ينطلق الفقيد الكبير عبدالله الطائي- في كل عطاءاته – من إحساس كبير بالمسؤولية القومية، ولذلك نجد شعره ورواياته، وبحوثه وكتاباته الصحفية، وبرامجه الاذاعية ودروسه حين كان مدرسا مجنّدة لخدمة قضايا الأمة.
واتساقاً مع رؤيته القومية يعدُ الأستاذ عبدالله نفسه مواطناً عربياً يتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، وينصهر بصورة تلقائية في المحطة التي ترسو فيها سفينة ترحاله ، ولا فرق لديه في أن تكون تلك المحطة البحرين او الكويت او الامارات العربية المتحدة او عُمان.
وقد أحسست بتلك الحقيقة حين كان استاذنا عبدالله مقيماً في الكويت ، خلال الفترة من عام 1959م الى عام 1968م. فحين تولى رئاسة تحرير مجلة “الكويت” التي أصدرتها وزارة الارشاد والأنباء قام بدور مهم في تشجيع الأدباء الشباب من خلال نشر تجاربهم المبكرة في تلك المجلة المهمة، وكنت واحداً من هؤلاء، ففي عام 1966م اطلع استاذي الشاعر خالد سعود الزيد على قصيدة لي تُعدُ محاولة أو تجربة متواضعة، فأخذها الى الأستاذ عبدالله، الذي رحب بها، ونشرها في مجلة الكويت، أي انني دخلت مجال النشر بتشجيع من أستاذيّ خالد سعود الزيد وعبدالله الطائي. وهذا المثال ينطبق على حالات أخرى مشابهة لكثير من الأدباء الشباب في ستينيات القرن الماضي.
ولم يكتف الأستاذ عبدالله بجهوده الصحفية في مجال خدمة الحركة الأدبية في الكويت بل امتد نشاطه الى الإذاعة أيضاً، اذ كان يقدم من خلالها برامج ثقافية تعرّف بأدب المنطقة.
وهناك اسهامات أخرى ثقافية وإعلامية واجتماعية قام بها الأستاذ عبدالله خلال فترة اقامته في الكويت.
اما علاقات الأستاذ عبدالله بمجايليه من أدباء الكويت ، والأدباء العرب المقيمين في الكويت فكانت تمثل قدرته العجيبة على اكتساب محبتهم وتقديرهم.
ومن الأدباء الكويتيين الذين توطدت صداقته بهم اساتذتنا الفضلاء: عبدالرزاق البصير، صالح شهاب، أحمد بشر الرومي، أحمد السقاف، عبدالله سنان، بدر خالد البدر، خالد سعود الزيد، وغيرهم.
وقد اخذته علاقاته الطيبة برموز الحركة الثقافية الى رابطة الأدباء التي أسست في عام 1964م ، فكان ينشر الشعر والمقالات على صفحات مجلتها “البيان” التي صدرت في عام 1966م.
وحين ننظر في نموذج من كتاباته في مجلة البيان الكويتية نجده يتكلم من موقع المسؤولية منتقداً التقصير في التعريف بالأدب العربي في الكويت والخليج العربي. يقول: “أدبنا العربي في الكويت وسائر أرجاء الخليج العربي يعيش في مدى محدود أشبه ما يكون بالقوقعة، فلا يتعدى محيطه فيُعرف في البلاد العربية، أو يسجل في الديوان العربي المشترك، ولا هو ينطلق في محيطه نفسه… هذا أمر ملحوظ يسترعي الانتباه ، ويستوجب التساؤل ، سواء كان من المسؤولين عن الأدب في الدولة بالكويت، أو المتتبعين للأدب من أفراد الشعب” مجلة البيان- العدد الثالث- يونيو 1966م.
ومن المصادفات الجميلة الدالة على وحدة المشاعر التي جمعته بزملائه من شعراء الكويت العروبيين انه نشر في مجلة البيان- عدد يناير 1968م قصيدة بعنوان “تحية لأحرار الجنوب”، يقول في مطلعها:
غذّوا العقول بطولة وفداءُ
تأبى العروبة أن تخيب رجاء
ونشر صديقه الشاعر عبدالله سنان في العدد نفسه قصيدة بعنوان “استقلال الجنوب العربي” قال فيها:
أخذتها حرية وانطلاقا
وفكاكا من العدا وانعتاقا
ثم تتكرر التجربة في العدد التاسع والثلاثين من مجلة البيان الصادر في يونيو 1969م، حين ينشر الأستاذ عبدالله الطائي قصيدة يرثي فيها الشهيد عبدالمنعم رياض، يقول في مطلعها:
حمل العبء فاستغاب القتالا
وغدا بين سالكيه مثالا
وينشر الشاعر الكويتي الأستاذ عبدالله أحمد حسين قصيدة في الموضوع نفسه، يقول مطلعها:
ضُمّ الجناح على الجراح
واصمد على هوج الرياح
وحين اعتزم الأستاذ عبدالله الانتقال الى محطة نضال أخرى أقام له محبوه في الكويت حفل وداع في مقر رابطة الأدباء بتاريخ 4/8/1968م.
وألقى الأستاذ عبدالرزاق البصير كلمة عدّد فيها مآثر الأستاذ عبدالله، كما حياه الشاعر عبدالله سنان، والشاعر اليماني المقيم في الكويت إبراهيم الحضراني بقصيدتين. وانتهى الحفل بقصيدة مؤثرة للأستاذ عبدالله الطائي ودّع فيها البلد الذي أحبّه، والأصدقاء الذين عشقوه ، إذ قال:
ما إن تغربت عن أهلي وعن وطني
وأنتمُ لي أعوان على الزمنِ
برفقة مثلكم يعتزُ مغترب
ويحمل الهم بسّاماً لدى المحنِ
لله من أدب أغنى روابطنا
كأنه نسبٌ من عهد ذي يزنِ
مجلة البيان – سبتمبر 1968م
وفي هذه المرحلة التي تعاني فيها الأمة العربية من آثار التشرذم والتمزق على أسس طائفية وقبلية تبرز أهمية وجود مفكرين وأدباء وسياسيين يحملون الرؤية القومية التي حملها الأستاذ عبدالله الطائي، ومارسها على أرض الواقع.
خليفة الوقيّان