تجلس إلى طاولة الفحص ملفوفةً بالرّداء الورقيّ البنفسجيّ، واحدٌ من هذه الألوان الجميلة المملّة المختارة للنّساء، كما أنّها قد تكون محاولةً لتغطية نفسها بصندوق ثلّاجةٍ مثل الرّداء الورقيّ، كما الإفريز وجدرانه كلّها، ويطوّقها مثل خشبٍ متناثرٍ أو متساقطٍ. تحدّق من هذا التّركيب، وتسحب ياقة الرّداء العالية حول فكّها لأسفل، لذلك تستطيع أن تجيب على أسئلته دون الحديث عبر قناع الورق.
أجابت: «نعم»، «لا»، وهما الجواب نفسه، نعم، لم تحصل على جماعٍ جنسيٍّ لما يقرب من سنتين، لا، لم تحصل على جماعٍ جنسيٍّ لما يقرب من سنتين، ويهزّ طبيب النّساء رأسه، ويقول: إنّها ثانيةً حتّى الآن، رافعًا بصره عليها قائلًا: «واو»، «واو». ويدور بمقعده قليلًا متابعًا ليقرأ الرّسم البيانيّ؛ إنّها مريضةٌ جديدةٌ، والممرّضة المهنيّة عملت ملاحظاتٍ كثيرةً. يقول: «ماذا تفعلين، تقتلين زوجك؟» إنّها تسمعها مزحةً، مزحةً كأنّها كاسحة جليدٍ خارجةٌ من فمه بسرعةٍ جدًّا، ومن الواضح أنّه لم يفكّر للحظةٍ ماذا يقول. ربّما أسلوبٌ يستخدمه لمعالجة النّساء المطلّقات الغاضبات، أو غير المتزوّجات في لوس أنجلوس، حيث يبدو أنّ هناك الكثير من حالات اللّقاء غير الشّرعيّ، أو ليست لقاءاتٍ- ربّما أسلوبٌ يستخدمه ليواسي على «ما هؤلاء الرّجال المهتزّون»، لكنّها لم تعرف أن تجد في نفسها أن تعاقبه على هذا التّعليق أيضًا، ولم تحضر نفسها من أجل أن تطحن تمامًا في كم هي صلبةٌ هذه الملاحظة، وكيف أنّه من غير المصدّق خروجه عن الخطّ. ربّما ما يحميه هو أنّها عاشت زواجًا سعيدًا. إنّها تعرف أنّ كلّ واحدٍ يقول أشياء غبيّةً، وتعرف كيف تسامح، وتسامح في الزّواج السّعيد.
تنظر إلى الأسفل نحوه وهو على مقعده. تبقي نظرةً لطيفةً على وجهها، نظرةً تعلّمتها من زميلٍ يخصّها، نظرةً مع وقتٍ معلّقٍ فيها، نظرةً تسمح بوقتٍ كافٍ لك، لتجمع إلى مدركاتك الضّيّقة أنّك قلت شيئًا غبيًّا فظيعًا، وقتٍ يقف بغباءٍ. بالتّأكيد هو يسمع، فقط، ما سال من فمه، وبدأ ليقول شيئًا- ربّما ليعتذر- يغيّر رأيه، ثمّ ينظر إلى الأسفل لينتقل إلى الصّفحة الثّانية من الرّسم البيانيّ، وينظر إلى الأعلى، منطلقًا خلفًا نحو الحائط، ويرفع بعنفٍ قدمه المتسكّعة فوق دولاب مقعده، متسائلًا: «إذًا، ما رأيك بما يجري؟»، وهي تعتقد أنّ هذا مفتتحٌ بارعٌ لطبيب نساءٍ ذكرٍ، ليقدّمه إلى مريضةٍ أنثى، وإلى سلطة جسدها الذّاتيّة، لكن بعد ذلك، وقبل أن تستطيع الإجابة، يقول ثانيةً: «واو، سنتان، لم تحصلي على الجنس خلال سنتين؟»، ومثبّتًا إيّاها بنظرةٍ، وهي تدرك أنّه دورها لتقول: «واو».
إنّه يعتقد أنّها تكذب.
التّجوال أفضل من المكان أحيانًا، ومن البيت، ومن المقصد. أحيانًا تستطيع أن توسّع فكرةً أنّ التّجوال إمكانيّةٌ، وفرصةٌ، وموهبة اكتشاف الأشياء- قد يكون هناك، ذلك المكان الّذي لم تفكّر برؤيته، ولم تعمل بجدٍّ بما فيه الكفاية لتجده؛ والتّجوال أحيانًا أفضل لأنّها تجبر نفسها على الحركة، ويومًا ما، في المركز التّجاريّ المجاور، تتجوّل نحو مكتبةٍ تتعامل معها نادرًا، هي مكتبة بارينز ونوبل، وتقف أمام رفّ كتب آداب المعاشرة، وتسحب للأسفل كلّ كتابٍ، وتنتقل إلى «أرملةٍ»، وإلى «موتٍ»، وإلى كلّ نصيحةٍ دقيقةٍ وإلحاحٍ أقلّ دقّةً، ومفضّلتها الحاليّة «أرملةٌ لا تتحلّى باللّآلئ… أو إذا جرؤت، فإنّها تكون سوداء أو رماديّةً».
التّجوال ليس أفضل أحيانًا، إنّه الرّعب من عدم وجود مكانٍ لتذهب إليه، لا مكانٌ يحتاجها أن تكون، أو يريدها أن تكون، ولا أحدٌ يريدها أن تكون بالطّريقة الّتي يريدها. ثمّ تنام ساعاتٍ طويلةً معتمةً، رأسها أسفل الوسائد، وتحت اللّحاف، وعندما تستيقظ، تلتوي لآلئها الورديّة فوق الغرور، إنّها تريحها؛ هناك مزايا للعيش في مثل ثقافةٍ نسّاءةٍ.
إنّها تعرف ما المقصود بكلمة «أرملةٍ» منذ أن كانت في السّابعة عشرة من عمرها، وتجلس متضايقةً في مقرّرٍ معنونٍ بـ«النّساء والمظهر»، حيث فريقٌ معلّمٌ بوساطة مثليّتين مسترجلتين ازدرائيّتين من أيّ شيءٍ تدركه كأنثًى. واحدٌ من الأساتذة يحتلّ كرسيًّا متحرّكًا على نحوٍ سمجٍ، تقريبًا على الجنب، ومنذ ميلاده مصابٌ بشللٍ دماغيٍّ أو بتصلّب الأنسجة المتعدّد، وهي لن تعرف أبدًا، وكره الأستاذ للنّساء مشهديٌّ (ملحوظٌ- مرئيٌّ- واضحٌ) ولاذعٌ، وبنجاحٍ يبقيها من ادّعاء أيّ ولاءٍ للأنثويّة حتّى سنواتٍ متأخّرةٍ، عندما صنّفت نفسها خارجًا عن تصوّرات الأستاذ الغاضبة؛ المعادلات الّتي ذهبت ببعض الأشياء على طول سطورٍ-
– حذاؤها عالي الكعب كان قبولًا بالعرج دون أن تلقي بالًا، على قدم المساواة مع تصلّب الأنسجة المتعدّد أو الشّلل
– أحمر شفاهها، حجابٌ طرح على لحمٍ حيويٍّ، غير مشوّهٍ، وغير خاطئٍ – نحافتها- الجينيّة كما لو كانت- بطريقةٍ ما أكثر امتلاءً بالإرادة، مستمدّةٌ عبر الحرمان لإسعاد عالم الذّكورة…
أستاذها المعوّق عرف بعمقٍ أكثر من أيٍّ منهم سلاسل الأنوثة. ماذا كانت المخادعة- وكانت تعرف هذا حتّى ذلك الحين- كانت اعتقدت الأستاذ قد عانى أكثر ممّا عانت- مهما كان قد حدث لها؛ وهي عرفت من هذه الحصّة الدّراسيّة منذ فترةٍ طويلةٍ، أنّ «أرملةً» عنت «فارغًا» في السّنسكريتيّة ، وهذه فارغٌ لا تكون تعني إلّا جنسيًّا، لا لقانق للكعكة، ولا سجق للقفّاز، تلك طبيعة الشّيء، لكنّها لم تأخذ بعد هذا المرح في السّابعة عشرة، ولم تكن مجهّزةً بالجرأة الوقحة. لقد جاءت لتعجب كمؤمنةٍ حقيقيّةٍ بمساواة الجنسين، وهي غير مستعدّةٍ لتقديم اعتذارٍ، ودون خجلٍ جنسيٍّ….
«إذًا، ما رأيك بما يجري؟» سألها ثانيةً.
تنخّل غذاءها الآن. عدم تنخيل غذائها هو لأخذ وقتٍ كافٍ لتخسر شهيّتها. فتراتها توقّفت، لقد خسرت كثيرًا جدًّا من وزنها. إنّها تقف أغلب أمسياتها في مطبخها، مجروفةً بالغذاء، تطعم نفسها بشكلٍ سريعٍ كما تستطيع أن تبلع. قالت لها أمّها في أغلب الأحيان كطفلةٍ: «لا تقفي هنا تأكلين مثل الحيوانات على معلفٍ. إكرامًا للرّبّ، اجلسي وكلي مثل إنسانٍ متحضّرٍ»، وجرّبت، جلست إلى طاولةٍ صغيرةٍ في غرفة الفطور مع شموعٍ، ومنديلٍ، وأواني فضّيّةٍ، وقدح نبيذٍ، وقدح ماءٍ، وحرّكت سلطانيّة فواكهٍ أو أزهارٍ، وآنية الوسط، وأزاحت مجلّاتٍ، وكلّ سلوكٍ إغوائيٍّ إلى حالته السّويّة، لكن هذه الحشمة مغايرةٌ كلّيّةً للانهيار الأخلاقيّ في داخلها. تجلس إلى المائدة، لكنّها قد تكون حجر الرّبّ الّذي تقدّم له الهبات، والغذاء لم يزل هناك في الصّباح في طيّات حجرها الصّواني-
في تعبئة الملفّ الطّبّيّ، توجد مربّعات قليلةٌ في إحداها علامة (?) أو (x) أو سوادٌ كلّيّةً فقط، وعندما تصل إلى خياري «أعزبٌ» أم «متزوّجٌ،» ولا يوجد مربّعٌ آخر، لا تستطيع أن تملأ كليهما أيضًا. حتّى طرق اللّاويّين المعتمدة في الأرامل، فإنّها تصنّفهنّ مع البغايا والنّساء المطلّقات، فصل 21، مقطع 14، وقال الرّبّ إلى موسى، أرملةٌ، أو امرأةٌ مطلّقةٌ، أو مجدّفةٌ، أو مومسٌ، هؤلاء سوف لا يأخذهنّ: لكن سوف يأخذ عذراء من شعبه لتكون زوجةً. ولأنّه هذا هو ملفّ الطّبّ النّسائيّ، فقد ضحكت بصوتٍ عالٍ في العيادة، وينظر إليها موظّف الاستقبال نظراتٍ مركّزةً، إنّه يريد كثيرًا جدًّا أن يعرف المربّع الّذي تقرؤه، «بغيٌّ، مجدّفةٌ، عاهرةٌ، أرملةٌ»، إنّه مربّعٌ شاملٌ، وهي تعني كلّ توريةٍ متخيّلةٍ في هذا المربّع.
بجدّيّةٍ أكثر، تكتب كلمة «أرملة».
ليس لأنّها غير منطقيّةٍ في الاستبيان، إنّها محاولةٌ أكثر لإعطائهم إحساسًا أكثر عن وضعها الجسديّ الفعليّ. لقد تفاجأت بالأسى، إنّه الثّبات، وإنّه شيءٌ ملحٌّ، وإنّه الألم الجسديّ القاسي.
أحيانًا تشعر أنّها بحالةٍ هستيريّةٍ، كما لو أنّ كلّ خليّةٍ في جسدها تضرب بقوّةٍ باهتياجٍ، وفورانٍ، وانفعالٍ. لقد صدمها هذا في البداية، فهذه موجةٌ من العصبيّة والوحشيّة كنستها أمامًا… لكنّها جاءت لتفهم الجسم الّذي لا يستطيع مقاومة الحزن كلّ لحظة صحوٍ، ذلك أنّ الجسم سيصرّ على توقّفٍ لوقت مرضيّة الحزن.
لذلك، كانت تصرخ بقوّة وتضحك، تضحك بإلحاحٍ، ضحكٌ يطالب بوجوده، وعقلها يقفز نحو أيّ تعليقٍ ممكنٍ من أيّ واحدٍ، أو أيّة صفةٍ يمكن أن تكون نكتةً، وهزلًا، وعلفًا لمسار الضّحك، وهي عرفتها أنّها ستحدث عندما حدثت، فقد كانت تشعر بالوجوه الضّاحكة حولها، وتشعر كأنّها وقفت خلف زجاجٍ، والوجوه حدّقت مرّةً واحدةً وضحكت، شفاههم وعيونهم وأفواههم كلّها تضحك… وكانت تستطيع أن تسمع قرن ثور جسدها اليائس. لقد افترضت أنّ هؤلاء الّذين حولها أدركوا فرحهم لتعاستها، لكن هل كانوا يعلمون أنّ جسدها دفع هذا اليأس إلى الأمام؟
وبذلك، سوف تذهب إلى البيت بعد وجودها في بعض تجمّعات استقبالٍ أو حفلةٍ، وسوف تشعر أنّ أعصابها تتوقّد، وتتقطّع بعصبيّةٍ، وهي متعاركةٌ مع الهستيريا، وسوف تخجل من نفسها، وسوف تعرف أنّ كلّ شخصٍ ضحك من أدبٍ أو راحةٍ، بأنّها ليست هي منظرًا حزينًا ليكون هنا. بمن أو بماذا تستطيع أن تثق الآن؟ ستقول لنفسها: «أنت تحاولين كثيرًا؛ أنت لا تحتاجين أن تجرّبي بجدّيّةٍ أكثر»، لكن ليس ذلك أيضًا، إنّه جسدها الّذي يصرّ على أيّ شيءٍ يقدّمه الضّحك.
يسأل الطّبيب: «تمرينٌ؟»، مسندًا ظهره إلى الحائط، ليستند على كوعه فوق غطاءٍ مطليٍّ بالكروم لإحدى سلال النّفايات الطّويلة. تقرأ مخاطرةً. يتوقّف النّظر إلى رسمها البيانيّ، وهي الآن ترتاح على منضدة الفورمايكا الطّويلة، نصفها داخلها ونصفها الآخر خارجها. جلس الطّبيب بشكلٍ فجائيٍّ إلى الأمام، مقترحًا للمرّة الثّانية «تسريعًا»، وأخيرًا تقول: «أنا آسفةٌ، لا أعرف ماذا تعني «تسريعٌ»؟ أمشي كثيرًا. في الصّباح، باكرًا، ربّما أميالًا كثيرةً. لا أعرف.
يقف من مقعده قائلًا: «لا ألعاب رياضيّةً؟»، ويسحب الأذرع المعدنيّة لطاولة الفحص، واحدةٌ على كلّ جانبٍ منها.
أجابت بسرعةٍ واندفاعٍ: «لا»، مفكّرةً أن تقول: ليست شيئي، ليست رؤيتي، لكنّها لا. هي تعرف كيف أنّها شاذّةٌ بالنّسبة إلى معظم النّاس، وعندما يكون أحدهم في البيت ليطوّقها، حيث المكان الّذي تنتمي إليه، فلا يهمّ، لكنّها الآن تتوقّف عن إضافة الوقود إلى حاسّة أيّ شخصٍ تجاهها، قائلةً: قليلٌ ممكنٌ.
أخبرها: «إنّها آلة لفٍّ من أجل تنغيم الجزء الأوسط، إنّك تجلسين عليها- لا أعرف لماذا تسمّى «آلة لفٍّ».
أجابت بسرعةٍ واندفاعٍ: «لا آلة لفٍّ، ولا ركوب درّاجةٍ، أنا في الحقيقة أمشي…»، وكانت على وشك أن تقول: وأعمل كثيرًا في بيتي، لكنّها لم تقل ذلك أيضًا، إنّها تعرف أنّه من الممكن أن تكون عرّافًا في لوس أنجلوس، أسهل من أن تقول إنّك لست معتادًا على ألعاب الرّياضة، هو اعترافٌ، حقيقةً، أن تكون أقلّ حظًّا، في ظروفٍ مجهدةٍ- شيءٌ لا يمكن أن تعترف به في بلدةٍ خياليّةٍ- لكن عمل البيت تمرينٌ، وكلّ هذا ما تعنيه هي لتبدأ.
أريكةٌ كبيرةٌ نادرةٌ!! ثلاث كلماتٍ فوق نشرةٍ إعلانيّةٍ مثبّتةٍ بمسمارٍ صغيرٍ على قطب هاتفٍ في الزّاوية المجاورة لبيتها. هذا ما دفعها للضّحك عاليًا. أريكةٌ كبيرةٌ نادرةٌ، وقليلٌ من علامات التّعجّب، ورقم هاتفٍ، وربّما هنالك ثمنٌ، لا تتذكّر- في الحقيقة تتذكّر الثّلاث كلماتٍ فقط؛ أريكةٌ كبيرةٌ نادرةٌ وعلامات التّعجّب. هل كانت هناك مجموعةٌ من القسائم مع رقم الهاتف، ترفرف في الرّيح الّتي تحدثها حركة المواصلات؟ إنّها لا تستطيع أن تتذكّر ذلك أيضًا.
تسأل: ماذا يمكن لمثل هذا البند أن يعد؟ ما هو النّادر الّذي يمكن أن يكون في الأريكة؟ كلّ الأرائك أعرفها، تتأمّل، وكلّ شرائح اللّحم الكبيرة المسكرة… وتختار أنت هذه… لكن بعد ذلك تفكّر بالأريكة، المضجع، في عيادة الطّبيب في برنتوود، والنّسيج المغزول المرميّ فوق مقعدها- لتغطية اللّطخات؟ ليمنع اللّطخات؟ لا تستطيع أن تؤكّد، لكن في المرّات السّتّ أو السّبع الّتي تغادر فيها العيادة تقوّمه، وتسحبه بشدّةٍ ثانيةً، إنّها لا تحبّ الرّمي هناك، ولا تحبّ ذلك الّذي يحتفظ بانطباعها. تخبرها المعالجة كلّ مرّةٍ أن لا تقلق بشأنه، وسوف تصلحه، لكنّها لا تريد طبيبًا مقوّمًا يرمي النّسيج بعد أن تغادر… شيءٌ داخليٌّ مقلقٌ، مقلقٌ بإلحاحٍ. إنّها تضايقها كثيرًا، حيث جعلها تترك المعالج مع بعض الملاحظات عن حياتها، كالشّعر أو الظّفر الّذي قصّته وتركته خلفها في الصّالون. إنّه غير منطقيٍّ، إنّها لا تصرّ على ذلك، أو حتّى أنّه لا بدّ أن يكون. إنّها لا تثق بهذه الضّبابيّة للمهنيّ أو الشّخصيّ، ولا تستطيع أن تقدّر التّبديل هذا في أفكارها ومشاعرها غير المحميّة، ولا تثق بأخلاق المهنيّين فوق مجموعة مبادئ الصّداقة أو العائلة- وهي تشعر أنّها أدّت واجبها تجاه عائلتها من خلال «مقابلة معالجٍ»، وعندما يأتي الاقتراح من الطّبيب، كما تعرف أنّه سيأتي بالتّأكيد، تأخذ دواءً مضادًا للاكتئاب، وتترك العيادة ولا تعود أبدًا. إنّها محتارةٌ بعمقٍ بالشّخص الّذي يدرس عقل شخصٍ آخر، ويريد أن يعالجه كيميائيًّا في الوقت نفسه. أريكةٌ كبيرةٌ نادرةٌ.
… من المستحيل إذًا أن تذهب إلى الأطبّاء، إنّه يختلف مع كلّ تخمينٍ يتوصّل إليه مساعد الطّبيب، يقول: لا، لا، إنّه لا يعتقد أنّه حول سنّ اليأس، لا، لا، يردّ بنزقٍ: «ارمي ذلك المرهم بعيدًا؛ إنّه غير مفيدٍ»، وهي سعيدةٌ بذلك، لقد قرأت وصفته بتمعّنٍ؛ تحذيرات السّرطان، لكنّها أنفقت مالًا كثيرًا مقابل نصائحه وعانت لأسابيع عدّةً، بعد زيارتها الأولى إلى مساعد الطّبيب. ليس هناك أيّ عذرٍ لهذا التّشخيص الخاطئ، وبالتّأكيد لم يتستّر على مساعده، ووجدت ذلك مذهلًا، وهي منزعجةٌ جدًّا جدًّا، وتحاول إبقاء غطاءٍ عليه، وتحاول أن لا تقطع رأسه.
إنّها مع بورتيا في حفلة عشاءٍ، وهم يضحكون، ضائعةً للحظةٍ من أزواجٍ ميّتين، ومن رجالٍ عاملين يقفون الآن لساعاتٍ طويلةٍ في المطبخ، وتنظر حولها، محرّرةً من المحامين الّذين يردّون على الاتّصالات الهاتفيّة، أو من موظّفي البنك الشّخصيّين بطيئي الإجابة الآن… ولذلك ستكون مع بورتيا في الخارج، وفي النّهاية ستضحكان، وتقفزان، وشخصٌ ما بدون فشلٍ سوف يقول: «آه، الأرملتان السّعيدتان!».
ستتوقّفان عن الضّحك.
ستنظران إليه.
ستنظران إلى بعضهما البعض.
ستنتظران بهدوءٍ حتّى يغادر هذا الشّخص.
سوف لا تقولان شيئًا.
الحزن فيها شاملٌ جدًّا، سفيهٌ جدًّا، وبطيئةٌ العودة للغضب ثانيةً.
كثيرٌ من حياة النّاس قصيرةٌ لهذا السّبب.
… مستحيلٌ إذًا الذّهاب إلى الأطبّاء.
أرشدت في يومٍ من الأيّام إلى لوحةٍ جديدةٍ وبحروفٍ كبيرةٍ: «أطيلي عمر زوجك»، وبعدها بحروفٍ أصغر تحتها قرأت عبارةً: «القوّة المضادّة للأكسدة لعصير الرّمّان». هي لم تهن من الإعلان، ولم تقلق، ولم تتضايق؛ إنّها فقط حائرةٌ بغبائها المطلق، بغفلتها الصّبيانيّة. إنّه إعلان لـ POM، وحرف الـ O لـ POM ، موضوعٌ بشكل قلبٍ بدلًا من دائرةٍ. القلب آليٌّ بالكامل، بالكامل، في هذا الإعلان، وتصميمٌ للعضلة وقدراتها على الضّخّ، وحجراتها الدّمويّة. هي تفهم أنّ فريق الإعلان يجلس حول طاولةٍ كبيرةٍ، يفكّرون ب»أطيلي عمر زوجك» بشكلٍ مضحكٍ هستيريٍّ، جلسةٌ مشتركةٌ مضحكةٌ، ونداءٌ واحدٌ من هؤلاء المزايدين لكلّ سنوات البؤس الزّوجيّة- هي تفهم أنّ هناك زيجاتٍ تشبه ذلك، لكن ما لا تستطيع فهمه هو كيف أنّ النّسخة لم تطرح، إنّها فكرةٌ مضحكةٌ في النّهاية وشرسةٌ.
يقول ماريان ويجنز إنّه الأفضل في روايةٍ لها: أن تحبّ شخصًا ما هو أن توافق لتموت مرّتين في الحياة، أو لتعمّر لا شيء. ما يحدث عندما يطيل أحدٌ عمر قرينه هو عمرٌ تخزينيٌّ، كوجود يقطينٍ، ومضخّاتٍ جسديّةٍ صمّاء… وإعلاناتٍ صمّاء.
… مستحيلٌ إذًا الذّهاب إلى الأطبّاء.
في صباح يومٍ ما استيقظت السّاعة الرّابعة صباحًا، محدّقةً نحو الظّلمة الفارغة، لوقتٍ طويلٍ إلى أن نهضت أخيرًا وذهبت إلى الحمّام. ثمّة مجلّة بلاي بوي عدد أيّار/ مايو 2004 في السّلّة أمام المرحاض؛ صورة الأشقر الشّاذّ بام أندرسون موجودةٌ على الغلاف. أخذت المجلّة معها إلى السّرير، وبدأت تقرأ المقابلة مع جوني دبّ، ولم تكن ممتعةً كما يجب أن تكون، أو ربّما هي أقلّ استمتاعًا، لأنّها تعرف بالفعل أن مدحرج الحجارة كيث ريتشاردز، خدم كعارضٍ للمصوّر بالرّسم دبّ ل كابتن جاك سبارّو في قراصنة الكاريبي. إنّها تريد من المقابلة أن تلامس المشاكل مع منتجي ديزن ، عندما وصل دبّ على عدّةٍ، مع مجموعةٍ مختلفةٍ من أسنانه المغطّاة بالذّهب. لم يكن هناك أيّ ذكرٍ للتّصوير أنّه قد توقّف، أو ليلة الافتتاح أنّها دفنت في أناهيم، كاليفورنيا، لأنّ ديزني فكّر بأنّ الفيلم فشل فشلًا هائلًا، وأنّ أداء دبّ مخبولٌ، وغير مستساغٍ، ومثليّ الجنس. كان يقول إنّ المقابلة «صنوبرةٌ طافيةٌ» مثل واحدٍ من أزواج أمّها، وكأس زجاجٍ بداخله عود تنظيف أسنانٍ، ولا أحد يخبر القصّة الحقيقيّة، ووكيل دبّ محتملٌ أن يكون هناك في غرفة تحرير المقابلة، يتأكّد بأنّ الفيلم التّالي مع ديزني لا يقارن. كلّه مملٌّ، ومبتذلٌ جدًّا؛ تشعر أنّها أحرجت تجاه دبّ.
إنّها تبحث عن الخيال لكن قبل أن تجده، ثمّة أضواء فوق صورةٍ بك براون الكاريكاتوريّة الضّروريّة. كان لها الكثير من النّقاشات مع زوجها حول الصّور الكاريكاتوريّة لـ بك براون، كما هم دائمًا تقريبًا يتصوّرانهما جنسيًّا لامرأةٍ عجوزٍ شمطاء، جدّةٍ تذهب إلى الغدد التّناسليّة لشخصٍ مثل مهنةٍ لا أحد، مفترسةً حقيقيّةً. صورة مايو/ أيّار الكاريكاتوريّة تصوّر شابًّا في مطارٍ، يلتقي مع جرانّي وهي على ركبتيها بانتشاءٍ واصلٍ إلى سراويلها من أجل عوراته. حارس أمنٍ ببذلةٍ زرقاء يقيّد راعيًا ألمانيًّا يهمس بشكلٍ تآمريٍّ نحو أذن الشّابّ: «سيّدي، أعتقد أنّك تودّ أن تعرف أنّها ليست جزءًا من أمن المطار». كلا الوجهين الذّكرين- حارس الأمن، والرّجل المبادر جنسيًّا- دهشا بحماقة من حولهم.
ثمّة وجه امرأةٍ في منتصف العمر تمامًا خلف كتف الشّابّ- وجهٌ في الحشد تمامًا- لكنّها ترتدي خطّ الانكماش نفسه لفمٍ كما هي فعلت. لديها قليلٌ من نقاط الكلف السّوداء لعينيها وتحدّق نحو المسافة جيّدًا فوق رأس جرانّي؛ الرّواقيّ والضّعيف جنسيًّا.
جدّة بك بروان لا تريد أن تشاهد في هذا الصّباح السّاعة 04:20.لم يزل تصويرٌ آخر لامرأةٍ بدون تواصلٍ جنسيٍّ، أو عميقٍ، امرأةٍ بدون رخصةٍ جنسيّةٍ، مرمى النّكتة، والأسوأ، شهيّتها مقرفةٌ، وهمجيّةٌ، ولم تزل متنازلةً لأيّ شخصٍ، ومتسامحةً، وإحراجها لكلّ واحدٍ يجب أن يدوم.
هي تعرف أنّها تبدأ لجعله رخاميًّا تجاه شخصيّةٍ تدعى «أرملةٌ»، غير ملموسةٍ، ومظلمةٌ، وحزينةٌ بالتّعريف، وضعيفةٌ جنسيًّا. جسدها يحارب لأجلها، ولبعض وجودٍ تعترف بوجود مثل الأوكسجين، والماء، والمعيشة.
ميشيل لاتيوليس (كاتبة قصصٍ خياليّةٍ وكاتبة مقالةٍ من الولايات المتّحدة) أستاذةٌ مساعدةٌ في اللّغة الإنجليزيّة في جامعة كاليفورنيا في أرفين. نشرت روايةً واحدةً بعنوانٍ «حتّى الآن»، وظهرت قصصها في: The Antioch Review, The Santa Monica Review، وأكثرها في ZYZZYVA في الفترة الأخيرة.
ميشيل لاتيوليس ترجمة: محمّد حلمي الرّيشة
شاعر ومترجم من فلسطين