محمد المصباحي
كاتب وباحث مغربي
«إنما الوجود الحقيقي هو وجود الفردية، والفردية هي الذاتية، والذاتية هي الحرية، والحرية معناها وجود الإمكانية»، ع. بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، ص 203.
«الحرية لا يقوم الشعور بها إلا في حال الفعل»، ع. بدوي، الزمان الوجودي، ص 182.
«فما جرّ الويل على أمّة أكثر من شعورها بالأمان»، ع. بدوي، الزمان الوجودي، ص 186.
«والحرية إذن هي رمز الألوهية في الإنسان، والمعنى الأعلى لكل وجود إنساني»، ع. بدوي، الزمان الوجودي، ص 39.
«أريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ»،المتنبي.
مقدمة
اعتادت الفلسفة العربية الإسلامية أن تُميز بين الوجود الذات بالنسبة للموجودات الممكنة، وأن توحّد بينهما بالنسبة للموجود الواجب الوجود. تابعت الفلسفةُ الغربية الحديثة تقليدَ التمييز بين الوجود والذات، إلا أنّها على العكس من ذلك، بدلا من ردّ الذات إلى الوجود، كما فعلت النزعة المشائيّة من الفلسفة العربية الإسلامية، ردت الوجود إلى الذات (الأنا أفكر). أما عبد الرحمن بدوي فقد أبى إلا أن ينفصل عن الفلسفتين العربية والحديثة ليدافع عن وحدة الوجود بالذات حتى بالنسبة للموجودات الممكنة.[1] ومن أجل ذلك كان عليه أن يُدخل الزمن في نسيج الوجود وذلك لغاية فهم طبيعة الإنسان.[2] وقد ترتب عن إدخال الزمان في الوجود البشري أن يصبح «الوجود الحقيقي هو وجود الفردية، والفردية هي الذاتية، والذاتية هي الحرية، والحرية معناها وجود الإمكانية».[3]
هكذا نجد أن فلسفة ع. بدوي الوجودية تقدم لنا مشهدًا جديدًا من المفاهيم قوامه التوحيد بين الموجود والوجود والذات والزمان والإنسان والفردية والذاتية والآنية والحرية والاختيار والنبذ والإمكانية والتناهي والعدم، والتوحيد بين الجدل والإرادة والقوة والتعالي والخلق والخطر والتوتر والطفرة والهُوّة والوجدان. هذا النسق الفلسفي الوجودي هو ما سنسعى إلى الوقوف عليه في الفقرات الآتية.
- من الوجود إلى الذات:
في البداية سيقسم بدوي «الوجود على ثلاثة أنحاء: وجود الموضوع، ووجود الذات، والوجود في ذاته»،[4] إلا أنه بعد ذلك سيختصر هذه الأنحاء الثلاثة في نحوين هما “الوجود الموضوعي” و”الوجود الذاتي”، بعد أن وحد “الوجود في ذاته” “بالوجود الموضوعي”. لكننا سنجده يتكلم عن قسمة أخرى للوجود إلى “وجود ممكن” و”وجود واقعي”، أو إلى “الوجود الماهوي” ووجود “الآنية”؛[5] إلا أنه في النهاية سيحصر معاني الوجود كلها في “وجود الذات”، الذي هو الوجود الإنساني الأصيل، أي أنه سينتهي: «إلى قصر كلمة الوجود على وجود الذات»،[6] ما يعني اختفاء التمييز بين الوجود والذات حتى على مستوى الإنسان بعد أن كان خاصا بالله في الفلسفة العربية الإسلامية.
يتميز الوجود الذاتي، أو وجود الذات، عند بدوي بأمرين، أولهما أنه «وجود شاعر بوجوده»، وعارف بذاته؛[7] وثانيهما شعور بوجوده يحيل على نفسه لا على غيره،[8] من هنا اتسمت هذه العلاقة للأنا مع نفسها «بالتوتر الحي والكلية الخصبة».[9] معنى هذا أن بدوي، من جهة، لا يردّ الذات إلى الموضوع، كما فعلت المادية والأرسطية، لأن هذا الرد في نظره قضاء على الذاتية وعلى جوهريتها؛[10] لكنه، من جهة ثانية، لا يُرجع الموضوع إلى الذات، كما فعلت الديكارتية والمثالية الألمانية، لأن في ذلك إلغاء لعالم الموضوعات التي يحقق الوجود الماهوي ذاته فيه. بهذا يكون بدوي قد اعترف بأنه لا يمكن فهم وجود الذات في استقلال عن الموضوع، لأن الذات لا تستطيع تحقيق إمكاناتها وتُظهر قدرتها على ممارسة حريتها والانتقال من وجودها الماهوي إلى الوجود الواقعي إلا في عالم الموضوعات والذوات الأخرى.[11] لكننا نراه في نفس الوقت يولي اهتماما خاصا بالذات الفردية لأنه انطلق من الإرادة والعاطفة ومقولاتهما، في مقابل المثالية الألمانية التي ركزت اهتمامها بالذات الكلية -أو الأنا المطلق أو الصورة المطلقة أو الروح الكلية التي قالت بها- لأنها انطلقت من العقل ومن مقولاته المجردة.[12]
- من الأنا أفكر إلى الأنا أريد:
من أجل إثبات الطابع الجدلي والمتوتر للذات كان على ع. بدوي أن يقوم بالانقلاب على الديكارتية والتخلي عن رؤية العالم من خلال الكوجيتو، والانتصار ل الذي أحدث ثورة في الفلسفة المعاصرة حينما قال بأن الفكر مضاد للوجود، وأنه لم يعد مصدرا للوجود ولا أصلا لإثبات الذات بدليل أنه «كلما زاد الفكر قلّ الوجود، وكلما زاد الوجود قل الفكر»[13].
بعد هذا الانقلاب على الفكر بوصفه مصدرا لإثبات الوجود، عوّضه بالإرادة والعاطفة. الإرادة لكونها «تشعرنا بالوجود أكثر مما تفعل المعرفة أو الفكر»[14]، حيث أصبحت الأنا أريد، لا الأنا أفكر، هي التي تثبت وجودنا وتشعرنا بذاتنا[15]. أما سبب تعويضه الفكر بالعاطفة فلأنها حال وجدانية معبرة عن الوجود الذاتي في تحققه العيني وفي صلة الذات بذاتها.[16] بعبارة أخرى، في حال الشعور بالعاطفة “تشتبك الذات مع نفسها، وكلما زاد الاشتباك زاد التوتر، وكلما زاد التوتر زاد الشعور بالذات. أما الفكر فلا يمنحنا فرصة الشعور بالذات لأنه يبتعد عن التوتر وينحو نحو صفاء مرآته، أي ينشد الموضوعية المحايدة التي لا تستطيع أن تُشعر الذات بذاتها.[17] والفرق بين الإرادة والعاطفة، أنه بينما الإرادة تعبر عن الوجود بوصفه قوة، فإن العاطفة تعبر عن الوجود بوصفه حالا.[18] وتبعية الوجود للإرادة والعاطفة هو ما يفسر ارتباط الوجود بالذات، أو الوجودية بالذاتية، وهو الارتباط الذي يُحدث التوتر في الذات على شكل التفرد والكيفية، بخلاف ربط الوجود أو الذات بالفكر الذي يجعلها مجردة وسكونية.[19] من أجل هذا كان إبعاد الوجود ما أمكن عن العقلانية هو الشغل الشاغل لعبد الرحمن بدوي، سواء أكانت العقلانية أرسطية أو ديكارتية، مع امتداداتهما في المثالية الألمانية، وربط الوجود بالوجودية المطعمة بالصوفية، خصوصا وإنهما إلى حد كبير يشتركان في ميلهما إلى الإرادة والعاطفة وشجبهما لكل ما ينتمي إلى العقل والعقلانية. هكذا أصبحت الوجودية مضادة للعقلانية أو معقلا للاعقلانية، لكن لا بمعنى أن ع. بدوي كان يكره العقل من أصله أو أنه لم يعد مؤمنا بصلاحيته، وإنما بمعنى أنه كان يؤمن بصلاحيته فقط في المجال الذي ينفع فيه، وهو مجال الوجود الفيزيائي، أما الوجود الذاتي فلا نفع للعقل فيه لأنه عاجز عن استيعابه.[20]
- الحرية جوهر الذات:
إن استبدال “الأنا أفكر” “بالأنا أريد”، أي استبدال الشعور بالذات عن طريق الفكر بالشعور بالذات عن طريق الإرادة، لم يكن الغرض منه فقط استبدال الفكر بالإرادة، بل وأيضا إثبات اللوازم الذاتية المترتبة عن ممارسة الإرادة، وعلى رأسها الحرية: «فالشعور بالذات هو الشعور بالأنا المريد. ولما كانت الإرادة تقتضي الحرية ولا تقوم إلا بها، فالشعور بالذات يقتضي الشعور بالحرية، من هنا كانت الذات والإرادة والحرية معانيَ متشابكة يؤيد بعضها بعضا، إن لم يقم مقامه. ولهذا فإن الشعور بالذات يزداد بمقدار ما يزداد الشعور بالحرية، وبالتالي بالمسؤولية»،[21] على العكس من علاقة الفكر بالوجود-الذات، إذ كلما عَظُم الفكر قلّ الوجود، والعكس بالعكس. وتبعا لذلك، نجد فيلسوف الزمان الوجودي يوحّد بين الذات الحقة و”الذات الحرة إلى أقصى درجات الحرية”، وهي الذات «الحاملة لمسؤوليتها بكل ما تتضمنه من خطر أو قلق أو تضحية».[22]
والاعتراف بالحرية جوهرا للوجود الذاتي يقتضي الإقرار بأساس وجودي لها هو الإمكان، «فالحرية تقتضي الإمكانية، لأن الحرية تتضمن الاختيار، وكل اختيار هو اختيار بين ممكنات».[23] يميز بدوي بين نوعين من الذات الحرة على أساس مقدار الإمكان الذي تمتلكه؛ فهناك الذات الحرة حرية مطلقة، وهي التي “لا تحتوي غير إمكانيات لم تتحقق بعد”، ويسمي هذه الذات باسم “الوجود الذاتي الممكن”، أو الوجود الماهوي، لكون «الإمكانيات جوهر الذات وماهيتها… وهو الوجود الذاتي على صورة إمكانيات ذاتية لم تتحقق كلها بعد، أو لم يتحقق منها شيء. وهو وجود يمتاز خصوصا بالحرية المطلقة، الحرية التي تريد اللامتناهي على نحو لا نهائي»؛[24] أما الذات الثانية التي يسميها باسم الوجود المتحقق أو الآنية،[25] فهي ذات حرة حرية نسبية لأنها اختارت فحققت بعض إمكانياتها في وسط أشياء وذوات، وهي في طريقها إلى تحقيق الكل. وبالرغم من الطابع الواقعي والجدلي للحرية فقد قال عنها: «الحرية … هي رمز الألوهية في الإنسان، والمعنى الأعلى لكل وجود إنساني».[26]
- الخطر مكوّن ضروري للوجود والمخاطرة تشكل معنى الحياة:
ممارسة الحرية ليست سهلة، أولا لأن الممكنات المتاحة أمامها لا نهاية لها وقد تتساوى في قيمتها مما يثير الحيرة في الاختيار، وثانيا لأن التقابل والتضاد يدخلان في جوهر في كل موجود مما يُصعّب على الذات الاختيار، وممارسة الحرية ليست بالأمر الهيّن، ثالثا، لأن حصول اليقين الكامل بالنسبة لأي اختيار تتبناه الذات مستحيل، وأخيرا ممارسة الحرية مضنية لأن نتائج الاختيار مستحيلة الحصر، لذلك، وأمام هذه الصعوبات الكبيرة، ما على الذات إلا أن تخاطر باختيار أحد الممكنات دون غيرها وأن تتعلق به لتحقيق وجودها.[27]
وما دامت المخاطرة تدخل في دائرة التعلق لا في مجال التفكير، فإنها تبدو «فعلا لا معقولا، ومع ذلك فهو وحده المؤدي إلى تحقيق الوجود».[28] وهي علاوة على ذلك فعل شامل، إذ كل «فعل تأتي به الذات في تحقيقها لنفسها ينطوي على خطر»،[29] وكل فعل إرادي ينطوي مخاطرة. بيد أن الخطر ليس صفة للإرادة فقط، بل هو «طابع ضروري للوجود»[30] برمته. بل إن الخطر يرقى إلى مرتبة المعيار الذي تقاس به قيمة الوجود، إذ كلما زاد مقدار فعل المخاطرة ازداد قدر الوجود، «لهذا فإن صاحب الأفعال الجليلة هو المُخاطر الكبير»،[31] بهذه الجهة يكون «المعنى الأسمى للوجود هو الحياة في خطر». إلا أن بدوي لا يصمد أمام مخاطر “الخطر” فينصح الذات أن تختار «الخطر الآمن الذي يكفل للذات الوجود الحي وتحقيق الإمكانيات في حرية ومسؤولية».[32] ومن هذه الزاوية يدخل الخطر في تشكيل الحرية ويمنح الذات قدرتها على تحقيق نفسها “على النحو الذي ترتئيه”،[33] وبالتالي كلما ازدادت المخاطر ازداد الشعور بالحرية، وكان «المُخاطر الأكبر هو الحر الأكبر».[34]
- خطر الاندماج في الناس
من القضايا الهامة التي شغلت بال الفيلسوف ع. بدوي قضية صلة الذات بموضوعات العالم، وصلتها بالذوات الأخرى، وصلة الذات بذاتها. موازاة لهذه القسمة الثلاثية لصلات الذات، قسّم الذات إلى ثلاثة معانٍ مختلفة: (1) الذات أو الآنية التجريبية، وهي وجود الذات -في- العالم على هيئة جسم فردي، لها الصنف الأول من الصلات وهو صلة الذات بموضوعات؛ (2) والذات كشعور بمعنى عام، وهو شعور الذات بنفسها أو الذاتية بإطلاق، ولها النوع الثاني من الصلات وهي صلة الذات بالذوات الأخرى؛[35] (3) والذات كوجود ماهوي التي لا صلة لها إلا مع نفسها، ويعتبرها الوجود الحقيقي لأنها مصدر كل أفكار الأنا وأفعالها.[36] لكن بدوي يفاجئنا كعادته عندما يعتبر “الذات الماهوية” “ذاتًا فردية” بالمعنى العميق والمطلق للفردية ضاربا بعرض الحائط كل مبادئ الفلسفة الكلاسيكية التي تقول بتقابل الماهوي مع الفردي. نفهم من هذا أنه لم ينظر إلى صلة الذات مع نفسها نظرة سلبية، بل نظر إليها نظرة إيجابية حيث أغدق عليها خصائص الماهوية والفردية والأصالة فجعلتها مالكة لنفسها مستقلة بشعورها بذاتها.[37].
وإذا كان «الوجود [هو] وجود الذات» أي لا وجود خارج الذات، وأن الوجود الحقيقي والأصيل هو الفردية المطلقة، فسيكون ع. بدوي قد أحكم إغلاق كل الأبواب أمام انفتاح الذات على الآخر، سواء أكان هذا الآخر موضوعات طبيعية أو ذواتًا بشرية. هكذا صارت «كل ذات مستقلة عن غيرها مغلقة على نفسها، تكوّن بذاتها كلًا واحدًا، والاتصال معدوم بين الذوات»،[38] والتفاهم بينها.[39] وإمعانا في تطويق الذات وفرض عزلة عليها شبيهة بعزلة “مونادات” لايبنتز، أحاط الذوات بهُوّات لا سبيل مطلقا لاجتيازها إلا بقفزة أو طفرة، فتكون الطفرة سبيلا للاتصال! ومع ذلك، وجريا على عادته في الجمع بين المتضادات، اعتبر وجود الغير ضروريا “لانتقال الذاتية من العزلة المطلقة إلى الغيرية وتحقيق الإمكان” عن طريق الفعل الذي لا يتم إلا في وجود الغير.[40]
كل هذا قاده إلى نفوره من الوجود مع الناس. ولعل مناوأته للناس تعود إلى تأثّره من جهة بالوجودية ومن جهة ثانية بالصوفية؛ فالصوفية الإسلامية والمسيحية لا تسمح أن يكون بين الذات ونفسها، إذ كان إفراغ الذات من الأغيار هو وسيلتها لتحقيق المشاهدة-السعادة،[41] لذلك كانت الصلة بين الذات ونفسها في التصوف مطلقة. أما التيارات الوجودية فقد ألهمته بالقول بأن الوجود الانفرادي للذات مع نفسها هو الوجود الحقيقي، بينما وجود الذات مع الأشياء في العالم، أو اختلاطها مع الذوات الأخرى، هو وجود زائف و«فيه تدنيس لها، وتعكير لصفائها، وفضٌّ لبكارتها». من ثم يكون الوجود الذاتي حقيقيا لأنه يضمن وحدة الذات وانفرادها وعزلتها، بينما الوجود الموضوعي وجود تشتُّتٍ وضلال وتزييفٍ للذات الحقة التي تصبح فيه مِلكا للموضوعات، فانيةً فيها، وهو ما يسميه بالسقوط.[42] بهذا النحو أصبحت «الصلة بالذات هي [الصلة] الحقيقية وحدها، والاتصال بالغير وبالأشياء سقوط للذات».[43] لكن أكبر سقوط هو الذي يكون في وسط «كائن هائل مجرد هو المسمى باسم “الناس”، وحينئذ لا أفكر إلا كما يفكر “الناس”، ولا أعمل إلا وفق ما يرتضيه “الناس”، وسيكون “الناس” في هذه الحالة مصدر التقويم والفكر والفعل، وبالتالي مصدر الوجود»[44]. ومع ذلك، وكما سبقت الإشارة، للاتصال العاطفي بالغير -لا الفكري- قيمة أساسية بالنسبة للذات، لأنه أداة تحقيق إمكانها.[45]
واضح أن السقوط –ويصفه بأنه سقوط كيفي وليس سقوطا كميا-[46] ليس سلبيا تماما، لأنه يلعب دورا إيجابيا، بفضله يتحقق «انتقال الذات من حالة الوجود الماهوي أو الممكن، إلى حالة الوجود العيني المتحقق في العالم، وهو المسمى باسم الآنية Dasein، ولأن فيه يكون المرء في حالة وجود -في- العالم بين أشياء أو موضوعات».[47] إلا أن مقدار وجود الذات يتناسب تناسبا عكسيا مع مقدار الاتصال بالغير، أي كلما كثر الاتصال نقص الوجود «أو كلما زاد المُلك نقص الوجود»، على حد تعبير جبرييل مارسيل. [48] السقوط إذن، ليس مجرد تردٍّ وابتذال كما يقول هيدغر،[49] بل هو ما به يتحقق “الوجود الممكن” على هيئة “الآنية”، فيصبح السقوط علوًا، أو تعاليًا، لأنه يقتضي تصميما وعزما لتحقيق إمكانيات في الواقع.[50]
ومن مفارقات فلسفة بدوي الوجودية أنها بالرغم من اعتبرت الغير والأغيار- ذواتا أو أشياء- منغلقين على ذواتهم منفصلين عن بعضهم بهوّات لا سبيل لتجاوزها، أي بالرغم من أنها تصورت الوجود الطبيعي والذاتي مبنيان على الانفصال لا على الاتصال، فقد وضعت الطفرة أداة الاتصال بالغير لتحقيق العلو أو التعالي عن السقوط.[51] بعبارة أخرى، بالرغم من أن الوجود مكون من ذوات قائمة بنفسها، منغلقة على الغير،[52] فإنه أوجب على الذات أن تقوم باتصالين، أحدهما بوجودها الماهوي، والثاني بغيرها بواسطة الطفرة.[53] وبحكم البنية المنفصلة للذات، لا بد أن تكون الطفرة مستمرة لتحقيق التطور،[54] فما دامت الإمكانيات قائمة، على الذات أن تستمر في الطفرات إلى أن تنتهي الإمكانية مع الموت.[55]
- التعالي المحايث سر الوجود الأكبر:
يتكلم بدوي عن العلو أو التعالي باعتباره حركة تجري داخل “الذات وبالنسبة إليها وحدها”، رافضا الموقف الوجودي لكيركغارد وياسبرز الذي يجعل العلو متجها إلى موجود فوق الوجود وأعلى منه. بالإضافة إلى صفة المحايثة نجده يتصور التعالي ذا طبيعة دينامية في مواجهة التصور السكوني لهيدغر.[56] ولكي يبرهن على دينامية التعالي أغدق عليه مجموعة من الصفات الفعالة كالخلق والفعالية والروح الهجومية والعدوانية. فالتعالي خالق لأنه يحقق صورا جديدة باستمرار، وفعال لأن فعله وإن كان من الذات إلى الذات، فإنه يستعين بالغير كي يحقق الذات، والتعالي مهاجم لأن التحقق في الغير يقتضي غزوه واكتساحه وفرض سلطان الذات عليه، وأخيرا التعالي معتد، لأن الهجوم ليس صادرا عن رغبة في إحراج الغير وإلزامه، بل عن فيض الذات بالقوى التي لم تتحقق بعد؛ وبهذه الصفات الدينامية يغدو التعالي «سر الوجود الأكبر».[57]
ولا ينبغي أن يٌفهم من تعالي الذات على أنه تعالٍ كمِّي، بل هو ذو طبيعة كيفية لأنه «قضاء على وضع، للارتفاع إلى وضع أسمى من الأول… فهو تركيب جديد يبتلع التركيب السابق في داخله ويعلو عليه»،[58] ولا يخفَى أنه بتصوره هذا للتعالي يكون قد ناقض نفسه، لأنه في سياق عرضه لتصوره للديالكتيك انتقد التصور الهيغيلي له بسبب أنه يقتضي اللحظة التركيبية الثالثة التي تجمع بين الأطروحة والنقيض في مركب جديد يتجاوزهما ويحفظهما في آن واحد. وقد أضفى بدوي على التعالي الطابع الكيفي لأنه يغير مضمون الذات، ويتجه بها نحو ما لم يتحقق بعد، لذلك جعل «الآن الزماني الرئيس المكوِّن للتعالي … هو المستقبل» مشبّها بالحب المتجه دائما نحو المستقبل بإمكانياته اللامتناهية.[59] وبدوي لا يُخفي متابعته لهيدغر في اعتباره العلوّ انتقالا من “الوجود الماهوي” إلى “الوجود في العالم”، أو خروجا من الإمكان إلى الواقع على هيئة آنية، إلا أنه اختلف معه عندما استعمل فكرة الطفرة لتحقيق هذا الخروج.[60] وبحكم عادته في التناقض مع نفسه، ذهب إلى أن الطفرة تمثل تراجعا بالقياس إلى التعالي، وهو الذي وظفها أداة لتحقيقه بحجة أنها تشكل تقهقرا من المواقف الأمامية إلى المواقف الخلفية.[61]
- الزمان والوجود شيء واحد:
بعد أن رأينا كيف وظّف ع. بدوي مفهوم الطفرة لتفسير انتقال الذات من الإمكان إلى الواقع، نجده في سياق آخر ينسب عملية هذه الانتقال إلى الحرية حينا وحينا آخر إلى الزمان. فبفضل الحرية تختار الذات بإرادتها إمكانا من الإمكانات المعطاة لها لتحقيقها في وجودها العيني الذي هو الآنية (الدازين)؛[62] في حين ينظر إلى الزمان -أو الزمانية- بوصفه «العامل الأصلي في انتقال الوجود الممكن إلى حالة الآنية».[63] بالفعل، كان يعتبر الزمان “النقطة الحاسمة في مذهبه الوجودي” بعامة لأنه هو العامل الجوهري في تكوين الوجود، وهو الذي يقف وراء التوتر والخلق،[64] لينتهي إلى القول بأن «الوجود والزمان شيء واحد». [65] بيد أنه لا يفهم الزمان في علاقته بالمكان، أي لا يفهمه بوصفه إطارا مكانيا يوجد “فيه” الوجود [66]، وإنما يفهمه بمعنى أن «الوجود … زماني في جوهره وبطبيعته»[67]. ولكي يكرس معنى دخول الزمان في جوهر الوجود، استعمل ثلاثة مفاهيم أرسطية هي المقوّم والفاعل والصورة؛ فالزمان هو المقوِّم على مستوى ماهية الوجود، والفاعل على مستوى تحديد معناه، والصورة على مستوى التجلي (التي لم يفهمها بالمعنى الأرسطي باعتبارها ماهية الماهية وإنما بوصفها تجليا).[68] وشجعه هذا الدور الذي منحه للزمان في تشكيل حقيقة الوجود أن يُعلن: «في وسعنا أن ننعت مذهبنا هذا بأنه ثورة كوبرنيكية في علم الوجود»[69].
وبما أن “الآنية” هي ثمرة اتحاد الوجود بالعدم، فإننا سنجد فيلسوف “الزمان الوجودي” يتساءل “سؤالا حقيقيا وجديرا بالوضع” هو «ما العلة الفاعلية لهذا الاتحاد بين الوجود والعدم من أجل تكوين الآنية؟ والجواب القاطع عندنا: إنها الزمان».[70] ودخول الزمان في تكوين الآنية جعلها تتسم بخواص ثلاث هي الانفصال، والتوتر، والإمكان؛[71] فخاصية انفصال الذات كانت نتيجة انفصال الزمان إلى ثلاث وحدات أو آنات هي الماضي والحاضر والمستقبل،[72] في مقابل ذلك صارت آنات الزمان الثلاثة «ذوات معان وجودية خالصة»[73] وليست مجرد معان سيكولوجية بسبب تطابق الزمان والذات؛ أما اتصاف الذات بالتوتر فكان ثمرة استحالة رد “أحد الآنات أصلا للاثنين الآخرين”؛[74] في حين يرجع اتصاف الذات بالإمكان، كما مر بنا، إلى تدخل الحرية أو الزمان، لأن الذات متى اختارت أحد الإمكانات، فإن تعلقها بالإمكانات التي لم تخترها يخلق لها قلقا وتوترا في داخلها.
أما السؤال «لماذا كان هاهنا وجود ولم يكن عدم؟» فهو بالنسبة له «سؤال لا معنى له بعدُ»، بل إنه “سؤال كاذب”، لأنه لا وجود لتناقض بين الوجود والعدم، طالما أن «الوجود لا يمكن أن يقوم إلا بالعدم، وكذلك العدم لا يقوم إلا بالوجود… وهما معا فقط، يكوّنان الوجود في حال الآنية».[75] ومع ذلك، فإن العدم ليس شيئا قائما بذاته ومؤثرا بنفسه، بل هو يدخل في تركيب “الوجود الماهوي” بواسطة الزمان، ويؤثر في الموجودات عن طريقه، فيحدث فيها التناهي فيه بوصفه الإمكان المطلق. وإذا كان الوجود المتعين على شكل آنية، الذي هو الوجود -في- العالم، ينبثق عن اتحاد العدم بالوجود الماهوي بواسطة الزمان، فإنه لا معنى للسؤال «متى وكيف دخل الزمان في الوجود الماهوي لتكوين الآنية؟ … لأن الزمان ليس شيئا عاليا على الوجود الماهوي يدخل فيه في وقت معين وعلى نحو معلوم، بل هو باطن فيه بطونا ضروريا».[76]
إذا سلّمنا بوجود علاقة ذاتية وضرورية بين الزمان و”الوجود الماهوي”، فإننا نتساءل ما هي اللحظة الزمانية المهيمنة على تصور الزمان: هل هي لحظة الماضي أم لحظة الحاضر أم لحظة المستقبل؟ بعد أن يقارن بين نظرتين للزمان: أولاهما ينسبها إلى “الروح اليونانية”، وهي التي تسيطر عليها لحظة الماضي وتعتبر الزمان أزليا؛ والنظرة الثانية يعزوها “للحضارة العربية أو السحرية” والتيارات الروحية المرتبطة بها، والتي فضّلت أن يكون للزمان بدء ونهاية من فعل إله[77]، وأن تكون السيادة لآن المستقبل، لأنه آن الخلاص،[78] واجه ما سماه الأصناف الثلاثة “للزمانية الزائفة” التي إما أن تُعلي من شأن الماضي (التاريخية)، أو من شأن الحاضر(الصوفية)، أو من شأن المستقبل (الوجودية)، مفضّلا الانتصار “للزمانية الأصيلة الحقيقية” التي توحد الآنات الثلاثة،[79] سعيا وراء المحافظة على فكرة التوتر في جوف الوجود.[80] وقد فنّد النزعة الماضوية التاريخية بحجتين، أولاهما أن القول بأن الماضي هو الآن الأصلي والحقيقي للزمانية يؤدي إلى إثبات السرمدية التي تنفي وجود الآنية،[81] وثانيهما أن القول بالماضي هو الزمن الأصلي يدل على الانتهاء والوقوف الذي يعطل الوجود الديالكتيكي.[82] إلا أنه وجريا على عادته في التناقض مع نفسه، نجده في سياق آخر ينتصر للماضي ضدا على الرؤية الوجودية التي ترى أن المستقبل هو اللحظة الأصلية، لأن الماضي في نظره هو مصدر التناهي الذي يطبع الوجود، لكن دون أن يوافق أصحاب النزعة التاريخية الذين يقولون إن “الآن” الحقيقي الرئيس في الزمانية هو الماضي.[83]
حقيقتان استخلصهما بدوي من تحليله لطبيعة الزمان. الحقيقة الأولى هي أن الوجود كله زماني، أو “تاريخي”، وأن الزمان هو «طابع جوهري للوجود، يُعيّن كيفياته ويحدد طبيعة أحواله»،[84] ولا يمكن أن يًستثنى أي كائن من نفوذه حتى تلك الكائنات التي يعتبرها البعض “فوق أو خارج الزمان”؛[85] والحقيقة الثانية هي أن آنات الزمان الثلاثة ليست مجردة، بل هي مكيّفة بإرادة الإنسان وعاطفته، وهو ما حدا به إلى أن يصف الوجود بأنه «ذو كيفية تاريخية».[86] وبالرغم من طابعه الذاتي هذا، فقد نظر إلى الزمان نظرة أنطولوجية ووسع وسع مداه ليشمل الوجود كله متجاوزا بذلك كانط الذي نظر إليه نظرة ذاتية خالصة، وحصره فقط في نظرية المعرفة. هكذا يكون بدوي قد استوعب الثورة التي قام بها في مجال نظرية الزمان وسعى إلى تجاوزها في نفس الوقت.[87]
بعد أن انتهى بدوي، في نقاشه مع كانط، إلى اعتبار الزمان ذا طبيعة أنطولوجية، تساءل «هل يمكن قيام علم الوجود؟ وعلى أي نحو؟ وبواسطة أية أداة للمعرفة؟».[88] فكانت إجابته، كما مر بنا، هي أن النحو الذي يؤسس في ضوئه “علم الوجود” هو ربط الزمان ربطا ذاتيا بالوجود. نعم، بدوي لم يكن ينظر إلى الزمان على أن له معنى واحدًا، بل كان يقسمه إلى زمان فلسفي، وهو الزمان الشعوري الحيوي، وزمان فيزيائي وهو الزمان الموضوعي، بأحدهما لصالح الآخر كما فعل برغسون أو الفيزيائيون، بل أخذهما معا بعين الاعتبار.[89] وانطلاقا من الثنائية الزمانية سيقسم الوجود إلى وجودين: وجود فيزيائي، هو وجود العالم، أو الوجود الموضوعي، ووجود ذاتي هو وجود الإنسان، ويسميه أيضا بالزمان الوجودي. وهذان الوجودان منفصلان جوهريا، وإن كانا متصلين فعليا[90]. لكن مَن له الأسبقية هل الوجود أو الزمان؟ تارة كان يعين الوجود أصلا للزمان، مبررا ذلك بالقول بأن ثنائية الزمان ترجع إلى ثنائية الوجود،[91] وتارة أخرى كان يعطي الأسبقية للزمان بالقول بأن «لا وجود إلا بالزمان»[92]، وأنه لا يوجد خارج الزمان، أي سوى اللاشيء.[93] لكن بأي جهة يدخل الزمان في تكوين الوجود؟
- الزمان والتناهي:
هناك ثلاثة أنحاء لتجلّي الزمان في جوهر الوجود هي التناهي والتوتر والخلق؛ فالزمان هو «الأصل في التناهي، وأن الزمانية هي التناهي الموجود بالضرورة في طبيعة هذا الوجود العيني»،[94] فأن نقول بأن الزمان قوام الوجود معناه أنه يُدخِل فيه بذرة التناهي والفناء.[95] وليس معنى هذا أن التناهي فعل سلبي يقضي على وجودية الموجود، بل هو يقوم بفعل إيجابي مزدوج يناقض مبدئيا معناه، فالتناهي يحقق الإمكان، وهو- أي التحقق – ليس شيئا آخر سوى فعل الخلق، من هنا كان «التناهي … خلاقا».[96] بالإضافة إلى جهتي التناهي والخلق لدخول الزمان الوجود، هناك نحو ثالث هو إدخاله التوتر فيه، فيكون التوتر «هو التركيب الأصلي للوجود» حيث يمكّن الذات من «الاتصال بالينبوع الحي للوجود».[97] سبب التوتر الذي يحدثه الزمانُ في “الوجود العيني”، إذن، هو الجمع بين السلب والإيجاب. هكذا انتظم الاستدلال على النحو التالي: الزمان أصل التناهي، أي أصل العدم، والعدم شرط التعين، أي الخلق، إذن «التناهي…خالق».[98]
يستخلص من منطق التوتر سبعة أصول عامة هي: أولا «أن الزمان عنصر جوهري مقوم للوجود»؛ ثانيا أن الزمان متناه؛ ثالثا أن التناهي يعبر عنه العدم؛ رابعا العدم داخل في التركيب الجوهري للوجود العيني؛ خامسا الوجود واللاوجود لا يفترقان في الوجود المتحقق العيني؛ سادسا، اتحاد الوجود واللاوجود في الوجود العيني مصدر التوتر، الذي هو طابع الوجود الذاتي؛ سابعا، التوتر هو منطق الوجود العيني (منطق اللامتساوي والمختلف)، وهو نقيض مبدأ الهوية الذي هو منطق الوجود الفيزيائي الذي ينشد المتساوي والمؤتلف.[99] ويترتب عن الإقرار بأن التناهي هو المركز الحقيقي لمذهبه في الوجود، أن طبيعة الوجود في الحركة التي تدعونا باستمرار إلى الإقبال على فعل تال بمجرد الانتهاء من تحقيق فعل، وهذا ما يضمنه مبدأ التوتر.[100]
- العدم وتناهي الوجود:
وصلنا من التحاليل السابقة إلى أن التناهي رديف العدم، ما معنى العدم، أو ما هي خصائصه، ثم كيف ستكون الإجابة على سؤال أرسطو الشهير «لماذا كان هاهنا وجود، ولم يكن عدم؟».[101] من أجل الإجابة على هذه الأسئلة كان على بدوي يربط العدم بمفاهيم تنتمي لا إلى نظرية الوجود وإنما إلى نظرية النفس البشرية كالاختيار والنبذ والقلق والخطر. فـ«النبذ… هو الذي يصدر عنه العدم الداخل عنصرا في الوجود العيني»،[102] والنبذ من جهة ثانية هو مقابل الاختيار أو الأخذ، ذلك أن «تحقيق “الوجود الذاتي” يتطلب اختيار أحد إمكانياته، ونبذ الأخرى»، وهو ما يولّد قلقا يدفع إلى المقامرة أو المخاطرة بالإمكانيات من أجل تحقيق واحدة منها، فينشأ عن ذلك شعور بالخطر.[103] والقلق يكشف لنا عن تسرب العدم إلى شعورنا. ليس معنى هذا أن حضور العدم في الوجود سلبي تماما، فهو كما مر بنا شرط تحقق الوجود العيني في العالم، لأن كل اختيار لتحقيق وجود عيني مشروط بالأخذ والنبذ، وبالقلق المتولد عن النبذ.[104] لكن، من جديد، ما هو العدم بالضبط؟
هنا سيلجأ بدوي من جديد إلى هيدغر معترفا به كأول مَن وصف مدلول العدم من الناحية الوجودية. فقد اعتبر أن الانتقال من “الوجود الماهوي” إلى “الآنية” هو خروج من الإمكان إلى التحقق، أي علوٌّ عنه إلى التعين؛ فيكون التعالي أو العلو بمثابة سلب لإمكانيات في سبيل تحقيق إمكانية واحدة، والسلب ليس شيئا آخر سوى العدم. إذن بفضل العدم يتم التحقق والتعين، أي أخذ إمكانية ونبذ الإمكانيات الأخرى وإعدامها.[105] تبنَّى بدوي فكرة هيدغر في العدم، معترفا بأن «فكرته هي الدافع الأول للبحث الميتافيزيقي»، إلا أنه لاحظ عليه بأنه اقتصر على وصف فكرة العدم بالتناهي المطلق الذي هو شرط لكل وجود لكونه يدخل في تكوينه كعنصر جوهري، لذلك كان لا بد من تجاوز هذه الفكرة والقول بأن التناهي هو أيضا خالق، وليس فقط عنصرا جوهريا للوجود، وهي فكرة تقتضيها نظرية هيدغر في العدم، وإن كان لم يستخلصها بنفسه.[106]
كما تجلى تجاوز بدوي لهيدغر في إثبات أن العدم له وجود موضوعي في الوجود الواقعي. وكانت وسيلته لإثبات ذلك اللجوء إلى فكرة الهُوّة. فالعدم عند بدوي هو الهوة أو الهُوات بين وحدات الوجود، ما يجعلها ذات طبيعة منفصلة، لهذا السبب لا يمكن تحقيق الاتصال بين الذرات أو الذوات إلا بالطفرة،[107] على ألا تُفهم الهوات على أنها تعني الخلاء.[108] وقد اعتقد بدوي أن فكرة الطبيعة الانفصالية لحقيقة الموجودات الواقعية تعضدها نظرية الكم ونظرية الميكانيكا التموجية الفيزيائيتان،[109] حيث أقام على ضوء هاتين النظريتين تناظرا بين الهوات التي توجد بين الذوات في الوجود الذاتي، وتلك التي توجد بين الذرات في الوجود الفيزيائي.[110] ولا شك أن اللجوء إلى هذه المقارنة هو من أجل إثبات العلاقة الصميمية بين العدم والحرية والفردية حيث نجده يصرح: «أما على أساس مذهبنا هذا في العدم، فتفسير الصلة بين العدم والحرية يسير: إذ العدم عندنا هو الهوات الموجودة بين الذوات، وعلى هذا فهو كما قلنا أصل الفردية، والفردية تقتضي الحرية، لأن الحرية معناها استقلال الذات بنفسها، وهذا هو الفردية، فالعدم إذن أصل للحرية».[111]
من جديد نؤكد أن العدم بالنسبة لعبد الرحمن بدوي لم يكن سلبيا، بل كان إيجابيا بحكم فعالياته، فالعدم أولا هو أصل الفردية، أو قل إن الهُوات التي هي العدم، هي أصل الفردية؛[112] وثانيا «العدم هو الأصل في الحرية»،[113] إذ لولاه لما كانت الحرية التي هي «اختيار، والاختيار نبذ لإمكانيات، وأخذ لأخرى، والنبذ مصدر العدم»،[114] كما أن الحرية كانت وراء الفردية؛ ومعنى ذلك، ثالثا، أن العدم يقف وراء القلق الذي هو ثمرة السعي للانتقال من الإمكان إلى الواقع، أو هو شرط الوجود العيني[115] و«الكاشف لنا عن الحرية»؛[116] إذن «العدم عنصر جوهري مكوِّن للوجود»،[117] لكن العدم ليس عنصرا جوهريا في تركيب الوجود بإطلاق وإنما هو كذلك «في تركيب الوجود في العالم».[118] ويلخص بدوي مذهبه في العدم قائلا: «هكذا نرى أن الأفكار الرئيسة الموجهة لنا في مذهبنا الوجودي، وهي الفردية والتوتر والإمكان، ترتبط كلها أوثق ارتباط بالعدم، وكأنه إذن البؤرة التي يجتمع فيها الضوء، والمركز الذي يشع منه كل النور المكون لمذهبنا في الوجود».[119]
لكن إذا كان الوجود هو الذات الفردية المتصفة بالإمكان والحرية، فهل معنى ذلك أنه ألغى من باله الذات التاريخية بل والذات الأنطولوجية؟
- الطابع الضدي للوجود
مر بنا أن يحرص على مراعاة الطابع الجدلي لكل موجود، واعتبار الوجود نسيجا من الأضداد؛ فكل ما في الوجود متضاد إلى درجة أنه حتى «الإمكان حين يستحيل إلى فعل لا يفقد … طابع الممكن»،[120] ونفس الأمر بالنسبة للوجود الواقعي، أو الآنية، الذي يظل متناقضا حتى بعد أن ينتقل من الوجود الماهوي إلى الآنية.[121] ولكي يبرر بقاء التناقض في الوجود الماهوي، أي في الإمكان، فرّق بين جدله هو، الذي يصفه بأنه جدل وجودي صادر عن منطق العاطفة والإرادة، وجدل عند هيغل الذي ينبني على منطق عقلي أفسده “بفكرة “الرفع”، أي إزالة التعارض بين الفكرة ونقيضها بمركب جديد يجمع بينهما. نتيجة لذلك، حسب بدوي، تحوّل الجدل الهيغيلي إلى منطق سكوني، بينما ظل جدل بدوي محتفظا بالطابع الحركي وبالسيلان الدائم والتغير الشامل للأضداد، لذلك سَمّى جدله بالتوتر.[122] بهذا النحو يكون قد ألغى الرفع أو تجاوز الضدين ليُبقي التوتر محتدما بينهما.[123].
- الوجدان ملكة الشعور بالوجود:
العقل بالنسبة لبدوي غير قادر على الشعور بأحوال وجود الذات العاطفية وقواه الإرادية، “لأن الفكر المجرد انتزاع للنفس من تيار الوجود الحي”، لذلك بحث عن فعل باطن، أو ملكة أخرى لم يجد اسما يؤدي معناها ووظيفتها سوى اسم الوجدان القريب من اسم الوجود. [124] والوجدان ملكة مركبة من العاطفة والإرادة، وظيفتها القيام بتجربة حية مباشرة تكون على شكل معاناة داخلية للوجود تذوب فيها الذات في الموضوع، وكأن الأمر يتعلق «باستبطان مباشر من الذات لنفسها»،[125] أي يختفي في هذه التجربة الوجدانية تقابل الذات مع الموضوع، الذي يهيمن على الوجود الفيزيائي لا على الوجود الذاتي، لأن الإحالة في هذا الوجود تكون من الذات إلى الذات، وتكون التجربة فيها مباشرة لا تحتاج إلى توسط صور حسية أو عقلية.
وفي سياق منطق الوجدان الذي يؤمن بالتناقض والتوتر يعلن بدوي صراحة كراهيته للعقل والعقلانية، وتقديمه الوجدان واللاعقلانية بديلا لهما. لكنه يستدرك معترفا بأنه «لا يجب أن يفهم موقفنا من العقل على أنه موقف تحقير لشأنه. بل بالعكس تماما. إنما نحن نريد التفرقة الدقيقة بين ميدانه وميدان غيره، وليس في هذه التفرقة مطلقا أي معنى من معاني التقويم؛ وكل ما هناك أننا نَحُول دون طغيانه على ميدان غيره، ونلزمه حدوده التي ليس له أن يتعداها في الإدراك».[126] بعبارة أخرى، اختلاف عالم الوجدان عن عالم العقل، لا يعني أنهما عالمان مستقلان تمام الاستقلال لأن «عالم الإدراك العقلي وسيلة في خدمة عالم الإدراك الوجداني»، كما يخدم الوجود الفيزيائي الوجود الذاتي.[127]
خاتمة
ما هي الخلاصات الأساسية لفلسفة عبد الرحمن بدوي؟
ربط حقيقة الوجود ومصيره بالزمان ربطا ذاتيا لا انفكاك عنه هو الذي طبع فلسفة بدوي الوجودية. إنها فلسفة للزمان، أو فلسفة زمانية. أول خلاصة نستخلصها من القول بأنه «إن كان وجود فلا بد من الزمان؛ أما بغير الزمان، فثمة لا وجود»[128] هو ضرورة التخلص «من كل هذه الأوهام التي تُقرر وجودا غير الوجود المتزمن بالزمان»[129] إذا أراد الإنسان أن يستعيد معناه،[130] لأن أوهام فصل الوجود عن الزمن تُفسد الإنسان، وتبدد معناه وتجرده من قيمته.[131] بموقفه هذا يكون بدوي، في مرحلة الزمان الوجودي، أكثر تقدما في مواجهته للنزعة الميتافيزيقية من معظم الفلاسفة والمفكرين العرب اللاحقين عليه الذين انتصروا للعلمانية أو أبدَوا ميولًا لاأدرية (Agnosticism)، ليقترب كثيرا من موقف الإلحاد.
أرجع بدوي الطابع الوهمي لفكرة فصل الزمان عن الوجود إلى تناقضها العقلي والزماني معًا. بالنسبة إلى تناقضها العقلي يشير بدوي إلى أن هيدغر هو أول من انتبه لذلك، لأن القول بأن “الوجود فوق الزمان” معناه إثبات وجود لا موجود، أي إثبات لا شيء؛[132] ونفس الأمر بالنسبة لتناقضها الزمني، إذ القول بوجود فوق الزمان، أي «السرمدية المضادة للزمانية» هو «وهم من أشنع الأوهام»[133] لأنه يحيل أيضا على اللاشيء لأن ما ليس زمانيا ليس موجودًا.[134] وإثبات تهافت فكرة فصل الوجود عن الزمن هو إبطال للسعادة الكلية التي تستند إلى فكرة الوجود غير المتزمن وإلى فكرة السرمدية المضادة للزمانية، وأنها مجرد سعادة كاذبة على الإطلاق،[135] لأن “تحقيق كل الإمكانات دفعة واحدة، أي تحقيق اللامتناهي في وقت واحد، مستحيل.[136]
وهنا لا ننسى أن جل الفلاسفة المسلمين كانوا متورطين في البحث عن سعادة وهمية هي السعادة الكلية اللازمانية، التي تطمع في تحقيق الوجود لكل إمكانياته. ونفس الهجوم حظي به المتصوفون الذين كانوا يتطلعون لنيل السعادة المطلقة عن طريق محو الذات في الغير، إذ كيف تتحقق السعادة للذات وهي قائمة على «صرف الذات عن ذاتيتها إلى غيرية الغير»،[137] إذن هذه السعادة كسعادة الفلاسفة باطلة. هكذا يتبيّن أن تخلي التصوف والفلسفة عن الزمان في وصف الوجود أو في سعيهم لنيل السعادة القصوى كان وبالا عليهما.
بموقفه هذا من السعادة يكون بدوي قد أقصى من برنامجه الفلسفي التطلع إلى “التعالي” المتجه إلى موضوع خارج الذات، واستبعد من حياة “الآنية” (الدازين) كل أمل للاتصال أو الاتحاد بوجود سرمدي فوق الوجود وخارج الزمان كما فعل كيركغارد وياسبرز. لكنه بدلا من هذا التعالي الرأسي نحو مبدأ خارج الذات والوجود والزمن، قام بتعويضه بتعالٍ أفقي للآنية، تعالٍ يتجه من الذات إلى “الذات وبالنسبة إليها وحدها” فقط. وفي هذه الحالة، بدلا من طمس الزمان، سيصبح هو أداة تحقيق الذات من حيث هي ذات متناهية، أي من حيث هي زمانية.[138]
بيد أن ربط الوجود بالزمان ربطا ذاتيا أضفى على فلسفته سحنة تشاؤمية أسيانية واضحة، أولا لأنه كان يعزو الشر إلى الوجود والزمان معا، وثانيا لأنه كان يتصور الوجود نهائيا بتسرب الزمن إليه، وأخيرا لأنه كان يقول بالاختيار الذي هو مصدر شقاء الإنسان وأساه، لأنه عندما يختار، يعلن نهاية الفعل وتمامه، فتنسدّ الأبواب أمام كل إمكان،[139] فتشعر الذات بنقصان في شعورها الحي بالوجود ويغزوها الهم والشقاء.[140] إجمالًا، «الزمان أصل الشقاء، ولا سبيل… إلى القضاء على هذا الشقاء، ما دام مصدره الزمان»،[141] ومع ذلك علينا أن «نحب الوجود على هذا النحو بكل ما فيه من شقاء»،[142] وأن نقبله كما هو بشرّه خيرٌ من أن نجري وراء أوهام السرمدية والزمن الأبدي في الحاضر.
تمهد الخصائص السابقة لوجودية بدوي الزمانية لظهور خاصية أساسية ومثيرة للجدل هي اللاعقلانية التي يردها إلى ثلاثة أسباب، أولها دخول التقابل والتناقض في نسيج الوجود الواقعي يجعله «لا معقولا من ألفه إلى يائه»،[143] في مقابل المعقولية التي يتحكم فيها مبدأ “عدم التناقض” وليس التناقض؛ ثانيا دخول العدم، الذي يمثل اللامعقول، في جوهر الوجود؛[144] وثالثا ارتباط الوجود الذاتي بالمخاطرة في الاختيار.[145] نعم، لا يمكن أن ننكر أن بدوي، كما مر بنا، يعترف بأهمية العقل، ويقر بأن الذات البشرية ليست ذاتًا وجدانية فقط، بل هي ذات عاقلة ووجدانية في نفس الوقت،[146] إلا أنه قبل بالعقل بشرط أن يكون خادما للوجدان وليس العكس، وإلا فإن «الخطأ الأكبر يأتي مِن جعل العبد سيدًا»،[147] أي من جعل العقل متحكما في مجالات الوجود الفيزيائي والذاتي جميعا؛ كما أنه اعترف بأن مبدأ عدم التناقض صحيح بالرغم من الطابع التناقضي لفلسفته، لكنه اعترف بصحته «في مملكة الفكر وحدها، مملكة المجردات أي اللاوجود بمعنى انقطاع الوجود».[148]
مع ذلك، لا تخلو وجودية بدوي من قدر من التفاؤل خصوصا عندما يصدح بتمجيده للفعل: «افعلوا، افعلوا! حتى لو أدى ذلك إلى الخطأ. حقا، إن من يفعل يُخطئ، ولكن الخطيئة لا تتكافأ، مهما كبرت، مع قيمة الفعل من حيث إنه تحقيق لإمكانيات الوجود».[149] علينا ألا نخاف من اقتراف الخطيئة فنمنع أنفسنا من الإقدام على الفعل، فالفعل اللامعقول أفضل من اللافعل، إذ لو تجنبنا الفعل فسنجد أنفسنا «خارج التاريخ … ولن نكون في الحال خالقين للتاريخ، بل موضوع من موضوعاته. وفي هذا إفناء للذاتية، ونبذ لها خارج بؤرة الوجود الحي المتغير»،[150] لذلك “لا يسمح لنا تيار الوجود المتدفق بالتوقف وتعليق الحكم”.[151]
ومما يؤكد طاقته التفاؤلية المخزونة في فلسفته أنه كان ينظر إلى الذات في أفق إنساني لا قومي أو ديني، أي أنه لم يكن ينظر إلى الذات بوصفها ذاتا عربية، أو بوصفها ذات الأمة التاريخية، وإنما كان يراها ذاتا وجودية لا أثر فيها للتاريخ والسياسة، علمًا أنه يصر على وصف وجوديته بالديالكتيكية والتاريخية، ويجعل آن الماضي هو الآن الحقيقي الذي يُردّ إليه آن الحاضر وآن المستقبل. فما أبعد الفكر اليوم عن هذا الأفق الكوني الشامل.
[1] «نقصد بالوجود هنا وجود الذات»، عبد الرحمن بدوي، الزمان الوجودي، (بيروت، دار الثقافة، 1973)، 40.
[2] عن توحيده الرباعي بين الموجود والوجود والزمان والإنسان يقول : «غاية الموجود أن يحد ذاته وسط الوجود. وها هنا صورة إجمالية لمذهب فسرنا فيه الوجود على أساس الزمان، وحاولنا تحقيق هذه الغاية للإنسان»، بدوي، الزمان الوجودي، 2.
[3] عبد الرحمن بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1961)، 203.
[4] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 203.
[5] عن قسمة الوجود قسمة ثانية إلى الواقع والإمكان انظر بدوي، الزمان الوجودي، 148.
[6] بدوي، الزمان الوجودي، 148.
[7] «بينما وجود الموضوع وجود محيل إلى وجود غيره، دون أن يحيل إلى وجود نفسه»، بدوي، الزمان الوجودي 35.
[8] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 204.
[9] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 203-204؛ نفس العبارة ترد في الزمان الوجودي «والنتيجة لهذا إذن أن وجود الذات يمتاز بأنه وجود شاعر بوجوده»، بدوي، الزمان الوجودي 35.
[10] عن رفضه رد وجود الذات إلى وجود الموضوع لأن في هذا قضاء على الذاتية، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 154.
[11] عن رفضه أن يكون وجود الذات مستقلا عن عالم الموضوعات انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 204.
[12] بدوي، الزمان الوجودي، 155.
[13] بدوي، الزمان الوجودي، 33؛ عن أنه لا يمكن استنباط الوجود من الفكر، انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 205.
[14] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 182.
[15] بدوي، الزمان الوجودي،37.
[16] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 178.
[17] بدوي، الزمان الوجودي، 178-179.
[18] بدوي، الزمان الوجودي، 205.
[19] عن نقد كيركغارد لديالكتيك هيغل بتقديمه بديلًا يقوم على فكرة الوجودية والذاتية والتوتر والتفرد والكيفية، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 31.
[20] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 205.
[21] بدوي، الزمان الوجودي، 38-39.
[22] بدوي، الزمان الوجودي، 38-39.
[23] بدوي، الزمان الوجودي، 39؛ ويقول «فالحرية معناها القدرة على الاختيار، ولا اختيار إلا بين ممكنات»، بدوي، الزمان الوجودي، 246؛ يقول »فنرى حينئذ أن الحرية هي الإمكانية«، عبد الرحمن بدوي، الموت والعبقرية، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1962)، 11.
[24] بدوي، الزمان الوجودي، 39-40.
[25] يصر بدوي على استعمال كلمة “الآنية” بدل كلمة “الأنية” لاعتقاده أنها تعريب للكلمة اليونانيةαιναι
[26] بدوي، الزمان الوجودي، 38-39.
[27] عن ضرورة أما لانهائية الممكن وتقابل الوجود وتساوي الأشياء الممكنة، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 181.
[28] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 226.
[29] بدوي، الزمان الوجودي، 184.
[30] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 226؛ عن الطابع الإشكالي للحياة لأنها نسيج من الأضداد والمتناقضات، انظر بدوي، الموت والعبقرية، 4.
[31] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 226.
[32] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 227.
[33] عن المخاطرة وإرادة الخطر، انظر بدوي الزمان الوجودي، 182-183.
[34] بدوي، الزمان الوجودي، 184، عن الارتباط بين الحرية والخطيئة، انظر بدوي، الموت والعبقرية، 13.
[35] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 41.
[36] حول تناصر أنواع الصلات بأنواع الذوات انظر بدوي، الزمان الوجودي، 40-41.
[37] بدوي، الزمان الوجودي، 42.
[38] بدوي، الزمان الوجودي، 190.
[39] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 153.
[40] عن ضرورة الغير والفعل لتحقيق الذات انظر بدوي، الزمان الوجودي، 153.
[41] عن صلة الذات بنفسها، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 40.
[42] عن التقابل بين “الوجود الماهوي” الذي يعيش عزلة تامة و”الوجود الحقيقي” الذي هو “الوجود الذاتي” وكيف أن السقوط يجعل الذات ملكا للموضوع، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 42؛ بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 207-208.
[43] بدوي، الزمان الوجودي، 43.
[44] بدوي، الزمان الوجودي، 42-43.
[45] بدوي، الزمان الوجودي، 180-181.
[46] بدوي، الزمان الوجودي، 43.
[47] بدوي، الزمان الوجودي، 42.
[48] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 43.
[49] . عن انتقاده لموقف هيدغر من السقوط انظر بدوي، الزمان الوجودي، 44.
[50] عن ضرورة السقوط لتحقيق الذات، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 43-44؛
[51] بدوي، الزمان الوجودي، 187.
[52] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 227.
[53] عن دور الطفرة المزدوج للاتصال بماهية الذات وبالغير، انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 228.
[54] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 199.
[55] عن أن الموت فعل يقضي على الفعل، وأنه انتهاء الإمكانيات وبلوغها حد النضج والكمال، انظر بدوي، الموت والعبقرية، 5؛ كما يصف الموت بالإمكانية المطلقة، نفسه، ص 26، وبالعنصر الجوهري في الوجود، بدوي، الموت والعبقرية، 27؛ لأن الوجود منذ كينونته هو “وجود لفناء”، أي متناه جوهريا، بدوي، الموت والعبقرية، 28.
[56] عن دينامية واستمرارية التعالي، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 200-201.
[57] عن خصال التعالي، بدوي، الزمان الوجودي، 200-201.
[58] عن الطابع الكيفي والتركيبي للتعالي، والذي يناقض به الانتقاد الذي وجهه للجدل الهيغيلي، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 201.
[59] عن الآن المستقبلي هو المكون الرئيس للتعالي وعن تشبيهه بالحب، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 202؛ عن أن المستقبل هو ماهية “الآنية” في ارتباطه بالإمكانيات، انظر بدوي، الموت والعبقرية، 25.
[60] انظر بدوي، الزمان الوجودي، ص 190,
[61] عن أن الطفرة تقهقر وارتداد بالنسبة إلى التعالي، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 203.
[62] عن انتقال الذات من الإمكان إلى الواقع أو الآنية بفضل الحرية، انظر، نفسه، 44؛ انظر أيضا بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 208؛ وينتهي إلى اعتبار «الحرية هي الصفة الأولى لوجود الذات»، دراسات في الفلسفة الوجودية، 211.
[63] عن كون الزمان هو العامل الأصلي في انتقال الوجود الممكن إلى حالة الآنية، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 44-45.
[64] بدوي، الزمان الوجودي، 221-222.
[65] بدوي، الموت والعبقرية، 24.
[66] عن كون كل الفلاسفة السابقين وحتى برغسون فهموا الزمانية بمعنى الوجود “في الزمان”، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 45.
[67] بدوي، الزمان الوجودي، 46؛ عن كون الوجود زماني في جوهره وطبيعته، انظر أيضا بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 209.
[68] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 46.
[69] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 210؛ عن تنويهه بالثورة الكوبرنيكية التي قام بها في علم الوجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 46.
[70] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 237.
[71] عن كون الزمان هو علة اتحاد العدم بالوجود، وانبثاق الآنية، انظر دراسات في الفلسفة الوجودية، ص 237؛ ويقول عن تحقق الآنية: «لا تحقق إذن للوجود على هيئة الآنية إلا بالزمان؛ ولا آنية إذن إلا وهي متزمنة بالزمان؛ وتلك هي الزمانية: فهي إذن الطابع الأصيل للآنية. لذا لا بد أن نجد خواص الآنية في الزمانية، وهي خواص حددناها في آخر الأمر في ثلاث: المنفصل، والتوتر، والإمكان»، بدوي، الزمان الوجودي، 240.
[72] عن الطبيعة المنفصلة للزمانية، انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، ص 237؛ انظر كذلك بدوي، الزمان الوجودي، 240.
[73] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 239.
[74] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 261.
[75] بدوي، الزمان الوجودي، 238.
[76] بدوي، الزمان الوجودي، 239.
[77] . عن ارتباط الروح السحرية أو العربية بالماضي لارتباطها بالخطيئة، وبالمستقبل لتطلعها إلى الخلاص، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 94-95.
[78] عن انتقال النظرة المسيحية للزمان إلى الحضارة الأوروبية والمتعقلة بسيادة المستقبل، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 95.
[79] عن الزمانية الأصيلة الحقيقية التي توحد الآنات الثلاثة في مقابل الزمانية الزائفة التي تفصل بينها، انظر، بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 240؛ انظر كذلك بدوي، الزمان الوجودي، 260-261.
[80] عن الأصل الزماني للتوتر انظر بدوي، الزمان الوجودي، 261.
[81] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 257.
[82] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 260.
[83] عن أن لحظة المستقبل ليست هي اللحظة الحقيقية للزمانية، وإنما لحظة الماضي، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 258.
[84] بدوي، الزمان الوجودي، 178.
[85] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 46.
[86] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 240؛ انظر أيضا بدوي، الزمان الوجودي، 261.
[87] عن تضمن مذهبه لمذهب كانط في الزمان وتجاوزه له، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 117؛ 119.
[88] بدوي، الزمان الوجودي، 119.
[89] عن التضاد بين وظيفة كل من الزمان الشعوري الحيوي والزمان الفيزيائي، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 146.
[90] عن حرصه على توكيد ثنائية الزمن، فلسفي وفيزيائي، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 147-148.
[91] «وإلى هذه الثنائية في طبيعة الوجود ترد إذن الثنائية في طبيعة الزمان التي نستطيع أن نفسر بها عدم التفاهم حتى الآن بين الفيزيائيين والفلاسفة… فلتكن هذه إذن حقيقة أولية كسبناها، ولنجعلها نقطة البدء في كل بحث في الزمان»، بدوي، الزمان الوجودي، 148.
[92] بدوي، الزمان الوجودي، 153.
[93] انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 239.
[94] عن انتقاده للفلاسفة السابقين عليه لكونهم لم يفهموا حقيقة الزمان باعتباره تناهيا، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 88-89؛ عن نظرية أرسطو في الزمان، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 89- 90.
[95] عن علاقة التناهي بالموت، انظر بدوي، الموت والعبقرية، 14، انظر كذلك 16؛ ولهذا يقول “الموت جزء من الحياة وأنه ليس مضادا لها”، بدوي، الموت والعبقرية، 17.
[96] بدوي، الزمان الوجودي، 153؛ عن ارتباط الزمان بالخلق، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 222؛ ويقول »ففي مجرد وجود شيء وجودا حقيقيا تضمنٌ للتناهي بالضرورة»، بدوي، الزمان الوجودي، 9-10.
[97] بدوي، الزمان الوجودي، 178.
[98] عن آثار الزمانية كالتوتر والخلق والعدم، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 221.
[99] عن الأصول العامة التي يقوم عليها منطق التوتر، انظر نفسه، ص 210؛ انظر كذلك بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، ص 230-231؛ عن كون التوتر هو التركيب الأصلي للوجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 178.
[100] حول التناهي الدينامي بوصفه المركز الحقيقي لمذهبه في الوجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 260.
[101] بدوي، الزمان الوجودي، 232.
[102] عن العلاقة بين النبذ والعدم والقلق، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 175.
[103] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 183-184.
[104] انظر، بدوي، الزمان الوجودي، 173.
[105] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 230-231.
[106] بدوي، الزمان الوجودي، 231-232.
[107] عن أن توحيده بين الهوات والعدم، انظر دراسات في الفلسفة الوجودية، 235.
[108] عن كون الهوات ليست خلاء، انظر دراسات في الفلسفة الوجودية، 235.
[109] بدوي، الزمان الوجودي، 233.
[110] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 234.
[111] بدوي، الزمان الوجودي، 235.
[112] انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 235.
[113] دراسات في الفلسفة الوجودية، 236.
[114] بدوي، الزمان الوجودي، 176.
[115] عن دينامية حدوث القلق، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 173.
[116] بدوي، الزمان الوجودي، 176.
[117] بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 236.
[118] بدوي، الزمان الوجودي، 176.
[119] بدوي، الزمان الوجودي، 238.
[120] عن الطابع الديالكتيكي الضدي لكل ما هو موجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 155؛ انظر أيضا بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 214.
[121] عن استمرار التناقض في الوجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 156.
[122] بدوي، الزمان الوجودي، 156؛ عن الطابع التقابلي لمقولات منطق الوجدان، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 156-157؛ عن كون منطق الوجدان يقوم على مبدأ التوتر، وبالتالي على مبدأ التناقض، انظر دراسات في الفلسفة الوجودية، 230، وكذلك بدوي، الزمان الوجودي، 209.
[123] . «أما المنطق الذي نقول به فلا يقول برفع مطلقا، بل بالعكس: يحتفظ للتقابل بكل حدته وتوتره؛ ولذا فضلنا تسميته باسم “منطق التوتر”. وتبعا لهذا فإن … وحدة التوتر، هي المعيار الأصلي والمبدأ الرئيس الذي يقوم عليه هذا المنطق الجديد»، بدوي، الزمان الوجودي، 209.
[124] عن تردده في تسمية ملكة الإدراك الوجودي بالوجدان، انظر، بدوي، الزمان الوجودي، 205-206. عن أن الوجدان يستعمل “المعاناة” لا العيان والرؤية لإدراك الوجود، وعن الإحالة من الذات إلى الذات، انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 212-213.
[125] بدوي، الزمان الوجودي، 206؛ انظر أيضا 207؛ عن أن وجود الذات يمتاز بأنه وجود شاعر بوجوده، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 35؛ عن إشكالية قوة الشعور بالوجود بين الفكر والوجدان، انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 212-213؛ عن كون الشعور بالذات هو شعور بالتوتر الناتج عن البنية الضدية للمشعور به، وعن أن الفكر مضاد للوجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 32-33.
[126] بدوي، الزمان الوجودي، 208.
[127] عن اختلاف عالم والوجدان عن عالم العقل، وخدمة الثاني للأول، انظر الزمان الوجودي، 207-208؛ وكذلك بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، 213.
[128] بدوي، الزمان الوجودي، 253.
[129] بدوي، الزمان الوجودي، 252-253.
[130] عن واجب التخلص من الأوهام لاستعادة معنى الإنسان وقيمته، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 252-253.
[131] عن الأوهام المتعلقة بالزمان التي تفسد الإنسان، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 254.
[132] عن تناقض فكرة وجود فوق الوجود، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 189.
[133] بدوي، الزمان الوجودي، 253.
[134] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 252-253.
[135] بدوي، الزمان الوجودي، 252-253؛ انظر بدوي، الموت والعبقرية، 10.
[136] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 253.
[137] بدوي، الزمان الوجودي، 163.
[138] انظر، بدوي، الزمان الوجودي، 253.
[139] انظر بدوي، الزمان الوجودي، 254-255.
[140] انظر الزمان الوجودي، ص 255- 254؛ عن علاقة الهمّ بالذات وبالإمكانيات انظر بدوي، الموت والعبقرية، 23.
[141] بدوي، الزمان الوجودي، 253.
[142] بدوي، الزمان الوجودي، 254.
[143] بدوي، الزمان الوجودي، 182.
[144] عن التناظر بين العدم واللامعقول، انظر بدوي، دراسات في الفلسفة الوجودية، ص 228.
[145] عن أن الاختيار غالبا ما يكون عند المخاطرين فعلا لا معقولا، انظر بدوي، الزمان الوجودي، 182.
[146] «وإذا كان الأمر على هذا النحو فيما يتصل بالذرات المادية “غير الواعية”، أَفليْس من الأحرى أن يكون كذلك أيضا بالنسبة إلى هذه الذرات الواعية، التي هي الذات العاقلة»، دراسات في الفلسفة الوجودية، 228.
[147] الزمان الوجودي، 207-208.
[148] بدوي، الزمان الوجودي، 182.
[149] بدوي، الزمان الوجودي، 259.
[150] بدوي، الزمان الوجودي، 259.
[151] بدوي، الزمان الوجودي، 259.
كانت – (وقلق)
كانت – أن
كان (كييركغارد)
وحدت الاسم مع ما جاء في الهامش وبقية الدراسة (كيركغارد)
أضفت هذه الكلمة – على
كانت – بغير لله
أضفت هذه الكلمة – (أنها)
كانت – لكنه إنه لم يضحِّ
كانت – في وجوهر
كانت – مع نتساءل
أضفت هذه الكلمة – أن
كانت – بدري