عزيز أزغاي
خِبْرتِي في تَرْبيةِ الكَمائَنِ صَغيرةٌ،
صَبْري شَاسِعٌ
وطِبَاعِي بِلَا مَلامَاتٍ.
أكثرُ تَشنُّجَاتِي
مُجرّدُ رغْوةٍ
لا تطْفُو عَلى سَطْحِ أحدٍ.
كُلُّ الحِيَلِ التي تَعَلّمْتُها
من مُعْجمِ السَّحَرةِ
نَسِيتُها عنْ ظَهْرِ قَلبٍ،
حَتّى إنَّ أسْلحَتي ظَلّتْ
تَتوارَثُ الهُدْنَةَ
مُنْذُ طُفُولةِ المَعَادِنِ،
وإِذْ تُشْرِقُ عَليْها الضّغَائنُ
تَكْتَفي بِاللّمَعانِ، مِثْلَ بُروقٍ،
فِي مَتَاحِفِ العَاصِفةْ.
أنا كائنٌ بِلا أحْقادٍ،
قِمّةُ انْفعالاتِي يَغْمُرُها الخجَلُ،
وغَضَبي أقَلُّ منْ تشنُّجِ كتْلتَيْ فَراغٍ
أمَامَ مِرْآة.
أقْسى مَا هَنْدسْتُهُ
بِضْعُ غَاراتٍ على أَشْباحٍ
فِي كِتابِ الطّرائِف.
وبسببِ هذه الذّخِيرةِ المَيّتَة،
صِرْتُ أمْلكُ تَاريخًا
منَ الأَعْذَار.
كُلّ يومٍ أُحْصي كَبوَاتِي
بِقلْبٍ مُؤْمنٍ،
وما تَراهُ النَّظْرَةُ المَعْدِنِيةُ
مُجَرّدُ خُدَعٍ
بِلا أَبْعادٍ.
اليدُ التي تُهدِّدُ الزّلازِلَ
لَيستْ يَدي،
إنّما لمُحاربٍ خَسِر لِسَانَهُ
في حَلبةِ رٍهَانٍ،
ثُمّ صار يُلَوِّحُ لِأعْدائِهِ اللُّغَويِّينَ
بأَكْفانِ عُجْمَتِهِ الغَامِضَة.
أَنَا صِنْوُهُ السّيئُ في تَناسُخِ الهَشاشاتِ
عادةً مّا تَخْذِلُني أحْلامِي،
وأنا أُغَادرُ إلى يومٍ آخرَ،
أكْتَفي بِتَلْميعِ زُجاجِ الهُدْنَةِ
في كَلامِ الأغْرَابِ،
وعند ارتفاعِ جَلَبةِ النّغمِ
أحْرُسُ مَنْجَمَ الشّجَنِ
منْ نَفاذِ الأسى.
منذُ قُرُونٍ
وأنَا أحْمِلُ رَايةً بيْضاءَ
فَوْقَ مَقابرِ العَائِلة،
أُلوِّحُ بِها لليَأْسِ
مِثل ثُقْبٍ يَنْزِفُ
عَلى هَواهُ.
رَصِيدي منَ الجَسارةِ أَتَتْ عليْهِ فئرانٌ
بِلا عددٍ،
صِرتُ رَخْوًا وبِلا أَطْرافٍ،
وكُلّما فَكّرتُ في التّوْبةِ
تَذَكّرْتُ كَمْ هِيَ جَسِيمةٌ
كُلُّ هذه الغِبْطَةِ.
أنَا هُنا مُنْذُ الجَليدِ الأوّلِ،
الطَلْقَةُ المُبْهَمةُ
في مُروجِ الفَراغِ.
كُلَّ يَومٍ أُرَمِّمُ خَسائِري
في كِتابِ الصّدَاقَاتِ،
وفِي اليَومِ التّالي
أَعُودُ إِلى حَيْثُ يَسْتَريحُ الرَّمادُ
مُكَلَّلًا بِاللَّظى.
أنَا آخِرُ النُّبلاءِ الحَالِمينَ،
أرْعَى قَطِيعَ الكِياسَةِ
في أرَاضِي القسوة،
وأَعِدُ جَوْقَةَ الذِّئابِ
بِغَنائِمِ المَغْفِرة.
(وفي حَياةٍ أُخْرى)
أَنا جُرْثُومةُ الفِتْنَةِ الأُولى.
رَأْسي قَذِيفةُ فُسْفُورٍ سَقَطتْ
مِنْ نَيْزكٍ بِعَجَلاتٍ.
جَاءتْ بِيَ المُصادفَةُ
مَخْفُورًا بدُودِ المُسْتنْقعَاتِ.
طِباعِي كَاسِرةٌ
وَلِي مشاعِرٌ غَمَرَها طَمْيُ الأَذَى.
أنا نُطْفةُ الحَزازاتِ
في رَحِمِ العَاطِفَة،
حَذَرِي جَفّفتْهُ رِيّاحُ الخَمَاسينَ،
وحَدْسِي قُدَّ، في لَيْلِ العَجائِبِ،
منَ البَراكِينِ النّائِمة.
ولِسُوء حَظِّ الطّيْبُوبَةِ،
كُلُّ الذينَ عَبُرُوا جَبهاتِي
نَشَبْتُ في نَواياهُمْ بِلا سببٍ.
أَنا هُنا وهناكَ،
الضّدُّ لأجْله فقطْ.
أنا الكَثْرةُ المُبَلّلةُ بِعَرقِ العبيدِ
والقِلّةُ التِي جَاءتْ
في رَكْبِ الضّباع الضّالّة.
أنا جَوْهرةُ الغُمُوضِ في قِناعِ المُهَرّجِ.
أخْسرُ في حَياةٍ وأرْبَحُ في أخْرى.
شَهَواتِي تَتمدّدُ في كَثافةِ الشّكِّ،
وتَخْدَعُ، مِثْلَ وَرقٍ مَغْشُوشٍ،
نَباهَةَ المُقامِر.
أنَا الوجْهُ وقَفاهُ،
أَقِفُ مُغْتَبِطًا بيْن رصَاصَتَيْنِ
وأَدْعُو للتَّهوُّرِ بِنفاذِ الحَذَر.
أَنَا الكَارِثَةُ،
لسْتُ حَزِينًا
ولا شيْءَ، في نِيَتي،
أنْ أفْعَلهُ.