الفصول
مَاذا تَعني الفصولُ حقًّا؟
تغييرُ فصلِ الصَّيفِ إِلى فصلِ الخريفِ،
وفصلِ الخريفِ إِلى فصلِ الشِّتاءِ، أَو فصلِ الشِّتاءِ إِلى فصلِ الرَّبيعِ؟
أَو هلْ تتغيَّرُ،
حينَ تهبُّ الرِّيحُ فِي عروقِنا المتَّقدةِ،
والغرفُ الفارغةُ ذاتُ النَّوافذِ الكبيرةِ
تهمسُ فِي آذانِ عُزلتِنا؟
أَو هلْ تتغيَّرُ،
حينَ تصابُ السَّماءُ بالشَّللِ فجأَةً،
والعواصفُ تَحدثُ واحدةً تلوَ أُخرى
عميقةً فِي أَعماقِ قلوبِنا؟
أَو هلْ تتغيَّرُ،
حينَ يتجمَّدُ ضوءُ القمرِ علَى شفاهِنا الصَّامتةِ
فِي ليلةِ شتاءٍ باردةٍ، وتغرقُ قلوبُنا
مثلمَا تغرقُ نجمةُ الصَّباحِ فِي الأُفقِ؟
فِي كلِّ مرَّةٍ، حينَ يتغيَّرُ فصلٌ،
أَبحثُ عنْ قوسِ قزحٍ فِي يومٍ غائمٍ،
وظلٍّ بينَ ذراعيِّ الشَّمسِ الملتهَبةِ.
تَصوُّرٌ
نَظرتْ فِي المرآةِ،
فوجدتِ العالمَ طافيًا فِي عينَيْها.
تذوَّقتْ بشفتَيْها،
طعمَ العالمِ.
خرجتْ تبحثُ عنْ نفسِها،
فوجدتِ العالمَ جالسًا فِي داخلِها.
لكنَّها لمْ تكُنْ هناكَ،
فاندهشتْ!
فِي غضونِ ذلكَ،
يأْتي شحرورٌ
ويقرعُ جبينَها،
وبدأَتْ بخرقهِ،
مثلَ قشرةٍ خارجيَّةٍ لبذورٍ تنبتُ…
رائحةٌ مخضرَّةٌ مريرةٌ
تنتشرُ فوقَ الكلِّ،
وشعرتْ أَنَّها
ولِدتْ للتَّوِّ،
معْ تصوُّرٍ جديدٍ للحياةِ.
الطُّيورُ
الطُّيورُ تجلبُ الفجرَ
على ريشِها الرَّقيقِ
كلَّ صباحٍ.
الطُّيورُ لَا تأْتي توَّاقةً منْ أَجلِ
منقارٍ مليءٍ بالحبوبِ فقطْ.
إِنَّها تأْتي،
وتغنِّي أُغنيةَ صفاءٍ،
وتستحمُّ في الماءِ الدَّائمِ فِي فناءِ بَيتي،
وتتركُ بهجةً هائلةً.
مَا تفعلهُ الطُّيورُ كلَّ يومٍ،
كمْ هوَ صعبٌ علَيْنا القيامُ بهِ.
تأَمُّلٌ فـي الفُصولِ
1 –
جاءَ فصلُ الرَّبيعِ، فازدهرتْ زهرةٌ طوالَ فصلِ الصَّيفِ،
هُنا سقطتِ الآنَ، ثمَّ ذهبتِ الزَّهرةُ.
العبيرُ لَا يزالُ حولَ المكانِ.
2 –
احتفظتُ بالورودِ الَّتي أَرسلتَها،
وأَلقيتُ بالأَشواكِ بعيدًا.
وكانتْ تلكَ نهايةُ قصَّةِ حبِّي.
3 –
قطراتُ المطرِ علَى فروعِ الأَشجارِ
مثلَ دموعِ معاناتِكَ المجهولةِ.
تنجُو حديقَتي مِن عاصفةٍ رعديَّةٍ.
4 –
وقالتِ السَّحابةُ للأَرضِ:
انظُري لحالِكِ،
قطراتُ المطرِ الَّتي على وجهِكِ هيَ لِي.
5 –
أَجنحةٌ مكسورةٌ، وريشٌ متساقطٌ.
يُصْطادُ طائرٌ فِي الهواءِ
فِي موسمِ صيدِ الغُزلانِ.
6 –
زُوِّدَ فرنٌ بالوقودِ
بسببِ غيظِ الشِّتاءِ المبكِّرِ
الَّذي يلتهمُ حلمَ فصلِ الخريفِ.
7 –
تسقطُ زهرةٌ مِن علَى شجرةٍ
ضربَتْها عاصفةٌ رعديَّةٌ.
الآنَ سُحِبتْ بالوحلِ.
8 –
حينَ تحدَّثتْ،
طُلِبَ مِنها أَنْ تعيشَ أُسطورةَ صمتِها.
مَا هوَ المثيرُ للاهتمامِ حولَ امرأَةٍ تصيرُ صمتًا؟
عِيلانُ الكرديُّ
فِي عُروقهِ، دماءُ أَسلافِهِ،
فِي أَنفاسِهِ الهشَّةِ، عواصفُ أُمَّتهِ ،
فِي رئتَيْهِ، ماءُ البحرِ
الَّذي لمْ يَستطعْ عبورَهُ.
لقدْ ذرفَ دموعًا مِن دمٍ
قبلَ أَنْ يُغلقَ عينَيْهِ.
قبلَ أَنْ يُغلقَ عينَيْهِ،
رأَى المحيطَ يبتلعُ أُمَّهُ وأَخاهُ.
بعيدًا عنْ وصولِ ذراعَيْهِ الصَّغيرتَيْنِ كانتْ أَرضُنا
وملاذاتٌ آمنةٌ، لَا تِعِدُ بشيءٍ.
تمَّ غسلهُ علَى الشَّاطئِ
مثلَ دميةٍ، بلَا حياةٍ…
كانَ علَى وجههِ، يقبِّلُ الأَرضَ،
ويركعُ فِي الصَّلواتِ.
اسمهُ «عِيلانُ الكرديُّ».
كانَ ثلاثةً.
«جميلةُ» مِن إِدلب
السَّعادةُ ليستْ مَا نتمنَّاهُ دائمًا،
فِي بعضِ الأَحيانِ، هيَ غيابُ
مَا لَا نتمنَّاهُ لأَنفسِنا.
انقضتْ خمسُ سنواتٍ،
منذُ أَنْ غادرتْ «جميلةُ» بيتَها،
وتركتِ الرَّجلَ الَّذي كانتْ متزوِّجةً منهُ.
غالبًا مَا تتساءَلُ:
هلْ وصلَ الشَّاطئَ الأَوروبيَّ،
وبحثَ عنْها وعنْ أَولادِها؟
«لمْ يكُنْ حبًّا، كانَ وحشًا…»
تفكِّرُ فِي النُّدوبِ
التَّي لَا تزالُ حديثةً فِي عقلِها، وتتحسَّرُ «جميلة»!
لمْ تَعدْ تنتظرُ عودتَهُ.
تنظرُ فِي عيونِ أَطفالِها وتبتسمُ.
«جميلة» لاجئةٌ سعيدةُ.
كلماتٌ بِلا عيونٍ
جفَّتِ الكلماتُ فِي فمهِ
لمْ يِستطعْ أَنْ يتذوَّقَ دموعَها.
كانَ فخورًا جدًّا بتحمُّلِ أَحزانِها.
ابنةُ الصَّحراءِ
تزهرُ فِي حديقةِ أَزهارهِ
وعيناهُ تَسقطانِ.
العقاربُ الَّتي لَا نهايةَ لهَا فِي الجُحرِ
الَّتي لَا تعرفُ التِّرياقَ لسمِّهمْ
تصبحُ عصبيَّةً.
تظهرُ العواصفُ فِي الصَّحراءِ،
وحاملُو الحقيقةِ
متعجِّلونَ للالتقاطِ والاختيارِ.
غادرَ «المسيحُ» الصَّحراءَ
منذُ فترةٍ طويلةٍ،
ولَا يوجدٌ أَحدٌ يبحثُ عنهُ،
ولَا أَحد يتبَعهُ.
لنْ يُكتبَ أَيُّ «إِنجيلٍ» الآنَ.
يوم القيامة
دَعْ كلَّ الأَوراقِ
فِي الشَّجرِ تشتعلُ،
والمدنَ والقُرى
تَغرقُ فِي طوفانٍ.
دَعْ كلَّ القارَّاتِ تتوارَى
فِي راحاتِ أَيدينَا أَيَّ
وقتٍ علَى إِطلاقهِ،
وجميعَ الكتبِ المقدَّسةِ
تلتهمُهَا المحيطاتُ.
دَعِ الوقتَ يظلُّ متذبذَبًا
علَى صخرةِ الشَّكِّ،
والوقتَ المتلوِّيَ يُلقِي بعيدًا
القُرونَ المتخلِّفةَ والكوارثَ،
مَا دامَ هناكَ حتَّى شعاعًا متروكًا
فِي قلبِ الشَّمسِ المطفأَةِ،
وشفرةَ عشبٍ واحدةً يانعةً
فِي أَيِّ مكانٍ علَى بقايَا الكوكبِ؛
وحتَّى بذرةً واحدةً،
تبشِّرُ بحياةٍ فِي مكانٍ مَا
فِي رحمِ الكلِّ
مَا عدَا الأرضِ المُبادةِ،
ليسَ لكَ اليومُ حتَّى الآنَ
وأَنا لِأَحزنَ.
أَمريكا
هذهِ المرَّةَ، حينَ ركبتُ الطَّائرةَ
للعودةِ إِلى الولاياتِ المتَّحدةِ،
إِلى بَيتي، شعرتُ بسلامٍ فِي داخِلي،
سلامٍ عادَ إِليَّ أَخيرًا
بعدَ عشرينَ عامًا.
هذهِ المرَّة، لمْ أُحلِّقْ علَى أَجنحةِ الخيالِ
أَو الأَحلامِ. حلَّقتُ بأَجنحةٍ
منَ الأَلمنيومِ والفولاذِ،
والَّتي ستأْخذني أَخيرًا إِلى بَيْتي،
بعيدًا عنْ وطَني.
مِن شأْنه ذلكَ أَنْ يجعلَني أَقلَّ منَ ابنةٍ،
أَو مِن صديقةٍ، أَو مِن مُحبَّةٍ لِوطني،
إِذا لمْ أَكنْ قادرةً علَى
رؤيةِ الأَرضِ أَدناهُ،
ترتفعُ عاليًا فِي الهواءِ،
بِعينيَّ المليئتَيْنِ بالدُّموعِ،
الأَكثرَ ملوحةً مِن بحريَ الهنديِّ؟
هلْ منَ الظُّلمِ أَنْ أَقولَ ذلكَ:
إِنَّ منفايَ هوَ جزيرةٌ آمنةٌ،
لَا تزالُ ترتعشُ بالأَملِ؟
مِن بينِ مئاتِ الوجوهِ الَّتي تجلسُ فِي الطَّائرةِ،
استطعتُ بسهولةٍ تحديدَ وجهِ أَمريكا،
وابتسامتُه خُصِّصتْ لِي
مثلَ وسادةٍ دافئةِ
فِي مَقعدي، لأَغفوَ بهدوءٍ تامٍّ…،
أَنْ أُهاجرَ إِلى رُوحي بصَمتٍ.
لمْ أَعُدْ للبحثِ عنْ أَرضِ الفرصِ،
بلْ عنِ الحبِّ، الَّذي يعرفُ أَنْ لَا حدودَ للأُممِ،
وهوَ وجهَتي القُصوَى!
1 – شاعرةٌ وكاتبةٌ وممثَّلةٌ سينمائيَّةٌ هنديَّةٌ- أَمريكيَّةٌ. رئيسةُ تحريرِ Life and Legends. مؤلِّفةُBare Soul وثلاثِ مجموعاتٍ منَ القصائدِ باللُّغةِ الهنديَّةِ. حصلتْ علَى جائزةِ Bihar Rajbhashaالمرموقةِ عنْ مجموعتِها الشِّعريَّةِ الأُولى Chand Ka Paivand فِي العامِ (1987م)، ولقبِ Bihar Shri فِي العامِ (1988م). نالتْ، أَيضًا، جائزةَ Rajiv Gandhi Global للعامِ (2014م) للتميُّزِ لمساهماتِها فِي الأَدبِ والسِّينما، وجائزةَ نَاجي نُعمان الأَدبيَّةَ للإِبداعِ فِي (2017م). شاركتْ فِي مشروعِ Silk Routes لبرنامجِ الكتابةِ الدَّوليَّةِ فِي University of Iowa فِي الفترةِ مِن (2014م) إِلى (2016م). وقدْ تَرجمتْ أَعمالًا عديدةً للشُّعراءِ الهنودِ المهمِّينَ إِلى اللُّغةِ الإِنجليزيَّةِ، وبالعكسِ. وقدْ نَشرتْ أَعمالَها فِي مجلَّاتٍ بارزةٍ مثلَWorld Literature Today ، California Quarterly، Pirene›s Fountain، وغيرِها.
ترجمة محمَّد حلمي الرِّيشة *