوالم، وهذا ليس بالغريب، طالما انه الفنان المفضل لديها. من خلال التمزق والتجاوزات التي تحدث بين الأم وابنها، تقدم إليزابيث تشكشوك، تفسيرًا حامضا وميتافيزيقا لعوالم Witkiewicz وأسئلته حول معنى المسرح.
بمجرد ما نصل، يقودنا ممر مثيرٌ للغرابة والدهشة، يطغي عليه اللون الأحمر والأسود، مأهول بعارضات أزياء يلبسن ملابس على الطراز « القوطي» إلى بار، تهيمن عليه روح الانحلال. حيث المقبلات، والكل يحتسي كأسا من النبيذ، كدعوة لتذوق الكحول التي ستأجج جنون شخصيات Matka. وهكذا تنحل الحدود، ولم نعد نعرف فيما إذا كانت هذه الفواصل التي تحدث في الحانة جزءٌ من العرض، أم أنها مجرد انتظار كلاسيكي قبل بدء العرض. وأخيرا، يدعونا الممثلون لمتابعتهم إلى الصالة، حيث تصدح فيها الموسيقى السلافية الإلكترونية والتي تدمجنا على الفور بالحدث.
يصور عمل Matka أو الأم، عذابات أمّ سكيرة، مدمنة على المخدرات أمام طغيان ابنها، ليون، المحبوب ربما للغاية، والذي لا تنجح عبقريته الفنية المفترضة في أي شيء. نشعر من البداية أننا منخرطون في عالم ليون المليء بالتجاوزات، حيث تشكل الشهوة والكحول أساسا له. الأم، أرملة، إلى جانب ليون، تكشف عن شعور بالذنب لا يخلو من الرضا أيضا، عن الذات: فليون في النهاية ابنها ونتاجها. ومع تقدم أحداث المسرحية، تتطور علاقة الأم والابن إلى غموض أوديبي معقد. وعندما يتزوج ليون، يدفع الفسق إلى أقصى ما يمكن، برفقة زوجته في ليلة لا تعرف الحدود. منذ هذه اللحظة، لا يظهر الابن إلا وهو يرتدي بدلة الزفاف. وهكذا يتفاقم تناقض الشخصية ويصبح مثيرا للالتباس نوعا ما. هل Matka هي الأم أم العشيقة، الضحية أم الجلاد؟ على طوال هذه المسرحية، تتطور الشخصيات مثل الكثير من الدمى المتحركة، غير القادرة على الحوار كما تشاء، وغير القادرة على تنفيذ مشاريعها الإبداعية، وغير القادرة على تحقيق نفسها.
تتألف هذه « المسرحية المثيرة للاشمئزاز» كما وصفها ويتكيفيتش، من فصلين وخاتمة، وتقودنا إلى متاهة مزعجة تثير مسألة الوجود، ولكن أيضا مسألة الإبداع الفني. بحيث يتضاعف في هذا الإخراج، ويتكيفيتش، أولا، من خلال ترديد تساؤلاته كمؤلف، حول دور المسرح، وشكله، والانسان المبدع، وثانيا أيضا، من خلال شخصية ليون، الذي يتجول ببطء في هذا النوع من المطهر الوجودي. يتم وضع مسألة الإبداع الفني باستمرار في منظور الوجود، وتتزامن عدم قدرة ليون على العثور على إنجازه الفني مع عجز الأم وعدم قدرتها على تربية ابنها، كل واحد منهما يحاول عبثا الهروب من مصيره القدري في الخلق. ومع ذلك، تبقى الدعابة قائمة في هذا العالم الميتافيزيقي، وتكمن وراء معظم اللوحات المسرحية.
الفيديو الذي تستخدمه المخرجة يحاول أن يعطي الانطباع بأنه في قلب عالم من المشاعر القصوى، ويحتاج استثمارا كاملا في وقت التصوير لالتقاط الجوانب الصوتية والجسدية والكورغرافية والأجزاء العاطفية للمسرحية من خلال الصورة. وقد تمت دراسة كل لقطة بعناية فائقة، لأجل جر المتفرج خارج موقعه كمراقب. الهدف من ذلك، هو غمر المشاهد في هذا الكون وإظهار كل تعبير للوجه، للإيماءة، الذبذبة، واهتزاز كل جسد. ولهذا كان يجب على كل لقطة أن تكون قادرة على تقريب المتفرج من كل ممثل، راقص، لأجل تفسير حضوره الخاص، وكذلك رغباته، أي جعله يظهر نفسه ويعرضها في نفس الوقت في هذا المكان، وهذا الكون، من خلال انضمامه إلى هؤلاء الممثلين على الخشبة، الذين يشبهون نصف شخصيات، نصف دمى، وهم يمنحونا تجربة عاطفة جمالية، لا سيما نحن أمام مسرح تفاعلي يريد إزعاجنا في راحتنا الصغيرة كمتفرجين ويقول لنا شيئا عن استعباد المجتمع لنا.
كانت المخرجة إليزابيت تشكشوك، تلعب دورا رئيسيا في العرض، تتصرف كـ « كوروديداسكالوس ـ chorodidaskalos (22)، لا سيما إن معرفة المسارح القديمة والمسرح في العالم أظهرت إن المخرج ليس ملزما لأن يكون كاتبا مسرحيا، واختراع الإخراج انطلاقا من قراءة النص. ويمكنه على طريق الـ chorodidaskalos الإغريقي- مدرب الجوقات الغنائية الراقصة- استخدام النص كمادة لتحقيق العرض الذي يبحث في مكان أخر عن مسار النص في معناه، وبالتالي إعادة مسرحة المسرح. مثل «تاديوز كانتور» في عروضه. ليس فقط، لأن هذا الأخير يربط، كما يقول هانس ليمان، مسرح ما قبل الدراما مع مسرح ما بعد الدراما(23)، وإنما لأنه يخلق، عرضه مع الوسائل الموسيقية والثقافة العامة. ويكون هو نفسه حاضرا على خشبة المسرح، كشخصية أساسية في العمل، وحده فقط الذي يستطيع لعبها. وهكذا، ففي مسرحية «عودة يوليسيس»، هناك فرقة جنود تمشي بشكل ميكانيكي، وكذلك جنود نازيون وسوفييت، في موكب استعراضي عسكري وهم يضربون الأرض بكعوب أحذيتهم العسكرية، يقودهم صوت كمان الحاخام الذي يلعب لحنا يدمي القلب من وحي الغيتو(24). الصورة المركبة غير معقولة، وليست رمزية، ولكنها بكل بساطة عبارة عن قوة عاطفية لا تصدق. ومع ذلك، فهذه المسرحية لديها نص، بعنوان «عودة يوليسيس» للكاتب البولوني Stanislav Wyspianski، ولكن هذا النص لم يكن بالنسبة لـ «كانتور» سوى مادة للعرض. وعرض إليزابيت تشكشوك» المجنون والراهبة» هو أيضا لكاتب بولوني « ويتكيفيتش»، وهو أيضا لم يكن بالنسبة لها سوى مادة للعرض. تقول: (إنني انطلق في عملي من الممثل، من حقيقته الداخلية الخاصة. لا أعرف كيف اشتغل على الشخصيات المنمذجة مسبقا «الكليشيهات»، وحتى عندما أتعامل مع عمل لمؤلف، أجد صعوبة في القيام بشيء مخلص لهذا المؤلف. هذا هو السبب الذي يجعلني أحب العمل مع Witkiewicz، لأنه يزودني بالكثير من الحرية. أخذ اقتباسات تلهمني لإنشاء صورة أو صور. غالباً ما أكون مهووسة جداً بها، فأصمم على تحقيق هذه الصور التي أتلقاها في رأسي، وهكذا يبدأ العمل في داخلي. لكنها تظل دائماً مرتبطة بروح الممثلين الذين يلهمونني أيضاً. إنه الخلق الدائم). (25)
إنها تمارس طقوسا تشبه إلى حد كبير طقوس تاديوز كانتور على المسرح. فهي تلعب في جميع عروضها تقريبا، وفي مسرحية «الأم» كانت تمثل دورا مهما، ولكنها، مع ذلك، لم تمنع نفسها من ترك الدور في بعض اللحظات، لإعطاء ملاحظات ونصائح، لهذا أو ذاك من الممثلين، وأحيانا حتى نقد وعتاب، لمدير الإضاءة والصوت والمؤثرات الصوتية والبصرية أمام الجمهور، مثلما يفعل «كانتور» تماما. وهذا بحد ذاته ما يكسر مصداقية العرض، ويحيل العرض، بالتأكيد، إلى أداء غير أرسطي.
الهوامش
1 – Henryk Tomaszewski، (ولد في عام 20 نوفمبر 1919 وتوفى في 23 سبتمبر 2001)، ممثل وإيمائي ومدير مسرح، من مواليد مدينة بوزرتان البولندية.
2 – جيرزي ستور (Jerzy Sthur)، ممثل ومخرج سينمائي بولندي، حاصل على دبلوم من كلية الآداب في جامعة جاجيلونيان في مدينة كراكوفي ثم دبلوم مدرسة كراكوفي الوطنية للمسرح.
3 – فالديمار سميكا فيتش (Waldemar Smigasiewicz)، ولد في 19 سبتمبر 1953، في مدينة وأرشو، وهو ممثل مشهور.
4 – Stanisław Witkiewicz (21 مايو 1851 – 5 سبتمبر 1915) هو كاتب ورسام ومنظّر في الفن البولندي.
5 – دانييل ميسيغيش، ممثل ومخرج مسرحي وأستاذ دراما فرنسي، من مواليد 15 يوليو 1952 في الجزائر العاصمة (الجزائر).
6 – Stanisław Wyspianski، ولد في 15 يناير 1869 في كراكوفي وتوفي في 28 نوفمبر 1907 في كراكوفي، وهو كاتب مسرحي بولندي وشاعر ورسام ومخرج ومهندس معماري كان واحدًا من أكثر الفنانين الأوروبيين إنتاجًا ولفتًا للنظر في عصره.
7 – Adam Mickiewicz، ولد في 24 ديسمبر، 1798 في Zaouïa أو Nowogródek في روسيا الإمبراطورية (اليوم في روسيا البيضاء) وتوفي 26 نوفمبر 1855 في Constantinople، هو شاعر وكاتب بولندي، يعتبر واحدا من أعظم الشعراء الرومانسية. أمضى معظم حياته في فرنسا وكان أستاذاً في Collège de France في نفس الوقت.
8 – اعتمدتنا في التعريف على هذه المعلمة المسرحية، على الملف الصحفي الذي قدم لنا أثناء مشاهدتنا لعروضها عام 2018، وعلى اللقاءات الخاصة التي تمت بيننا على هامش عروضها.
9 – جاك لوكوك، شعرية الجسد، تعليم الأبداع المسرحي، ترجمة محمد سيف، دار نشر مؤسسة دار الصادق الثقافية في محافظة بابل العراقية، 2017.
10 – جيرزي غروتوفسكي، نحو مسرح فقير، دار نشر: L’Age d›Homme،1993، صفحة، 20.
11 –
Grotowski, Jerzy, Vers un théâtre pauvre, Lausanne, L’Age d’homme, 1970.
12 –
L›Espace vide Écrits sur le théâtre, Peter Brook, Editions Seuil, 1977, p. 86.
13 –
Heiner MÜLLER, « L’Allemagne n’a toujours pas fini de jouer les Nibelungen », entretien avec Urs Jenny et Hellmuth Karasek (1983) et « La solitude du film » (1980), in Erreurs choisies : textes et entretiens (1978-1987), textes choisis par J. Jourdheuil, trad. par J.-L. Besson, J. Jourdheuil, J.-P Morel et al., Paris, L’Arche Éditeur, 1988 , p. 113 et 25.
14 – ملاحظة: إن هذه الفقرة تقدم في كل عرض من العروض، بطريقة مختلفة عن السابق، لأنها مرتبطة بالجمهور واختلافه من عرض لأخر.
15 – كلمة المخرجة إليزابيت شكشوك، المنشورة في برنامج عرض Dementia Praecox.
16 –
Edgar Allan Poe , le Système du professeur Goudron et du docteur Plume, Éditeur : Gallimard Jeunesse (03/01/2003).
17 – انتونان آرتو، المسرح وقرينة، دار نشر غاليمار، عام 1985، صفحة. 65.
18 –
Grotowski, Jerzy, Vers un théâtre pauvre, Lausanne, L’Age d’homme, 1970. P.17.
19 –
Théorie de la Forme pure au théâtre (1923) S. I. Witkiewicz – Cahiers Renaud Barrault Troisième trimestre 1970 ; p 59, 9 – Ed. Gallimard/ Théâtre du monde entier.
20 –
Théorie de la Forme pure S. I. Witkiewicz ‒ Cahiers Renaud Barrault Troisième trimestre 1970, p 21 – Ed. Gallimard/ Théâtre du monde entier.
21 – تاديوز كانتور «مسرح الموت»، دار نشر: L’Age d›Homme، 2004، صفحة، 50.
22 – فلورنس دوبون، أرسطو أو مصاص دماء المسرح الغربي. دار نشر فلاماريون، باريس 2007، صفحة307، ترجمة محمد سيف إلى العربية.
23 –
Hans-Thies Lehmann, Le theatre postdramatique, L’arche, 2002, p. 108-113.
24 – كلمة غيتو في الأصل تشير إلى المنطقة المحجوزة والمفروضة على اليهود حيث يمكن أن يعيشوا فيها وفقا لقوانينهم وعاداتهم الخاصة بين الشعوب الأجنبية (المترجم).
25 –
Laura Lalande, Théâtrorama 23 décembre 2016.