لعل أوَّل ما ينبغي أن نوليه اهتماما خاصا في إطار معالجة مفهوم الكتابة عند الناقدة والكاتبة «جوليا كرستيفا» (Julia Kristéva) هو اعتمادها على مصطلح «الكتابة» في مقابل مصطلح «الأدب» وهو ما نستطيع تلخيصه في السؤال الآتي: لماذا تطرح «كرستيفا» ماهية الأدب من خلال مصطلح الكتابة؟ ولماذا ترفض استخدام مصطلح الأدب في معرض حديثها عن الكتابة؟
تنحصر ماهية الأدب عند «كرستيفا» في كونه يمثل ممارسة دالة تتمتع بخصوصية كامنة في ذاتها، وهي الطبيعة التي لا يمكن للفظة أدب أن تحملها ذلك أنها في اللغات الغربية مترجمة عن اللفظة اليونانية (Gramatiké) بمعنى المعرفة بفنِّ كتابة الحروف وهي بهذا تدل على كل شيء قيد الكتابة على وجه التعميم، ثم استعملت للإشارة إلى الكتب العظيمة دون النظر إلى موضوعاتها(1).
ثم دلَّت مع بداية القرن الثامن عشر على ظروف الكاتب وثقافته، وأصبح استخدامها في القرن التاسع عشر وقفا على النشاط الأدبي من خلال الدور المهم الذي قامت به السيدة دي ستال (De Stael) (1766-1817) في كتابها «الأدب في علاقـاته بالنظم الاجتماعية» حيث عدَّت الأدب ذا طابع فردي، وثمرة من ثمار عبقرية و إبـداع الكاتب(2). مما يعني أنَّ لفظة أدب لم تخضع في تاريخ الآداب الأوروبية(3)، لإطار ثابت بقيم ثابتة في تحديدها. ولهذا كلَّه لا تسمح لفظة أدب بالإشارة إلى تلك الممارسة اللغوية التي لا ترتبط بأية غاية موجودة قبل مشروعها. ولهذا أيضا نلفي ورود الكلمة في نصـوص «كرستيفا»يرتبط بوضعها بين قوسين حينا، أو وضعها بين مزدوجتين حينا آخر(4)، وهي تسـعى بهذا الإجراء إلى تأكيد تحفظـها إزاء استـخدام الكلـمة وهـو تحفـظ تشارك فيه منظور جماعة (تل-كيل)، وأيـضا منـظور الروائي والناقد «موريس بلانشو» (Maurice Blanchot)(1907–2003) الذي يـرى أنَّ اللاأدب (La non- Littérature) هو الأدب(5)، بمعنى كمون كينونة الأدب في انعدام القدرة على تعريفه وتحديده لأنَّ ماهيته تقوم على صراع باطني يهدف دوما إلى تدمير الحدود الكائنة وتفجير التخوم الممكنة ممَّا يؤدي إلى ضياع كلِّ هوية.وهو ما جعل الكتابة عنـده تصل إلى صيغة الكتاب لتتحول إلى شبكة، ينسج خيوطها تعالق النصوص المختلفة والأشكال المتغايرة بطريقة يختفي معها وجه الكاتب كلية. وهنا يصدق رهان «جاك ديريدا» على أهمية بصمات بلانشو، التي ستبقى-وفق رأيه-راسخة بصفة خفية، لا تمحــى(6). وقد حقق ذلك في أعماله الإبداعية حيث لا يمثل الاختراق الجانب الموضوعاتي وإنَّما يشكل كل مسار الكتابة، ومن هنا التأثير الكبير الذي مارسه «بلانشو» على كتاب الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين»(7).
ولا بدَّ أن نسجل هنا أنَّ «كرستيفا» لم يكن لها أن تتجه هذه الوجهة لولا الخطوة التي خطاها»رولان بارت» في كتابه الصادرعام1953 «الدرجة الصفر للكتابة»(Le degré zéro de l’écriture) حيث أعاد التفكير في مفهوم الأدب من خلال طرح إشكالية الكتابة، والاستبدال قائم في رأيه على تاريخ نشأة لفظة «الأدب» الذي يرتبط بأواخر القرن الثامن عشر، بعد أن حلَّ محل مفهوم الفنون الأدبية، والفنون الجميلة(8).
انطلق «بارت» في تحديده للكتابة من خلال النظر إلى الممارسة الأدبية على أنَّها ملتقى الذات والتاريخ» إنَّها العلاقة بين الإبداع والمجتمع»(9)، وبهذا الفهم قامت معالجته للكتابة بوصفها تشكيلا لمظاهر التمزق الإديولوجي.
تدين «كرستيفا» إذن، لبارت باعتماد مصطلح الكتابة لمعالجة خصوصية الممارسة الأدبية، وهي نفسها تعترف له بالفضل حين تعدَّه:»رائد ومؤسس الدراسات الحديثة في الأدب»(10)، ولا ينبغي أن يغيب عنَّا أنَّ طرح «كرستيفا» يتموقع في سياق الفكر الفرنسي، الذي اتخذ الكتابة أساس مساءلة العلامات والأنساق كما تجلَّى ذلك في أعمال «ميشال فوكو»و»جاك ديريدا»و»جيل دولوز» وغيرهم.
ومن هنا كان لفظ الكتابة هو وحده القادر على حمل المفهوم الخاص الذي تسعى «كرستيفا» للقبض عليه. وهي في اعتمادها مصطلح الكتابة تطمح إلى فهم دقيق لطبيعة الأدب من منظور يرى فيه ممارسة دالة، تتمتع بخصوصية مميَّزة لها،تتخذ من اللغة منطق الإشكالية الذي تقوم عليه.ممَّا يعني أنَّ رفض «كرستيفا» لاستخدام لفظة أدب هو رفض لإجرائية المفهوم، المرتبط في رأيها بإديولوجية الاستهلاك في المجتمع.وهي الإديولوجية التي تنظر إلى الأدب بوصفه بنية لسانية في حين أن اعتماد مصطلح الكتابة يسمح من جهة بالنظر إلى الأدب بوصفه سيرورة لإنتاج المعنى، ويساعد من جهة أخرى للخروج من دائرة تصنيفات البلاغة الكلاسيكية.الأمر الذي يجعل مفهوم الكتابة قائما بوصفه ممارسة دالة دون أي تثمين جمالي للأجناس.
وتأسيسا لمفهوم الكتابة، تبنت «كرستيفا» مفهوما آخر، وهــو ما يتمثــل في مفهوم «النَّص»من منطلق أنَّه يشكل الأثر الوحيد للكتابة في مقابل مفهوم «العمل الأدبي»(Œuvre Littéraire) على اعتبار أنَّ لفظة العمل «Œuvre» ارتبطت في بداية استعمالاتها بمعجم تقني، فكانت تشير إلى العمل الفلاحي والعمل العسكري، واستخدمت مع القرن السابع عشر للدلالة على الإنتاجات الفنية والأدبية(11) والكلمة في مجالها الأدبي تحيل إلى الأثر الفردي الذي هو الكاتب وعبقريته الفنية. أي أنَّ كلمة (Œuvre) تحمل تمجيدا لعبقرية الفنان وبالتالي لشخصه على حساب قيمة الفن في حدِّ ذاتها. وهو ما حـدا برولان بـارت إلى التفرقة بين النَّص والعمل، في مقال نشر عام 1971 بعنوان:»من العـمل الأدبي إلى النَّـص» بمجلة:»Revue d’esthétique» طرح فيه مفهوم النَّص من حيث هو بديل عن مفهوم العمل الأدبي.
ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى أنَّ الفرق بين المفهومين ليس فرقا ماديا ولا زمنيا،فالأعمال الكلاسيكية تحوي نصوصا كما أنه ليس بالضرورة أن تكون كل الأعمال المعاصرة نصوصا أي أنَّ النَّص هو الذي يتجاوز جميع الأجناس رافضا الانخراط تـحت لافتات التقسيمات التي يخضـع لها العـمل الأدبـي.هـذا يعني أن لفظـة «النَّص»تسـاعد على انفـلات المـمارسة الدالة من اللغة الشفوية،لغة التواصل،كما يسـمح لـ:»كرستيفا»اعتماد منظور ماركسي يكون النَّص فيه إنتاجيـة (Le texte est donc une productivité)(12).
وهـو المنـظور ذاته الذي دفـع «بيـار ماشـري» (Pierre Macherey) (1938) إلى الحديث عن الإنتاج الأدبي بدل الحديث عن الإبداع على أساس أن القول إن الفنان مبدع هو ارتماء في أحضان الإديولوجية الإنسانية(13)(Idéologie Humaniste)(14) ذلك بأنَّ «الاكتشاف الأساسي للماركسية هو (…)أنَّ الإنسان لا يوجد، بل العلاقات الاجتماعية، وألا وجود لـذات، ولا للفاعل التاريخي، ولكن للبنيات الموضوعية، كما أنَّه لا وجود للتقدم بالمعنى الإنساني، ولكن لتعاقب التشكيلات الاجتماعية (…) و لم يكن بإمكان المادية التاريخية أن تتكون كعلم إلاَّ بشرط التخلي عن جميع الادعاءات من ذلك القبيل، أي عن جميع مزاعم النزعة الإنسانية»(15).
يرفض «ماشري» اعتبار النَّص كلية متجانسة(16)، مهمتها تمثيل الإديولوجية، ذلك بأنَّه يقوم بالكشف عن تناقضاتها وإظهارها من خلال عرض مفارقاتها. ممَّا يجعل منه ممارسة إديولوجية يكون النَّص فيها بنية غير متجانسة(17).
غير أن كرستيفا تركز في فهمها و دراستها للنصوص على فكرة الإنتاجية حيث يكون النَّص عبارة عن جهاز يقوم بمختلف عمليات الإنتاج والتحويل ممَّا يعني أنَّ النَّص ليس منتوجا نهائيا، بل هو في سيرورة إنتاج، تقوم على خلخلة المواقف الجاهزة، وإحداث حركية ترفض كلَّ ثبات، وكل امتلاء موهوم. وبهذا نكون أمام مفهوم جديد لكتابة من سماتها أنها لا تتحدد بجنس معيَّن، ولا تتعين باتخاذها موقعا محددا، بل من حيث هي ممارسة تتميز بالحركية وغياب الموقع.
ويفسر هذا طبيعة الأوصاف التي ترتبط بالنَّص عند «كرستيفا»، وهي تتمثل في: جهاز- عمل- آلة (Appareil-Travail-Machine)(18)، وتحمل هذه الأوصاف في نظرنا ظلا باختينيا، حيث اتخذ «باختين» من قبل كلمة «جهاز» لتحديد الدلالة.ويظهر هذا في قوله: «الدلالة جهاز تقني لتحقق التيمة»(19) (Le thème)(20). ممّا يدعم رأينا في عدم حصر تأثير «باختين» في «كرستيفا» في دائرة مفهوم التناصية،حيث يتضِّح لنا أنَّ «باختين» كان بمثابة القاعدة الأساسية التي أسست عليها «كرستيفا» بناءها الفكري .
وقد ساعد هذا التصور «كرستيفا» على إخراج النَّص من دائرة الجمالية الأرسطية التي حكمت تاريخ الفن عند الغرب لزمن طويل من خلال الإطاحة بمفهوم المحاكاة والتمثيل، واعتبار النَّص موضوعا للمعرفة (Objet de Connaissance)(21)، بمعنى أنه لا يتعارض مع المعرفة العلميَّة، ويمثل تعددية الأنساق دون أن يخضع لمركز بذاته في تشكيل المعنى، فهو سيرورة المعنى(22). والسيرورة هنا حاضرة بمعناها الماركسي أي بمعنى التطورات الداخلية التي تحدث في ظاهرة ما من خلال تتابع متناقض للحظات الزمنية(23).
ويبدو لنا أن فكرة السيرورة تشغل مكان الصدارة فـي سيميائية «كرستيــــفا» لأنَّها الفكرة التي تستلزم الانتقال من الانغلاق إلى الانفتاح.وحسبنا أن ننظر إلى مفاهيم أخرى مثل مفهوم البنينة (Structuration)(24)، ومفهوم الإنتاجية لكي نتحقق من أنَّ «كرستيفا» تؤسس لمفهومها للكتابة وللنَّص من خلال فكرة السيرورة. والواقع أنَّ هذه السيرورة إنَّما تترجم عن نفسها في رأينا من خلال مفهوم الإنتاجية، الذي نستطيع عن طريقه تصور النَّص باعتباره تعـالقا بين الداخـل والخارج، فـهي إذن،هذا الترابط نفسـه بين الداخل والخارج، وهي التي تجيء فتخلع طابعا حركيا على النَّص في انتقاله بينهما.
ولم تلجأ «كرستيفا» إلى مفهوم الإنتاجية إلاَّ لأنَّها أدركت أنَّ هذا المفهوم هو الذي يسمح بتجاوز ثبات نسق النَّص وانغلاقه. خاصة وأن فكرة الانغلاق ضللت «كثيرا من البنويين، وألقت بالبنوية الصورية إلى الانسداد، فإذا سلمنا بأنَّ النسق معطى أولي مرتبط بلاوعـي العقل البشري وكونيته، فلا يحتم علــينا ذلك إغفال حركيته وتحولاته وانتظامه الداخلي، فهو لا يفقد أساسه الجوهري، ولكنه يمتلك مرونة التحولات، ويستجيب لمقتضيات التغيرات، فيتكيف معها دون أن يتلاشى جوهره»(25). لقد تعرضت «كرستيفا» في أوَّل طرح لها لمفهوم الإنتاجية عام 1967 لنصوص الكاتب الفرنسي «ريمون روسـل»(Raymond Roussel) (1877-1933)، والنصـوص المشار إليها هنا هي :
* انطباعات عن إفريقيا 1910 (les impressions d’Afrique).
* انطباعات جديدة عن إفريقيا 1932 (Les Nouvelles Impressions d’Afrique).
* كيف كتبت بعض كتبي 1935 (Comment j’ai écrit certaines de mes livres).
واعتماد «كرستيفا» هذه النصوص في سياق عرضها لمفهوم الإنتاجية مرَّده إلى التحويلات التي كان يجريها «روسل» على نصوص الآخرين لإبداع نصوصه كمحاكاته لـ«Jules Verne» الذي كان معجبا به من خلال الاعتماد على بعض الحيل البلاغية وعلى الجوانب الصوتية للكلمات بطريقة يتوقف معها النَّص في أن يكون مجرد انعكاس لواقع الأشياء ليصبح سيرورة للانفجار وللتشتت، ذلك بأنََّّه لا وجود لشيء يسبق الكلام بالنسبة لروسل أي أنَّه لا وجود إلاَّ للعدم الذي هو غياب المعنى(26)، وهو الفهم الذي عبَّرت عنه «كرستيفا» بقولها:» هذه الممارسة النصية لا تمت بصلة إلى أية طاقة غائية أو ميتافيزيقية، إنها لا تنتج غير موتها الخاص، وكل تأويل يهدف إلى إقرارها في أثر منتوج (احتمالي) يكون خارجا عن فضائها المنتج»(27).
تقدم كتابة «روسل» نفسها بوصفها دعوة إلى إعادة التفكير في العلاقة الموجودة بين الكلمات والأشياء. ومن هنا نفهم الاحتفاء الذي حظيت به هذه الكتابة عند كتاب الرواية الجديدة، وعنـد السرياليين.وقد مثلت كتابة «روسل» لميشال فوكو «تجربة اللغة» (Expérience du Langage)(28) ارتكازا على ملاحظة طبيعة تعامل «روسل» الخاصة مع اللغة.
وإثارة مفهوم الإنتاجية مرتبطة عند «كرستيفا»بنقد التمركز الغربي حول اللوغوس، الذي وجَّه فهم الحضارة الغربية للأدب منذ «أفلاطون»، حيث تم النظر إليه بوصفه منتوجا، وليس انتاجية.وهو التصور الذي ولَّد في رأي «كرستيفا» المحتمل (Le Vraisemblable)، الذي يمثل بالنسبة لها مجموعة القواعد التي تحدد عمل الكاتب، والتي تنحصر في عنصرين:
1. المحتمل الدلالي ( Le Vraisemblable sémantique).
2. المحتمل التركيبي ( Le vraisemblable Syntaxique).
ويتأسس من هذين العنصرين الأدب المحتمل (le Littérature Vraisemblable ) الذي يكون للكاتب بمثابة المبدأ قبل أن يكون له طريقة خاصة في الكتابة،كما يكون محكوما بيقينه لا بفكره.ويغدو النَّص قارا في حيز الاستهلاك حيث يبلور تطابقا كاملا بينه وبين القانون والعرف أي بينه وبين ما هو مقبول اجتماعيا.أمَّا من ناحية المحتمل التركيبي فالنَّص يحقق التوافق مع قواعد بنية الخطاب المتعارف عليها، التي تحددها في الدرجة الأولى القواعد البلاغية.
وهكذا ندرك أنَّ «كرستيفا» بطرحها لمفهوم الإنتاجية تنتقد التصور الغربي للنَّص من جهة، وتؤسس به من جهة ثانية لمفهومها الخاص للنَّص بوصفه عملية عبر لسانية.
وعـليــه تـقـوم الإنتـاجية «بهـدم الهـوية والتشــابـه والإســقاط التــطـابــقـي (La Projection Identificatoire)،إنها لا هوية وتناقض فاعل»(29)، مما يجعل منها منطق الجدلية التي يتشكل عليها النَّص، والتي تقوم على الهدم والبناء. وهذا الفهم مشروط عند «كرستيفا» باعتبار أنَّ النَّص شبكة (Un réseau)(30) ممَّا يخــرجه من خطيَّته الزمنية، ويجعل منه لحظة تحوي الأزمنة كلِّها، وتقضي على كلِّ المتعاليات من خلال تفجير كل البنيات الممكنة أي بنية الجملة، وبنية النَّص الأدبي،وبنية الذات أي أنَّ النظر إلى النَّص يقتضي النظر إليه بوصفه بنينة وليس بوصفه بنية، الأمر الذي يموقع النَّص فيما تسميه»كرستيفا» بــ:»اللانهائية الممكنة» (Infinité Potentielle)(31)، ذلك بأنَّ الكتابة فعل ممارسة تتم في مدار الرَّفض والتحويل.
تمتزج الكتابة بالقراءة، وتصبح الكتابة بالتالي عبارة عن قـراءة وقد تحولت إلى إنتاج وصناعة.وترتكز «كرستيفا»في هذا التصور على مدلولات فعل «قرأ» التي كان يحملها في القديم، وهي:»الجمع- القطف- التعرف على الآثار-الأخذ-السرقة»(32) ، وكلها معاني تشير إلى وجود مشاركة عدائية وامتلاك للآخر، ومن هنا تكــون الكتــابة قراءة للمــدونة الأدبية السابقة والمعاصرة ممَّا يجعل من النَّص حوارا(33) .
وتنسجم هذه الازدواجية في وسم النَّص مع فكرة إلغاء الـذات التي قامت عليها المدرسة البنـوية الفرنسية من خلال إعلان «بارت» عام 1968 عن «موت المؤلف» (La mort de l’auteur) حيث تعتبر الكتابة إنجازا لا علاقة له بالمؤلف، ممّا يجعل منها فضاء متعدد الأبعاد ومنفلتا من ابستمولوجيا التمثيل والتسجيل(34) .
وهي فكرة تجد مرتكزها في فلسفة «نيتشه»، وإعلانه عن موت الإله»، وهو ما يمكن اعتباره إعلانا عن تصدع جميع الضمانات لإمكانية تعقل العالم ولمعقوليته، وعن تشظي جميع الحقائق، وتداعي جميع الهويات، بما فيها بالطبع،هوية الإنسان، التي أضحت مجرد تعدد وتشتت، و اختلافات تختفي وراء وحدة وهمية»(35). ممَّا يعني فقدان الحقيقة لكل معنى حامل لإمكانية تشييد وجودها.و قد تبنى هذا التصور أيضا «ميشيل فوكو» (1926-1984) حين أعلن عن موت الإنسان، وليس المقصود بالموت هنا الموت الحقيقي، وإنما هو موت «الإنسان كواقع وحقيقة لها قوام وخصوصية متميزة، كذات مؤسسة للمعرفة، واعية وفاعلة في التاريخ، مهيمنة ومسؤولة»(36) .
لقد انطلق «فوكو» في توضيح موقفه من فكرة إن الإنسان حديث العهد(37)،ذلك بأنَّه كان غائبا في فكر وثقافة العصر الكلاسيكي، وتفسير هذا الغياب مرده إلى ابستميَّة العصر القائمة على الربط بين التمثيل والوجود، حيث تكون، العين للرؤية وللرؤية فقط، والأذن للسماع فقط، وستكون مهمة الخطاب، أن يقول ما هو قائم، إلاَّ أنَّه لن يكون شيئا آخر سوى ما يقوله»(38) . ولم يهتم هذا الخطاب بالتساؤل عن وجود الإنسان، وهو التساؤل الذي عبَّدت الطريق إليه نشأة العلوم الجديدة والفلسفة النقدية عند «كانط»، ممَّا أدَّى إلى «انسحاب المعرفة والتفكير خارج فضاء التمثيل»(39). وميلاد الإنسان كذات عارفة وكموضوع للمعرفة، وسرعان ما عرفت تلك المعارف التصدع والتفكك في عناصرها، وتمَّ الاستغناء عن الإنسان في المعرفة والتفكير وتجلى الاهتمام الأكبر في مجال اللغة واللاشعور(40) .
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ فكرة «موت المؤلف»هي التي كانت-في رأينا-وراء اصطناع «كرستيفا»، «لمفهوم الناسخ» «Le Scripteur»، بدلا من لفظة الكاتب، ذلك بأنَّ لفظة «الناسخ» لا تشير إلى شيء غير اللغة ذاتها بمعنى أنَّها لا تشير إلى وجود ذات تتحكم في معنى النَّص، وتملك سره.
وهو تصور نتلمسه أيضا عند»فلوبير»، حين يقول:»على الأديب أن يشابه الله في خلقه، أن يكون في عمله خفيا وقادرا على أن نشعر به في كل مكان دون أن نلمــحه»(41). ولذا عدَّه «جون هالبرين» أوَّل من أعلن مبدأ «الكاتب المتخفي»(42). وهو تصور تواصل وجوده عند الكثير من المبدعين أمثال مالارمي وبول فاليري ونطالي ساروت، وغيرهم حيث «لا ينبغي تصوُّر الذات في العبارة كما لو كانت تماثل من الناحية الجوهرية أو الوظيفية مؤلف الصيغة فهي ليست في الواقع سببا أو أصلا أو نقطة انطلاق الظاهرة، ظاهرة كتابة الجملة»(43).
وهكذا تتجاوز «كرستيفا» بهذا، منطق الهوية والمماثلة وتتحرر من فكرة الثبات، بقدر ما تنفتح على كثافة اللغة وشبكة التمدلل. ومن هنا،فإنَّ مفهوم «كرستيفا» للنَّص، هو نقد للتصور الكلاسيكي الذي يرى في النَّص مجرَّد محاكاة، وهو نقد للتصور البنوي القائم على المحايثة.الأمر الّذي يشكل في الوقت ذاته تمرسا بمنطق جديد ومختلف، يغدو النَّص في أفقه ممارسة دالة، تتِّم فيها عملية الاختراق عــلى مستــوى العــلامة والذات والمجتمع، وبهذا المعنى لا يتحقق النَّص على سبيل المطابقة بين الذات والنَّص، أو بين النَّص وخارجه، وإنَّما يتعــلق الأمر بإنتاجية يغتني بها النَّص بقدر ما تتغير العلاقة بين الداخل والخارج، وذلك عبر عمليات مختلفة من الامتصاص والتحويل التي يقوم بها.
يقوم ارتكاز «كرستيفا» في هذا التصور على النحو التوليدي والتحويلي، لدى «نعوم تشوسكي» (1928) (N.Chomsky). وهو الاتجاه اللساني الذي أسس له في كتابه الذي صدر عام 1957 بعنوان «البنى التركيبية»(Structures Syntaxique) ثم أتبعه بكتـاب آخر بعنـوان «مظاهـر النـظرية التركيبية»(Aspects de la Théorie Syntaxique) عام 1965، حيث أقام نظريته اللسانية بغية فهم الحدث اللغوي وتعليله، وعدم الاكتفاء بالوصف الشكلي كما تجلى ذلك مع الاتجاهات التجريبية.ينظر إلى اللغة بوصفها معطيات متناهية، يستخدمها المتكلم داخل المجموعة اللغوية الواحدة بصور غير متناهية(44)، وهو الفعل التوليدي الذي عن طريقه يتم إنتاج اللغة. ومن هنا ضرورة فهم وتعليل العمليات الذهنية على مستوى عقل ودماغ الإنسان من منطلق كون العقل مصدر المعرفة45.
يـمـيــز «تـشــومـسـكـي» بـيــن الكفــاءة اللغــويـة والأداء الكـلامـي (Compétence Linguistique / Performance)، تمثل الكفاءة المعرفة الباطنية للغة التي يمتلكها الإنسان أي النسق القواعدي، والذي يتحقق مــن خــلاله الشكل الصــوتي للجــملة ومحتواها الــدلالي، ويشكل «الأداء» الاستعمال الفعلي للغة. ولمعرفة كيفية إنتاج الخطاب وفهمه، لا بد مــن استحضار معرفة خارج لسانية (Extralinguistique)(45)، و ينقسم نسق اللغة حسب نظره إلى ثلاث مكونات(47): المكون التركيبي-المكون الدلالي-المكون الفونـولوجي. يمــــثل المكون التركيبي (Composant syntaxique) العملية الفكرية في إنتاج الجملة من جهة، ومن جهة أخرى التحـقق الفيزيائي للجملة وهــو ما يطــلق عليه «تشومسـكي» البنيــة العميقــة والبنية السطـحية (Structure Profonde / Structure de Surface) حيث تشكل البنية العميقة الشكل المـجرد للجـملة، والـذي يمثل التفسير الدلالي، وتشكل البنية السطحية، الجملـة في تحـققها الفعـلي، وهو مـا يـمثل التفسير الصوتي(48) ، فالبـنية العميقة هي التي تتحول إلى بنية سطـحية عن طريق القواعد التحـويلـية، وهـي القواعـد الـتي تختــــلف من لغــــة إلى أخــرى(49)، ويـساعـد المكون الفــونولــوجـي (Composant Phonologique) على تحديد الشكل الصوتي للجملة المولدة في المـكون التركيبي، عـلى أساس القـواعد التـحويلية الخاصـة بكل لغـة.أمَّا المكـوِّن الدلالــي (Composant Sémantique).فيضـفي تفسيرا دلالـيا عـلى البنية العمـيقة للجملة، ومـن هنـا تربـط اللغـة بين المكوِّن الفـونولوجي، والمكــون الدلالي عـن طريـق قـواعد المـكون التركـيبي، ذلك بأنَّ طبيــعة هذا المــكوِّن تسـاعـد على فعــل الربـط من خـلال احتوائه علـى مكـون الأساس (Composant de Base)، والمكـون التحويلي (Composant Transformationnel) في الوقت ذاته. ووفق هذه الرؤية تكون البنية العامة لقواعد اللغة على الشكل التالي:(50)
وهكذا يكون النحو التوليدي عبارة عن توليد كلَّ الجمل في لغة معينة،ممَّا يعني أنَّ التحويل يسمح بالانتقال من البنية العميقة الموَّلدة عن طريق مكوِّن الأساس إلى بنية سطحية، تتلقى تأويلا صوتيا للوصول إلى التحقق الفعلي للجملة، أي أنَّ البنية العميقة تخضع إلى عدة تحويلات من حذف وزيادة، وتقديم وتأخير حتى تصل إلى الشكل الصوتي الذي تأخذه البنية السطحية في نهاية التحويل.
هكذا استطاع «تشومسكي» أن يغير التفكير اللساني، وأن يجعل مقاربة اللغة مقاربة تركيبية تصبح اللغة معها سيرورة تركيبية.
وهـو المنـظور الذي وجهَّ «كرستيفا» إلى نقل مكتسـبات النحو التوليدي والتحويلي إلى مـجال دراسة النَّص وخاصة النَّص السردي كما تجلَّى ذلك في دراستها لرواية «جيهان دوسانتري» (Jehan de Saintré) لصاحبها «أنطوان دولاسال» (Antoine de la Salle)(51)، و ذلك في دراستها الموسومة بــ»نَّص الرواية» الصادرة عام 1970،و هو توجه يسيره سعيها إلى إقامة مشروع لسيميائية مؤسسة على منطق جدلي، وبالتالي أصبح «التحويل» منهجا لقراءة النَّص حيث تتِّم قراءة كل مقطع في النَّص السردي في صلته بكلية النّص، وهذا يعني أنَّ «كرستيفا» قامت بنقل المفهوم من مجاله اللساني الضيِّق،أي مجال الجملة إلى مجال أوسع وهو مجال النَّص، الأمر الذي دفعها إلى عدم الاكتفاء بأطروحات»تشومسكي» والاستعانة بأطروحات أستاذه زيليغ هاريس (1909-1992) (Zelling S.Harris) ذلك بأن «هاريس»كان يأخذ مفهوم التحويل من جهة العلاقات التي تربط بين الجمل وليس من جهة كيفية بنائها. وعليه كانت العلاقات بين الجمل مؤسسة عنده على التحويل من خلال مجموعة من العمليات المطبقة على الجملة النواة، مثل تحويل الجمل المركبة إلى جمل بسيطة أو تحويل الجملة الفعلية إلى جملة اسمية.ويرتبط كلَّ هذا عنده بمفهومه لوحدات الجملة القائمة على المتواليات حيث يكون كلُّ «مورفيم»متوالية من»الفونيمات» وكل كلمة متوالية من المورفيمات، وكل جملة متوالية من الكلمات، وكل خطاب متوالية من الجمل.وقد ساعدته هذه الرؤية على توسيع الدراسة اللسانية خارج حدود الجملة،وخارج مجال اللسانيات (Extralinguistique)(52) من خــلال الربط بين اللغة والثقافة والمجتمع(53).
هكذا، يتبين لنا أنَّ المنظور الذي حكم أطروحات اللسانيات التوليدية والتحويلية هو اعتبار اللغة نسقا حركيا من العلاقات، ولذلك فإنَّ قراءة «كرستيفا» لأصول هذه اللسانيات، تكشف عن إرادة لتأسيس الاشتغال النَّصي على فعالية التحويل، وإن كانت هذه الإرادة، في جانب منها، استمرارا لنزعة تجاوز أطروحات «دوسوسير» وإعادة النَّظر في مفهوم العلامة ذاته، فإنها تتميَّز بخصوصيتها في المسارات التي فتحتها في فهم التحويل.
وقد كشفت هذه الخصوصية عن استحالة تمثل الممارسة النَّصية، كما هي في واحديتها وانغلاقها، وفتح آفاق الدراسة على تعددية هذه الممارسة واختلافها. وهي الرؤية التي جعلت «كرستيفا» تزاوج بين اللسانيات الأمريكية واللسانيات الروسية، متمثلة في أفكار اللساني الروسي «سومجان» (Saumjan)(54).
عرض «سومجان» انتقاده لتشومسكي من خلال إدخال مفهومين جديدين في النحو التوليدي، وهما : (النمط الظاهري-Génotype النمط التكويني Phénotype)، وذلك في دراسته التي صدرت عام 1963 بعنوان:
«Le Modèle Génératif applicatif et les calcules des transformation dans la langue Russe» وأيضا في دراسة أخرى صدرت له عام 1968 بعنوان:
«Fondement de la grammaire générale de la langue Russe»، حيث يمثل: Génotype الشكل المجرد للتركيب، بعيدا عن الوسائل اللسانية المــساعدة على تحــققه في حـين يشكـل Phénotype: الشكل الخارجي الذي يتحقق به(55). من منطلق يرى أنَّ العلاقات التركيبيــة الداخلية المســتقلة عن المبدأ الخطي الخارجي. وهي تفرقة استعارها «سومجان» من مجــال البيولوجيا، إذ يمثل (Génotype) مجموعة العوامل الوراثية المكونة للشخص، ويمثل (Phénotype) الطبع الوراثي.وهي الاستعارة التي ستأخذها عنه «كرستيفا» لتؤسس بها لمفهومها للنَّص.
ولا بد أن نشير إلى أنَّه بفضل تلك المزاوجة، يتجاوز مفهوم «التحويل» عند «كرستيفا» كونه إجراء قائما في اللغة ليشكل الخبرة الثاوية في البنية، ممَّا يدفع إلى التعامل مع النَّص بوصفه جهازا مركبا من العلاقات المتشابكة. وبهذه الرؤية تمارس «كرستيفا» التحويل على مفهوم التحويل ذاته، فهو عندها حدّ للنَّص ولقراءته بقدر ما هو تأسيس للمفهوم، أي أنها تتعامل مع مفهوم «التحويل» بفهم جديد، تتغير معه العلاقة بالمفهوم ذاته عبر تغير مفهوم التحويل نفسه.
تؤسس «كرستيفا» إذن لمفهومها للنَّص من خلال التفرقة التي تقيمها بين ما تسميه «النَّص التَّام (Phénotexte)» وما تسميه «النَّص المولد (Géno-Texte)»(56) تحت تأثير»سومجان» كما أوضحنا سالفا، وهي تفرقة تتعرض لها في مختلف نصوصها.
يمكننا توضيح السمات المحدَّدة لكل مفهوم من خلال ما تمَّ عرضه في نصوص «كرستيفا» في الجدول التالي:
يتمثل الإبدال المعرفي الذي تطرحه هذه التفرقة أساسا في أنَّ النَّص ليس هو الظاهرة اللســانية، أي أنَّه ليس هو الدلالة المحددة، المعطاة في متن لساني و المتجلية في بنية سطحية، وإنما هو توليد (Engendrement)، تقوم الظاهرة اللسانية بتسجيله، وبالتالي لا يطال «النّص التَّام « حقيقة النَّص، إلاَّ من حيث إنه يحمل سيرورة البنية، ومن ثمة يكون الوقوف عند النَّص المولد وقوفا عند فعل التمدلل، ولأجل ذلك تتحول دراسة النَّص إلى دراسة فعل التمدلل ذاته «لأنه داخل اللغة يتحقق كلُّ اشتغال دال»(57).
وهو ما توضحه «كرستيفا» في الخطاطة التالية:(58)
النَّص المولد إذن هو صيغة تمدلل اللغة الطبيعية، بوصفه تغييرا، وإعادة بناء في نسيج اللغة وفي القيم الإنسانية الكامنة في الجانب الإديولوجي والأسطوري، ممَّا يعني أنَّ النَّص التَّام يكون عبارة عن صيغة حاملة لازدواجية التغيير عن طريق تحقق وجود الغياب وانفتاحه الدلالي في سيرورة دلالية تشهد على حركية النَّص.
ويتطـلب الوقـوف عـلى النَّـص المـوَّلد عند «كرسـتيفا»: «إبراز نواقل الطاقة الغريزية» (Les Transports d’énergie Pulsionnelle)(59) ، وهي الطاقة التي يمكن الكشف عنـها على مستــوى الجــانب المنطقــي والتركيـبي في النَّص، والذي يتمثل في طريقــة الحكي وفي التخيل كـما يمكن الكشف عنها في مستوى الجـانب الفينولوجي، متمثلا في القافــية، وتكرار الفونيمات و الإيقاع والنبر، دون أن تشكل الذات في كلِّ ذلك وحدة مميـزة بعينها أي أنَّ الذات تعمل من أجل تحقيق تلاشـــيها،ممَّا يحرر النَّص المولد من طابعه اللساني على الرَّغم من أنَّه قائم على اللغة.وبهذا يكون إدراك الجهاز السيمـيائي للنص(dispositif sémiotique du texte)مرتبطا بالكشف على التغييرات التي تتمظهر في النّص التّام، مما يعني أن تحليل النّص يتطلب معرفة أغوار النص المولّد :
وهو التصور الذي دفع برولان بارت -حسب رأينا- إلى القول بأنَّ السيماناليز استطاعت تجاوز السيميائية بفضل مفهوم النَّص الموَّلد، ذلك أنَّ مناهج التحليل قبل السيماناليز كانت في رأيه تهتم بالنَّص التَّام من خلال دراسة الملفوظات على حساب عملية التلفظ في حدِّ ذاتها(60). فالنَّص المولد هو كشف لكل ما يخترق الذات عند اشتغالها على النَّص حيث لا يتحدَّد فعل التوليد ببنـية الجملة القائـمة على العلاقـة بين المسند والمسند إليـه، وإنما يرتبط بالدال في مختلف مراحل سيرورة اشتغاله، فيمكن أن يتمثل في كلمة، أو متوالية من الكلمات، كما يمكنه أن يتحقق في جملة أو فقرة كاملة(61).
ومفهوم النَّص الموَّلد هو الذي مكن «كرستيفا»-في رأينا- من الانفراد بتحديد النَّص على أنَّه»جهاز عبر لساني (Appareil Translinguistique)»(62). أي أنَّ طبيعته اللسانية، لا تمنع من اشتغاله، وانفلاته من المقولات اللسانية، حيث تقوم علاقته باللغة على الهدم والبناء أي على التحويل: ذلك أنَّ البادئة (Trans) التي اصطنعتها «كرستيفا» في تعريفها للنَّص هي ذات أصل لاتيني، تحمل دلالة العبور والنقل والتحويل(63) في الوقت ذاته، بمعنى أنَّ النقل أو العبور هنا، لا يتم دون حدوث التغيير والتحويل، وبهذا يكون» لهذا الجهاز من القدرة والتحكم والدقة ما يجعله قادرا على تنظيم العلاقة اللغــوية الداخــلية، وجعل الملفوظات تتعايش وتتآخى، متبادلة البنى سواء منها ما سبق وما تزامن»(64).
ندرك ممَّا سبـق أن «كرستيفا» تسعى من خلال مفهوم «النَّص المولد» إلى التركيز على الخصوصية النَّصية، وربطها باللاوعي. وهو المنظور الذي يشارك فيه»ريكاردو» (Jean Ricardeau) «كرستيفا» من خلال ما يسميه بـ:»الرصيد اللاواعي للنغم»(65) (L’actif Inconscient des consonances) حيث لا يتطلب الوقوف عند الإنتاجية النَّصية التحقيق السير الذاتي كما كان الشأن في النقد النفسي.
وبمنظور مخالف لما قدَّمته «كرستيفا» سعى «إدموندكروس»(Edmond Crees)(66) إلى تقديم تصور خـاص للنَّص التَّام والنَّص المـولد من منطـق يعتبر النَّص المولد فضاء افتراضيا، تبرمج فيه البنيات الأصلية سيرورة الإنتاجية السيميائية، معتـمدا في تصوره هذا على الجغرافيا الإنسانية الـتي تـقابل (Le génotype) بأنواع متعددة من (Phénotype)، مثل إنسان البحر الأبيض المتوسط الذي يقابل الإنسان (الأندلسي، الكتلاني، المغربي، الإيطالي،…) وعليه يكون عمل الكتابة هو تفكيك لانهائي لهذا المركَّب تحت شكل النصوص التامة (Phénotextes) الساعية إلى التحقق على كلِّ مستويات النَّص، بمراعاة خصوصية كلِّ واحد منها(67). ممَّا يعني أنَّ للنَّص المولد عند»إدموندكروس» هو حالة التلفظ الخاصة بالنَّص أي أنَّه ليس بنية وإنما هو مدعو لأن يتبنين في مختلف تحققات النصوص التَّامة للنَّص ذاته، الذي ينفتح وفق تصوره على مستويات مختلفة (السردية، الشخصيات، سنن الترميز،..الخ).
ويتجلى لنا في مجال الترجمة بوضوح كيف أنه يمكن للنَّص المولد الواحد أن يسهم في وجود عدة نصوص تّامة بعكس ما تذهب إليه «كرستيفا». وذلك خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الترجمة التي تنطلق من اللغة الثانية بوصفها لغة المصدر. ويمكننا أن نمثل لذلك بالخطاطة التالية :
تتأسس التفرقة بين»النَّص التَّام» و»النَّص المولد»عند «كرستيفا» على تفرقة أخرى، تقيمها بين ما تسميه «الرمزي» (Le symbolique) و«السيميائي» (Le sémiotique).
يرتبط عصر الرمز عند «كرستيفا» بالفكر الأسطوري، حيث تحيل الرموز إلى متعاليات غير قابلة للتمثيل، ومن هنا منشأ انعدام علاقة المشابهة بين الرمز وموضوعه الذي يرمز إليه. ويؤدي هذا الانفصال إلى انعدام قابلية الاتصال بين فضاء الرمز وفضاء المرموز (Symbolique-Symbolisant)، وبالتالي فإن اشتغال الرمز يتم وفق خطين مختلفين، ويمكننا توضيح ذلك كالآتي:
ويـعني هـذا أنَّ وظـيفة الرمــز فـي بعــده العمــودي هــي وظيــفة حصــر (Une fonction de restriction) كما تجلَّى ذلك في الملاحم، والحكايات الشعبية، وأناشـيد الحركة (Les Chansons de geste)، أمَّا وظيـفته فـي بـعده الأفقي، فتتــمثل في الانفـلات من المفـارقة (Une fonction d’échappement au paradoxe)(68)، وبهذا يكون المنطق الذي يقوم عليه الرمز هو منطق مضاد للمفارقة، وهو المنطق الذي ساد الفكر الأوروبي إلى غاية القرن الثالث عشر، حيث تمَّ الانتقال إلى العلامة، ومنه يكون عصر الرمز حسب «كرستيفا» سابقا على عصر العلامة، وهو العصر الذي شهد التشكيك في الوحدة المتعالية التي يقوم عليها الرمز من خلال تركيز النصوص على المعنى السلبي مثل: الموت، المعانات، الألم،…الخ.
وقــــد ترجــم إدخال هذه السلبــية والغيــرية إلى الوحــدة الــدالة ظهــور للعجائبي وللأشكال المهجنة.أمَّا عصر السيميائي فهو عصر الانتقال من الرمز إلى العلامة، ذلك بأنَّ الــعلامة لا تحيل إلى الحقيقة الواحدة المفردة، وإنَّما هــي تستــدعي مجموعــة من العناصــر والأفكار، من خلال مبدأ التحوّل الذي تقيم عليه العلامة علاقات لا متناهية مع غيرها من العلامات.هذا التحول وجدته «كرستيفا» في نَّص «أنطوان دولاسال»،»لجون دي سانتري».
ويتبين من كلِّ هذا، أنَّ تصور «كرستيفا» للرمزي والسيميائي قائم على أولوية الرمزي وأسبقيته التاريخية، وهي الرؤيـة التي تـجلت في كتابها «سيميوتيك»و»نَّص الرواية» غير أنَّها سرعان ما قدَّمت تصورا مخالفا لهذه الرؤية في دارســاتها اللاحــقة، أي تعتـبر السيمــيائي سابقا للرمــزي بل وسابقا لموقـع الذات (Position du Sujet)، والدلالة أيضا(69)، وسبـب هذا التحوُّل يعود إلى ارتكازهـا في فهـم الممارسـة الدالـة عـلى مكتــسبات التحــليل النفسي.
وعليه يصبـح الرمزي هو ما يمثل: القانون، القاعدة، التقرير الاجتماعي، والسيميائي هو: الإيحاء، الإيقاع، البيولوجي، الغريزي. ولذلك نجدها تعرفه بأنه تمفصل غير تعبيري بمعنى أنَّه لا يتموقع فيما تظهره العلامة، وإنما في العلامة العابرة لذاتها وللدلالة التقريرية «فكل كلمة تحمل بخلاف محتوى المضمون الظاهر عواطف وغرائز تتمثل من خلال الصوت والنبرة والصور البلاغية أو العناصر الأسلوبية المستخدمة»(70).
وليس يخفى أنَّ هذه التفرقة بين السيميائي والرمزي لدى»كرستيفا» تحمل في طياتها آثار ما استقر عنــد»جاك لكان»حول بناء الذات، الذي يقوم في تصوره عـلى ثلاثة سجلات أساسية: الخيالي- الرمزي- الواقــعي.ولا ينبــغي أن يغيـب عنَّا أنَّ «كـرستــيفا» كــانت تواظب علـى حضـور «دروس» لكان(Les séminaires) وكان ذلك يحدث فيها اضطرابا وكأنها في حصَّة تحلينفسية حقيقية(71)، كما كانت من بين الذين وقفوا إلى جانبه عام 1969 عندما صدر قرار بتوقيف دروسه(72).
الرمزي (Le symbolique): يقدمه لكان في صيغة الاسم المذكر، وهو مستقل عن الذات، أي أنَّ وجوده مشروط بالتذاوت (inter-subjective) على خلاف» فرويد» الذي حصر الرمز في كتابه «تأويل الأحلام» (Les interprétations des rêves)، في الوظيفة المعجمية التي تماثل الرموز بدلالات قارة.ويشكل الخيالي (l’imaginaire) المرحلة السابقة على المرحلة الأوديبية، التي لا تعـرف تمـييزا بين الذات والموضوع، وهو أصـل كلَّ الأوهـام (الكلية، إسقاط نوع مـن الوحدة على الذات). أمَّا الواقعـي (Le réel) فإن له عند «لكان» معنى خاصا يخرجه عن المعنى المعروف حيث يشير إلى مجال ما هو خارج «الرمزي»، ولا يعرف التفرقة بين الداخل والخارج(73)، ومع ذلك يبقى «الرمزي» هو أهم الأقسام الثلاثة لأنَّه هو الذي يؤسس الذات.ومن هنا، يمكن القول إنَّ التفرقة بين السيميائي والرمزي عند «كرستيفا» شبيهة بالتفرقة بين الخيالي والرمزي عند «لكان» أو إن شئنا متطابقة كما ذهب إلى ذلك «رامان سلدن»(74).
وينبغي أن نسجِّل هنا، ملاحظة «سلقرمان» فيما يخص التطابق الذي لمسه بين مفهوم «كرستيفا» للسيميائي والرمزي، ومفهوم «ميرلوبونتي» (Merleau Ponty) (1908-1961) للغة المحضة على الرغم من أنَّ «كرستيفا» لا تحيل عليه في نصوصها.
تتأسس رؤية التطابق على مفهوم «ميرولوبونتي» للغة المحضة حيث يرى «أنَّ هناك نمطين فعالين في اللغة، النمط الأوَّل منهما (Le langage parlé) «يترسب» و«ينطق» حالما يتأسس شيء أشبه بعلاقة محفزة سلفا بين «الدال و المدلول (…) وكما لو كان هذا النمط من اللغة تحويلا وتحديدا يفرضان على اللغة من طرف اللغة نفسها، أمَّا النمط الآخر الذي هو اللغة الناطقة (Le langage parlant) فيكون نفسه في ممارسته»(75)، ممَّا يعني أنَّ اللغة المحضة هي التي تتشكَّل في زمن المستقبل، زمن ما هو غير مثبت، ويبدو ضروريا هنا، أن نشير من جانبنا إلى أنَّ هذا التمييز الذي أقامته «كرستيفا» بين السيميائي والرمزي قد سبق إليه «غريماس» في كتابه «الدلاليات البنوية» إذ تبين له أنَّ الفضــاء الدال (Univers signifiant) يتشــكل من مستويين: المستوى السيميولوجي(Le Niveau Sémiologique) والمـستوى الرمــزي(Le Niveau Symbolique)، حــيث يتـم تمفـصل الدلالـة مـن خلاهما(76)، يـرتبط الـسيـميولوجي بمفـهوم (Classème) الكلاسـيم الـذي يمـثل السيـمات السياقيـة التـي تتحقــق بالخـطاب(Les Sèmes Contextuels)(77). في حــين ميز «بنفنــيست» بين السيمــيائي والدلالــي (Le sémiotique / Le Sémantique) لتوضيح كيفية اشتغال التمدلل، فبين أن «الدلالي» هو المتعلق بالملفوظ، وأنَّ السيميائي يرتبط بعالم الخطاب(78).
ومن تَّم يتضح أن تصور التمدلل بالنسبة لثلاثتهم هو تصور ثنائي، يرى أنَّ فعل التمدلل يتحقق من خلال مستويين. وعلى الرغم من ذلك فإنَّ «سيميولوجي» غريماس لا علاقة له بسيميائي «كرستيفا» لأنَّ فضاء الدلالة عند «غريماس»هو فضاء محايث (Univers immanent)، على العكس من رؤيـة «كرستيفا» القائمة على فكرة التفاعــل والتداخل كما لا يشبه «دلالي» بنفنيست،»سيميائي» «كرستيفا»، لأن السيميائي عنـد «كرستيفا» يشتغل من خلال فعل مواجهة المعنى ومواجهة البنية. واكتشافه يتوقف عـلى الآثار الـتي يتركها النَّـص المولد في النّـص التَّام، ولذلك «تشـتمل سيرورة التمدلل عـلى النَّص المولـد كما النَّص التَّام، ولن يكـون بمـقدورها غـير ذلك»(79)، الأمـر الذي دفـع «كرسـتيفا» إلى اصطنــاع مفهــوم «الـمركب الـدَّال» (Complexe Signifiant)(80)، وهو المفهوم الذي تتحوَّل فيه الجملة إلى سيــرورة يتجسد مــن خلالها المعنى دون اختزالــها إلى مجــرد تراكم لمعــنى الكلمات، حيث يتشـكل المــركب الدَّال من مُتــغير (Modifiant – Modifié) من خلال التعامل الخاص مع الزمن والصفة والاسم، ممَّا يؤسس الممارسة النَّصية ويحقق فعل التمدلل عن طريق توليد لا نهائي، وترهين ظاهري.
الإحالات و الهوامــش
1. رينيه ويلك وأوستين وارين، نظرية الأدب، ترجمة محيي الدين صبحي، مراجعة حسام الخطيب، بيروت المؤسسة العربية للدراسات، ط02،1981،ص 19 – 20.
2. محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، بيروت، دار العودة،1987،ص45.
3. عرفت اللفظة في تاريخ اللغة العربية مصيرا مشابها حيث دلت في بداية استخدامها على معنى خلقي ومنه جاء تعبير أدب الحديث وأدب الدرس، ثم غلب استعمالها بمعنى الشعر والقصص والأخبار مع بداية القرن الأوَّل الهجري ثم اقتصر المصطلح على فن الأدب مع منتصف القرن التاسع عشر.
4. ينظر على سبيل المثال:
Problème de la Structuration du texte, in, Théorie d’ensemble, Tel Quel, Paris, Seuil, 1968, P. 298. Et Sémèiotiké P. 109.
5. Maurice Blanchot, le livre à venir, Paris, Gallimard, 1959, P. 273.
6. ميشيل فوكو،جاك ديـريدا، موريس بلانشو، حوارات ونصوص، ترجمة محمد ميلاد، سوريا، دار الحوار،ط01 ، 2000،ص198.
7. Dominique Rabat, le roman français depuis 1900, que sais – je, paris, 1998, P. 47.
8. رولان بارت،درس السيميولوجيا، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، الدار البيضاء،دار التوبقال، ط02، 1986،ص 43.
9. رولان بارت، الدرجة الصفر للكتابة،ترجمة محمد برادة، المغرب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، ص37.
10. Julia Kristeva, Polylogue, Paris, Seuil, 1977, P. 24.
11. Eric Bordas : L’analyse Littéraire, Notion et Repère, Paris, Nathan, 2002, P. 09.
12. Julia Kristeva, Problèmes de la structuration du texte. P. 300.
13. هي فلسفة معيارية، تنظر إلى الإنسان كقيمة عليا تصدر عنها جميع المحاولات لفهم العالم والمجتمـع البشري والإنسان، ظهرت كلمة (Humanisme) في الثقافة الغربية لأول مرة في القرن التاسع عشر حيث استعملها أحد علماء التربية الألمان (F.j.Niethammer) للدلالة على نظام تعليمي وتربوي جديد يقوم على الاعتماد على الثقافة والآداب القديمة التي من شأنها تلقين المثل العليا، ثم صارت تدل على التيار الفكري الذي يدعو إلى الاهتمام بالإنسان و بكل ما يثبت ذاته وفكره، ومنها النزعة الإنسانية التي أصبحت تدل على كل فلسفة ترفع من قيمة الإنسان، وتدافع عن حقوقه.
14. Pierre Macherey, pour une théorie de la production littéraire, Paris, Maspero, 1966, P. 23-85.
15. عبد الرزاق الدَّواي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر، دار الطليعة، بيروت، ط01، 1992.ص27 .
16. ينـطبق هذا خاصة على الرواية، وهي الفكـرة التي نجـد توضيحها عند باختين من خلال طرحه لفكرة تعدد الأصوات (La Polyphonie).
17. Pierre V. Zima ; Manuel de Sociocritique, Paris, L’harmattan, 2000, P. 42 – 43.
18. Julia Kristeva, Problème de la structuration du texte, P. 300.
19. يطلق «باختين» مصطلح» التيمة»على المعنى الكامل الذي يحمله التلفظ.
20. Mikhaïl Bakhtine, le marxisme et la philosophie du langage, traduit du russe et présente par Marina Yaguello, Préface Jackbson, Paris, Minuit, 1977, P. 143.
21. Julia Kristeva, Problème de la structuration du texte, P. 298.
22. Ibid., P. 299.
23. Encyclopédie Philosophique Universelle, Les notions Philosophiques Tome 2, Paris, PUF, 1990, processus, P. 2053.
24. كان هذا المفهوم هو صلب الإشكالية التي تضمنتها مداخلة «كرستيفا» في ملتقى «اللسانيات والأدب»الذي انعقد يومي 16 و17 أفريل 1968، بمدينة «Cluny»، وكان عـنوان المداخلة:»Problème de Structuration du Texte». يصف كلود شوفاليه (Jean Claude Chevalier)-كان ممَّن حضروا الملتقى–»كرستيفا» بأنها كانت نجمة الملتقى (La vedette)،ينظر:
Jean Claude Chevalier, Henri Meshonic à Cluny et en Quelques autre lieux 1968-1970, in groupe de chercheur, la force du langage, Rythme, Discours, Traduction, autour de l’œuvre d’Henri Meshonic, Sous la direction de Jean louis Chiss et Gérard Dessous, Paris, Edition Champion, 2000, P.263.
25. أحمد يوسف، القراءة النسقية ومقولاتها النقدية، وهران، دار الغرب، طبعة 2001-2002، الجزء الثاني،ص37.
26. Pierre Macherey, A quoi pense la littérature ? Exercices de Philosophie Littéraire, Paris, PUF, 1e Edition, 1990, P.187.
27. جوليا كرستيفا، علم النص،ترجمة فريد الزاهي، مراجعة عبد الجليل ناظم، دار توبقال، الدار البيضاء،ط01،1991، ص65.
28. Pierre Macherey, A quoi pense la littérature ? P.182.
29. Julia Kristeva, Sémèiotiké, Recherche pour une sémanalyse, Seuil, Paris, 1969. P.178.
30. Ib?d., P. 13.
31. Ib?d., P. 180.
32. Ibid., P. 120.
33. تشبه اللغة الفرنسية هنا اللغة العربية من حيث دلالة فعل قرأ في أصله الاشتقاقي على الجمع. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، المجلد الأول، بيروت، دار صادر، قرأ.
34. سنتعرض لهذه الرؤية بتفصيل في مباحث الفصل الثالث.
35. Roland Barthes, la mort de l’auteur in le bruissement de la langue, Paris, Seuil, 1981, P. 65- 66.
36. عبد الرزاق الدَّاوي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر، بيروت دار الطليعة، ط01، 1992، ص35 .
37. عبد الرزاق الدَّاوي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر، ص 160.
38. ميشيل فوكو، الإنسان وازدواجياته، ترجمة جورج أبي صالح وكمال اسطفان، ضمن الكلمات و الأشياء، ص 313.
39. ميشيل فوكو، نثر العالم، ترجمة بدر الدين، عرودكي، ضمن الكلمات والأشياء، ترجمة مطاع صفدي، سالم يفون، بدر الدين عرودكي، جورج أبي صالح، كمال اسطفان،ص 58.
40. ميشيل فوكو حدود التمثيل، ترجمة سالم يفوت، ضمن الكلمات والأشياء،ص 208.
41. عبد الرزاق الدَّواي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر،ص 167.
42. فيكتور برومبير، غوستاف فلوبير، ترجمة غالية شملي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط01، 1978، ص 06.
43. جون هالبرين، نظرية الرواية، مقالات جديدة، ترجمة محي الدين صبحي، دمشق،منشورات وزارة الثقافة، 1981، ص 20.
44. ميشال فوكو، حفريات المعرفـة، ترجمة سالم يفوت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط01، 1986،ص 91.
45. يحفل التراث العربي بالكثير من المواقف التي تنبه فيها العلماء إلى طبيعة اللغة التوليدية.وبالنسبة لتشومسكي فإنَّ الأمر يتعلق عنده بمتكلم-مستمع مثالي.
46. لا يخفي «تشومسكي» في كتاباته تأثره بالمنحنى العقلي لدى «ديكارت» و»همبولدت».
47. Noam Chomsky, la linguistique cartésienne suivi de la nature formelle du langage, Trad. de N. Delanoe et D. Sperber, Paris, Seuil,1969.P124.
48. Ibid., P. 138.
49. Noam Chomsky, la linguistique cartésienne, P. 62.
50. Ibid, P. 64.
51. Ibid., P. 157.
52. أنطوان دولاسال (Antoine de la Sale) (1385– 1460)، كاتب فرنسي من القرن 15 م كانت تربطه علاقات بالكثير من الأمراء والحكام في فرنسا،من أثاره:» la Salade» Jehan de Saintre.
53. يعود لهاريس الفضل في شق الطريق لتحليل الخطاب، وذلك من خلال المقال الذي نشره بمجلة (Language) عام 1952 تحت عنوان : Discours Analysis
54. Marie Anne Paveau et George –Elia Sarafati,Les grands Théories de la linguistique, de la grammaire comparée à la pragmatique, Paris, Armand Collin,2003,P. 152 – 153.
55. عرفت السـاحة اللسانية الروسـية هـذا الباحـث لأول مـرة عام 1952، عنـد إصداره لمقـال خصـصه للحديث عن «إشكالية الفونيم».
56. Jean Dubois et autres, Dictionnaire de Linguistique, Paris, Larousse, 1973, P. 229-371.
57. كثرت الترجمات العربية لهذا المصطلح واختلفت . ومن الترجمات الجديدة ما قدمه يوسف وغليسي وهي النص المتكون حيث تحمل هذه الصيغة في نظره دلالة الحدوث التدريجي في مقابل النص الكائن الذي يدل على الحدث دفعة واحدة. ينظر : يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، مخطوط أطروحة دكتوراه دولة، جامعة وهران ، 2004-2005،ص 398. ويقترح أحمد يوسف ترجمة أخرى، وهي «النص الخداج» بكسر الخاء، وهي الترجمة التي تبناها «عبد الملك مرتاض» في كتابه»نظرية النص الأدبي»باعتماد صيغة اسم الفاعل»النص الخادج»،ينظر الكتاب ص 348 . والخداج في اللغة هو النقصان في الشيء. جاء في لسان العرب خدجت الناقة : ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام .
58. Julia Kristeva, la révolution du langage poétique, Paris, Seuil. 1974, P. 84.
59. Julia Kristeva, Sémèiotiké , P.226.
60. Julia Kristeva, La révolution du langage poétique, P.83.
61. Roland Barthes, Théorie du texte, in, Encyclopédie Universalis, Volume 15-Smolette-Théosople, Paris,1973,P.1015.
62. Julia Kristeva, Séméiotiké, P. 221.
63. Ibid, P. 52.
64. Petit Robert, Dictionnaire Alphabétique et analogique de la Langue Française, Robert, Paris, 1984, Tranquillité, P. 2001.
65. عبد الملك مرتاض، الكتابة من موقع العدم ، مساءلات تحول نظرية الكتابة، سلسلة كتاب الرياض مؤسسة اليمامة الصحفية، ص.335.
66. Jean Ricardeau, Nouveau Problèmes du roman, Paris, Seuil, 1978, P.77.
67. باحث و روائي، يعد من مؤسسي النظرية السوسيونقدية إلى جانب كلود ديشي (Claude Duchot).
68. Edmond Cros, la sociocritique, Paris, l’harmattan, 2003,P.55.
69. Julia Kristeva, Texte du Roman, P. 26 -27.
70. Julia Kristeva, la révolution du langage poétique, Paris Seuil, 1974, P. 35.
71. أرنو سبير، حوار جوليا كرستيفا، إليزابيث رودينسكو، ديفيد ويزربرج، عرض: جان بول جواري، ترجمة، كاميليا صبحي مجلة إبداع، مصر، العدد 12، ديسمبر 1998، ص 52.
72. من الأحـداث المثيرة في حـياة «لاكان» أنَّ الجمعية العالمية للتحليل النفـسي أسقطت عنه العضوية بسبب عدم احـترامه للقواعـد المعمول بها في عيادات التحليل النفسي مثل قـصر حصَّة العلاج، ومعـالجة الزوج والزوجة في الوقت ذاته.
73. Julia Kristeva, Mémoire n°01, 1983, P. 53.
74. Jean – Pierre Cléro, le vocabulaire de Lacan, Paris Ellipses, 2002, voir Imaginaire réel, symbolique.
75. رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة سعيد الغانمي، عمان، دار الفارس، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996، ط01، ص 125.
76. ج. هيو سلقرمان، نصيَّات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية، ترجمة حسن ناظم وعلى حاكم صالح، بيروت- الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط01، 2002، ص 260 – 261.
77. A. J. Greimas, Sémantique Structurale, Paris, Larousse, 1966, P.55-61.
78. A. J. Greimas, Sémiotique, Dictionnaire Raisonné de la Théorie du Langage, Paris, Hachette, 1979, Classème, P.37.
79. Emile Benveniste, Problèmes de Linguistique Générale, II, TUNIS, CERES Edition, 1995, P. 60- 61.
80. J. Kristeva, La révolution du langage poétique, P.84.
81. J. Kristeva, Sémèiotiké, P. 259 -260.
أكاديمية من الجزائر