يدين الكثير من الأدباء الشباب في سلطنة عمان للشاعر هلال العامري بالكثير , لذا توجوه أبا روحيا لهم ,فله يد بيضاء على تكوينهم الثقافي , حيث أخذ بأيديهم من خلال عمله في الهيئة العامة لأنشطة الشباب (سابقا) ووزارة التراث والثقافة حاليا وإشرافه على فعاليات الملتقى الأدبي السنوي الذي انطلقت فعالياته مطلع التسعينيات وكان في كل تلك الدورات أبا حنونا وشاعرا وموجها ومصوبا للأخطاء التي يقعون بها .
خارج ذلك يقف العامري في مقدمة المشهد الشعري السبعيني في سلطنة عمان , فهو من الشعراء الذين يمتلكون رهافة في الحس ورقة في اللغة , وأناقة في اختيار الألفاظ , وعذوبة في انتقاء الصور , تشهد على ذلك دواوينه الشعرية : (هودج الغربة) الصادر 1983 ، (قطرة في زمن العطش) 1985 ، (الكتابة على جدار الصمت) 1987 ، و(الألق الوافد) 1991 ، رياح للمسافر بعد القصيدة عام 1993 ، و (للشمس أسبابها كي تغيب) 1994 ، كما نشر مجموعة كتابات نثرية تحت عنوان (استراحة في زمن القلق) عام 1989 ، ومن خلال الوظائف التي تقلدها :مدير عام التليفزيون العماني ومدير عام الثقافة بوزارة التراث والثقافة ويشغل حاليا منصب مدير عام الآداب والفنون بوزارة التراث والثقافة ومشاركاته في ندوات وملتقيات ومؤتمرات عربية أسس له شخصية ثقافية صارت معروفة في الساحة الأدبية العربية .
في هذا الحوار حاولنا أن ندخله الى عالمه الشعري مبحرين معه على أشرعة الكلمات .
r بدأت رحلتك مع الكلمة شاعرا يكتب على الطريقة التقليدية المتعارف عليها ثم كتبت قصيدة التفعيلة , ماذا تتذكر من تلك الارهاصات؟
– كانت القصيدة الكلاسيكية هي الطاغية في الساحة, وعندما كنا طلابا كنا نوجه أسئلة في الفقه, وكان يتوجب علينا أن ننظمه شعرا , فنظمت العديد من الاسئلة الفقهية على شكل أبيات شعرية موزونة ومقفاة , فكل ما كان محيطا بنا كلاسيكيا, لذا بدأت من صغري أكتب القصيدة الكلاسيكية , وكانت الأسئلة تعودني على اتباع القافية والوزن وعروض الشعر في الكتابة , كي لا أكتب خطأ .
r لكنك لم تستمر طويلا بل تحولت باتجاه قصيدة التفعيلة , كيف جرى ذلك التحول؟
– لقد قرأت لشعراء كثيرين كالسياب ودرويش وقباني وسميح القاسم وكان السياب أكثر تأثيرا لأنه نظر للقصيدة الى جانب الملائكة اللذين كانا ينظران لقصيدة التفعيلة, ولكوني كنت مقيما في الامارات للدراسة ,فكتبت ونشرت في (الظفرة) و(الوحدة) ونشر هذه النتاجات شجعتني على الاستمرار بكتابة قصيدة التفعيلة وحين عدت لعمان مطلع الثمانينيات كنت قد خرجت عن اطار تلك الحدود الكلاسيكية .
r حين عدت للسلطنة نشرت أول مجموعة لك , ما الذي حفزك للإصدار؟
– وجدت من يشجعني على مستوى المسؤولين , على النشر من بينهم معالي عبدالعزيز الرواس فطبعت (هودج الغربة) على حساب وزارة الاعلام فولد لدي نوعا من التحدي والحماس للكتابة , فأصدرت عدة دواوين على حسابي الخاص ثم بدأت أكتب زاوية اسبوعية في جريدة الوطن بعنوان ( استراحة في زمن القلق) , وحين أردت أن يخرج إسمي من حدود عمان في سعي للانتشار الأدبي , ذهبت للقاهرة ومعي هذه المقالات حيث عرضتها على الهيئة المصرية العامة للكتاب فنشرته , ثم واصلت النشر وصدرت لي كتب أخرى.
r عناوين دواوينك ونصوصك منتقاة بشاعرية فائضة «قطرة في زمن العطش» «الكتابة على جدار الصمت» «رياح للمسافر بعد القصيدة» «للشمس أسبابها كي تغيب» «قطرة في زمن العطش» متى تنجز كتابة العنوان قبل القصيدة أم بعدها؟
– اعتدت أن أكتب عناويني بعد إنجازي كتابة النص , فالعنوان هو توقيعك لهذا النشيج وعادة النص يعنون نفسه , و العنوان يمثل لي شيئا كبيرا , حينما يشدني عنوان كتاب ما وبعد قراءته يتضح أن الكاتب لم يكتب بجمال ذلك العنوان , انزعج كثيرا منه لذلك كنت اختار العناوين كي تشد القارئ وتتمحور كل مافي دفتي الديوان حول العنوان فعنوان مثل (الكتابة في زمن القلق) نابع من زمن القلق الذي أطر سنوات الكتابة تلك , و(الكتابة على جدار الصمت) جاء بعد صمت عن الكتابة لظروف كثيرة فاخترت , أما (قطرة في زمن العطش) فقد كنا متعطشين للتواصل مع الوطن العربي والخروج من حدودنا فكتبنا التفعيلة لنتلمس طرقا , كنا متعطشين لكي نكتب وكانت الكتابة بين شخص تقليدي يصف نخلة وبين آخر يكتب عن معاناة الأمة فكانت الكتابة (قطرة في زمن العطش (أما للشمس أسبابها لكي تغيب) فلأن هناك كينونة من الخالق لغروب الشمس كي تاتي بيوم جديد, كنا نبحث عن حرية جديدة وفكر جديد لنصل الى مبتغانا.
r تحتل المرأة بؤرة مركزية في شعرك , كيف تمثلت المرأة كرمز مطلق ؟
– المرأة ميزة من ميزات شعري كله, فليس النصف كما يقولون أنثى, إنما معظم مافي حياتنا أنثى , حيث تذهب لهذا البحر العظيم تجد موجته تتكسر على رمال الشاطئ وهو أنثى, هذا النور المتشكل في الكون تشكله الشمس وهي أنثى, حتى الرموز , الأرض أنثى, الجزء العاطفي, التشكيل الوجداني للإنسان هو أنثى , النخلة السامقة أنثى, الظل تحضنه شجرة وهي أنثى, فلا مفر من الأنثى , القصيدة إن أحسنت صياغتها فهي أنثى , يجب أن تبحث عن مفردات رقيقة لتشكل أنوثة هذا النص , موسيقى القصيدة أنثى الكلمة المكونة لهذا النص الشعري أنثى, الفكرة التي تتعبك للبحث عنها وايصالها للآخرين أنثى , جمع كل شيء لتشكيل هذا النص يؤول للأنثى , كلمة القصيدة أنثى , فكرتها أنثى , هذا الجانب يحتوي ذاتي لأكتب لكن ليست كجسد, أتمثل المرأة كحبيبة لها تشكيلات ومعان مختلفة , يجب أن يحترمها هذا النص , حين يكتب عنها , فطالما الأنثى تشكل صياغة النص , لذا يجب أن يؤول النص الى تمجيد هذه الأنثى .
r تتميز نصوصك بوفرة من الألفاظ الغنائية والرومانسية , هل هو نوع من التأثر بالتيارات التي كانت سائدة في الشعر العربي ؟ أم إنها من معطيات البيئة ؟
– عودتنا فترة الشباب على الانكفاء بحضن الرومانسية , كان الناس بحاجة الى نص يخرجهم من المآسي , فلا ملاذ من اللجوء للرومانسية, وحتى النص الوطني كان يتلبس هذه الرومانسية لكي لا تبعد الناس لأن الذهن لم يكن مستعدا للتواصل مع القصائد المباشرة فيجب أن تعطيه حقائق عن طريق الرمزية والوسائل التي تشده حيث أن الرمزية تخرجك من المباشرة, فالخطاب الشعري يجب أن يكون أرقى عند الحديث في التفاصيل , فبالرمز نستطيع أن نرقى بالنص الشعري , لكن لايجب أن يكون هذا الرمز هلاميا أو غيبوبيا بل سهل الوصول اليه بعد شخذ الهمة, فالقارئ مبدع ويكلف نفسه كثيرا للبحث في زوايا النص لمعرفة الفكرة المطروقة في زوايا النص الذي يفرض عليك الرمز, احيانا حينما تكتب عن الوطن فهو يفرض رموزه تجد الشخص يبحث معك عن الفكرة التي اردت الوصول اليها , الرمز هو ارتقاؤك عن المباشرة في العناية او وصف شيء ما, حين تعمق موضوعا من الموضوعات فلابد من الترميز.
r هل صنعت رموزك الخاصة في نصك؟
– اذا أردت أن تدخل رمزا في نصوصك يصبح ذلك إقحاما , لكن يمكنك أن تصنع رموزك بشكل تلقائي , احيانا تبحث عن ترميز وتقصده لذلك, ففي كل فكرة هناك رموز فشموخ الانسان العماني سمة لكن ان تطرحها بشكل مباشر وكانك تقول تاريخا فتستخدم الرمز ليكون ارقى في الوصول الى المتلقي .
r هل تفكر كثيرا بالمتلقي؟
– المتلقي مهم بالنسبة لي وإلا لمن أكتب , منذ بداياتي كنت دائما أؤمن بفكرة العقاد عندما سئل لماذا لاتنزل الى العامة ؟فأجاب :ولماذا لا ترقى العامة الى مستواي؟ إنني أفتش عن وسيلة لبث الوعي بين أفراد المجموعة بما يميزني عن الكتاب الآخرين .
r لو بحثنا في جذور قصيدة التفعيلة العمانية, الى أين سنصل ؟
– بدأنا بقصيدة التفعيلة أنا و الصقلاوي وذياب صخرالعامري كان لدينا ايمان أن قصيدة التفعيلة تعطيك مساحة تعبيرية أكبر من الكلاسيكية , في التفعيلة يتباعد هذا البحر يعطيك مساحة للتعددية في البحور وجلب الايقاعات الموسيقية للنص التي تثير الدهشة لكن إشكالية الاعلام في تلك الفترة لم يكن مغطيا لهذه التجارب, فبالتالي كنا نكتب ونخبئ , قد لاتتاح لهذا الكاتب أو ذاك أن ينشر, لم نكن نملك المبالغ الكبيرة لنشر النصوص, كان النشر في ذلك الوقت الوسيلة التي لم تعط التعريف حتى الناقد يأتي من منظوره هو وقراءاته الشخصية , فالنشر كان العقبة في ذلك الوقت, وكانت تلك الفترة نزوح الكتاب الى الخارج لعدم وجود كتب ولا اهتمام إعلامي , هناك ارهاصات لم أتمكن من نشرها لكثرة تنقلاتي أفقدتني الكثير ومن ضمنها نصوصي الكلاسيكية .
r يعتبر الدكتور ضياء خضير قصيدة التفعيلة حلقة مفقودة في الشعر العماني ,وقلت لي ذات يوم «وجدت نفسي في قصيدة التفعيلة» كيف تجد تفسك في حلقة مفقودة؟
– لا أتفق مع د.ضياء , قصيدة التفعيلة ليست حلقة مفقودة لكن النشر كان غير متوافر لنا وقد وجدت نفسي في التفعيلة لأن الكلاسيكية كانت مغلقة وصعوبة التعبير فيها وقيود الكلاسيكية البحر والوزن والقافية كانت تضغط على أدواتنا في التعبير عن خلجات ذواتنا , بينما في التفعيلة وجدنا متنفسا , نستطيع أن نعبر عن الفكرة بمتسع , وقد أعجبت كثيرا بقصائد كلاسيكية لمحمد الحارثي التي أثراها بلغة شعرية رفيعة وأعجبت بنصوص رقية الحارثية الجميلة والمتقنة , لاتزال قصيدة التفعيلة موجودة في الوطن كله.
r مثلما قصيدة النثر موجودة أيضا أليس كذلك؟
-نعم لكنها بإطار محدود, ربما في الكتب والمجلات المتخصصة والصحف , وليس في المهرجانات , لذا حين قدمت ادونيس في النادي الثقافي خلال عقد التسعينيات ألقى نصوصا قديمة لأن المتلقي العربي غير مستعد لتلقي نص حديث.
r أراك متحفظا بهذا النمط من الكتابة الشعرية؟
– صراحة أرى قصيدة النثر شكلت انفصاما في التكوين الكتابي لدى الشباب فهم لم يفهموا أصول النص فبدأوا يكتبون الخاطرة على أنها نص وينثرون الكلمات على انها نص حديث حتى المتمكين من الكلاسيكية كتبوا النص الحديث بوعي.
r هل كتبت قصيدة النثر؟
-(يبتسم) كتبت الكثير لكن لم أنشر.
r ……………..؟
– لاتسألني لماذا ربما بسبب الخوف من أن اكون من ضمن السلسلة التي كتبت ولم تع ماكتبت
r ماذا تمثل لك مدينتك الاولى (سمائل)؟
– تمثل الكثير .. الكثير , (سمائل) مدينة جميلة ورائعة وشبهت بالفيحاء دمشق لتشابه موقعها مع موقع دمشق ثم نشأة العلم في هذه المدينة, هناك رموز كتبوا في الفقه والشعر والنظم كالخليلي وسيف الرحبي ومحمد بن سيف الرحبي واسحاق الخنجري أثر جمال هذه المدينة بساكنيها فخلقت جيلا من الكتاب , إنها مثل الحوزة العلمية بقم, فالمجالس شكلت مراكز علمية كان الكثير يقصدها فأثرت في الشباب فحاولوا أن ينقلوا هذا للكتابة شعرا أم نثرا وحين تتحدث عن جمال مدينة فانت تتحدث عن سمائل تطفو على ذهنك في كل مكان , سمائل شكلت لي مرجعية, فطفولتي كانت فيها وخروجي من سمائل لا يعني شيئا كنت متعلقا بأمي وكنت أكن كل الشوق لهذه المدينة التي تحتوي أمي.
r موضوعاتك لها صلة حميمة في حياتك وذكرياتك , هل ان الشعر يتغذى على دم الشاعر ؟
– إنك لا تستطيع أن تكتب عن شيء لا تعرفه , ديواني (هودج الغربة) كتبته في الغربة وحينما عدت وجدت حضنها الدافئ فحياة الانسان تشكل حياة نصه, القضايا تشكل همومك وهموم المواطن العربي وماتكتبه ارهاصات لهذا التفكير المتوالي .
r هل كتبت ذلك الديوان متأثرا بشعراء المهجر؟
– لم أفكر بهذا , فالعاطفة كانت مختلفة , شعراء المهجر اختاروا المهجر , فالغربة شكلت هاجسا مختلفا عن الهاجس الأدبي اغتسل فيه , لم تكن لي هجرة الا لهدف, كانت هجرتي الأولى لطلب العلم فكنت مغتربا ليعود حين ينقضي الغرض وكنت أسافر دائما لأعود للوطن وعودتي له كانت مستمرة, ولم تشكل هاجسا رغم العديد من العروض التي قدمت لي من دول مجاورة للحصول على وظائف أخرى أكبر, لكن لم تشكل هاجسا للابتعاد عن الوطن الذي نشأت به ,شعراء المهجر يتحدثون عن جذورهم وحنينهم الى حياتهم السابقة , فقدانهم للوطن بعدهم عن أسرهم ووطن فقدوه, لم أفقد الوطن كنت أذهب للدراسة وأعود لم تكن لي حياة مستقرة في غربتي تغنيني عن الوطن .
r مع ذلك كانت لك هواجسك في غربتك دونتها في (هواجس الغربة) ؟
-نعم , فهي تظل غربة طالما لست في وطنك وبين أحضان أسرتك , واللعب في الحي الذي تربيت فيه, عندما تحلم أن تتنفس نسيم بلدك فأنت تعيش غربة , تلك الغربة هي التي كتبت عنها , إنها مزيج من الحنين والافتقاد , والوحشة والقلق .
r هل أنت شخصية قلقة؟
– القلق موجود , فهو سمة أجدها في كل شيء, هذا القلق أصف به الزمن غير المسترخي المشدود , فنبحث به عن استراحة وأنا أشكل هذا القلق ويشكل كتاباتي القلق من كل شيء ,من اللااستقرار وقد يكون لا استقرار الوطن العربي كله , فلسطين تعيش في قلق وبيروت والارض العراقية التي كانت آمنة تعيش في قلق , الانسان مقسم بين هذه القضايا خوف من الغد ومن الامس واليوم المليء بهذه الاشتباكات من القضايا غير الراسية ولا يعرف كيف ستحل حتى الساسة اشتغلوا في تفسيرها منهم يحاول أن يفسرها برؤى غير مباشرة ومنهم من يلقى في السجون إن عبر عنها بشكل مباشر , القلق مستمر لأن كل شيء مستمر حيث توجد الهزيمة يوجد النصر وباختلاف دوافعهم قلق, حيث الراحة يوجد قلق, تشكيلك ليومك هو قلق , هذا القلق يبعدك عن الروتين ويعطيك التأمل للأفضل والدافع للكتابة, ارتماؤك بأحضان هذا القلق لتفكيرك الذي لم يستقر بعد .
r والموت ألا يشكل لك هاجسا مقلقا؟
– الموت مفروض على كل انسان شيء متوقع , لذلك لا يشكل الكثير من القلق اذا كنت مؤمنا تذهب الى فراشك وأنت لاتعرف إنك ستموت وقبل ذلك تعمل انك تعيش ابدا لا يشكل لي قلقا لأنه لحظة آتية لا يوجد بها معانٍ سوى نهاية الانسان , قد يكون القلق من أمور تشغل تفكيرك, كل ما يشغل يومك الى آفاق تفكيرك, لكن قضية الموت كيف تقلق؟ هو آت آت, القلق هو تشكيل لتفكير كل الناس لكن تختلف معاييره وادراكاته وكمية القلق لا يوجد شخص في الكون لا يقلق.
r لجأت الى لغة الشعر في (استراحة في زمن القلق) هل احتذيت نموذجا معينا في الكتابة النثرية ؟
-لم يكن ذلك النوع من الكتابة منتشرا في عمان , حين أردت أن أكتب زاوية أسبوعية في صحيفة احترت في اختيار الأسلوب , لم أكن صحفيا لأكتب بلغة صحفية , لذا فضلت أن أكتب شيئا مختلفا , هذا الشيء المختلف جاء بلبوس شعري , فحينما كنت أكتب حول العيد الوطني كان نصي يختلف في التعبير عن عمان , فكان النص مغايرا لكن لم أستطع أن افارق لغتي الشعرية, اتبعت أن يكون هناك نشيج في النص لا يسلمك الفكرة منذ البداية حيث تتبع القارئ الى الأخير كان شكل النص يزاوج ما بين القصة والشعر تجد راويين هو وهي يناقشان نفس الفكرة بصوتين مختلفين لكي يكتمل الايحاء في هذا السرد القصصي للنص.
r مادمت هكذا هل فكرت بالقصة أو المسرح كاشتغالين مجاورين؟
– فكرت بالمسرح والقصة لكني لم انشر مع اني كنت اعجب بمحاولاتي , فلم أشأ أن أقسم ذهني بين القصة والشعر فواصلت الكتابة شعرا وفكرت بكتابة نص درامي خلال عملي بالتلفزيون فكنت أعطي أفكارا لآخرين وأبقي ماكتبت في يدي حيث رأيت أن كتاب الدراما قلة والعمق الدرامي غير متوفر , فكنت أشرح الأفكار لهم لكي تنميهم وتنشئهم هناك شباب يجب أن نأخذ بيدهم.
r أنت تأخذ كثيرا بأيدي الشباب ما السبب الذي يقف وراء هذا الاهتمام بهم؟
– ربما لعدم وجود من شجعني وهذا سبب جعلني أقف مع الأدباء الشباب وطبقت هذا في الملتقى الأدبي الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة سنويا في إحدى ولايات السلطنة , لأنني حرمت من وقوف أحد معي لذا أحاول أن أقف مع الشباب ما استطعت الى ذلك سبيلا .
r تؤكد في جملتك على الصورة الشعرية ,ما مرتكزات هذه الصورة لديك؟
– تتوقف الصورة على النص فهي تخرج من بطنه, وحتى استخدامك للمفردات يجب أن يكون حاذقا ودقيقا لنقلها لعين المتلقي , لقد حاولت حتى في المقال الصحفي أن أبتعد عن الصورة الفوتوغرافية, , الصورة الحقيقية الشعرية هي ما تكسب نصك أنوثة ورومانسية وما تدخل الى ذهن المتلقي بطريقة سلسة ورائعة وهو يبحث عن جماليات في الكون فهي صورة متخيلة , وما يميز الشاعر الاتيان بأخيلة وتشبيهات بجمال برقة بلطف في التعبير عنها وهذا ما عناه د.ضياء خضير حين رأى أن الصورة الشعرية لدي «تمزج بين المادي والمجرّد في إطارها الموحّد على نحو يصعب تحقيقه في غير الصورة الشعرية. أي أنها ليست مجموعة من صور فوتوغرافية مأخوذة بعين طائر يحلّق في أجواء زمنية بعيدة، وإنما هي أيضا صور ذهنية ترينا في اللوحة ما لايرى على سطحها الظاهر».
r أمضيت أكثر من ستة شهور على فراش المرض, بعد إجرائك عملية جراحية بالغة الخطورة , بماذا خرجت من تجربة الألم ؟
– بإيمان قوي أن الله قادر على كل شيء وأنا مدين للباري سبحانه وتعالى لهذه النعمة التي أعيشها بعد المرض وكل من وقف الى جانبي , وخرجت بنثر وشعر رجعت لقلقي لأكتب استراحات جديدة , ذهبت الى محطة أبث منها هذه الاستراحات , هذا يعني أن القلق ملازم لنا , لم أكن أتوقع المرض, لكن حين أصبت به غير تفكيري .
r هل أنت راض عن مستوى المتابعة النقدية لشعرك؟
– النقد بصورة عامة لم يواكب الحركة الكتابية , وهذا ذنب من ذنوب الجامعة وكنت من داخل الجامعة أرفع هذا الصوت , كنت محظوظا من النقاد لمعرفتي بالنقاد ولخروجي من عمان أيضا ,لقد كتب عن شعري الكثيرون ك د.ضياء خضير و د.سعد دعيبس ود.أحمد درويش ود.وجدان الصائغ ود.صبري مسلم ودراسات اخرى عديدة كنت احتفظ بها , لكن أحد الأصدقاء أخذ هذه الدراسات للاستفادة منها في مقابلة أجراها معي ولم يرجعها لي .
r هل لديك طقوس تمارسها في الكتابة؟
– للشعر لاتوجد فترة زمنية تحددها انما تحدد فكرة القصيدة لكنني افضل المساء والكثير من نصوصي ضاعت لأن في المساء تاتي ولا استطيع تجميعها ,أكتب حتى على السرير وبأي قلم .
r لكن النشر الآن متوافر لك , لماذا لم تطبع كتابا منذ عام 1994 م؟
– لقد شغلتني الوظيفة والحرج من النشر لنفسي كنت ناويا أن أنشر كتابا عام 2006 فوجدت حرجا وهذه واحدة من الأشياء التي حرمتني منها الوظيفة كذلك هناك مؤتمرات كنا نتمنى حضورها لكننا نرشح آخرين خوفا من هذا الوصف.
r منذ سنوات بعيدة وأنت تعمل في الأدارة الثقافية ,هل ترى إنك راض عما قدمت للثقافة والمثقفين ؟
– هذا ما كنت أسعى اليه طوال عمري , لقد أخذت الوظيفة جل وقتي فهي من المحاصرين لقضية الكتابة, لقد كانت غالبا ما تشغلني عن التفرد والتفرغ للكتابة, بسببها تباطأ انتاجي لأن الكتابة بحاجة الى راحة ذهنية وصفاء ذهني لمزاولتها, فكتابة القصيدة ليست أمرا سهلا , لا يمكن الجلوس على الطاولة والشروع بالكتابة , وعموما فالسؤال يجيب عنه الآخرون , لكنني سعيت بكل ما اوتيت من قوة وصبر الى خدمة المثقف, لأقدم ما أستطيعه , عسى أن أكون قد نجحت في التوازن بين تفكيري ككاتب وادارتي للمؤسسة متمنيا أن أحاط بالمحبة, رغم ان هناك الكثير ممن لا يثمن جهدي , لقد حاولت أن أنسق بين سمتي ككاتب وسمتي كمسؤول عن مؤسسة محاولا أن أجعل هذه المؤسسة مع المسؤولين الذين يسعون لتكون المؤسسة في خدمة المبدع وإذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.
r كيف وجدت المثقف ؟
– صعب المراس , لأن العمل الوظيفي يخضع المثقف لقوانين قد لاتعجبه لذا فإن جام غضبه يصبه على الأداري والكرسي فالمثقفون إن أمسكوا موقعا يجب ان يسخروا خدماتهم لخدمة المبدعين الاخرين.
حاوره:عبدالرزاق الربيعي
كاتب من العراق يقيم في عُمان