هل كان قرمطيا، أم علويا، أم من الغالية، أين قاد عصيانه ومن ضد من؟
لغز المتنبي الكبير
النص: ولفهارد هاينريش
ترجمة وتقديم: حسام الدين محمد (ناقد عربي يقيم في لندن)
يكاد يكون شاعرنا أبوالطيب المتنبي أحد أكبر ألغاز التارخ الأدبي العربي، فرغم الكتب العديدة التي كتبت عنه، في عصره، ثم في العصور اللاحقة، ورغم اعتباره أهم وكونه أشهر شاعر عربي حتى مطالع العصر الحديث، فإن المتنبي ما زال يحتفظ بأسراره ويضن بها على المعجبين به، وقد ساعده في ذلك العصر المضطرب الذي عاش فيه، المليء بالحركات السرية الاسماعيلية والقرمطية وكذلك البيئة التي جاء منها، والتي بحسب النص الذي سنقرأه، تدل على أصول متواضعة له، ولكنها تلمح، في الوقت نفسه، الى علاقة معينة بالبيت العلوي في الكوفة، يضاف الى ذلك اختلاط أخبار المتنبي آخر، وأخيرا السرية التي أضفاها المتنبي نفسه على الواقعة التي أدت لتلقيبه بهذا اللقب.
هذا النص محاولة مستقصية بالغة الثراء والأهمية حول لغز المتنبي، الذي مازال يلهم شعراءنا العرب سلفا دائم الفاعلية والكينونة في الذات الشعرية العربية، فقد روعي أن هذا النموذج سكن بواطن الشعراء العرب، باعتباره النموذج الأعلى، وهو، بهذه الطريقة، صار أبا لظواهر عديدة يمكن دراستها وتفحصها في اللاشعور الجمعي للشعرية العربية ويغير إعطاء هذه المسألة حقها سيصعب بالتأكيد فهم حالات نفسية وشعرية تكاد تبدو تطابقية في بعض الأحيان بين حيوات شعراء عرب وحياة المتنبي ونزوعه العظامي.
إن حالة الجمع بين الشعر والسياسة ليست بالتأكيد ظاهرة عربية، ولكن الجمع بين السياسة والحالة الانقلابية الدائمة، والتغيرية من حال الى حال، بشكل يشبه الرفض المستمر و"الثورة الدائمة"، هي حالة تبدو عربية بامتياز، واذا كانت هذه الحالة أفادت ظاهرة التمرد والخروج الدائم على السلطة، فإنها من جهة أخرى تبدو مسكونة كثيرا بحالة هاجسية استحواذية، يشتغل فيها هذا اللاشعور الجمعي الذي اعتبر المتنبي نموذجه الأساسي.
لكن أيا كان رأينا في هذه الظاهرة، فإن المتنبي سيظل الى أجل لا أدريه مالئا للدنيا وشاغلا للناس، وهذه الدراسة في العربية أخيرا، محاولة لفهم وتفحص مكنونات هذا الشاعر العظيم.
عندما توفي نبي الاسلام اعتبرت غالبية المسلمين أن النبوة قد ختمت وتوقفت (1). لقد اكتملت الرسالة الالهية ولن يكون هناك نبي آخر حتى نهاية الدهر.
مسألة أن الوحي قد ختم كان لها نتائج مهمة في التاريخ اللاحق للثقافة الاسلامية، فقد صار القرآن، وأيضا (وان بطريقة مختلفة قليلا)، الحديث والسيرة النبويان، شكل التعبير الجوهري للالهي في العالم وصارت مهمة العلماء، دارسي الشريعة، المحافظة على النصوص بشكل سليم وتام، وفهمها وتفسير معانيها، وقد وردت هذه الفكرة في الحديث النبوي المبكر "العلماء ورثة الأنبياء". (2).
وهكذا بدا مقدرا للاسلام منذ نشوشه أن يصبح ديانة كتاب وبحث علمي، وهذا، الى درجة عظيمة، ما صار اليه. وبالرغم من ذلك فإن شوق العديد من البشر لاتصال أكثر مباشرة مع الالهي وجد تعبيره مبكرا في التصوف الاسلامي، الذي وجد مكانا لعلاقات اضافية متعددة مع الالوهية، ولكن ليس خارج منظومة الكتاب والشريعة بل داخلهما.
أولى هذا العلاقات، تجعل من المتصوف سالكا في الطريق الروحي للتطهر بالالوهية، وثانيها، انتظام المتصوف ضمن سلسلة من السادة والمريدين والمقصود منها وصل المتصوف أو المتصوفة بالرسول ضمن تعليم خاص متدرج من فوق الى تحت، وأخيرا تسمح هذه العلاقات للمتصوف بتلقي الالهام الالهي. وهذا الالهام مختلف تماما عن الوحي فالمخاطب في التصوف هو المتصوف الفرد، بينما يستهدف الوحي المجتمع كله، وكن فكرة "الالهام" كانت مرفوضة من قبل العلماء غير المتصوفين (3).
ما علاقة الشعر بكل ذلك؟
يجب أن نشير بداية الى أنه مع توقف الوحي صارت أشكال أخرى من الالهام مشكوكا فيها، وخصوصا من أشخاص اعتبروا خصومة للوحي الالهي: الشعراء والكهان (4).
لم ينكر النبي الأصل ما فوق البشري لما يقوله هؤلاء، وقد كان تأثير الشعراء الهجائين الذين يلهمهم الجن خطيرا على الدعوة الاسلامية، وقد قام الرسول (ص) بتشجيع الشاعر حسان بن ثابت على نظم اهجيات ضد الكفار المكيين مبشرا اياه بأن جبريل سيكون معه (5).
وبما أن جبريل هو مبلغ الوحي فقد ترتب على ذلك تواز بين الوحي والالهام ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الى انكار الالهام وعدم التصديق بوجوده، بل إن المحاولة للوصول الى المعرفة فوق البشرية مات مثارا للتساؤل عموما. اضافة لذلك، وبشكل طبيعي. فقد صار اعتبار أن الالهام الشعري، هو من مصدر فوق بشري مشكوكا فيه كثيرا. فأحد مصادر هذا الالهام في عالم الجن هو الشيطان، وهذه الكلمة صارت بعد زمن قصير من انتشار الاسلام تعريفا للشيطان الأوحد الذي تمت عملية تماه له مع ابليس وهذا الاستخدام وضع الشعر في بعض الدوائر الدينية، في إطار مسيء جدا.
الفكرة آلت عمليا الى عدم الاستخدام ولكنها بقيت كاصطلاح في اللغة فحسب، ولم يعد شيطان الشاعر يعني أكثر من الموهبة الشعرية (6)، وقد عادت هذه الفكرة لاحقا ولكن كأداة أدبية فقـط (7).
لم يعد أحد مؤمنا بهذه الفكرة، ولهذا السبب فمن الانصاف القول أن الالهام سواء كان من قبل ملاك أو جني، لم يعد اعتباره مصدرا للشعر في العالم العربي مهما البتة. استثني من قولي هذا الشعر الصوفي، حيث يمكن للالهام والأحلام أن يلعبا دورا مهما، لكن هذا الاستثناء يجد مبررا في أن الجمهور القروسطي سيعتبر هذا الشعر نظما للعقيدة الصوفية أكثر مما سيعتبره شعرا، وسوف تتجاهل كتب النقد والأدب هذا الشعر كلية.
وحيث إن الالهام كمصدر خارجي للمعرفة الشعرية صار مشكوكا فيا، فمن المقوقع أنه تم تحويله الى معنى آخر واعتباره ملكة خاصة عند الشاعر.وقد تم استخدام فكرة الالهام باطار اخلاقي، بحيث يتم من خلاله تمييز الحسن من السييء في الشعر والموسيقى (8)، أو كنظرية في الطبع والنشأة "الموهبة الطبيعية" و"الطاقة الابداعية"، التي توجه الشعراء في أسلوب وضع قدراتهم لصنع وانتاج الشعر الذي يرغبون به (9).. لكن هذه المحاولات بقيت بدائية ولم تصبح جزءا مهما من النظرية الأدبية.
بالنظر لكل هذا ليس من العجيب أن نجد أن واحدا من أهم الشعراء العرب في القرون الوسطى (والأكثر شهرة، اذ اعتمدنا حجم ما كتب عنه كمعيار للحكم) قد حمل اسم المتنبي.
عنوان هذه الدراسة بالطبع ملتبس بذكاء، لاحتوائه على سؤالين الأول: ما هو معنى كلمة المتنبي، والثاني: لماذا أعطي هذا الاسم لهذا الشاعر بالذات ؟
يمكن حل السؤال الأول بسرعة فالكلمة تشير الى شخص "يتصرف كأنه نبي" والكلمة هي اسم الفاعل من الفعل (تنبأ) المشتق من الاسم "نبي" (وهي كلمة مستعارة من الأرامية – نبيي – ومن العبرية نابي). وهذا الاشتقاق يحمل عادة المعنى الخاص لـ "يتصرف مثل، أو يدعي كونه"، دون أن يعني ذلك الزيف، أو الفساد بالضرورة (10).
كلمة "المتنبي" لهذا تشير الى شخص يتصرف مثل نبي، مدعيا النبوة دون اعتبار لما اذا كان نبيا أم لا. كلمة (متطبي) المشتقة من طبيب مثلا يمكن أن تشير الى "ممارس لفن الطب" أو الى دعي لحرفة الطب. صحيح، رغم ذلك، أن هذه الكلمات تميل لاكتساب المعنى الأقل تفضيلا عند استخدامها، وفي حالة المتنبي، ليس هناك شك في شرع المسلم المستقيم الذي يعتبر محمدا خاتم الأنبياء ان كلمة "المتنبي" لا يمكن أن تعني إلا "دعي النبوة" وحتى لو كان الأمر كذلك فإن استخدام هذه الكلمة لا يحدد أي شيء بالنسبة لاعتقادات الشخص الذي تطلق عليه، وسوف نرى أن الناس كانوا مدركين لهذه المشكلة.
بالنسبة للسؤال الثاني، وهو الموضوع الرئيسي لهذه الدراسة، فسوف أقوم بتقسيمه الى الاشكاليات المنفصلة التالية، الأولى: على أية أسس سمي الشاعر بالمتنبي الثانية وفي أي سياق يمكن لادعاء النبوة أن يكون معقولا، والثالثة: هل كان لادعائه النبوة تأثير على شعره. قبل الدخول في التفاصيل يبدو من المفيد اعطاء بعض المعلومات عن حياة وزمن المتنبي.
ولد المتنبي عام 303 هجرية – 915 ميلادية، وتوفي عام 354هـ / 965م. وكونه ولد في هذا الزمن فقد قيض له أن يشهد فترة من التاريخ الاسلامي كانت شيقة كما كانت مثيرة للقلق، ولقد عنون المستشرق السويسري ادم ميز دراسته الشاملة عن هذا القرن العاشر: عصر النهضة الاسلامي (10). وربما كانت هذه التسمية غير صحيحة أو غير مناسبة، ما دمنا لا نتعامل هنا مع اعادة اكتشاف شاملة لأثر كلاسيكي. الأمر هو على الأكثر ازدهار للفلسفة والعلوم المؤسسة على تقاليد مستمرة وعلى ترجمة للنصوص اليونانية. ومع ذلك فهناك بعض التشابهات بين القرن العاشر الاسلامي والنهضة الايطالية، ففي كلا الفترتين، شكل اتجاه ملحوظ نحو النزعة الانسانية (هيومانزم) والفردانية شكل رؤية العالم والادراك الداخلي لمجموعة نخبوية من البحاثة والحكام والمتعاملين مع الحرف، وبهذا بدت شخصية المتنبي متناسبة مع الفترة لدرجة كبيرة (12). تشابه آخر ظاهري هو تكاثر عدد بلاطات الحكم التي تنافست برغبة رعاية الفنون والعلوم مما أدى الى ازدهار ثقافي تناسب عكسيا مع قوة السلطة المركزية للخليفة.
مجرى حياة المتنبي نموذجي من هذا المنظور: فبينما كان شعراء القرن السابع يتجهون الى بغداد حيث مركز سلطة الخليفة، فإن المتنبي تولى منصبه كشاعر بلاط لأول مرة في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وذلك عام 366هـ/948م، وهرب الى مصر عام 346/957 لينشد مدائحه في كافور الأخشيدي ثم فر الى بغداد عام 351/ 962 وانتهى به الحال قبل وفاته بفترة قصيرة في بلاط عضد الدولة البويهي في شيراز.
القرن العاشر الميلادي على أية حال، هو نقطة الذروة فيما سماه برنارد لويس في "العرب في التاريخ" بـ "تمرد الاسلام" (13). حيث صار الخليفة السني مطوقا بعدد من السلالات الحاكمة الشيعية، بعضها صديق يعترف بهيمنة الخليفة، مثل الحمدانيين في حلب والبويهيين في العراق وايران، الذين تملكوا لاحقا سلطة أكبر من سيطرة الخليفة نفسه، كان هؤلاء شيعة معتدلين من المذهب الامامي. البعض الأخر كان ينتمي الى الفرع الاسماعيلي الأكثر تطرفا، الذي كان يميل بإصرار الى قلب النظام القائم. السلالة الفاطمية في مصر – المعارضة للخلافة العباسية – كانت تدين بهذا المذهب، وكذلك القرامطة في البحرين. كلا المذهبين وغيرهما من الشيعة الغالية أيضا، كان لديهما منظمات دعاوية سرية لتنظيم الناس وتحريضهم لبدء العصيان. وقد نجحت هذه المنظمات بشكل خاص ضمن القبائل البدوية في الصحراء السورية. وقد قام القرامطة، بعد تأسيسهم لدولتهم في البحرين، بغارات مدمرة على جنوب العراق وفي عام 317 /930 هاجموا وفتحوا مكة أثناء فترة الحج، حيث قاموا بمجازر بين الحجاج والسكان وأخذوا معهم الحجر الأسود من الكعبة.
فترة أزمة بالتأكيد! لقد تم نصب الحلبة، ويمكن للمتنبي الدخول الآن (14).
ولد المتنبي في مدينة الكوفة العراقية، وهناك مع بعض التقطعات والمداخلات بسبب هجمات القرامطة، عاش سنوات طفولته. الكوفة بالاساس هي مدينة حامية عسكرية أسسها الجيش الفاتح العربي بعيدا عن العاصمة القديمة للامبراطورية الساسانية سلوقية – ستيسيفون (التي يدعوها العرب بـ "المدائن" وكانت الكوفة لوقت قصير، خلال فترة الخليفة الرابع "علي"، عاصمة الخلافة، ومنذ ذلك الحين بقيت ملتصقة بالعائلة العلوية وبعدد من الاعتقادات الشيعية المختلفة. المعسكرات جذبت اليها الكثير من غير العرب من "المدائن" المجاورة للعمل في الأعمال الوضيعة والحرفية، وهؤلاء صاروا بالتدريج ما يدعي "الموالي" للقبائل العربية، ولكنهم بقوا مسلمين من الدرجة الثانية.. واحد من التقاليد الدينية التي جلبها هؤلاء الموالي معهم كانت الغنوصية القديمة، التي اندمجت مع العقيدة الشيعية وانتجت تنويعا اسلاميا على الغنوصية (15). أغلب ما نعرفه عن هذه الحركة، التي انقسمت خلال السنين الى شيع عديدة ندين به الى تقييمات مؤرخي الفرق السنة والامامية الذين دعوهم بالغلاة، وذلك لتقديسهم لواحد أو آخر من الائمة (الذين هم أحفاد – وأحيانا أحفاد روحيون فحسب – لعلي بن أبي طالب يعتقد المؤمنون بهم بأنهم الخلفاء الشرعيون) الأمر الذي لم يوقف تأليه الأشخاص.
ترعرع المتنبي في هذا المحيط، رغم أننا لا نعلم فيما اذا كان اعتنق أيا من هذه الشرائع المذهبية التي عجت بها الكوفة، حتى وضعيته الطبقية الاجتماعية التي تفصح عن وضعية ثقافية ليست واضحة أيضا وقد ذكر عن والده أنه جعني، وأحد المراجع يؤكد أنه عضو أصيل في هذه القبيلة، وليس من مواليها. من جهة أخرى، فقد صور والد المتنبي كسقاء يحمل الماء على جمله ليبيعه، وهي وضعية أقل قيمة اجتماعيا، ويقدم نسب والد المتنبي بشكلين مختلفين تماما، يفترقان بشكل مثير عند جده. أكثر من ذلك، فقد قيل إنه عاش – وابنه المتنبي – في "خطة" (أرض مفروزة أو مقتطعة للاستيطان ضمن المدينة) قبيلة كندة، وهو قطاع وصفه أحد المصادر بأنه مأهول بالسقائين والنساجين (16).
كل هذه النقاط تفيد احتمال أن المتنبي لم يكن من سلالة عربية، وأن عائلته تنتمي بالتالي الى الطبقة الأدنى من المجتمع التي.كانت الغنوصية منتشرة فيها، من المفيد ملاحظة أن العديد من أتباع الغالية يحملون اسم قبيلة الجعني (17). من جهة أخرى، هناك اشارات مؤكدة انه كان بشكل ما على علاقة بأشراف العلويين في الكوفة: لقد أرضعته امرأة علوية: وقد داوم على فترات في مدرسة مخصصة لابناء "أشراف" الكوفة، وخلال فترة حياته القصيرة كمدع للنبوة وقائد ديني – سياسي، ذكر أنه زعم بأنه من سلاله العلويين (18).
هذه المعلومات اضافة لأجزاء أخرى من المعلومات تتعلق بصبا المتنبي، غير كافية لتوكيد ما هو حقيقي في هذه الفترة من سيرة المتنبي اذا تم استخدامها بشكل منفصل "كقاعدة" لمناقشة مجدية، لكن اذا أخذنا هذه المعلومات ككل فإنها تسمح لنا بتأكيد الشبه بأن المتنبي كان جزءا من الدائرة الشيعية الغنوصية في الكوفة والى حد ما مرتبطا بالاشراف العلويين في المدينة: واذا كان للمرء أن يقيم قصة زعمه للنبوة بين القبائل البدوية لصحراء السماوة، فإن النتيجة اللاحقة، لهذا السبب، يجب أن تؤخذ باعتبارها الأساس الذي ضمنه يصبح سلوكه اللاحق ذا معنى مفهوم. هذه ليست فكرة جديدة فالعديد من الباحثين اقترحوا وجود صلة ما للمتنبي بالقرامطة، لكن المعلومات التي لدينا مجزأة بشدة بحيث إن الرؤية الضرورية لملء الأمكنة الفارغة في الحكاية يمكن أن تقود المؤلفين العديدين الى اتجاهات متناقضة تماما: وفيما يرسم لويس ماسينيون في مقالته المشهورة "المتنبي، أمام القرن الاسماعيلي" صورة لشاعرنا كقرمطي "متخف" فإن الباحث المصري محمد محمد حسين، في كراس عن المتنبي والقرامطة يظهره على شكل متدين متعصب ومعاد للقرامطة (19). سوف نرى أنه رغم أن وجود صلة شيعية غالية محتمل جدا، فإن التصنيف القرمطي لا يبدو تصنيفا مفيدا جدا.
في المناقشة اللاحقة سوف تكون الفرضية انه عمليا كان هناك وقت في الفترة المبكرة من حياة الشاعر زعم فيه النبوة، وقد حصل أن واجهت هذه الفرضية التفنيد والانكار، خصوصا من قبل المتنبي نفسه، الذي قام في أواخر أيامه بنشر عدة تفسيرات للقبه كان المقصود منها ازالة العار والاحراج الذي يسببه هذا اللقب، الشيء الذي جعل منه هدفا سهلا للاستهزاء ضمن قسم من أعدائه. الشيء الذي جعل منه هدفا سهلا للاستهزاء ضمن قسم من أعدائه. المصادر التي تتناول المتنبي تضم، على أية حال، على الأقل، قصة واحدة يقترب فيها شاعرنا من الاقرار بالحماقة التي ارتكبها، في محادثة بين المتنبي والمحسن التنوخي (توفي 384/ 994)، جرت في الأهواز عام 354/965 قبل شهور قليلة من وفاة شاعرنا المفاجئة، يقول التنوخي:
"كان يتردد في نفسي أن أسأل أبا الطيب المتنبي عن تنبيه والسبب فيه، وهل ذلك اسم وقع عليه على سبيل اللقب، أو أنه كما كان يبلغنا، فكنت استحيي منه لكثرة من يحضر مجلسه ببغداد، وأكره أن أفتح عليا بابا يكره مثله. فلما جاء الى الأهواز، ماضيا الى فارس، خلوت به وطاولته الأحاديث وجررتها الى أن قلت له: أريد أن أسألك عن شيء في نفسي منذ سنين، وكنت أستحيي خطابك فيه من كثرة من كان يحضرك ببغداد، وقد خلونا الآن، ولابد أن أسألك عنه. وكان بين يدي جزء من شعره عليه مكتوب: "شعر أبي الطيب المتنبي".
فقال: تريد أن تسألني عن سبب هذا؟ وجعل يده فوق الكتابة التي هي "المتنبي" فقلت:
"نعم. فقال هذا شيء كان في الحداثة أوجبته صبوة (20). فما رأيت رهسمة (تلميحا) ألطف منها (21)، لأنه يحتمل المعنيين في أنه كان تنبأ واعتمد الكذب، أو أنه كان صادقا، إلا أنا اعترف بالمتنبي على كل حال قال: ورأيت ذلك قد صعب عليه، وتابع التنوخي. فاستقبحت أن استقمي وألزمه الافصاح بالقصة فأمسكت عنه (22).
من ضمن أشياء أخرى فإن رواية التنوخي تقترح علينا الخيارات المتعددة التي أخذها ومعاصروه في الاعتبار حول سبب لقب المتنبي، أولا، فهو يمكن أن يكون لقبا محضا وبسيطا بالمعنى الأدبي دون ارجاع الى معناه الحقيقي. المتنبي نفسه اقترح شيئا من هذا القبيل على صديقه اللغوي ابن جني (توفى 392/ 1002)، فعل أساس مما ذكره في تعليقا على ديران المتنبي فشاعرنا قد ادعى انه حصل على لقبه هذا بسبب بيت من أوائل شعره: "أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود" (23) والشاعر بوضوح يعني بالقول انه مثل النبي صالح، الذي لم يكن مقبولا من قومه، ثمود، الذين ارسل لهدايتهم، يشعر هو أيضا بالوحدة وقلة التقدير في جماعة باءت بالضلال التام. هل يعني البيت أيضا أنه شعر بأنه مرسل من قبل الله ؟ شيء يصعب تقريره، فدعواه الورعة: "تداركها الله" التي تترك كل شيء بشكل صريح لله تبدو وكأنها تشير الى أنه يريد تجنب هذا التأويل، في كلا الحالتين، يمكن للبيت أن يكون كافيا ليؤهله للقب المتنبي، لأن هذه ممارسة معروفة ضمن الشعراء العرب: العديد من المؤرخين ومنهم ابن الكلبي (توفي 204/819) ومناطقة مثل السكري (توفي 257/888) عرف عنهم انهم رتبوا قوائم كاملة لشعراء لقبوا بناء على كلمة أو فكرة في أحد أبياتهم (24) ومن المحتمل جدا أن المتنبي استخدم هذه الطريقة لشرح لقبه كغطاء لتمويه حقائق محرجة، وبالتأكيد، كما سوف نرى، فإنه لم يقابل بموافقة سريعة التصديق من كل الناس. يجب علينا، على كل حال، الا ننسى أن الخط محل المساءلة يمكن ويجب أن ينفك عن أي استخدام جرى الاعتياد عليه، سواء من قبل الآخرين (اذا كان الاسم حقيقة اشتق من هذا النسق) أو من الشاعر نفسه (اذا كان غطاء للتمويه فحسب)، وعند ذلك يغدو بحد ذاته منسجما مع ما تخبرنا به المصادر عن مغامراته "النبوية" الطائشة. الاحساس العميق بالغربة (أنا غريب)، ممزوج بتمرده وانسحابيته التي نجدها في عدد كبير من قصائده وحيث يشكل تشبيهه "بصالح" الحالة المناخية أو البيئية بحيث يجب اعتباره الحافز الباطني لانحرافاته الشبابية، ويمكن أن يكون العنصر المهم والمسيطر في شخصيته حتى نهاية حياته. وكما يصف الأمر ابن فراج (توفي بعد 347/ 1045)، مؤلف "التجنـي على ابن جني" فان المتنبي كان رجلا "مـر النفـس" (25).
المصادر تذكر تفسيرين آخرين للقب الشاعر، يحاولان تجاوز المعنى الحرف والواضح للقب. ولكن هذين التفسير ين يشبهان الألعاب الصغيرة التي لعبها المتنبي والبيئة المحيطة به لنزع فتيل الفضيحة من معناها العملي.
وسوف نحيل هنا الى المراجع (26). الاحتمال الثاني الذي يلمح التنوخي اليه هو افتراض أن الشاعر في نقطة معينة من ماضيه ادعى كونه نبيا _إما، كما يقول التنوخي صراحة، كدجال ودعي، أو كشخص آمن حقيقة برسالته. ونتيجة عدم وجود اعتراف من الشاعر نفسه، فإن الجواب على هذا السؤال غير ممكن تقريره، لكن اذا افترضنا أن شخصا يعلن صادقا انه نبي، فان هناك ثلاثة احتمالات لشرح سلوكا. ان يكون ساذجا أو أبله، أو أن يكون مريضا نفسيا، أو شخصا عاقلا ذا طموح سياسي – أو ذا إحساس بغضب من نوع أخلاقي، هذه التفاسير الثلاثة تم تطبيقها على حالة المتنبي، رغم أن الأول حصل بالخطأ.
لم يكن المتنبي بالتأكيد ساذجا، والقصة المضحكة التي تصوره بهذه الصورة مؤسسة على حالة خطأ بهوية الشخص. وحيث انني على أية حال، مهتم هنا بظاهرة النبوة المنتحلة عموما وليس فقط بما تعنيه في الحالة الخاصة للشاعر، فإن لدي مبررا ما لوضع الاحالة من المصدر هنا كاملة – والقصة هنا أيضا نموذجية عن نوع أدبي ليس منتشرا جدا ولكنه ملحوظ ضمن الأدب الحكائي، يهدف الى امتاع القاريء بالادعادات السخيفة غالبا بالجنون للانبياء الكذبة، وهو يشكل لهذا السبب نوعا مشابها للأنواع الأكثر تطورا التي تصور الأعمال الطريفة للبخلاء، والطفيليين والظرفاء، وسأتابع هنا القصة كما رواها كمال الدين بن العديم.
وقرأت في رسالة علي بن منصور الحلبي المعروف بدو خلة، وهي التي كتبها الى أبي العلاء بن سليمان، وأجابه عنها برسالة الغفران (27)، وذم فيها أبا الطيب المتنبي، وقال: وذكر ابن أبي الأزهر والقطربلي في التاريخ الذي اجتمعا على تصنيفه (كمصدر لما يقول) (28): ان الوزير علي بن عيسى (29) أحضره الى مجلسه فقال له: انت أحمد المتنبي؟ فقال. أنا أحمد النبي ولي علامة في بطني، خاتم النبوة، وأراهم شبيها بالسلعة على بطنه فأمر الوزير بصفعه فصفع وقيد، وأمر بحبسه في المطبق.
ثم طالعت (الضمير هنا عائد لأبي العلاء المعري) (التاريخ) المشار اليه فقرأت فيه حوادث سنة اثنتين وثلاثمائة قال: وفيها (سنة 302) جلس الوزير علي بن عيسى للنظر في المظالم وأحضر مجلسه المتنبي،وكان محبوسا ليخلي سبيله، فناظره القضاة والفقهاء فقال: أنا أحمد النبي، ولي علامة ببطني خاتم النبوة، وكشف عن بطنه وأراهم شبيها بالسلعة على بطنه فأمر الوزير بصفعه فصفع مئة صفعة وضربه وقيده وأمر بحبسه في المطبق.
فبان لي أن أبا الحسن علي بن منصور الحلبي، رأى في تاريخ ابن أبي الأزهر والقطر بلي ذكر أحمد المتنبي فظنه أبا الطيب أحمد بن الحسين، فوقع الغلط الفاحش لجهله بالتاريخ، فإن هذه الواقعة مذكورة في هذا التاريخ في سنة 302، ولم يكن المتنبي ولد بعد، فإن مولده على الصحيح في سنة 303، وقيل أن مولده سنة 301، فيكون له ان أبي محمد عبداالله بن الحسين الكاتب القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر ماتا قبل أن يترعرع المتنبي العمر سنة واحدة ويعرف.
وهذا المتنبي الذي أحضره علي بن عيسى هو رجل من أهل أصبهان تنبأ في أيام (الخليفة) المقتدر (حكم 295/908- 320/ 932) يقال له: أحمد بن عبدالرحيم الأصبهاني،ووجدت ذكره هكذا منسوبا في كتاب عبيدالله بن أحمد بن طاهر الذي ذيل به كتاب أبيه في تاريخ بغداد (30).
المعاملة السيئة التي عومل بها بطل القصة على يد السلطات ليست أبدا النموذج الغالب لهذا النوع من الحكايات عن مدعي النبوة، فغالبا ما يرحب ب "المتنبيين" لقيمتهم الامتاعية القليلة الفضائحية الممزوجة بعدم وجود ضرر منهم بحيث يصبحون هدفا للطرائف، بعد أن يتم توبيخهم للتخلي عن مزاعمهم ومحتمل أن يرافق ذلك جلدهم بضع جلدات للتأكيد، ثم يطلق سراحهم.
ومن المؤكد أن الرجل ذد السلعة في بطنه كان مكروها من قبل "الوزير الطيب" والا ما حصل له من سوء المعاملة ما حصل.
إن الزعم بحصول جنون جزئي عند شاعرنا جرب أيضا وسجلت محاولتان في المصادر، حيث تأسست واحدة منهما على افتراض حصول "مرض" جسدي، فيما بدت الثانية كحيلة لانقاذ حياته. واذا بدأنا بالافتراض الثاني، عن قصة رواها الشاعر الوحيد البغدادي (توفي (385/ 995)، وهو لهذا معاصر للمتنبي). وقد ورد ذكر هذا الشخص في ديوان المتنبي، ولكن ما لدينا عنه ليس غير ملاحظات وتصحيحات في تفسير ابن جني الذي حفظ ؤ أحد مخطوطات هذا العمل (حيث أشير اليه بـ "هاء" لتمييزه عن نص ابن جني) وهو متضمن في النسخة الأصلية المطبوعة (31).
وكما رأينا، فابن جني يذكر أن المتنبي اعتاد أن يشتق لقبه من البيت المشهور الذي يشبه فيه نفسه بالنبي صالح. وها هنا يعترض الوحيد على ذلك قائلا:
"اعتاد (المتنبي) أن يحمي نفسه بهذا، لأنه في الحقيقة ادعى النبوة في (مقاطعة) جبلة واللاذقية بين بداة بني القسيس وكتب لأولادهم مصحفا، وعندما سمع الحسين بن اسحق (32) بهذا الأمر، أمر بإخفائه بحيث يمكنه الهروب، لكن خادما من القصر اذاع قصته وأجتمع الناس على بوابته مطالبين به (باطلاقه) فأمر طبيبه بالخروج اليهم ليقول: هذا رجل يحتاج فصدا من ذراعيه ثم يقيه عدة مرات وسيكون ضروريا له أن يستنشق زيت بذر اليقطين لأن بداية ميلانخوليا وهي عارض جنون، وعندما قال الطبيب هذا، تبدد الجمع وهم يقولون: (انه رجل مجنون. أخيرا وحين ما عادوا يهتمون البتة، تركهم (المتنبي) الى دمشق ثم جبل جرش، حيث اختبأ لفترة، ثم عاد اليهم فارسا على مهر شابة قدمها له رجل من قبيلة طيء. ثم قدم على أبي العشائر (33) وبدأت شهرته من هناك (34).
من المؤسف أن هذا التقرير من معاصر للمتنبي تم تجاهله كلية، "الوحيد" لا يشير الى مصدره، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة لتقييم صدقية هذه الرواية، وكما سوف نرى أن قصة ادعاء المتنبي النبوة بين بدو منطقة اللاذقية وانه كتب قرآنا يثبت ويؤكد في تقارير أخرى أيضا. والدور الحامي للحسين بن اسحاق والأحداث اللاحقة تؤدي الى اشكالات من طبيعة تاريخية، سوف يتم التلميح لها بغموض في سياق المصادر الأخرى. والأمر الذي أردنا الاشارة اليه هنا هو ان نزع فتيل انفجار الخطر الذي يشكله ظهور نبي (دعي) – خطر، على حياته وكذلك على الاستقرار السياسي وحيوات الآخرين – يتم بالزعم بوجود مرض عقلي لديه. في حالتنا هذه يبدو أن الحاكم وطبيبه لم يؤمنا عمليا بحالة "الميلانخوليا" عند المتنبي ولكنهما استخدماها لحرف انتباه الغوغاء الذين يسعون لقتله (أو، محتمل الموالين لدعواه بالنبوة، لأنه ليس واضحا تماما لماذا طالب الناس به).
المحاولة الأخرى لشرح سلوك المتنبي كتعتيم مؤقت تأتي من الباحث العظيم والعالم البيروني (توفي بعد 442/ 1050) الذي يعرض تفسيره في "رسالة التعلل بإزالة الوهم في معاني نظوم عالي الفضل" (35). مناقشة البيروني في لقب المتنبي كما تم الاستشهاد بها من قبل كمال الدين بن العديم تتضمن جزءين سأقوم بمعالجة الأول لاحقا. وهنا الجزء الثاني.
ولم يذكر سبب لقبه – على صدقه، وانما وجه له وجها ما، كما حكى عنه أبو الفتح عثمان بن جني أن سببه هو قوله: "أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثموده" وانما (السبب وراء لقبه هو أن الخيوط (36) في رأسه كانت تديره وتزعجه، فتحين غيبة سيف الدولة في بعض غزواته، وقصد اعراب الشام، واستغوى مقدار ألف رجل منهم، واتصل خبره بسيف الدولة، فكر راجعا وعاجله، فتفرق عنه أصحابه،وجيء به أسيرا، فقال له: أنت النبي؟قال: بل أنا المتنبي، حتى تطعموني وتسقوني، فإذا فعلتم ذلك فأنا أحمد بن الحسين ! فأعجب بثبات جأشه وجرأته في جوابه، وحقن دمه، وألقاه في السجن بحمص الى أن قرر عنده فضله، فأطلقه واستخصه، ولما أكثروا ذكره بالتنبي تلقب به كيلا يصير ذما إذا احتشم أخفي عنه، وشتما لا يشافه به واستمر الأمر على ما تولى التلقب به.
قلت (ياقوت أو ابن العديم): الذي يقوله ابو الريحان (البيروني) عن المتنبي وانتظاره لغياب سيف الدولة في غارته، الخ، ليس صحيحا لأنه ليس هناك أحد من أهل الشام أو أي من المارين بالأقاليم ذكر حصول شيء من هذا القبيل من المتنبي خلال أيام حكم سيف الدولة في حلب وبلاد الشام، أو ذكر انه سجنه بعد اتصاله به، كل ذلك حصل في أيام لؤلؤ الأخشياي، حاكم حمص (37).
نقد ابن العديم (أبويا قوت) ذو قيمة ومن المقلق كون عالم ومؤرخ بشهرة البيروني يمكن أن يرتكب زلة مثل هذه من الممكن أنه كتب هذا العمل – الذي لا يختلف نوعا عن انتاجه الأدبي – في سن مبكرة، عندما كانت مصادر مهمة مثل "نشوار المحاضرة" للتنوخي (كتب خلال فترة عشرين سنة تقريبا بين 360/ 970 و 380/990) غير متوافرة عنده. وحيث إن هذا الجزء من القصة مشكوك فيه – وكل المصادر الأخرى تتفق على أن الجزء "النبوي" من حياة المتنبي كان قبل فترة طويلة من اتصاله بسيف الدولة – فإن المعلومات حول قلقا المرضي بالكاد يمكن أن تأخذ مصداقية رغم أنه ليس من الضروري أن تكون خاطئة. لنقل اذن أن افتراض التشوش العقلي كان أحد الأساليب للتعامل مع ظاهرة التنبؤ".
لا أحتاج للدخول في تفاصيل عن الحقائق التاريخية التي يمكن أخذها من المصادر والمتعلقة بالمرحلة "النبوية" لأن بلاشير قام بما يكفي في هذا الاتجاه (38). المصادر التي استخدمها تتضمن نصوص الحكاية – التاريخية وكذلك أشعار المتنبي التي هي من ترتيب الشاعر نفسه، وهي مرتبة تاريخيا وتسبقها غالبا سطور تحدد بعض الظروف التي نظمت فيها، والذي يتبين لنا من كل هذا انه بعد مجيئه الى الشام من بغداد حوالي 318/930، أحس المتنبي بانجذاب الى مدينة اللاذقية، حيث إنه وبالرغم من قلقه وترحله المتواصل، فقد عاد اليها عدة مرات: لقد وصل هناك للمرة الأولى في أواخر 319/ 931، حيث ألقى ثلاث قصائد على عامل المدينة الحسين بن اسحق التنوخي، وبعد استراحة قصيرة في طبرية عاد الى اللاذقية مجددا في وقت صار فيه ابن عم الحسين، علي بن ابراهيم عاملا، حيث امتدحه على سحقه لتمرد بدو بني القسيس، وأخيرا بعد زيارة حلب وانطاكية، عاد مجددا للاذقية في أواخر 321/933، حيث يبدو أنه اتصل بأبي عبدالإله معاذ بن اسماعيل الذي عن طريقه حصلنا على وصف جميل لزعم المتنبي بنبوته، مليء بالأشياء التي يصعب تصديقها. (ولأن هذه القصة مروية جيدا، ومن المحتمل جدا أنها ذات أساس تاريخي، فقد أضفت ترجمة لها في ملحق هذه الدراسة) اذن فهذا يمكن أن يكون الوقت الذي قرر فيه المتنبى~ القيام بمغامرته النبوية، وضمن ذلك القيام ببعض المعجزات (39). اذا كانت قصة الوحيد عن هروب المتنبي مبنية على واقعة حقيقية، فيظهر لنا أن شاعرنا كان قد تفحص السوق لبضاعته هذه خلال زيارته الأولى الى اللاذقية، رغم أن نجاحه كان ضعيفا بكل الأحوال، فإن قراره بإضافة بعد سياسي لادعائه الذاتي بقيادة روحية خلال زيارته الثالثة، للاذقية حصل بضم بعض من بدو قبيلة كلب في بادية السماوة وتحريضهم على تمرد مفتوح ضد السلطات كان بنو كلب معتادين على وجود الدعاة الشيعة من الفئات الأكثر تطرفا (القرامطة وغيرهم) وجاهرين للانتساب الى مشروع خروج على السلطة الحاضرة اضافة بالطبع الى رغبة النهب والسلب،. بعد ذلك بوقت قصير، لم يعد لؤلؤ الفوري، حاكم حمص ونائب الاخشيديين في المنطقة، قادرا على تحمل المزيد من هذا، وتحرك باتجاه هؤلاء مع جيشه. تشتت البدو واعتقل الشاعر حيث قضى سنتين بائستين في السجن (بدءا من 322/934 وحتى نهاية 324/ 936)، الى أن حصل على اطلاق سراحه وذلك عن طريق استرحام سياسي أرسل الى الحاكم اللاحق بعد لؤلؤ، اسحق بن كيغلغ، وطلب من المتنبي اعلان التوبة على العموم، وبعد أن شهدت توبته، أطلق سراحه. ومنذ ذلك الحين بالتجاور مع اتساع شهرته كشاعر، فإن لقبه "المتنبي" انتشر أيضا. لدينا، على أية حال، شهادة صريحة أنه في العام 315/937 لم يكن هذا الاسم معروفا في بلدته بالكوفة (40).
من سوء الحظ، فإن المصادر لا تخبرنا الكثير عن تعاليم ومزاعم المتنبي النبوية بشكل محدد، كما أنه ليس لدينا أية معلومات محددة عن التهم التي رفعت ضده وليس هناك وصف للمحاكمة نهائيا. وكما ذكر سابقا، فإن بعض الباحثين (بلاشير، ماسينيون، وطه حسين، اضافة لآخرين) قد خمنوا انه كان بالتأكيد قرمطيا، أو على الأقل ان لديه تأثرات قرمطية ولكنه يعمل لحسابه الخاص، توقيت وجغرافية وتقنية محاولته التي لم يتوافر لها النجاح للفوز وتغيير العالم يمكن أن تتناسب بالتأكيد مع هذه الفرضية، وكذلك أيضا مرحلة شعره التمردي (اصطلاح بلاشير) قبل قيامه بالعصيان. لكن في كل هذه الأشياء لا يتوافر لنا دليل صريح واضح، وهناك بالتأكيد حقيقة واحدة يمكن أن تواجه هذه الفكرة وهي بشكل دقيق مسألة تنبؤه. فمحرض قرمطي يمكن أن يكون أو يزعم كونه داعية مرسلا من قبل الامام، أو يمكن أن يزعم بأنه الامام نفسه – وربما حاول المتنبي ذلك، أيضا (41) لكن ادعاءه النبوة في هذ الحالة سيكون لا معنى له إلا إن كان يأمل أن يعتبر الامام السابع محمد بن اسماعيل، الذي كان متوقعا أن يعود بصفة "الناطق" السابع والأخير، والـ "نبي الذي يأتي بالشريعة"، والذي بصفته المهدي سيحكم العالم بالعدل، لكن لا شيء في النصوص التي تعاملت مع عصيان المتنبي يمكن أن يقترح هذا التفسير. والسؤال لهذا السبب يقوم في سياق أي فرقة دينية يمكن أن يكون لمزعم النبوة معنى؟ للاجابة على هذا السؤال، سندرس الآن الجزء الأول من مناقشه المتنبي لهذه المسألة (42) يكتب كمال الدين بن العديم ما يأتي وذلك بموافقة من ياقوت: "ذكر أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، ونقلته من خطه: ان المتنبي لما ذكر في القصيدة التي أولها: "كفى أراني ويك لومك ألوما".. النور الذي تظاهر لاهوتية في ممدوحه، وقال: "أنا مبصر وأظن أني حالم" ودار على الألسن، قالوا: قد تجل لأبي الطيب ربه! وبهذا وقع في السجن، و"الوثاق" (43) الذي ذكره في شعره: "أيا خدد الله ورد الخدود".
وقبل أن نأخذ نظرة أقرب الى القصيدة محل التساؤل، يجب أن نضع بسرعة ملاحظة على أن البيروني يبدو وكأنه يفترض حصول حبسين لشاعرنا، الأول – الذي ذكرناه قبل قليل – لا يتصل بشكل صريح مع مزاعم بالنبوة. يبدو على أية حال، انه بوضع هذه القصة ببساطة جنبا الى جنب مع الأخرى التي ذكرناها سابقا المتعلقة بفترة "نبوته" القصيرة انه يأمر للاشارة الى رابطة بين القصتين واحساسه يمكن أن يكون بالتأكيد صحيحا. يجب أن نضع في الاعتبار أيضا ضمن هذا السياق أن قصيدة "أيا خدد الله ورد الخدود" يفترض عموما أنها ألفت أثناء فترة سجن المتنبي بسبب مغامرته "التنبؤية" (44).
المقطع من القصيدة التي تم تجريم المتنبي عليها والذي يستشهد به المتنبي يجري وفق هذا الترتيب (45):
يا أيها الملك المصفى جوهرا
من ذات ذي الملكوت اسمى من سما
نور تظاهر فيك لاهوتيه
فتكاد تعلم علم ما لن يعلما
ويهم فيك اذا نطقت فصاحة
ويهم من كل عضو منك أن يتكلما
أنا مبصر وأظن أني نائم
من كان يحلم بالاله فاحلما
كبر العيان علي حتى انه
صار اليقين من العيان توها
الصورة واللغة في هذا المقطع يظهران بوضوح مبالغة كبيرة، الى درجة تجديفية. فالشاعر يقوم بالتلميح أن الممدوح هو مثل اله أو هو الاله نفسه.
ليست المبالغة التجديفية شيئا بعيدا عن الشعر المسمى بـ "الشعر المحدث" خلال زمن الخلافة العباسية، فأبو نواس أنتج نماذج شهيرة، وهناك أشياء أكثر في شعر المتنبي، أيضا (46) لكن هذا التأليه الصارخ للشخص يبدو حالة استثنائية. الوحيد البغدادي المعلق على الرواية محرج بالتأكيد من هذه الفضيحة، ورغم ذلك، فإنه يقدم تبريرا للشاعر، قائلا:
هذه القصيدة تثير الشكوك حقيقة، وهذه الكلمات ممجوجة في مديح بشر. السبب (بالنسبة له) أنه أراد استمالة الممدوح لكشف اعتقاداته الدينية (مذهبه) فلو قبل بهذا الوصف، فسوف يعرف أن
اعتقاده فاسد، واذا لم يوافق على المدح، فسوف يعرف أن اعتقاده ليس عدائيا (47). والذي يقترحه الوحيد لا يمكن الموافقة عليه أو مدح الموافقة، انه على أية حال، ليس محتملا كثيرا. نحن لا نعرف الكثير من الممدوح بالقصيدة. لقد كان شخصا يدعى أبا الفضل (هذا كل ما نعرف من اسمه). ويقول المصدر عنه، انه أضل المتنبي بعد أن ضل هو نفسه (48).
القصيدة من أوائل قصائد المتنبي، وربما أنه ألفها في الكوفة حوالي 315/927، حينما كان الشاعر في أوائل مراهقته، الكوفة، كما رأينا، كانت حاضنة للغنوصية الاسلامية، ونعلم أنه في أوائل القرن العاشر على الأقل فإن واحدة من الفرق الغنوصية، الفرقة الاسماعيلية، كانت قد بدأت بإعادة كتابة واعادة تأويل أساطيرها الغنوصية باللغة الفلسفية للافلاطونية الجديدة (النسفي، الذي قتل عام 331/942، هو المؤلف الاسماعيلي الأول المعروف لنا باستخدامه لنظام الافلاطونية المحدثة (49). تحت هذه الظروف فإن صفة المتفلسف يمكن أن تتناسب مع الوضع بشكل جيد. لهذا سوف نفترض أنه كان مرشدا ومعلما غنوصيا للمتنبي, سوف نلمح بشكل غير مباشر الى الصبي المجتهد في التعبير القادر على نظم الأبيات التي قرأنا. أو بشكل أكبر احتمالا، الشاعر الذي حاول دفع مرشده للتصريح عن نفسه، ولكن بالطريقة المعاكسة التي اقترحها الوحيد البغدادي، ومهما يكن الأمر، فإن نظرة أعمق الى الشعر نفسه تكشف حقيقة مهمة لم تستثر اهتماما كافيا في المناقشات عن اعتقادات المتنبي المبكرة، رغم أنه واضح تماما، فما يصفه المتنبي هو تجلي شخص بشري كاشفا عن الوهيته، هذه الفكرة من طبيعة أجنبية غريبة عن الاسماعيلية، التي لم تكن تؤمن بألوهية علي والائمة، لكنه معروف في تقاليد الفرق الأخرى الغنوصية، من الغلاة كما يلقبهم أعداؤهم بالضبط بسبب تأليههم للائمة. في تقاليدهم التي نعرف عنها جيدا حاليا (والشكر في ذلك يعود الى هاينز هالم)، ان معجزة تجلي الامام في حضرة أحد أنصاره هو شيء ممكن عموما هناك قصص، خصوصا عن الامام الخامس محمد الباقر (توفي 114/ 732 أو 117/ 735 في المدينة) في كتاب "أم الكتاب" الذي في أجزائه الأكثر قدما، يتواجد واحد من العملين الاصليين للغلاة الكوفيين، فإن محمد الباقر مصور في تجليه حيث يحول نفسه بنجاح الى محمد وعلي، وفاطمة والحسن، والحسين، أي الخماسي الذي يمثل جوارح الاله الأزلي (50). يمكن أنه لم يحصل بالصدفة أن "الجوارح" (رغم أنها تشير الى كلمة أخرى: الأعضاء). تلعب دورا مهما في وصف المتنبي الشعري، أيضا كل هذا بالطبع، مازال يشكل أساسا ضئيلا لاعتبار المتنبي "غاليا" ولكن هناك أيضا زعمه "النبوة" وكما رأينا، في كل الفرق المعتدلة ضمن الاسلام هناك مكان لنبي بعد نبي. لكن الأمر مختلف مع هؤلاء الذين يؤلهون الائمة: فأي داعية يقوم برفع قضيتهم ويتحدث اليهم يمكن بشكل معقول أن يسمى "نبيا" واذا نظرنا الى تاريخ "الغلاة" نجد بالتأكيد أن الأنبياء موجودون (51). وهكذا يبدو لي محتملا أنه عندما أعلن المتنبي نفسه نبيا، فقد قام بذلك بحسب تقاليد الفرق "الغالية". نحن نعلم أن طوائف متعددة من هذه الفرق الغنوصية، خصوصا اتباع اسحق الأحمر (توفي 286/ 899) وابن نصير (توفي حوالي 250/ 864)، انتشروا في منطقة حلب واللاذقية، ومن حيث جغرافية الهراطقة فإن كل هذه الحقائق تجد مكانها المناسب (52)، والنصيريون، بالطبع، مازا لوا يسكنون المناطق الساحلية المحيطة باللاذقية الى هذه الأيام. ليس في قصدنا هنا، على أية حال تصنيف شاعرنا ضمن أحدى هذه الطوائف، فالمصادر لا تقدم مفتاحا للجواب على هذا السؤال، أكثر من ذلك، قد يبدو انه بالنسبة لشخص وهب هذا التهور وهذا الصوت، شديد المرارة، فإن من الصعب أن يكون قد ربط نفسه الى فرقة منظمة مع قواعد ثابتة. الذي نقترحه هنا، اذن ان افكارا غنوصية شيعية موجودة حوله قدمت الأساس بشكل قطعي لتفكيره وحرضته ليحاول انقاذ العالم ضمن الخطوط التي تدعو اليها هذه الدوائر. قد يخمن المرء أن المتنبي اعتبر أبا الفضل امام "ـه" الالهي، وربما كان هذا الاحساس كمن وراء التقدير الخاطيء بشكل غريب للبيروني، لكن ليست هناك رابطة واضحة بين قصيدته في أبي الفضل و"تنبيه".
سواء تم الغاء هذه المرحلة من حياة المتنبي، كما حصل بتوبته الرسمية، أو، على العكس، ان كان لها تأثير تكويني على باقي حياته، وخصوصا في شعره، فهذا سؤال يظل محتاجا للدراسة في العمق. ماسينيون الذي كان أول من تطرق لهذا السؤال، كان يبل لفكرة أن اللهجة المرة والمتغرسطة التي تغمر العديد من قصائد المتنبي تخون الاحساس الأساسي للمباديء الأولية الغنوصية (القرامطة، بحسب ماسينيون) الذين هم الأكثر "معرفة" وحكمه، حاليا أود الاقتراح بانه كان هناك استمرارية ثابتة في "منظومة أفكاره" رغم نقلته من الروح التمردية الى حالة انسحابية (غالبا ما كانت تمردية بالقدر نفسه). المرارة الأسيانة في روحه، التي راها ابن فراج، تشير الى الفقد والى انكشاف الأوهام، بعد أن صار غير قادر على فتح العالم الحقيقي كقائد نبوي، فإن محاولته الأكثر نجاحا بكثير "لاخضاع" عالم الشعر من المحتمل أنه كانت محاكاة وبديلا بالنسبة له:
وربما كان المتنبي اعتبر سخرية فظة لو شهد مريده المتعصب أبو العلاء المعري، يدعو ديوانه بطريقة ملتبسة بريئة بـ "معجز أحمد" (54).
ــــــــ
* وولفهارد هاينريش، بروفيسور اللغة العربية في قسم لغات الشرق الأدنى والحضارات، جامعة هارفارد. قائمة منشوراته تتضمن: Dichtaug und griechische poetix (1969) "يد الريح الشمالية: آراء في الاستعارة والمعنى المبكر للاستعارة في الشعرية العربية" (1977)، و"في أصول الثنائية حقيقة مجاز" Studia islamic 59 (1984). وهو يعمل حاليا على دراسة شاملة حول النظرية الأدبية العربية القروسطية والدراسة مترجمة عن كتاب «شعر ونبوة: بدايات تقليد أدبي» من تحرير جيمس ل. كوغل.
الهوامش
1- بدلا من قول "مسلمين" سيكون اكثر دقة استخدام تعريفات أقل مباشرة مثل "الناس الذين يزعمون الولاء للاسلام"، لأن فرقا تؤمن بوجود أنبياء، بعد محمد تعتبر غير مؤمنة بالنسبة للباقين هذه الاشكالية نفسها جعلت الاشعري (توفي 324/ 935) وهو واحد من مؤسسي علم الكلام في المذهب السني، يبادر لتسمية عمل له بـ"مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين"، متجنبا التحيز في مسالة من يمكن له أن يسمى مسلما. ويجب الملاحظة أن التكفير غير محبذ في الاسلام عندما تكون هناك شكوك تتعلق بعلاقة المسلم بربه.
2- انظر: ا. جي. ونسنك في Concordance de le tradition musumance, vol. (Lieden 1966 – 69), 4.321 1-3.
3- مادة «الهام» في انسكلوبيد – الاسلام"، (لايدن – 1960)، وهي على اية حال، موجزة وغير مرضية، الالهام طريق اختياري في اكتساب المعرفة: وهو المفضل عند الصوفيين – وهو يختلف بالمقارنة عن التعلم ويوصف الى حد ما من قبل العالم العظيم المؤيد للتصوف الغزالي (توفي 505/ 1111) في فصله المعنون «شرح عجائب القلب»، في عمله الأشهر «احياء علوم الدين». هذا المقطع محل التساؤل ترجمه للانجليزية رتشارد جي. مكارثي، س.ج، "الحرية والانجاز (بوسطن 1980)، ص 78- 381. والمؤلفون الذين كانوا غير متعاطفين مع مزعم الصوفية بتلقي المعرفة بالالهام يفضلون الحديث عن "الوساوس" و"الخطرات" أو العكس، ويقوم بايارا دودج في ترجمته "لفهرست" ابن النديم (كتب عام 377/988) بالاشارة بقسوة نوعا ما الى هذه الممارسات باعتبارها "نوبات مرض عقلي وهلوسات". انظر "فهرست ابن النديم" (نيويورك 1970). ا 455.
"الخطرات" تعني ببساطة "أفكارا فجائية" وهي لا تفترض وجود مصدر محدد، بينما تشير كلمة "وساوس" عادة الى "همس" و«دس» الشيطان، وهكذا يتم التشكيك بالالهام بوضع الشك في مصدره.
ابن الجوزية (توفي 597/ 1200 في كتابه «تلبيس ابليس»، يرفض كتابات الصوفية، مستوحيا مدرسة أحمد بن حنبل (توفي 241/ 855)، وذلك بالقول ان اهل الجيلين الأولين من الاسلام لم يتحدثوا عن الوساوس والخطرات. وهكذا فإن هذا يعني بالنسبة له انهما مصدران غير شرعيين للمعرفة، انظر د. س. مارغليوث، ترجمة «تلبيس ابليس لابن الجوزي». «الثقافة الاسلامية» 10 (1936): 358.
4- انظر مساهمة مايكل زوتلر في هذا الكتاب (المقصود كتاب «شعر ونبوة» الذي اقتطعت منه هذه الدراسة).
5- عن دور جبريل هذا، انظر وولفهارد هاينريش، (Arabische Dichtunge and griechische). (فايسبادن (1969)، ص 34- 35. أيضا عرفان شهيد "الشعر العربي كوسيلة نقل للدعاوة الدينية في بدايات الاسلام"، وعلى اية حال يمكن ان يفهم من المؤلف أنه يقترح ان جبريل استمر بكونه مصدرا للالهام بالنسبة للشعراء المسلمين الآخرين. بقدر معرفتي بالأمر، فهذه ليست بالنقطة المهمة -على الأقل في العالم العربي. الشعراء الفرس تناموا لاحقا باحياء الفكرة وصرحوا بأن ملائكة كهمهم (الملاك جبريل او الملاك الزرادشتي ساورش) أو يلهمهم الخضر.
6- حول الاستخدامات المتعددة لكلمة "الشيطان" في هذا السياق. انظر. اغناز غولدزيهر، Abhaudlungt–n Zur arab:tschen, Philologiei القسم الأول (لايدن 1896) ص ص 7-14.
7- هكذا في «رسالة التوابع والزوابع». حيث يخبر الشاعر الاندلسي ابن شهيد كيف أن تابعه اخذه الى أرض الجن حيث يقابل أرواح الشعراء المشهورين الآخرين.
8- هكذا يرد في القسم الايبستمولوجي في بداية "أصول الدين" للعالم عبدا لقاهر البغدادي (توفي 429/1038) وكذلك «أصول الدين» (استانبول 1346/1928). ص ص 14-815
9- انظر: ماينويش، Arabisch Dichtung ص 47-48.
10- هذا المعنى الخاص للاشتقاق الخماسي لم يحصل على دراسة كافية في القواعد الموجودة، ويليام رايت، قواعد اللغة العربية، المشبعة الثالثة، المجلد الثاني، (كامبردج – 1955) لا يقوم بذكره بشكل صريح ولكن امثلته تحتوي مواد ذات علاقة، مثل كلمة تنبي "قدم نفسه كنبي"، وتحلم "حاول الحصول، أو يدعي الاعتدال" في الحالة الثانية، يقدم رايت التذبذب السامي بين المحاولة المخلصة أو البريئة وبين الادعاء. وولفدايترك فيشر في Grammatik des -Klassischen Arabisch (فايسبادن، 1972) ص 88، يعرف معنى هذه الفئة من الفعل الخماسي على انه "المحاكاة (Sieh Verstellen) التي تبدو أحادية الجانب كثيرا، اللخويون العرب قاموا بتعريف الجذر الاساسي على أنه "التكلف"، الذي هو نفسه فعل خماسي، بمعنيين أيضا: «اقتباس شخص ما» وتصنع، ادعاء" رفي الدين الاستراباذي (توفي 686/1287) وهو واحد من أهم علماء النحو، يفضل بدلا من ذلك فكرة "الانتساب" على سبيل المثال موضوع الفعل (مثل: تحلم) تنسبه – ينسب نفسه الى فكرة (الحلم) أو بكلام آخر، يعزو اليه هذه الصفة، هذا التعريف يحتوي بالتأكيد على ميزة تحييد الثنائية "اقتباس" عن "تشابه" حيث يشملهما معا، انظر كتابه «شرح شافية ابن الحاجب». تحرير محمد نور الحسن، 4 مجلدات (بيروت 1395-1975) المجلد الأول ص 104-105.
11- ادم ميز Die Renaissanse de Islarn تحرير هاينريش ركندورف (هايدلبرغ 1922)، الترجمة الانجليزية، «عصر النهضة الاسلامي»، ترجمة س خودا بخش ودافيدس. مارغليوث (باتنا، الهند 1937).
12- الدراسة الأحدث للحياة الثقافية لهذه الفترة التاريخية يمكن أن نجدها في كتاب جويل كرايمر "الهيومانزم في عصر النهضة الاسلامي" (لايدن، 1986).
13- برنارد لويس. "العرب في التاريخ" (1950، اعادة طبع، لندن 1958). ص 99، الفصل 6. موجود ضمن علامات تعليق qutation marks ولذلك فهذا يفترض أنه قصد به التلميح الى عنوان قصيدة شلي. والفصل هذا نفسه يعالج موضوع الحركات المختلفة للسخط والعصيان ضد النظام العباسي التي بلفت ذررتها في الدولة الاسماعيلية في القرن التاسع.
14- المتنبي واحد من الشعراء القروسطيين العرب القلائل الذين لهم دراسة بحجم كتاب في اللغات الغربية. رجيه بلاشير، Un Poete arabe du lve siecle de hegire: أبو الطيب المتنبي (باريس 1935) والعنوان الفرعي للكتاب (مقالة في تاريخ الأدب) تشير الى الوجهة السيرة – تاريخية التي اختارها المؤلف، هناك محاولات مشابهة عديدة لباحثين عرب، خصوصا الدراسات الرئيسية الثلاث لمحمود شاكر، عبدالوهاب عزام، وطه حسين، التي نشرت بالعلاقة مع ألفية المتنبي عام 1936 ( 1354 هجرية، وقد توفي عام 354هـ) والدراسة المفيدة خصوصا هي الطبعة الثانية من كتاب «المتنبي» لمحمود شاكر. القسم الثاني: (القاهرة، 1977) التي تحتوي مسرد المؤلف وتوثيقا للنزاع الأدبي الذي اشعله هذا الكتاب، اضافة الى –والأكثر أهمية – لنا – ثلاث سير قديمة وغير منشورة حتى الآن لشاعرنا، أخذت من المصادر التالية: "بغية الطلب في تاريخ حلب". للمؤرخ الحلبي كمال الدين بن العديم (توفي 660/ 1962) و" تاريخ مدينة دمشق"، لابن عساكر (توفي 571/1176). و"المقفى" وهو عمل ضخم غير منته للمؤرخ المصري المقريزي (توفي 845/1442) قصد منه ان يحتوي سير كل الأشخاص المشهورين الذين عاشوا في مصر. وهذه الأعمال الثلاثة مكتوبة في مرحلة لاحقة، لكنها تحتوي مواد من مصادر أبكر غير متوافرة لنا بسبب ضياعها. ابن العديم، خصوصا، اثبت كونه قيما جدا بسبب غناه التفصيلي في الاشارة، وكان مساعدا لنا جدا في بحثنا، أيضا مجموعة لنصوص قديمة ذات علاقة بالموضوع لعبد الله الجبوري، "أبوالطيب المتنبي في أثر الدارسين" القسم الأول (بغداد، 1977).
15- في هذا التقييم، اعتمد على المبحث الاكثر جدة لهاينز هالم، خصوصا Die islaische Gnosis: die Schia und die Alawiten (زيوريخ 1982) عن دور المدائن والكوفة كحاضنة للغنوصية الاسلامية المبكرة، انظر ص 16/18.
16- التقييم الأكثر موثوقية حول نسب المتنبي هو الذي يقدمه النحوي والمختص بالمتنبي أبو الحسن علي بن عيسى الربعي (توفي 420/ 1030) الذي عرف المتنبي في شيراز، ويرد في "بغية الطلب"، لكمال الدين بن العديم، وذلك في كتاب "المتنبي" لمحمود شاكر:
"أخبرنا صديقنا أبو الدور ياقوت بن عبدالله الرومي، مولى الحموي البغدادي قال: رأيت ديوان ابي الطيب المتنبي بخط أبي الحسن علي بن عيسى الربعي. قال في اولة: "الذي أعرفه عن نسب أبي الطيب أنه: أحمد بن الحسين بن مرة بن عبدالجبار الجعفي، وكان يكتم نسبه، وسألته عن سبب ذلك فقال: إني أنزل دائما بعشائر وقبائل من العرب، ولا أحب أن يعرفوني، خيفة أن يكون لهم في قومي ترة. ويتابع (الربعي) واجتزت أنا وأبو الحسن محمد بن عبيدالله السلامي الشاعر على الجسر ببغداد، وعليه من جملة السؤال رجل مكفوف. فقال لي السلامي: هذا المكفوف أخو المتنبي، فدنوت منه فسألته عن ذلك فصدقه، وانتسب هذا النسب وقال: "من هنا انقطع نسبنا"، وكان مولده (المتنبي) بالكوهة في (قاطع) كندة سنة ثلاث وثلاثمائة، وأرضعته امرأة علوية من الى عبيدالله).
هذا بالمناسبة، هو التقرير الوحيد الذي يشير الى أخ للمتنبي وكونه شحاذا يمكن أخذه، رغم أنه ليس بالضرورة قد حصل باعتباره اشارة الى الحالة الاجتماعية المتأنية لعائلته. قاطع كندة الذي قيل أن شاعرنا ولد فيه يصفه أبو الحسين بن النجار (توفي 402 / 1011)، مؤلف "تاريخ الكوفة" باعتباره يتألف من ثلاثة آلاف منزل يسكنها السقاؤون والخياطون، وهذا الاقتباس من الكتاب الضائع لابن النجار يورده أبو القاسم عبدالله بن عبدالرحمن الاصفهاني (توفي بعد 410 / 1019): في "الواضح في مشكلات شعر المتنبي"، من تحرير محمد الطاهر بن عاشور (تونس 1968)، من 6 رغم أن هذا بالتأكيد خبر مبالغ فيه ولا يمكن أخذه بحرفيته، فهو يعكس البيئة الاجتماعية الغالبة في القاطع ويتطابق، مع الاخبار عن أن أبا الشاعر كان يكسب عيشه من العمل سقاء، ويجب أن نلاحظ هنا أن شاكر يعتبر هذه الروايات افتراءات مخترعة من قبل الكاتب المشهور المحسن التنوخي (توفي 384/ 994)، الذي هو المسؤول عن بعض هذه الروايات والذي ينتمي الى دائرة شخصيات الأدب في بغداد التي كانت معادية للمتنبي. التناقض الموحي في هذه الروايات هو ان والد الشاعر يظهر فيها باسم عيدان، وليس الحسن. وهناك على أية حالة شهادة مستقلة عن هذا الاسم في قصة ضمنها الناسخ محمد بن علي بن نصر الطالبي (توفي 437 / 1045) في مجموعته عن روايات مشهودة عيانا عنوانها "المفاوضة" وهي تخبرنا كيف أن الشاعر النامي (توفي 399/1008) فقد مركزه باعتباره الشاعر المفضل في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب للقادم الجديد المتنبي، وكيف أنه وقد امتلأ بالمهانة، سأل راعيه الحمداني السابق كم تفضل علي ابن عيدان السقاء؟ (في: شاكر، المتنبي 2، 222) فرادة الاسم، وهي نقطة لصائح أمالته، وقد أدى الى اغلاط في لفظه من حين لآخر في المراجع والمناقشات حول طريقة نطقه الصحيحة، انه يحمل معنى عيدان الشجر أو النخيل، ومن الواضح أنه لقب، رغم أننا لا نعرف شيئا عن سببه، كون الرجل ينتسب حقا لقبيلة جعني تزعمه رواية نقلها المحسن التنوخي نفسه الذي يفترض شاكر انه على عداء مع شاعرنا. لا نعرف لماذا عاش في (خطة) كهذه، ولكنا يجب أن نشير الى أن خطة مذحج، حيث يتواجد القسم الأكبر من جعني، كان موقعها بعد موقع كندة في جانبها الغربي.
17- من بين عديد: جابر بن يزيد الجعني، المفضل بن عمر الجعني، ومحمد بن الفضل الجعني، را: هالم، ص 96، 14 2، و302.
18- المصادر هي: الربعي (شاكر المتنبي 25-2) الاصفهاني (الوحيد ص 6) والمحسن التنوخي (شاكر 256-2).
19- لويس ماسينيون في (al-mutanabbi: devant aloccasion de san le siecle ismaelien de I’Islam) millenaire (بيروت 1936) ص 1-17، 55-86، محمد محمد حسين "المتنبي والقرامطة" (رياض 1406/ 1981) ص 76- 872
20- اتبعت مفردة "صبوة" الواردة في "نشوار المحاضرة" للمحسن التنوخي، تحرير عبود الشالجي، القسم الثامن (بيروت، 1393/1973) 198- 8 اذا تم اعتماد التفريغ س و ر ة، الذي يظهر في كل نظائر هذه الرواية المعروفة لي (حتى في الطبعة المبكرة في القسم ذي العلاقة في "نشوار المحاضرة"، "الجزء الثمين" (دمشق 1348/ 1930) ص 118)، من المحتمل أن تقرأ سورة: "ميل، رغبة" وليس صورة: "شكل معين، صفة" كما يقرأها شاكر. وهو يشبهها بـ "صفة" ويحيلها بذلك الى «الشباب»، را، المتنبي 214-2. لاحظ أن "صبوة" تتضمن الرغبة الحمقاء" مما يجعلها مرادفا قريبا لـ"سورة".
21- المفردة الواردة في المخطوط لا معنى لها "دهسمة". ويقترح شاكر بدلا من ذلك "رهسمة" التي تشرحها القواميس بـ "معلومات غير مكتملة".
22- المقريزي "المقفى" في شاكر، "المتنبي2، 344 هناك عدة طبعات من هذه القصة، ويجب أن أعترف أنني اخترت هذه القصة بالذات، رغم أنها شهادة متأخرة، ليس لسبب أكثر من طابعها الأدبي. المحسن التنوخي الذي قام بهذه المقابلة مع المتنبي سجل الحدث نفسه في مجموعة حكاياته وقصصه (نشوار 198,8) كما يلي:
"فأما أنا فإني سألته بالأهواز في سنة أربع وخمسين وثلاثمئة عند اجتيازه بها الى فارس، وفي حديث طويل جرى بيننا عن معنى "المتنبي" لأني أردت أن أسمع منه هل تنبى أم لا، فأجابني بجواب مغالط لي، وهو أن قال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصبوة: فاستحييت أن استقصي عليه وأمسكت". ورواية المقريزي الأكثر اسهابا ليست بالضرورة أقل أصالة ومصداقية، ونحن نعرف هذا بفض النظر عن المادة الموجودة في "نشوار المحاضرة" فهناك أجزاء أخرى من المعلومات عن المتنبي يمكن متابعة أثرها وصولا الى التنوخي. والأخير بالتأكيد أورد هذه القصة عدة مرات، لأنها مسلية ومهمة للجمهور كثيرا، ويعمل ذلك، فإنه يكون قد قام بنشر هذا الخبر في عدة اتجاهات.
23- ابن جني "الفسر" تحرير صفاء خلوصي، مجلدان حتى الآن (بغداد، 1398/1975)، 322,2. وكما يشرح ابن جني الأمر "اعتاد أن يقول أنه في هذه الأبيات سمي المتنبي". المؤرخ ابن الثعالبي في "يتيمة الدهر في محاسن العصر"، تحرير محمد محيي الدين عبدالحميد المجلد الرابع الطبعة الثانية (القاهرة، 1375 – 1377/1958)، I، 129، يعلق ابن جني بشكل مختلف نوعا ما:
سمعت أبا الطيب يقول: إنما لقبت بالمتنبي لقولي: «أنا معدن الندى ورب القوافي وسم العدى وغيظ الحسود أنا في أمة.. الخ».
وفي هذه القصيدة نفسها يقول أيضا:
"ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود" والبيت الأخير المذكور، الوارد في القصيدة في موضع أسبق، هو بالطبع مشابه بالمعنى لبيت "صالح في ثمود" والشاعر الشهير والمعجب بالمتنبي ابو العلاء المعري (توفي 449/1057) في كتابه "معجزة أحمد" وهو شرح على ديوان المتنبي، يقول ان بعض الناس ادعوا أن هذا البيت هو سبب لقبه، فيما يفضل البعض الآخر بيت صالح (استشهد به صفاء خلوصي في تحريره على ابن جني، "الفسر" 2, 214).
24- را: فؤاد سزكين Geschichte des arabischen Shrifttums مجلدات حتى الآن (ليدن 1967)، 2, 98- 100.
25- استشهد به ابن العديم، في شاكر "المتنبي"، 77، 202، وفي "ابن عساكر" المرجع نفسه، 2، 334.
26- تقليد يزعم أبو العلاء المعري في "رسالة الغفران" انه سمعه: حيثما سئل (المتنبي) عن حقيقة لقبه، فإنه كان يجيب أنه اشتق من "النبوة" او «الجزء البارز من الأرض»، ولا اعرف شهادة أخرى عن هذه القصة وربما اخترعها المعري، الذي يعرف بالتأكيد أنه حتى كلمة "نبي" اعتبرها بعض اللغويين مشتقة من هذا الجذر اللغوي. وبهذا المعنى فإن لقب شاعرنا سيعني "المبرز والأعلى من غيره".
القصة الثانية يستقصيها ابن العديم (شاكر، 267.2- 228) وصولا الى المؤرخ والفيلسوف الشهير مسكويه (توفي 426/ 1010)، الذي يشير الى أن المتنبي سئل (بحضوره على ما يبدو): «على من تنبأت ؟ قال: على الشعراء. فقيل: لكل نبي معجزة، فما معجزك ؟ قال: هذا البيت، ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد». رغم ان هذا البيت لا يهز القاريء باعتباره نموذجا فريدا لا يضاهي في الشعر (وهو في الواقع انتقد لاستخدامه غير المنطقي لكلمة الصداقة، بدلا من كلمة المداراة)، فإن المرارة والاحتجاج اللذين يعتليء البيت بهما يرنان فيه بالرؤية المعتمة التي يرى الشاعر فيها الى مجتمعه المعاصر له، ولهذا فإنه ليس من دون سبب أن شاعرنا اختار هذا البيت بالذات ليقوم بنوع من المجاز.
27- نشرت رسالة هذا الرجل "المعروف بدو خلة" والمشهور بابن القارح (توفي بعد 421/ 1030) مع رد المعري الاضخم بكثير، «رسالة الغفران» (انظر ص 21-68) الفقرة ذات العلاقة موجودة في ص 29- 30، والكلمات تختلف نوعا ما عن تلكم التي عند ابن العديم الذي على الأغلب يستشهد بالقصة من الذاكرة.
28- يبدو أن لدينا تصديقا لهذا «التاريخ» عند ابن القارح وابن العديم فحسب. ابن ابي الأزهر (توفي بعد 313/925-926) مذكور في الفهرست، ولكن لا يوجد عنوان مناسب مفهرس عن أعماله. تم أخذ تعريف القطربلي من بنت الشاطيء في تحريرها "لرسالة الغفران" ص 418، في أبو الحسن أحمد بن عبدالله بن الحسين القطربلي (لا توجد تواريخ)، انظر الفهرست، ترجمة دودج، 1، 272 الذي اعتبر بالتأكيد «تاريخا حتي ايامه». ابن العديم، على أية حال، الذي زعم أنه قرأ هذا "التاريخ" يقدم أبو محمد عبدالله بن الحسين باعتباره اسم المؤلف، وربما كان أبو أحمد. راجع أيضا على هذه المسألة فرانز روزنتال، "تاريخ لعلم التاريخ الاسلامي" الطبعة الثانية (ليدن 1968)، ص 73.
29- مسؤول كبير في الدولة ووزير لمرتين للخليفة العباسي المقتدر. مات عام 334/946 في عمر تسعة وثمانين.
30- في شاكر، 2، 268-69 في عبيد الله (توفي 313/925-26) وهو ابن والده الأشهر ابن أبي طاهر طيفور (توفي 380 /893)، انظر روزنتال، "علم التاريخ الاسلامي" ص 462.
31- هلموت رتر Philologica xiii: Arabische hardschriften in Anatolien und Istanbul يعتقد أن ابن جني استخدم تعليق الوحيد بشكل انتقادي، يبدو على أية حال، ان الوحيد يشير بشك صريح غالبا الى ملاحظات ابن جني، ليقودنا للاستنتاج أن الوحيد نفسه أو شخصا آخر غيره قام بدمج ملاحظاته مع نص ابن جني، ودمج مثل هذا تؤيده الاشارة الى عمل الوحيد باعتباره "اصلاحا" في المخطوط الذي يصفه رتر.
32- حاكم اللاذقية (توفي تقريبا 368/978)، الذي مدحه المتنبي، انظر بلاشير،(Un Poete)، ص 44-45.
33- أمير انطاكية عن ابن عمه سيف الدولة، حاكم حلب الحمداني.
34 – ابن جني "الفسر" 2, 322. النص كا هو مطبوع في هذه الطبعة مشوه بعدد من الأخطاء الطباعية والاملائية، فنجد مثلا بدو بني القسيس "تدو القساس" (الأسطر 4-5) وخفية بدلا من "خفيه" وبابه بدلا من "ما به" وجرش بدلا من "حزس" وغلب بدلا من غلب.
35- هذا العنوان غير مذكور بالارتباط مع الفقرة الأولى التي استشهد بها هنا، لكنها تحصل في فقرة أخرى يقتبسها ابن العديم عن "معجم الأدباء" لياقوت، تحرير أحمد فريد رفاعي (القاهرة، 1937)، 17، 185، السطر 12، "وعجالة" في طبعة مرغوليوث كما يستشهد به كاول بروكلمان Geschichte de arabischen Litterature, لملحق المجلد (الأول (ليدن، 1936:، ص 875. انا أميل الى هذا التنويع، ولكن بترجمتي للعنوان، على سبيل التجربة، باعتبار اننا في المجهول فيما يتعلق باهتمامات المؤلف في هذا العمل الذي ضاع أغلبه بالنسبة لنا.
36- الكلمة هي "خيوط" والقواميس تزودنا بـ "خيط الرقبة" أو الحبل الشوكي. والترجمة المؤقتة "أعصاب" مؤسسة على هذا التعريف.
37- الاقتباس موجود في شاكر 2، 358.
38- انظر بلاشير، «شاعر» ص 57- 84. وأن استخدمت تزمين بلاشير لهذه الأحداث، رغم أن هناك بعض الاختلافات بين الباحثين حولها.
39- ثلاثة منها رواها المعري "رسالة الغفران" ص 423 – 424. الأحداث "الاعجازية" الثلاثة (سياقة جمل فائح، واشفاء جرح بالتفل عليه، وقتل كلب عاو عن بعد) يمكن للمرء أن يرى بسهولة موقف المعري الضاحك عند روايتها.
40- الشاعر والفقيه الناشيء الأصغر (توفي 365/ 975 أو 366/977) يروي انه أثناء تلك السنة حضر المتنبي مجلسه في الكوفة، وكان وقتذاك غير مشهور ولم يكن قد عرف بلقبه. انظر ياقوت، معجم الأدباء (القاهرة، دون تاريخ)، 13، 290-291.
41- المحسن التنوخي يروي عن لقاء مع القافي أبو الحسن بن أم شيبان الهامشي الكوفي بعد موت المتنبي بسنتين. خلال هذا اللقاء يخبره القافي: "وقد كان المتنبي لما خرج الى كلب وأقام فيهم، ادعي (في البداية) أنه علوي حسني، ثم ادعي بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي، الى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعويين" (انظر الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، والاقتباس هنا من الجبيري، ص 143، هذه القصة بالذات ليست مضمنة في كتاب التنوخي "نشوار المحاضرة").
بادعائه نسبا الى علي فمن المحتمل انه أمل أن يتم اعتباره الامام، الحاكم الشرعي والروحي المؤقت للعالم (مركز في معتقدات الشيعة "الغلاة" من المحتمل أن يكون أعلى من مركز نبي). غير أن تردد المتنبي في التقرير حول المزا عم التي ادعاها كما هي مصورة في هذه القصة دفعت ببعض البحاثة، ومنهم شاكر، لعدم الموافقة على هذه القصة ولا فتراض وجود دس أو تحريف. من ناحيتي لا أجده شيئا غير محتمل أن شخصا متوتر الأعصاب وشابا لديه احساس بالعظمة هو بطريقة ما غير متأكد الى أي مدى أبعد يمكنه الوصول. ويمكن أيضا أن يكون يتصرف بنوع من الرد على المستمعين له والذين لا نعرف عنهم شيئا. يجب أن نشير الى أن ابن أم شيبان كان قد عين قاضيا أكبر لمصر وأجزاء من سورية عام 336/947- 548
(انظر ابن حجر العسقلاني. رفع العسر عن قضاة مصر، في الكندي، "الولاة والقضاة"، تحرير روفون غيست (لايدن لندن، 1912، ص 574، 11، 10-11) وهو لهذا من المحتمل أنه كان قادرا على الوصول الى سجلات المحكمة فيما يتعلق بدعوى المتنبي، التي حصلت تبل عقد واحد بقليل فحسب.
42- النص في شاكر 2، 257 (رقم 22).
43- قرأت "وهو الوثاق" بدلا من "والوثاق" لمراجعة القصيدة، انظر الديوان بتفسير الواحدي، تحرير فراريك دايتريكي (برلين، 1861) ص 80- 84 (رقم 30) وهي لا تحتوي كلمة "وثاق" على أية حال "قيود" ترد في البيت 21.
44- في بلاشير، "شاعر" ص 83.
45- انظر الديوان ص 19- 20 (الأبيات 13 – 17).
46- انظر مهلهل بن يموت "سرقات أبي نواس"، تحرير محمد مصطفى هدارة، (القاهرة 1957) ص 144-146، مجموعة ما سمي بـ "الكفريات" من أشعار أبي نواس، والطالبي "يتيمة" 184- 186، مجموعة أبيات من المتنبي "اعتقاد واهن ودين ضعيف"،
47- الديوان ص 19، تعليق على البيت 31.
48- في بلاشير، "شاعر" ص 30.
49- هاينز هالم، (فايسبادن 1978) ص 128.
50- هالم، islamiche Gnosis ص 132-133.
51- هالم، islamiche Gnosis ص 54( حمزة بن عمارة، رسول لمحمد بن الحنفية المؤله) 200، 202، 203 أبو الكتاب، رسول لجعفر الصادق المؤله) 206( بازغ بن موسى، رسول لجعفر)، 208( السري الأكثم،رسول لجعفر) 237 (محمد بن بشير، نبي موسى الكاظم المؤله)
278( علي بن حسكة، نبي علي الهادي المؤله). يجب ملاحظة أنه بين "الغلاة" الأوائل تم ادعاء نوع آخر من النبوة – أكثر "عادية" وليس موصولا بشكل صريح مع امام مؤله – من قبل بيان بن سمعان المهرطق (ص 57- 60) أبو منصور العجلي (ص 86)، والمغيرة بن سعيد (ص 90) ولكن هذا يبدو أقل ارتباطا بمسألة المتنبي.
52- حول الاسحقي، انظر هالم islamiche Gnosis، وحول "النصيرية" انظر المرجع نفسه، ص 297( الشيخ الرابع للنصيرية الخصيبي (توفي 346/957- 958 أو 358/ 969) الذي كان ناشطا في بلاط الحمدانيين في حلب).
53- ماسينيون “ Motonablli, devant le siecle ismaelien” .
54- أيضا عنوان شرح المعري على "الديوان" أحمد بالطبع، يشير الى كل من المتنبي والى النبي محمد (ص) الذي كان هذا اسما آخر له.
55- أصل هذه القصة موجود في ابن العديم في شاكر 64-61، 202، وأيضا في المقريزي، كما هي مطبوعة في شاكر 49- 46، 203، وفي يوسف البديعي، "الصبح المنبي" تحرير مصطفي السقا (القاهرة 1963)، ص 52-55 ابن احد يم يذكر انه وجد القصة في نسخة من ديوان المتنبي.
ملحق
قرأت (محتمل أن المتحدث هو ابن العديم) في نسخة حصلت عليها من شعر المتنبي، وفي مناسبة القصيدة "ابا عبدالإله معاذ إني /خفي عنك في الهيجا مقامي" (الوحيدي ص 84-85) (55).
أبا عبدالاله معاذ: اني
خفي عنك في الهيجا مقامي
ذكرت جسيم ما طلبي وأنا
نخاطر فيه بالمهج الجسام
أمثلي تأخذ النكبات منه
ويجزع من ملاقاة الحمام
ولو برز الزمان الى شخصا
لخضب شعر مفرقه حسامي
وما بلغت مشيئتها الليالي
ولا سارت وفي يدها زمامي
اذا امتلأت عيون الخيل مني
فويل في التيقظ والمنام
فوجدت التالي مذكورا: قال أبوعبدالله معاذ بن اسماعيل اللاذقي: قدم المتنبي اللاذقية في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة، وهو كما عذر، وله وفرة الى شحمتي أذنيه، وضوى الي فأكرمته وعظمته، لما رأيت من فصاحته وحسن سمته، فلما تمكن الأنس بيني وبينه وخلوت معه في المنزل اغتناما لمشاهد ته واقتباسا من أدبه، وأعجبني ما رأيت، قلت: والله إنك لشاب خطير، تصلح لمنادمة ملك كبير. فقال لي: ويحك أتدري ما تقول ؟ فقال: أنا نبي مرسل ! فطنت انه يهزل ثم ذكرت اني لم أحصل عليه كلمة هزل منذ عرفته قال: فقلت له: ما تقول له: ما تقول ؟ فقال: أنا نبي مرسل، قلت له مرسل الى من ؟ قال: الى هذه الأمة الضالة المضلة. قلت: تفعل ماذا أملأها عدلا كما ملئت جورا. قلت: بماذا:؟ قال: بادرار الأرزاق والثواب العاجل والآجل لمن أطاع وأتى وضرب الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى. فقلت له: إن هذا أمر عظيم منه عليك أن يظهر! وعزلته على قوله ذلك، قال بديها:
أبا عبدالاله معاذ، أني
خفي عنك في الهيجا مقامي
الأبيات، فقلت له: وقد ذكرت أنك نبي مرسل الى هذه الأمة ؟ أفيوحي اليك ؟ قال: نعم. قلت: فاتل علي شيئا من الوحي اليك ! فأتاني بكلام ما مر بسمعي أحسن منه، فقلت: وكم أوحي اليك من هذا ؟ فقال: مئة عبرة وأربع عشرة عبرة، قلت: وكم العبرة ؟
فأتى بمقدار أكبر الآي من كتاب الله. قلت: فاسمع في هذه العبر أن لك طاعة في السماء، فما هي؟ قال: أحبس المدرار، لقطع أرزاق العصاة والنجار، قلت: أتحبس من السماء مطرها؟ قال: إي، والذي فطرها، أخما هي معجزة ؟ بلى والله. قال: "فإن حبست عن مكان تنظر اليه ولا تشك فيه، هل تؤمن بي وتصدقني على ما أتيت به من ربي؟ قلت إي والله. قال: سأفعل، ولا تسألني عن شيء بعدها حتى آتيك بهذه المعجزة، ولا تظهر شيئا من هذا الأمر حتى يظهر، وانتظر ما وعدته من غير أن تسأله. بلى والله. فقال لي: إذا أرسلت اليك أحد العبيد فاركب / فقال لي بعد أيام: أتحب أن تنظر الى المعجزة التي جرى ذكرها؟ قلت: معه ولا تأخر، ولا يخرج معك أحد. قلت نعم، فلما كان بعد أيام تخيمت السماء في يوم من أيام الشتاء، واذا عبده قد أقبل فقال: يقول لك مولاي، اركب للوعد. فبادرت بالركوب معه، وقلت أين ركب مولاك ؟ فقال: الى الصحراء، ولم يخرج معه أحد غيري واشتد وقع المطر، فقال: بادر بنا حتى نستكن معه من هذا المطر، فإنه ينتظرنا بأعلى تل لا يصيبه فيه المطر. قلت وكيف عمل ؟ أول ما بدا السحاب الأسود وهو يتكلم بما لا أفهم، ثم أخذ السوط فأدار به في موضع ستنظر اليه /قال: اقبل ينظر الى السماء من التل وهو يهمهم، والمطر مما يليه ولا قطرة منه عليه ! فبادرت معه حتى نظرت اليه، واذا هو على تل نصف فرسخ من البلد، فأتيته وإذا هو عليه قائم، ما عليه من ذلك المطر قطرة واحدة وقد خضت في الماء الى ركبتي الفرس، والمطر في أشد ما يكون. ونظرت الى نحو مئتي ذراع في مثلها من ذلك التل يابس ما فيه ندى ولا قطرة مطر. فسلمت عليه، فرد علي وقال لي: ما ترى ؟ فقلت: أبسط يدك فإني أشهد أنك رسول الله ! فبسط يده فبايعته بيعة الإقرار بنبوته، ثم قال لي: ما قال هذا الخبيث لما دعا بك – يعني عبده – فشرحت ما قال لي في الطريق لما استخبرته فقتل العبد وقال:
أي محل أرتقي أي كنيم أتقي
وكل ما خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتي، كشعرة في مفرقي
وأخذت بيعته لأهلي، ثم صح بعد ذلك أن البيعة عمت كل المدينة بالشام، وذلك بأصغر حيلة تعلمها من بعض العرب، وهي/ "صدحة المطر" يصرفه بها عن أي مكان أحب بعد أن يحوي عليه بعصا، وينفث بالمدحة التي لهم، وقد رأيت كثيرا منه بالسكون، وحضر موت، والسكاسك من اليمن يفعلون هذا، ولا يتعاظمونه، حتى إن أحدهم يصدح عن غنمه وابله وبقره، وهو ضرب من السحر، ورأيت لهم من السحر، القرية من القرى فلا يصيبها من المطر قطرة، ويكون المطر مما يلي (المدحة) ما هو أعظم من هذا. وسألت المتنبي بعد ذلك: هل دخلت السكون، قال نعم، ووالدي منها أما سمعت قولي:
أمنسي السكون وحضر موتا
ووالدتي وكندة والسبيعا
فقلت: من ثم استفاد ما جوزه على طغام أهل الشام ! وجرت له أشياء بعد ذلك من الحروب والحبس، والانتقال من موضع الى موضع، حتى حل عند سيف الدولة وعلا شأنه.
النص: ولفهارد هاينريش
ترجمة وتقديم: حسام الدين محمد (ناقد عربي يقيم في لندن)