أمواج النيل تتحرك تحت نسمات الهواء, مرة بنعومة ومرة بقوة ارتفعت الامواج حتى طال رذاذها وجهى وذراعي.
فردت ذراعي ونمت على ظهري عارية تحملني امواج النيل, وأنا أهتز فوقها, تلسعني برودة الماء, فأغوص قليلا ثم ارتفع.
سألت نفسي وأنا متكورة في سريري, لماذا أحلم انني أجلس وحيدة على شاطيء النيل?
لست وحيدة لهذا الحد, أصدقائي كثيرون, سوف أخرج مع أحدهم.
وضعت التليفون في حضني, طافت عيناي على الاسماء في أجندة التليفونات.
رؤوف صديق قديم ومعجب, سوف أتصل به لنلتقي الان, وسوف أقترح أن نذهب الى مكان على النيل, لن يصدق دعوتي له فهو ينتظرها كثيرا.
لأجهز ملابسي قبل أن أتصل به, سوف أرتدي بلوزتي الحمراء, أحتاج لنظرات عينيه تتسلل من فتحتها الواسعة الى صدري والى استدارة وتماسك ثدى, لأسحب ايضا الجونلة القصيرة السوداء من فوق الشماعة, فأنا أحتاج لاحتكاك ساقه بساقي, هذا الاحتكاك الذي يبدو عفويا وأعرف إنه مقصود.
رؤوف رجل لطيف سوف يتحدث طوال الوقت وهو يلتهمني بعينيه عن تاريخه القديم في السجون التي ما كان يغادرها حتى يدخلها, وعن صموده تحت التعذيب بين ايدي العسكر في سجون جمال عبد الناصر, وعن مكتبه للمحاماه الذي أصبح من اكبر مكاتب البلد, وعن المطبعة التي يمتلكها, وعن ابنه طارق وابنته رشا, وعن ملايينه التي وضعها لهما في البنوك, ليكن سوف استمع للمرة الالف لنفس الحكايا, ولكن رؤوف ينام في العاشرة ليستيقظ في الخامسة صباحا, يمارس الرياضة والمشي ثم يذهب الى المحكمة والساعة الان العاشرة.
اذن لاتصل بفهمي, ولكن قبل ان اتصل به سوف اخذ حماما باردا.
دائما أتمنى اختراع براد للماء على غرار السخان يبرد المياه بدلا من تسخينها, فأنا لا أكتفي بلسعة الماء البارد برودة طبيعية على جلدى, وسوف استمتع بشهقات أكثر وأنا أتلقى رشات الماء الاكثر برودة فوقي.
لاتصل بفهمي على المحمول فهو لم يعطني رقم بيته, وهو لا يعود الى البيت قبل منتصف الليل, فبعد أن يغادر شركة المقاولات التي يمتلكها يقضي ساعة أو ساعتين مع أصدقائه في بار فندق بيروت, وأحيانا يقضي الوقت يلف بسيارته في شوارع القاهرة. تعب فهمي وعمل كثيرا حتى يؤمن مؤسسته الخاصة سواء مكتب المقاولات او الاسرة, ولكن فهمي يرفض لقاءنا على النيل فهو يفضل ان نلتقي في أحد فنادق مدينة نصر لأنها كما يرى أكثر أمنا, ربما يكون مشغولا فهو دائما مشغول, حتى عندما نلتقي تقطع جلستنا أجراس محموله التي يتلقاها فزعا وكأن محدثه يرانا معا, ولا تخرج مكالماته عن اتفاقات العمل بينه وبين المقاولين المتعاملين معه, أو العاملين عنده لتحديد مواعيد وصول عربات الظلط والرمل وأماكن تشوينها, كما يتلقى مكالمات من »بسه« زوجته التي نسيت اسمها رغم انها كانت زميلتنا بالجامعة, وهو يدللها »ببسة« كان آخر لقاء بيننا قد اشترى لها سيارة جديدة هدية ارتداء الحجاب ونجاح ابنه »تامر« وابنته »هايدي«.
لذتي بحمامي البارد حرضتني على الخروج عارية من حجرتي وفي يدي البشكير, استمتع جدا بقطرات الماء المتساقطة على بلاط الحجرة.
لن اتصل بفهمي سوف اتصل بياسر فهو يسكن قريبا مني, هو الوحيد الذي سيرحب بلقائنا على النيل لانه من عشاقه ومن الموجوعين به كما يقول على حد تعبيره عن نفسه.
وجع ياسر وألمه بلا حدود, ألم يعتصر قلبه بسبب انهيار اوضاعنا العربيه, ولأننا نعيش هذا الزمن الردئ – وهذا ايضا تعبيره – وفي لقاءاتنا يسقط في ألمه مع سجائره الكثيرة التي يشعلها, ومع أعواد الكبريت المطفأة التي يعبث بها في اذنه واسنانه طوال الوقت.
لا يخرج ياسر من آلامه سوى حديثه عن ابنته »خلود« فهو يضحك حتى تدمع عيناه وهو يحكي طرائفها وكان آخرها سؤالها الذي وصفه بالسؤال الذكي وهو كيف تسير النملة فوق البطيخة وهي مقلوبة ولا تسقط..
لن يلتفت ياسر الى بلوزتي الحمراء وجونلتى القصيرة السوداء, ولا الى رائحة الصابون على جلدي, ولا إلى لون شفتي, ولن يتيح لي فرصة لأحدثه عن متعتي بشهقاتي اسفل الماء البارد.
رفعت البشكير الملقى بجواري, ولففت جسدي به ليتشرب ما تبقى من ماء, وليتشرب بقايا قطرات ما زالت تبلل شعري.
الساعة الان في المنبه وصلت الى الثانية عشرة, نهضت تاركة البشكير يسقط على الارض وسرت عارية الى المطبخ, صببت كوب ماء وعدت الى درج الأدوية, أخرجت قرص »كالمبام« واحد ونصف مللي. ابتلعته وتكورت على نفسي في السرير خلال عشر دقائق سوف اسقط في نوم عميق.
بهيجة حسين كاتبة من مصر