1ـ شـارع السيّدة في أفيرو
بـين منزلنا في أفـيرو وقنطرة البحرِ
أغـدو على مَهَلٍ
وأروحْ
والكلام الذي يتشبّـهُ بي
لم يزلْ يتعـرّفُ وجهي
ويـرشـدني
شـارعٌ قد تغـيّـر حقّـا كثيرا!
ولـكنّـني لم أزلْ مثلما كنتُ
بـين ابتسامة أمّـي
ومـدرسة الحيّ أغـدو بـه
وأروحْ.
2ـ غاسترونوميا
والحرْفة القُدْمَى وأنّ عشيرتي
زرعوا الكرومَ وأنّني لا أزرعُ(الحطيئة)
إلى شوقي أبي شقرا
فكّرتُ في الأشياءِ حولي
وهي تجلسُ فوق مائدة الظهيرة:
صحنٌ من الزّيتون أخضر ظلّ حَبّ منه يصنعُ في أناةٍ زيتهُ،
قِطَعٌ من السّلمونِ والجبنِ المملـّّح والخُضَارِ،
مكعّباتُ الثّلج تطفو في زجاجة «سنغريّا»،
سلـّةُ الأعنابِ والمانْجا الملاعقُ والسّكاكينُ الكؤوسُ،
شرائحُ اللحمِ المتبّلِ والبطاطسِ،
خبزُ سيّدتي المحمّصُ…
قلت يكفيني ثلاثُ أصابعٍ لأعيدَ تشكيلَ الحياةِ،
وريشةٌ وبريّةٌ،لأردَّ شاردها
وأمسكَ ذيلَ قافيةٍ،
وقلتُ يدِي قوادمُ طائرٍ،بصَماتُها لَطخاتُ حبرٍ في البياضِ،
وقلتٌ كيف نسِيتُ إيكاروسَ وهو يطيرُ صوْبَ الشّمسِ
في «مخطوطِ تمْبكتو»؟
ومن عجَلٍ نسِيتُ ملوكَ أوتيكاَ وقد جلسوا المساءَ إلى موائدهمْ،
وما همّوا ولا شربُوا
وقالوا: «سوف ننتظر الغريبَ»، وكان فيهمْ واقفا بقناعه الخاوي؟
وكيف نسِيتُ من لهَفٍ عصا شوقي أبي شقرا،
وقد لبست طريق النهر،كي تجري
على الأمواه كالأخشاب؟ كيفَ؟
وكنت أهبط في سماء التّين والأعنابِ،
كان جناحيَ المصنوعُ من شمع يذوبُ،
وكنت أعولُ دون صوت(كان بي شيء من الأسماك وهي هناكَ
تصرخ في جدار مصْمتٍْ أعني قرار النّهر)، أهبط قرب دارتنا
كأنّي أحفن الأسماك في نبع، وأبقار تلاطف طفلة وقفتْ
على جنب الطّريق، كأنّها أختي (وخفت عليك، سوف يطلّ
من باب الحكاية ذئبها، بلباس جدّتنا ونظّاراتها)! عودي
وأمّي وهي ذاهلة تعـدّ حقيبتي وتخيط أزراري
ونحن معا نداري دمعنا
والفجر أرض (كم على خطّ الـّذرى من هوّة ووهاد أودية سيقطعها
حصاني ؟)
كيف من خرَفٍ نسيت الحرْفةَ القدمى،وأنّ عشيرتي زرعوا الكرومَ
وما زرعتُ ولا جنيتُ؟
ولي يد كانت تقيس الظلّ؟
هل فكّرت في الأشياء حقّا؟
أم هي الأشياء جالسة تفكّر في الشّبـيهِ
وتستردّ حياته وحياتها؟
بابان ينفتحان في آن معا:
القيروان(وكان باب السّور أزرق في الصّباح،وكنت أحمل سلّتي الملأى
إليك،أقول قد أخذت بأيدينا الحياة كما تشاءُ،
ولم نكن بجرائها
ورمت إلينا بالعظام
ونحن نمسك يا بنيّ خيوط طيّاراتنا أعلى فأعلى
وهي تحملنا)
وبابك أنت خارجة من الحمّام ضاحكة: «شربت السّنغريّا كلّها؟»
فكّرتُ فيما كنت تغتسلين من وعثاء رحلتنا الأخيرة
3ـ المــرأة العـنــكــبوت
بـخطى مُـخـملٍ
تــتـقـدّم نــحو السّـريرْ
تـتـمـسّح بي مثل قطّـتـها
كـنت أعرف أنّ الأظافر مخـفيّةٌ
تــحــت قــفّازها
أنّ هـذا الذي سـاخ في اللّـحمِ،
هـذا الذي حـزّ في العـظمِ
كــان إذن وبــر العنكبــوتِ،
ولــكنّــني كنت ألـعب لعــبتــها
وأدير الكلام على
غير أســمائه
وأســمّــيه ماء الحريرْ!
4 – DIOIQUE
حـيـن اسـتـيـقـظ آدمُ في جــنّــتــه
كـانت أزهــار ذكــورتِــه
تــتــدلــّى في غــصن مــن طــيــنــته
فـيما أزهــار أنــوثــتِه
تــتـدلـّــى في آخــرَ منها
وكانَ على آدمَ أن يغسل كلَّ صباحٍ أكثر من ظلّ فيه.
5ـ ابـنـة يوم
«عمُــر الوردة يوم واحـدٌ!
أو بيـنَ بـينْ!»
قالـت السّـيّـدة الخـضراء فيـما
كـنت أسقي شجـر الوردِ،
«ولـــكــنْ!
نجـمـة الصّـبـح التي أطفأها اللّـيلُ؟
تـرى كــيف نسِـيناها؟
وأيـــنْ!؟»
6ـ نـــقــش
أغــصانٌ حــاملةٌ،
في الشّــمس قطــفــناها
وملأنــا ســلّــتــنا
ومــضـيــنا
فــيما ظــلـّــت بــضع ثمــارٍ
في أعــلاها
عــالقة وهي تــعـضّ على الظّــلِّ
كــنـقــشٍ أثري!
7ـ يـوم الأحـد
هــو ذا يــوم الأحــدْ
يــستــوي الرّمــل عــلى كــرســيّـه الرّمــليِّ،
فــيما البحر يــجــتــرّ الــزّبــدْ
زبــدٌ تبـيضّ عيــناه مــن الزّرقـةِ،
فــيما زمّــجُ الماء يدير العــينَ
نــحو السّـــمك الطّــائرِ
لا يــأبه فينا لأحــدْ!
8ـ قرفلة لأجيتو غونسالفاس
حـين دخـلـنا المقـبرةَ البستانْ
في بـورتو
ووقـفـنا بـيـن يـديهْ
لم تـأخذ مـن بـاقتها
غـير قـرنـفـلةٍ،
وضـعـتـها،وهي تـبـاعد بـيـن الأغصانْ
فوق القبر،وقـالت:
«واحـدة تـكفي لتـعـطّــر عـيـنـيهْ!»
9ـ نـاووس
هـذا جـسد مخلوع الأعضاءْ
سنمـدّده في ناووسٍ
(أعني في صندوق اللّيل الحجري)
وسأصقـل أيّاما أخرى
لـك من جسدي الآخـرِ
ثـمّ أمـدّدها
في ذات الصّـندوق مع الأشياءْ!
9ـ نـــوم
مـرّات أوصيـتـكَ
أن لا تـترك مصباح البيتْ
ـ حين تغادرـ
مـشـتـعـلا!
ذكّرتـك مرّاتٍ
انّـي عندي ما يكفي من ضوءٍ
لأهـدهـد نوم الميْـتْ!
والآن أنا وحدي
ـ وقـد استيقظ ـ
قـل لـي ماذا أفعل
في هذا اللّيلِ
ولا مصباح يضيء ولا زيـتْ!؟
10ـ Saudade
أذكــر من بيـتـك في مرتـولا
مرآة جمــعــتــنا
في غـبش الماء الدّافئ طــيـفيـنْ!
فـيـما كان الفجر الأندلسِي
يـتـنـفـّـس في لوزيتـانيا
يـتـسلّـق زئـبـقها
يـلعـق فيها
بـلـسان الماء بـخار الجـسدينْ!
11ـ خــريــف
كــان على الأشــجار إذن!
أن تســـتــنــبت أجــنحــةً،
وتلاحــق ما أخذتـــه الرّيــحُ
مــن الأوراق!
12ـ شــتــاء
ســندور مــعا
في اســتدارة أصــواتــنا
كالجــذورْ
وهي تــبــحث جاهدةً،
في مداراتــها
عــن بــقايا رطـوبة
هذا الــشّــتاء الشّــحيحْ.
13ـ قــراءة
وحـدها الرّيــحُ
تــعــرف كــيف تــباعد بـين الغــصـونْ
وحــده النّــسغُ
يـعــرف كــيف يــلــوّن
يــخْــضورَ أوراقــها
وحــده الصّــوتُ
بــين الحــروف الصّــوامت والحركــاتِ،
يضيئ على مهــلٍ
ويــســمّــي الذي لا يــبــيـنْ
منصف الوهايبي
شاعر من تونس.