حيث كان الزمن يعبث بلحظاته، ينحتها حينا، ويحرقها..، استدار البحر، وتسلق الموجات والشمس.. كأنه غافل الليل والنهار، وزار تلك الصخور.. كأنه عاد ولم يرجع.. لكنني أعرف بأنه خطف النجوم، وبها حفر ملامح مدينة ستكون.. قلهات..
حلمذاك،
لم تقل الفصول :أنها ستمر بأثار هذه العاصمة العمانية القديمة.. الا أنها خدعت نفسها، وما زالت تفعل ذلك.. وكلما لامست الحجارة، تبرعمت ذاكرتها وانعكست على الغائب من مدينة "نزوى" ليتلألأ الزمن أطيافا تحفر في الأطياف، رمادها يتصارع كطيور لا تأبه بريشها الملون وهو يتساقط مثل تلك الليالي التي لا تعرف أية هدنة مع الصباح..
لم يقل لي الزمن بأنه سيتبرعم ذاكرة تتجذر في مخيلة متجددة دائما.. وكم دهشت حين رأيت كيف تنضفر تلك اللحظات مع الملامح الشمعية والترابية والزرقاء مع الريح الذهبية وقد مرت قربها السنوات لتغتسل بالموج، وتجلس على الصخور ساردة حياة يشي بها ما فني..
كم دهشت حين لمحت نوارس تدل البحر على مشعل يتفتح لهبه لغة متنوعة في صفحات "نزوى".. هذه المجلة التي ترف في مشهدنا الثقافي العربي كحلم هارب من قصيدة، يلون كل ريشة من أجنحته بأبجدية.
وتأتي أهمية المجلة من وعيها الابداعي.. فمعظم ما تنشره يتمتع برؤى منفتحة على نورين:
1- الموروث المشتعل باحتمالات قابلة للحضور في (الآن) وما بعد الآن.
2- الحاضر المجرب والمغامر نحو الآتي..
في مشعل نزوى نرى مهرجانا حافلا بفضاءات الانسانية المتداخلة بأزمنة مختلفة يتحايث فيها الشعري مع السردي مع النقدي مع الفلسفي مع النفسي مع التشكيلي مع الحلمي مع العلمي مع المسرحي مع السينمائي مع ملامح الزمان وذاكرة المكان..
وتشترك هذه التجريبية في ايقاعات الجرح، وفي حركات النزيف النافر من كلمات توحد ماءي الوطن لتشع بالبنفسج روح الزرقتين. إن ساحتنا العربية مازالت بحاجة لأكثر من "نزوى" قادرة على توهيج بياضها بنبضات المبدعين والكتاب.. قادرة على التفاعل مع النص المميز والمغاير.. فلا تغريها هالات الأسماء، ولا مكان فيها لكتابة مستهلكة.
وكم ظروفنا الآن بحاجة لمجلة (شعر) جديدة، لمجلة (مواقف) جديدة..لقد وعي (أدونيس) وأصدقاؤنا الآخرون ذلك، وانجزوا انزياحا مهما في حركة الحياة العربية..
وها نحن نرث ثقافة آلاف السنين من الانسانية، نحلم ونهجس بالمتغير الذي نرغب. أيضا. بتغييره.. لكن لماذا عندما نلمح ذاك الشرر وهو يحرق ليبدع، لماذا نحرقه ثم نحزن عليه؟؟
ان "نزوى" من تلك المجلات الجادة، الحداثية والقليلة في وطننا العربي. وأنا لا آخذ عليها سوى انها مجلة فصلية.. ولست أدري اذا كان بالامكان ان تكون شهرية، أو أن تصدر كل شهرين..؟
وأيضا، هناك نقطة أخرى فهي لا تخبر الأدباء بمصير كتاباتهم..؟
ككل المبدعين العرب، أرى في المكتوب واللا مكتوب من "نزوى" مرايا الماضي والحاضر المستمرين كذاك النبض وهو يجمع شظاياه من الصحراء والينابيع واللهب والغيوم والموت والحياة ليتعنقد مرايا تعكس رقصات العناصر كذاكرة جديدة لابد وان تعزفها قيثارة الأبدية..
ربما..
وراء هذه المسافة.
اختيأ البحر،،
ربما..
في هذه المسافة،
نرى صوتا لا مرئيا.. لا داعي لأي تخمين، فالزمن يسحب بعضه ليشي لآثار "نزوى" بينما بعضه الآخر يستمر في الكتابة مؤسسا من مخيلتها الراهنة طبقة ذاكرتية يفخر بها الآتي..
بالطبع لم يخبر الزمن أحدا بنواياه، الا أنني تراءيته كيف يحلم
غالية خوجة (شاعرة وكاتبة من سوريا)