خطيئة
صفق بيديه الصغيرتين وهو يعدو، كانت الشمس في أوجها، تطايرت السبخة من تحت أقدامه المغبرتين، وقف على التلة المطلة على بستان النخيل والليمون ؛ راح يزن المنظر في عقله، كأن روحاً جديدة حلت على جسده النحيل تغيرت الأشياء وهو يشاهدها وكأنه يراها لأول مره.
وصل لحافة الساقية المتاخمة لبيتهم الصغير المكون من غرفتين، أنزل سرواله القصير وراح يتبّول على الماء المغبّر، ابتسم وهو يسمع طرطشة بوله، رأته أمه؛ تناولت عصاَ قصيرة وأخذت تلاحقه بين النخيل، تعثر وسقط على وجهه، تلطخ وجهه بالطين، أخذ يبكي قبل أن تصل عصا أمه وتلسعه على مؤخرته وظهره.
اقتادته من أذنه إلى البيت، ربطته على جذع الزريبة الذي يتوسطها، أخذ ينشج ويداه مقيدتان إلى الخلف فيصل مخاطه إلى فمه .
بكى حتى نام واقفاً، ظل على حاله حتى قررت الشمس الانسحاب والتواري، حلّت أمه الرباط بعد أن صلّت المغرب، كان جسده ينتفض، سقط على الأرض، حملته ومددته على البساط وعيناه جامدتان يشاهدان ما حواليها ببلاهة.
– مسعود . نادته بصوت متهدج أقرب للبكاء
– …
– مسعود حبيبي .. مالك ما تتكلم ؟
لم يحر جواباً، بل كان جوابه أن ازداد جسده انتفاضاَ.
ظلت ساهرة على رأسه ؛ حتى انتصف الليل، أخذ مسعود يهذي، ومن بعدها أخذته نوبة بكاء، بعدها أخذ يضحك بهستيريا حتى نزلت دموع أمه، همد جسده الصغير قليلاً، ومن ثم أخذ ينتفض … ينتفض أكثر من المرة السابقة، صار جسده يرتفع وينزل في طقس احتضاري بينما نحيب أمه يزداد ارتفاعاَ.
كان فجراً جنائزياَ يهم بالدخول .
رصاصة رخيصة
أسند بندقيته من نوع ( الكند ) على الصخرة التي تقف على أعلى الجبل من الجهة الشرقية ؛ بعدما دس رصاصة في بيت النار، حاول أن يأخذ وضعية ملائمة ؛ وهو يسدد باتجاه الشخص الذي يمر في وادي السن أسفل الجبل ؛ مهرولاً يقود حماره حتى يصل بلدة العوابي قبل حلول الظلام الدامس .
دوت طلقة الرصاصة ؛ شاقة برزخ المكان .
– أتمنى أني لم أخطئه . قال شاهد من مكانه، الرجل وهو يتخبط على الأرض ومن ثم همد جسده وكأنه أصابه في مقتل، تناول بندقيته وأخذ ينزل مسرعاً من أعلى الجبل إلى الوادي . عندما وصل كان الرجل مُكباً على وجهه، قَلَبه ؛ ليجد الرصاصة نهشت جبهته والدم يخضب وجهه ولحيته المعفرة بالتراب، سل نصل خنجره وقطع الحزام الذي يلف خصر الرجل ؛ المعلق في وسطه سكين ألمانية الصنع من نوع خريسان .
تناول عمامة الرجل، ومن ثم سحب ( الخرج ) من على ظهر الحمار ولكزه على ردفه ليغيب مع نهيقه في غياهب الوادي .
حمل غنيمته إلى أعلى الجبل، وضعها جانباً وأوقد النار، نفض ( الخرج ) على ( السباعية ) التي يفترشها فأنسكب نوَّى، نفضه جيداً بعدها أدخل يده يبحث عن شيء قيّم، بعدما تأكد أن ليس به شيئاً آخر غير النوَّى، لاح به جانباً .
رمى عدت حطبات في النار لتستعر، أخذ ينكش النار بحطبة صغيرة وهو يتحسر على ضياع رصاصته .
الخطّـــاب المزروعــي
قاص من عُمان