أصبح اسم الفنان قاسم حول مرتبطا بتأريخ السينما العراقية وإنجازها اذ يشكل هو ومجموعة من السينمائيين الرواد أمثال الراحلين جعفر علي وصاحب حداد إلى جانب محمد شكري جميل ، وعبد الهادي الراوي وغيرهم تيارا جديدا في السينما العراقية التي حاولت أن تعلن عن وجودها وحضورها عربيا ودوليا إلا ان الظروف غير الاعتيادية التي عاشها ويعيشها العراق حتى الآن حالت دون ذلك ، اذ غاب الاهتمام بالفن السابع رغم وجود أقسام السينما في كلية ومعاهد الفنون الجميلة التي رفدت الوسط الفني بعديد المواهب الشابة التي لو وجدت الفرصة لأصبح لها حضورا لافتا في الاوساط السنمائية العربية او العالنمية ، لكن ضعف الاهتمام بالإنتاج والتركيز على أفلام الحرب والتعبئة الجماهيرية والدعاية للسلطة أدى إلى غياب السينما الحقيقية وبالتالي توقف حركة الكاميرا وهجرة عديد الطاقات إلى خارج الوطن لتبدأ مشوارها من جديد.
ولعل الفنان قاسم حول، وهو أصيل الجنوب العراقي من مدينة البصرة 1940 يعد اليوم من أبرز الوجوه السينمائية التي ساهمت في وضع أسس لسينما عرافية جادة من خلال جهوده المتنوعة التي ابتدأت منذ تخرجه من معهد الفنون الجميلة عام 1964 والقيام بتأسيس شركة أفلام اليوم التي أنتجت فيلما من بواكير السينما العراقية هو فيلم –الحارس- الذي كتب له السيناريو وشارك في تمثيل أحد أدواره ايضا وكان من اخراج الفنان خليل شوقي، نال الفيلم جائزة التانيت الفضي في مهرجان قرطاج السينمائي، وأصدرت الشركة مجلة متخصصة بالفن السابع حملت عنوان– سينما اليوم كلف حول برئاسة تحريرها عام 1967كما اشترك ومجموعة من زملائه بتأسيس فرقة مسرح اليوم التي احتضنت مواهب مسرحية وانتجت عروضا مهمة وتجارب جادة ، الآن أن السلطات آنذاك قامت بإلغاء امتياز شركة اليوم وكذلك توقف مجلة السينما ، لكن قاسم حول لم يتوقف حماسه فأنشا شركة جديدة أسماها –سنونوفيلم –بعدها قرر السفر إلى لبنان عام 1975، ثم عاد للعراق ليخرج فيلمه الوثائقي الطويل –الاهوار – وتبعه بفيلم روائي هو –بيوت في ذلك الزقاف.
انتخب الفنان حول في لبنان رئيسا لرابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين، كما انه أحد مؤسسي اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب وعضو الأمانة العامة واللجنة التنقيذية فيه ، كان ولايزال يتطلع إلى تقديم سينما جادة لهذا دعا واسس مع بعض السينمائيين العرب تيار السينما البديلة بدمشق عام 1970، ونتيجة لخبرته الكبيرة وتأريخه السينمائي كرم في عديد المهرجانات واختير عضوا في لجان تحكيم عربية ودولية كما في مهرجانات روتردام ، كراكوف، موسكو ، باريس ، القاهرة وغيرها.
إلى جانب إبداعه السينمائي يواصل الفنان قاسم حول الوان الكتابة في المسرح والقصة وجماليات السينما وصدرت له عدة كتب ترجم بعضها إلى لغات عالمية وقدمت تجاربه في بعض المعاهد وكتبت عنه دراسات اكاديمية.
في ضاحية سيدي بوسعيد بتونس حيث يواصل هذه الأيام انجاز مراحل المونتاج لآخر أفلامه التقيناه وكان معه هذا الحوار.
v أنجزت مؤخرا فيلما جديدا في العراق بعد انقطاع لسنوات عن الإنتاج ، ماذا عن فكرة هذا الشريط واسلوب انجازه وتمويله؟
u الفيلم الذي اخرجته حمل عنوان المغني وقد كتبت له السيناريو ايضا وهو بدعم من قناة تلقزيون الفرنسي وانتاج شركة – RTE 8 ET PLUS PRODCTION ، كان من المفروض أن يتم إنتاجه قبل 3 سنوات إلا أن ظروفا أحاطت بالمنتج الفرنسي الشهير بلزان التي ادت إلى وفاته مما تسبب في تأجيل الانتاج إلى الان ، تقوم فكرة الشريط على مزج الحدث السياسي بالاجتماعي من خلال شخصية المغني الذي يمثل رمز المجموعة او الشعب المضطهد من قبل السلطة التي تتحكم بمصيره فالمغني الذي يتأخر عن حضور حفلة عيد ميلاد الرئيس رغما عنه ولظروف خارج ارادته يتم الحكم عليه بالغناء داخل الصالة الكبيرة وهو بمواجهة الحائط عقابا لذلك التأخير، ودون أن يعرف ماذا يجري في القاعة من خلفه ، انها الاحكام الديكتاتورية التي تلعب بمصائر البشر.
تم تصوير احداث الفيلم في مدينة البصرة وبمشاركة عدد كبير من الممثلين العراقيين في الداخل والمقيمين في الخارج.
v حاولت منذ بداياتك ان تؤسس لسينما ومسرح عراقي لكنك لم تواصل المشوار وغادرت العراق لتعمل في بلدان عربية واوربية ما أسباب ذلك؟
u منذ فترة الستينات كان يروادني حلم إنشاء مؤسسات فنية كبيرة على غرار استوديوهات مصر وهوليود لاسيما كانت لدي فرقة مسرحية يمكنها رفد المؤسسة بالمواهب وكذلك مجلة متخصصة على غرار مجلة الكواكب التي ساهمت في تطوير الصناعة السينمائية والفنية في مصر وفعلا باشرنا بالإنتاج من خلال شركة أفلام اليوم وكان فيلم الحارس باكورة ذلك، لكن السلطات أغلقت الشركة رغم انني لم انحُ باتجاه توظيف الايديولوجيا كونها تتحكم بالانسان وتحدد اتجاهاته ، إلا انني تعرضت للمضايقة والتحقيق والسجن ، الأمر الذي أجبرني للمغادرة إلى بيروت وهناك تعرفت على المبدع غسان كنفاني الذي دعاني للعمل معه في مجلة الهدف التي كان يديرها ، ثم فتحت لي الآفاق للعمل في السينما من خلال استوديو بعلبك الشهير وأنتجت عددا من الافلام ببيروت واليمن وليبيا.
ثم بعد مرحلة لبنان واكتساب الخبرة سافرت إلى اليونان لاعمل هناك ومن خلال امكانيات متواضعة وغرفة مونتاج صغيرة أنجزت 6 أفلام مدة كل منها نصف ساعة اضافة إلى فيلم روائي طويل هو البحث عن ليلى العامرية الذي يتناول مجازر صبرا وشاتيلا وكان بالتعاون مع مؤسسة السينما الليبية ، بعد عشر سنوات في اليونان غادرت إلى هولندا وعملت مع التلفزيون الهولندي فيلم السلام عليكم ثم سمفونية اللون الذي تم تصويره في دولة الامارات العربية وأنجزت في ألمانيا شريط بيوتنا الصغيرة.
v بعد هذه الخبرة الفنية كيف تفهم الخطاب البصري في مستوى ايصاله واتصاله بالمتلقي من خلال رؤيتكم وخصوصية أسلوبكم؟
u ان ما توفر لدي من تراكم معرفي وخبرة عملية يؤهلني لأن أفهم السينما على انها صورة متحركة لها تأثير فيزيائي وليس سايكولوجي حسب ، انها فن الوضوح وليس الإيهام والإبهام، ربما في المسرح تختلف الصيغ التعبيرية بحكم مكانية وانية الفن المسرحي وعلاقته المباشرة مع الجمهور إلا أن السينما صناعة ورؤية لابد أن تجد صداها لدى المشاهد رغم تنوع الاساليب واختلاف التيارات والأشكال الفنية من الواقعية الجديدة إلى السريالية وهذا ما يتفق عليه أغلب صناع الفيلم واستشهد بالمخرج الكبير باولو بازوليني الذي ربطتني به صداقة قريبة أثناء انجازه فيلم الليالي العربية في حضرموت باليمن حيث قدمت له عديد المساعدات أثناء التصوير، من خلال معايشتي له نظريا وعمليا أدركت أنه يقدم سينما برؤية واضحة رغم أسلوبه الذي يميل إلى المعالجة السايكولوجية والحس الصوفي حيث الحساسية الروحية التي يغلق بها مفاهيمه في نقد الافكار الرأسمالية والاستغلال انطلاقا من تأثره الماركسي في تشكيل موقفه الشامل من العالم وهذا تجسد عبر عديد إنجازاته كما في افلامه – اكتوني ، ماما روما ، الف ليلة وليلة ، اوديب ملكا والنظرية 68، أنا أعتقد تماما أن طبيعة الفيلم هي التي تخلق الشكل التعبيري له ففي فيلمي بيوت في ذلك الزقاق ، الفكرة فرضت الشكل تحت مظلة الواقعية الجديدة ، وهكذا تتبلور العلاقة ووسيلتها بالمتلقي الذي يكون المخرج هو الباث والمستقبل في الوقت نفسه ليقدم رؤيته ومفترحه الجمالي للآخرين بعد أن يضع آخر اللمسات ويوقع على نسخة العرض.
v في ضوء هذا الحكم اين تضعون أفلام المخرج يوسف شاهين التي اتسمت افلامه الاخيرة بالغموض والمغالاة الرمزية؟
u لا ينكر أن يوسف شاهين مخرج كبير وموهوب ، مر بمراحل عديدة وكانت أفلامه التي أنجزها ضمن أسلوب الواقعية هي الأجدر برصيده الإبداعي منها أفلام باب الحديد ، ابن النيل، الأرض. إلا انني أرى تأثره بموجات الحداثة في السينما الغربية لم تخدم كثيرا توجهه المغاير في أعماله الأخيرة وأصبح لديه السرد السينمائي سطحيا رغم غموضه الناتج من هلوسة فنية وكثير من الادعاء في تجريبية غير متقنة كما في اسكندرية كمان وكمان وغيرها ، كونه استعار شكلاً غربياً لمواضيع شرقية فكان التناقض وغياب الوضوح في المضمون والشكل ، وهذا ما تؤكده عديد الاراء النقدية التي تناولت اعماله حتى من جهات التمويل التي كانت تساعده الفرنسية منها او اليونانية.
v ما هي المصادر التي شكلت رصيدك الفكري ومرجعياتك الفنية؟
u منذ بواكير الموهبة والدراسة الاكاديمية تتلمذنا على أيدي أساتذة كبار وفنانين لهم تجاربهم في الفن العراقي أمثال ابراهيم جلال ، جاسم العبودي ، ابراهيم الخطيب ، سعدون العبيدي وغيرهم ممن نهلوا اسس الفن من منابعه العالمية ورجعوا للعراق ليضعوا خبرتهم في متناول طلابهم عبر خطط وأساليب علمية نظرية وتطبيقية ، وبعد التخرج من معهد الفنون الجميلة حيث درست المسرح ومارست السينما هواية واحترافا واطلعت على تجارب السينما العالمية والعربية حيث شغلتني السينما لاسيما بعد شيوع لأفلام الامريكية ثم تابعت موجات السينما الأوروبية وما جاءت من حداثة أسلوبية ، كل ذلك شكل مرجعيات في شخصيتنا الفنية والسينمائية الامر الذي دفع بنا إلى تأسيس تيار السينما البديلة في دمشق عام 1970 بعد ان التقينا مجموعة من المخرجين العرب منهم قيس الزبيدي ، علي عبدالخالق ، شادي عبد السلام، كريستيان غازي ، عمر أميرلاي ، عبدالعزيز طلبي وأنا.
v لكن هذه المجموعة لم تستطع أن تتواصل وتحقق اهدافها المرسومة؟
u نعم لقد فشلت محاولتنا نتيجة التباعد بين أعضائها أولاً وثانياً لعدم توفر الوعي لدى المنتج العربي الذي لم يستوعب معنى جماليات الفيلم مقابل الايمان بشباك التذاكر، ولم تزل هذه النظرة هي السائدة في بنية الثقافة العربية والسينما بالذات كونها فنا يحتاج لميزانيات كبيرة فهو صناعة وتمويل وفن واعلان وجمهور.
v بعد هذا الغياب القسري وسنوات المهجر رجعت للعراق كيف وجدت الواقع الثقافي والسينما بشكل خاص؟
u للأسف الشديد عانت الثقافة العراقية وعلى مر العصور من محاصرة وضغوط مارستها السلطة التي حاولت ربط الثقافة بأهدافها وتوجهاتها مما أفقد الثقافة العراقية الكثير من ابداعها ومبدعيها فقد هاجر الكثير من أصحاب الفكر الحر أدباء وشعراء وفنانين وهذا خسارة كبيرة للوطن ، واليوم في ظل المتغيرات التي يعيشها العراق وجدت ان الثقافة تعاني من ذات الاسباب وهناك حالة اعلامية منفلتة اذ لايمكن تأسيس اعلام بلا قانون ، أنا لا أقصد وضع شروط تحد من حرية التعبير بقدر توفير مساحات من الحرية والديمقراطية تحت ضوابط فنية ووطنية ، لقد استحدثت عشرات القنوات التلفازية في العراق والمشكوك بمصادر تمويلها وارتباطاتها بأجندات خارجية ، من جانب اخر نجد ان العديد ممن يجهلون مصطلح الثقافة والفن قد احتلوا مراكز ثقافية وإعلامية تتحكم في توجيه ذائقة الشعب وتسميم أفكاره بنشر الرداءة والترويج لاعمال فنية هابطة تساهم في التجهيل وتراكم التخلف والترويج للموت والظلام ،مقابل غياب للمؤسسات الثقافية وحضورها في ارض الواقع واهمال للبنى الأساسية للمسارح ودور العرض وللطاقات والمواهب والخبرات الحقيقية التي ينبغي أن تستثمر فكريا وجماليا في بناء العراق الجديد. وباختصار أقول حين تفشل السياسة يسقط النظام وحين تغيب الثقافة يسقط الوطن.
وللاحتلال الأمريكي دوره الكبير في رسم ملامح هذا المشهد المأساوي الذي عايشته عن قرب الامر الذي جعلني اكتب للرئيس الامريكي اوباما رسالة اختصرت فيها معاناة الثقافة العراقية حين قلت له
(انكم انشأتم مدينة للسينما في هوليود ودمرتم قاعات السينما في بلدي ، أدعوكم لإعادة بناء ما قمتم بتدميره ، غادرونا ودعونا نمسك خيط الحياة من جديد).
ما زال الأمل قائما لأن تعود ثقافتنا بوجود العقول والأفكار والمواطنة الحقيقية التي تضع العراق فوق كل اعتبار.
v للخطاب النقدي دور كبير في تطوير خبرات الفنان من جانب وكذلك الارتقاء بكفاءة المتلقي ، كيف تجدون واقع النقد السينمائي العربي ؟
u ان أية حركة إبداعية لايكتب لها التطور ما لم تجد صداها قي خطاب النقد الذي يكامل صيرورتها وتواصلها، والسينما العربية مازالت تعاني من خلل هذه المعادلة فحركة النقد السنمائي ما زالت دون مستوى الطموح ولم تستطع معاهد السينما من تأهيل نقاد مثلما هو الخال لتخريج ممثلين أو مخرجين ربما لأن عملية النقد تحتاج إلى مستويين من الخبرة النظرية والمعرفة التطبيقية والحرفية ، إلا أن ما نلمسه ان أغلب نقاد السينما هم من أصحاب المستوى النظري ولهذا تأتي معظم الكتابات انطباعية تفتقر الإدراك الحرفي لبنية المشهد السينمائي ولكن هذا لا يدعونا أن نغفل وجود نقاد متميزين أمثال سامي السلاموني، مصطفى محرم، علي أبو شادي، سعدون فاضل، على صفوت ، سمير نصري ، صفاء صنكور، الهادي خليل وآخرين.
v ما هو الجديد من الأعمال والمشاريع الإبداعية القادمة؟
u أواصل العمل على إنجاز شريط عن مدينة غدامس الليبية التأريخية ضمن رؤية تمزج بين التأريخية والمعاصرة وهذا الفيلم يأتي ضمن اهتمامات اليونسكو في اعادة ترميم هذه المدينة الأثرية في ليبيا ، كما أواصل الكتابة لقيلم جديد اتخذت له عنوانا مؤقتا هو البرحية – سيكون باسلوب مختلف عما سبق ، كما انتهيت من سيناريو فيلم الحسين الذي شغلني لسبع سنوات وأنا أبحث في صياغة درامية تركز على الجانب الفني اكثر من الجانب الايديولوجي واعتمدت أسلوب السينما الشعرية من ناخية استخدام اللون ووقت التصوير وشفافية البناء المشهدي بما يحقق لي الرؤية الحلمية للعمل.
وعلى مستوى الكتابة الأدبية والنقدية صدر لي مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان منامات عن دار نقوش عربية بتونس وفي مجال الدراسات صدر لي كتاب تأملات في السينما والتلفزيون عن دار كنعان للطباعة والنشر بسوريا وصدر لي ببغداد كتاب بستان السينما الذي سيكون هديتي لطلبة السينما وعشاقها في الوطن العربي.
حســين الانصــاري
كاتب من العراق