يتبصر كتاب “خطاب المرأة في المعجم العربي؛ مقاربة سوسيولغوية”، النظرةَ العربية إلى المرأة بمنهج لساني اجتماعي شكلاً ومضموناً في ضوء الدوال اللغوية الخاصة بها في المعجم العربي، وبخاصة في “لسان العرب”، وتوزيعها الكمي والنوعي، والمادي والمعنوي، وتفسيرها تفسيراً يتواءم والمنجزات العلمية في العلوم الإنسانية.
وتنطلق الباحثة والأكاديمة سهى نعجة في كتابها الصادر عن دار عالم الكتب الحديث في إربد (الأردن)، من أن المعجم اللغوي للأمة هو هويتها وماهيتها؛ زماناً ومكاناً وإنساناً وحضارة، وأنه لسان صدق غير ذي عوج؛ يقول حياةَ الجماعة البشرية، ويجليها كما هي فعلاً؛ دالاً ومدلولاً، موضوعاً ومحمولاً من غير تجميل أو محاباة، ومن غير افتئات في المحمولات الثقافية أو الفكرية أو المذهبية أو الاجتماعية.
إن المعجم اللغوي بحسب الباحثة، يرصد الحصيلة المفرداتية الناجزة للمجتمع، وما تواضعَ عليه أبناء الجماعة اللغوية أو استَحْدَثوه بالاشتقاق أو التعريب أو الاقتراض، وما طرأ عليها من زيادة أو نقصان أو تبديل في زمان ما ومكان ما، فضلاً عن كشفه عن الأنساق المعرفية والأدوار الاجتماعية والحياتية المفصلية؛ المتجاذبة والمتنافرة بين ركنَي الوجود البشري؛ الرجل والمرأة.
وتبين الباحثة أن خطاب المرأة في المعجم العربي شهد بروزاً، وأن صوت الدال اللغوي الذي يصوغ أقانيم حضورها وخطابها كان عالياً، فسَرَد المعجم تفاصيل غنية في حياتها العامة والخاصة؛ وذكر أشهر أسمائها التي عرفها العرب (أُمَيْمة، وأُمَامة، وحَذامِ، ودَعْد، ورُدَيْنة، وعاتِكة، وعَزة، وعُنَيْزة، وعَفْراء، وعائشة، ولُبابة، وماوية، ومَيَة، ومَي، ونضيرة، وهِنْد، وهُنَيْدة، ووَسْنى.. إلخ)، وكشَف نعوتها جاريةً صغيرة كـ”بَشُورة” الحسنة الخلق واللون، و”مُخَدرة” التي تلزم الخدر، و”خَوْد” الناعمة، و”دَخُوص” التارة، و”رَجَاح” قليلة الردفين، و”مَزْكوبة” إذا كانت خلاسية اللون، و”عَيْطَبوس/ عَيْطَموس” الفتية الممتلئة طويلة العنق، و”قِرْطَاس” البيضاء المديدة القامة، و”قُلة” القصيرة القليلة، و”كَبْكَابة/ بَكْبَاكَة” السمينة.
وكشف المعجم العربي نعوت المرأة زوجةً (بَيْت، وحُدثى، وحَرْث، ودِبْلَة، ودُمْيَة، ورَفيقة، وزَوْج، وعَتَبة، وغِل، وفَرْش، وقَارورة، وقَلُوص، وقَيْد، ولباس، ونَعْجة، ونَعْل، ولَجَأ.. إلخ). ونص على دوال خاصة بزينتها وحليها وملابسها، فـ”السِخَاب”: قلادة الجارية من قرَنَفْل ليس فيها لؤلؤ أو جواهر، و”المَشْخَلبَة”: الجارية بما يُرى عليها من الخَرَز، و”السلْتَاء” التي لا تتعهد نفسها بالخضاب، و”التزْجيج”: تدقيق المرأة الحاجب وإطالته بالإثمد غالباً، و”التَنْميص”: نتف شعر الجبين بخيط، و”تَجْمير” الشعر كتَضْفيره: جمع المرأة شعرها وعقده وعدم إرساله، فيما “الوَصْل” أن تصل شعرها بشعر غيرها، و”العَقْص” أن تأخذ المرأة كل خصلة من شعرها فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثم ترسلها، و”توريد” الخدود، و”غُمْنها”، و”الخُمْرة”، و”الغُمرة”: طليها الوجه بالصبغ ليحسن لونه ويصير ذا حمرة.
وتوضح الباحثة أن المعجم العربي نهضَ بدوال تحكي أبرز ما تقوم به المرأة من أعمال كـ”حَلْب” النوق والغنم، و”التذرع”: شق الخوص ليُعمل منه الحصير، و”الغَزْل”: النسج، و”مَخْض” اللبن، و”تمييش” القطن بعد حلجه. كما سردَ أدواتها،كـ”الدَجُوب”: وعاء خفيف تحمله المرأة في السفر، و”العَتيدة”: طبل العرائس أُعدت لما تحتاج إليه العروس من طيب وأداة وبخور ومشط وغيره، و”المَثْبَنَة”: كيس تضع فيه المرأة مرآتها. واستعرض المعجم عادات المرأة ونعوتها في الزواج، كـ”التحفُل” للزوج: التزين له، و”الحنانة”: التي تحن إلى زوجها الأول، و”الدَرَهْرَهة/ البَرَهرهة” و”المِرْغامة”: القاهرة المغضِبة بعلَها.
وأورد المعجم عادات المرأة ونعوتها في الطلاق، كـ”الخُلْع”: أن تفتدي حريتها من الزوج بمال، و”رُدى” و”مَرْدودة” التي ترجع إلى أهلها عن طلاق. كما أورد مسلكها في الحمل والولادة كـ”أَتْأَمت”: إذا حملت اثنين في بطن واحد، و”تَصَلقت”: إذا أخذها الطلق فصرخت، و”نَتَقَتْ”: إذا كثر ولدها، و”وحِمَتْ”: إذا اشتهت المرأة شيئاً على حبلها، و”بأبأت”: إذا رقصت ولدها، و”فُرُث” و”منفرثة” التي يكثر غثيانها في الحبَل، و”الإملاج”: الإرضاع، و”التهدين”: تسكين الطفل بكلام قصد إنامته.
وعرضت الباحثة للدوال اللغوية التي تحدثت عن حيض المرأة نحو: “ضحكت” المرأة و”طمثت” و”أكبرت” و”كادت”. وثمة دوال لأسماء خرقة الحيض نحو: “ثمَلَة”، و”الفَرصة” و”القُصة” و”المِعْبأة”، ودوال وثَقت عادات المرأة في نفاسها كأكل “الفريقة” و”اللفيرة”، وهي أشياء تُخلط للنفساء من بر وتمر وحلبة.
كما وثَقت نعوت المرأة إذا مات لها ولد كـ”مُثْكِل” و”مُميتة”، و”مُحِد” التي تترك الزينة والطيب بعد وفاة زوجها للعدة، و”السِقاب”، وهو أن تحلق المرأة رأسها بعد موت زوجها، وتخمش وجهها، وتحمر قطنة من دم نفسها، وتضعها على رأسها وتُخرج طرف قطنتها من خِرَق قناعها ليعلم الناس أنها مصابة، و”الـسِلاب” و”سُلُب”: ثياب سود تلبسها النساء في المأتم، و”الـلَدْم/ اللطم”: ضرب المرأة صدرها.
وبينت الباحثة أن المعجم عُنِيَ بنعوت المرأة الجسدية والمعنوية؛ محمودها ومذمومها، كما نهض بدوال تبين العلائقية الترابطية بين المرأة ومفردات الطبيعة الجامدة والحية، كالبئر، والجبال، والخمر، والشاة، والعنكبوت، والغول، والنار، ولاسيما الفرس، والناقة.
ونص المعجم العربي عبر مدلولاته على الجائز والممتنع في الشكل الدالي؛كأن يقال للمرأة: “سَافِر” من غير هاء إذا ألقت نقابها، و”شَمْطاء” لا “شَيْباء” إذا غلب شعرُها الأبيض على شعرِها الأسود، ولا يقال لها: “مُفْنِدة” فيما يقال للرجل: “مُفْنِد”؛ لأنها لم تكن ذات رأي في شبابها فتفند في كبرها، ولا يقال لها: “فَارِسة” إن أجادت ركوب الخيل؛ إذ يقتصر هذا الوصف على الرجال، كما لا يقال لها: “زيرةُ” رجال إذا أكثرت من مخالطتهم، فيما يقال “زير” لمن يكثر مخالطة النساء من الرجال، ويقال للتي لا يعيش لها ولد: “مِقْلات” فيما لا يقال هذا للرجل.
انتظمت الكتابَ قراءةٌ نصية سوسيولغوية تستشوِفُ سيمياء الجسد الأنثوي في الثقافة العربية بخاصة؛ إذ ثنائية الذكر (الرجل/ آدم)، والأنثى (المرأة/ حواء) هي التاريخُ الضمني الممتد للإنسان الذي عبَرت عنه اللغة لساناً ثم يداً.. وفي الدراسة سعيٌ دؤوبٌ يسْتَكْنِه الإجابة عن الأسئلة المركزية التالية:
ما مفهوم الذكورة والأنوثة في النسق الدالي المعجمي في ضوء الأنساق المعرفية للثقافة العربية؟
هل اللغة العربية مؤدلجة؛ تمركز الذكورة وتحابيها، وتهمش الأنوثة وتقصيها؟
كيف يتساوق التفسير اللغوي والاجتماعي والنفسي والعلمي للدوال اللغوية في الكشف عن جوهر الكيان اللغوي الأنثوي دالاً ومدلولاً بوصفه حاملاً لغوياً محايداً لنظرة المجتمع ورؤاه وفلسفته تجاه المرأة في نعوتها المادية والمعنوية لا بوصفه حاملاً لغوياً مُحايثاً منحازاً للرجل؟
ما منازل الدال الأنثوي في المعجم العربي في ضوء الدراسة السوسيولغوية؟
ما الحقول الدلالية التي تناوبت عليها البنى الصرفية التي استغنت عن علامة التأنيث في خطاب المرأة نحو صِيَغ “فاعل” و”فعيل” و”فعول” و”مِفعال”؟
جاء كتاب د.سهى نعجة في ثلاثة فصول: الأول: “سيمياء الجسد الأنثوي في الثقافة العربية”، تبين فيه الباحثة أن الاستيهامات الوصفية الحسية المنمذجة لجسد المرأة العربية تناصت والمقصدية التخيلية اللذية الذكورية، وتواترت في وعي أفراد مجتمعها وثقافتهم الجمعية؛ الذكور والإناث بوصف المرأة رد فعل محض لفعل الذكورة؛ مستقبلاً لنوازعه ولذاته، مستجيباً مخلصاً لاحتياجاته؛ فضيلتها الكبرى أنها مُتَممة للرجل، وأنها قَدَم وشكل ولفظ، فيما الرجل رأس ومضمون ومعنى، وأنها -المرأة- كائن ناقص بيولوجياً، مؤصل بالشهوات، مؤسس على الخضوع والسلبية والضعف واللين، وأن حضور المرأة منوط فقط بالحمل والإنجاب والأمومة، قاصر عن التفوق والنبوغ في العلم والأدب والفن؛ إذ عُوضت هذه المجالات في وظيفتها بوصفها أنثى تلد، وإنْ هذه الرؤية إلا رؤية متحيزة مأزومة تناقض العلم والدراسات الجندرية التي تؤكد أن الفرق بين الذكر والأنثى في غالبيته فرق أيديولوجي ثقافي يمركز الذكورة، ويهمش الأنوثة.
وتبين في الفصل الثاني: “خطاب المرأة في المعجم العربي: المبنى والمعنى” أن الدال اللغوي محايد في أصل الصيغة؛ اعتباطي المدلول في أصل الوضع، عرفي اجتماعي في التداول، وأن المقاربة المعجمية للدوال اللغوية (ذكر، أنثى، رجل، امرأة) تُمعيرها من منظور ثقافي إنساني عام غير مُتَعَنْصر لا من منظور عربي إسلامي يختص بالعربية وحدها، بدليل الذكورية الدالية في اللغات الأخرى التي تحيل المؤنث إلى مذكر بإضافة سابقة مقطعية عليه أو لاحقة به، وأن تقصي الدوال اللغوية (ذكر، أنثى، رجل، امرأة) في المعجم العربي يشي بمرجعيتين اثنتين لمدلولات هذه الدوال:
الأولى: التصنيف النوعي البيولوجي؛ حيث الذكر خلاف الأنثى والأنثى خلاف الذكر.
والثانية الموقف الاجتماعي والأخلاقي من المدلول نفسه في ضوء الفوارقية الجسدية والإنتاجية والمحمولات الثقافية الخاصة بأفراد الجماعة اللغوية، وهما مرجعيتان بدهيتان في المعمار المعجمي لأي جماعة بشرية، ولأي تأليف معجمي، لذا فإنه من البدهي أيضاً أن يحمل الرجل صفات الشجاعة والشدة والعزيمة والغلظة والمضاء، وأن تحمل المرأة صفات السهولة والليونة، وأن يكون مدلولُ كُلٍ منهما حقلاً دلالياً عاماً لدوال أخرى، وأن تصدر المعاجم اللغوية عن صورة تبدو منحازة للرجل.
إن مدلول هذه الدوال (ذكر، أنثى، رجل، امرأة) بحسب ما ترى الباحثة، يكشف أن الثقافة انحازت للصفات المحمودة لكليهما؛ لا لجنس دون الآخر بصرف النظر عن هذه الصفات؛ إذ ساوت بين المرأة المذكرة والرجل المتأنث في إنزال رتبتهما الاجتماعية وفضيلتهما الأخلاقية، وحمدت الذكورة والأنوثة والرجولة في كليهما متى قيل: “رجل ذكر” و”امرأة أنثى”، بوصفهما تعبيرَين دالَين على صفات الكمال في الجنسين، كما حمدت المرأة الرجل متى تشبهت به فكراً ورأياً، وذمت تشبهها فيه هيئة وزياً. وليس في هذا كله محاباة لأي الجنسين قدر ما فيه من محاكاة لمنطق الوجود الفطري الذي يقوم على ثنائية بين ضدين يختلفان ليتكاملا؛ وينتفي تحقق أحدهما من دون الآخَر.
وتبين الباحثة أن المرأة محظية بدوال تصوغ أقانيم حضورها على وفق مرجعيات تأويلية متعددة ظاهرة ومضمرة؛ زمانية ومكانية تفسح المجال للمتلقي ليجتهد في تفسير التناقض الظاهر الذي قد يلتبس أحياناً في أثناء قراءتها مَقْصِية عن سياقها؛ وإعادة تركيب نموذجها الجمالي الذي فككَتْه المعمارية البنائية للمعجم العربي لغايات منهجية، وأن الزمن سَوْط وصوت؛ كلاهما: الرجل والمرأة رهن سلطتهما لكن سلطتهما على المرأة أقوى في ظل مجتمع ذكوري بصري نفعي يروز علاقته معها بمقدار ما يثيره فيه جسدها ويرحب مخياله في التمني والتشهي، وبمدى خصوبتها وقدرتها على الإنجاب.
وقاربت الباحثة الدوال المعجمية في ضوء تبئيرها سوسيولغوياً، كتبئير “هِرْشَدة” (العجوز فيها بقية شباب) بالدوال اللغوية الثلاثية (شد/ رشد/ هرد/ هر/ هرش/ هش) المتضمنة محمولات استصحابية للمعنى حيث البنى (هرد/ هر/ هرش/ هش) حمالة لمعنى الضعف وأماراته المصاحبة لمضيِ في العمر كهشاشة العقل والعظم وسقوط الأسنان، بينما الدالان (شد/ رشد) حمالان لمعنى القوة ولا سيما رسوخ العقل المصاحب لسن الرشد والشباب.. وتكشف هذه المقاربة عن معنى متقاطع بين الدوال يتوسط الحالين: الضعف والقوة، وعن وعيَ ضمني لأبناء الجماعة اللغوية لآلية صوغ الدوال .
كما أن المقاربة السوسيولغوية في ضوء التبدل الموقعي للصوامت في الدوال اللغوية كـ”خَنْضَرِف” و”خنضفير” و”هِرشَدة” و”هِردشَة” (للمرأة المسنة)، أو التبدل الصوتي نظراً لتآخٍ بين الأصوات في المخرج، أو في الجهر والهمس، أو في الشدة والرخاوة كما في صوتي الدال والجيم في الدالين “رَداح” و”رَجاح” (للمرأة العجزاء)، والأصوات (الجيم والشين والميم والفاء) في “جَنْفَلق” و”شَمْشَلق” و”شَمشليق” و”شَفشليق” (للمرأة المسنة).. تكشف أن الافتراق الشكلي في الدال اللغوي قد ينبئ عن اتفاق دلالي، وإنْ هذا الافتراق إلا نتيجة فروقات لهجية زمانية أو مكانية.
وكشف تبصر الباحثة في الدوال المعجمية الخاصة بنعوت المعنى، أن الوجدان الثقافي العربي يتعمق فيه أن الأنوثة خرساء، ويحسن بها ويزيد من جمالها وجاذبيتها أن تدع اللغةَ للرجل، وأن العقل واللسان دالان معنويان مِفْصَليان على كمال الرجولة وبلاغتها، في حين هما دالان فائضان عن حاجة المرأة في ضوء الأدوار المرسومة لها في المجتمع التي تختصرها في الإمتاع والإنجاب، وهذه أدوار لا يكون العقل من مستلزماتها، لذا ندرَ أن تبرز المرأة في الثقافة العربية بوصفها عاقلة متزنة حصيفة كيسة حسنة المنطق.
يضاف إلى ذلك أن حجب العقل واللسان عن المرأة منوط غالباً بنفسانية الثقافة الذكورية بعامة، التي تُبصر العقل واللسان في المرأة حليفاً استراتيجياً لإبليس ينبغي الحذر منهما، كما تُبصر العقل واللسان سلطةً قد ترفع قدر النظير فتجعله نداً لنظيره بدلاً من أن يكون تابعاً له. وبحسب الباحثة، ربما كان هذا الحجب منوطاً بالمرأة خارج مؤسسة الزواج لا بالمرأة الزوجة، حيث يسهل انقياد الأولى لرغائب الرجل، وإدماجها في فعل الإمتاع، أو لعله منوط بالقينة والجارية التي تُدرب على الغواية لتكون محظية عند سيدها.
وانتهت المقاربة الصرفية المعجمية في الفصل الثالث: “نعوت المرأة في ضوء الحقول الدلالية: المبنى والمعنى”، إلى أن الاستغناء عن علامة التأنيث في بعض الصيغ في خطاب المرأة (نحو: فاعل، وفعيل، وفعول، ومِفعال) تنحصر في حقول دلالية معينة خاصة بالمرأة، وأن غالبية الدوال التي لم تُخَص بوزن صرفي تكاد تنحصر في بنى رباعية أو خماسية غالبيتها ذات مدلول اجتماعي سلبي توخاه العربي في منطوقه لئلا يشيع بين أفراد الجماعة اللغوية، وأن ثمة دوال مشتركة بين الرجل والمرأة خص بها المجتمع أحدهما دون الآخر غالباً، وأن مرجعية غالبية أسماء المرأة مستمدة من البيئة أو من مَعانٍ يستملحها العرب، وأن العرب فرقوا بين الحرة والجارية، والجارية الفتاة الصغيرة، والجارية الأمَة، وأن المعجم وثق احتفاء المرأة بمظهرها ومسالكها في زينتها، ونعوت حملها وإنجابها وعلاقتها بزوجها وبولدها.
وخلصت د.سهى نعجة إلى أن الدوال اللغوية في المعجم العربي نقطة ارتكاز في الحفرية الذهنية المجتمعية. وهي وإن صدحت بالاستيهامات الذكورية حول جغرافية الجسد الأنثوي ومناخاته ولذائذه، وغلبت مبنى المرأة في الرجل على معناها؛ فما هذا إلا انعكاس مرآوي لجدلية الأنا والآخر في الثقافة السائدة، وللحتمية الضدية التي تفضي إلى تواصل لا إلى تفاصل، وتكامل لا تفاضل، وأن حسية المخيال صوب المرأة يضمر غالباً ماورائية تكشف نفسانية المجتمع، وسياق المرأة الاجتماعي الطبقي، ويروز بلاغة عافيتها وخصوبتها.
كما خلصت إلى أن صوْت المرأة إذ يتهدج في البوح عن جوانيتها واستيهاماتها حول الرجل والذكورة، مرتبط بنفسانية المجتمع التي اعتادت أن تقرأ المرأة شكلاً والرجل مضموناً، بوحها، علماً أن قارئ المعجم العربي يتفطن إلى أن الدوال اللغوية تصرح بانشغال المرأة أيضاً بجغرافيا الجسد الذكوري؛ وتفاصيل تكوينه وسيميائه، وأن المرأة سيرورة وصيرورة اجتماعية، وذاتٌ وموضوعٌ معاً.
——————————–
جعفر العقيلي