راما وهبة
(1)
ما الفائدة
من كلمةٍ لا تلمسُ الهواءَ؟
من روحِ كلِّ شيءٍ في عنفٍ ما ينتهي؟
حاولت أن أجدَ نفسي
في اللُّغة التي تذكّرني بملمسِ التُّراب
والأبعاد التي تتفتَّحُ
برائحةِ الأماكنِ الموسميَّة
لكنَّ الشِّعرَ بيننا لغةٌ مرئيَّة لما لا يُستعاد
هذا الجسد
وتلك الزَّهرة
في انسيابٍ مائيٍّ للوصول
(2)
ما أكتبُه
سيكون حارساَ للحدائقِ المهملةِ
تلك التي تشتعلُ تحت الماءِ
لتخرجَ الأشجارُ عن طورِها في الأُلفةِ
لما يشذُّ أو يتمزَّق
(3)
أعرفُ ما يختبئ
تحت أغصانِ شجرةِ اللَّيمونِ
منذ أعوامٍ
لا يمكن العثورُ عليها في الذَّاكرةِ
الزَّمنُ هنا ببساطةٍ
لا يُفتقد
(4)
قربَ شتلاتِ النَّعناعِ
أمدُّ أصابعي للتُّراب
فأجد كلماتٍ تسحبُ نفسها ببطءٍ
على جلدك
من الذُّبولِ والانتظار
(5)
في النَّهارِ
تفترق الأجنحةُ لاختلافها
عن انطوائي فيما يزول
في اللَّيلِ
تحيطُ بي أشجار السَّرو
كمرآة تتكسَّرُ على لساني
من العراءِ في الكلام
(6)
الحدائقُ الخلفيَّةُ
أشدُّ نقاوةً من قلبٍ يحترق
الزَّنابقُ فيها أقلّ حيرة منَّا
حين تحوِّل الألمَ
إلى أجراسٍ شتويَّة بيضاء
واللَّبلاب الأخضر يحدِّثني عن الرَّبيع بلا أسوار:
«لا بأسَ
إن حاولتِ بين الحين والآخر
فتح الباب لغيمةٍ
النَّظرَ إلى رأسكِ عائمًا بين ضفَّتين
الوقوفَ بهشاشة ما لا يُرى
الانتحارَ الذي لاسمٍ لن تعرفيه أبدًا
لا بأسَ إن حاولتِ بين الحين والآخر
السُّقوطَ من الذَّاكرة»
(7)
عندما أخرج للحديقة
أكون قد تعبتُ من الكلامِ مع الآخرين
هنا لا شيء ممَّا أريدُ قوله
يؤثِّر في صمتِ الظَّهيرة
أو في انحسارِ الظِّلِّ عن الجذوعِ الحمراء
هنا كلُّ ما أرغبُ في سماعهِ
يلامسُ الغبشَ على أطرافِ الشَّجر
ويعود طفلًا
على خطوط يديك
(8)
لا أعرف كيف أتحدَّث
عن الأشياء التي تبدو مكتملةً
حين تسألني عن الحبِّ
شيءُ ما في داخلي
يريدُ بشدَّة
الثَّباتَ أمام النَّار
.
(9)
الحديقةُ هادئةٌ
لا صوتَ سوى لطائرٍ على أشجارِ البردِ
يتقلَّب على ذاكرتها
ويغنِّي
كمن يرى ملاكًا في نهايةِ الطَّريق
أجلس وحدي
قرب البيانو المغلق لأكثرَ من سنتين
على الرَّغم من الموسيقى التي أسمعها هاربة
من انحناءاتِ شجرةِ الغارِ
وحبالِ الأرجوحةِ الصَّدئةِ تحت عرائش العنب
خطوطٌ وتواريخ متعدِّدة
تشيرُ لطول ابنتيّ على الجدار
وللزَّمن الذي أحاولُ أن أجعلَه أليفًا
مثل كلبٍ يهزُّ ذيله طوال النَّهار وينبحُ على المارَّة
صورُ اللَّاجئين على حدودِ بيلاروسيا
تجعلني أشعرُ ببذورِ الصَّقيع في عظامي
وكم البيوت بعيدة
أحاولُ أن أجد ممرًَّا مشمسًا
لأمّي التي لم أجرؤ على إغماضِ عينيها
حين سمعتُ عن هجرة الفراشات الزَّرقاء
إلى الشَّمال الأكثر برودة
ثم أكرِّر لنفسي ما قرأُته في يوميّات بارت:
«كلماتي تصبح أقلّ
والأصعب من ذلك.. لا أحد لأقولها له»
أعود لتقليم النِّهايات العفصيَّة
تذكُّر صوتك في عمقها المهشَّم
وتشرّب لون النَّهار
هنا حيث الحديقةُ هادئةٌ
ولا صوت سوى لطائرٍ يعود من أمكنةٍ مستحيلةٍ
وفي صدره سيلٌ من النّبضات
كمن لا يرى أحدًا
في نهاية الطَّريق