يوسف شويطر*
للبحرين ـ إقليماً وجزر أوال جزءاً منها ـ دور مُعْرق في الحضارة والفن، فقد كان لها مساهمتها الفعّالة في رفد الحياة الأدبية العربية، ولعبت دوراً نشطاً في نشأة الفن الشعري العربي، وتأسيس قواعده وبنيانه. وقديماً قال ابن سلام الجمحي وهو من مؤرخي الأدب المرموقين في كتابه «طبقات الشعراء»: «في البحرينِ شعرٌ كثيرٌ جيدٌ، وفصاحةٌ». واستمر عطاؤها الأدبي متجدداً، بدءاً بالعصر الجاهلي، ووصولاً إلى العصر الحديث، مروراً بالعصر الوسيط، لذا تطرق الأستاذ الدكتور علوي الهاشمي لمثل هذه القضايا ضمن دراسات نقدية عديدة منها: ما قالته النخلة للبحر، السكون والمتحرك، ضفتان لنهر واحد والتي تناولت تجارب شعراء البحرين في الشعر الحديث والذين كان لهم نصيب كبير من التأثر في الرمزية والتنوع في التعبير بشكل خاص، كالشاعر البحريني علي الشرقاوي الذي تطرق لمسألة الرمز في ديواني “مشاغل النورس الصغير”، و”ذاكرة المواقد” من خلال الدوال الرياضية.
يقول الشاعر في قصيدة اللؤلؤ من ديوان النورس الصغير:
من يدرك أن بياضا مزقه الوجد
سيفضح مملكة المرجان؟
من يدرك أن مساحة 2×2 أوسع من قلب الأخوة؟
تناول الشاعر الدال الرياضي بنطاق ضيق جدا وواسع في نفس الوقت ، حيث المتضادات في سبيل المساحة تلعب دوراً هاماً ، كما في قول النفري: (تضيق العبارة كلما اتسعت الرؤية) ومن ناحية أخرى كان مشروع الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل أن يضع المتناقضات وصراع الاضداد في سياق موحّد والمتمثلة في الوحدة الواحدة تكون الأضداد في حالة صراع وحركة مستمرة، وفي صلب هذا التطور يقوم التناقض الديالكتيكي، أي انشطار الشيء أو الظاهرة إلى ضدين ينفي احدهما الآخر فالشيء المتطور أياً كان، ينطوي على جوانب ونزعات داخلية متناقضة، مثلا في الحياة الاجتماعية نلاحظ هذه الظاهرة بين القديم والجديد في الوقت الذي يتواجدان سوية طبعا، نجد الشاعر منح القارئ إيحاءً رياضيا يدل على الضيق والمحدودية في إطار رياضي وهو 2×2 ، رقم 2 عدد قليل نسبيا مما يتناقض مع الأرقام 200 او 2000 ، “من يدرك؟” سؤال الشرقاوي يميل الى اليقين بأن هذه المساحة المحدودة هي أوسع من قلب الأخوة ومن المفترض أن قلب الاخوة يكون أوسع من كل المساحات الموجودة كتعبير مجازي دلالة على ما يربط الأخوة من قرابة اجتماعية ، سؤال الشاعر رومنتيكي ويحتوي على إجابة في نفس الوقت أن قلب الاخوة أضيق من مساحة هندسية طولها وعرضها 2×2 ، حضور المنطقة الضيقة ليست إلا إثبات بأنها مساحة شاسعة لنقض المسلمات الرياضية والهندسية، لذا لعب الشاعر على المتضادات (الواسع/الضيق) لإيصال فكرته.
وفي مقطع آخر يقول:
يفتح في المجهول سراديبا يلعب فيها الضوء
يمحو كوة 2×2
يقول لتفاح الغربة:
للساحل رؤيا
لا تمنعها صحراء البحر
ولا زنزانات الجو
يا تفاحة
من يحلم يقدر أن يخرج عن مستقبل أمس
المرجان أزقته.
الدال الرياضي يختلف في هذا المقطع لذا أصبحت المساحة أكبر وأوسع عندما تم محو كوة 2×2 الضيقة من قبل الضوء وتكلم مع تفاح الغربة والدلالات التي منحت المساحة نطاق واسع “للساحل رؤيا / صحراء البحر” ، والدال الرياضي الذي استعمله الشرقاوي (2×2) يتطابق مع قانون مساحة المربع وحده دون الأشكال الهندسية الأخرى والذي ينص على ” مساحة الضلع x نفسه” فهل الشكل الهندسي الذي يقصده الشاعر هو المربع؟، لذا فان رقم 2 مضروب في نفسه وعليه سيكون الناتج 4 وأيضا رقم قليل بالنسبة للأعداد التي تليه مما قطع الشك باليقين بأن المساحة جدا ضيقة، والضوء الذي تكلم عنه الشرقاوي لا تتسعه مساحة 2×2 فقط، في العادة يحتاج الضوء إلى مساحات شاسعة أكثر لكي يتمدد في الفضاء الخارجي والمحسوس، حيث لا يمكنه أن يتصالح مع الهندسة الاقليدية بقوانينها ولا مع نظريات فيثاغورث بأشكالها، ولا مع المعادلات الرياضية ،الضوء هذا لا تحصره مساحة 2×2، ولا مربع ولا دائرة ولا أي شكل هندسي آخر فانه ضوء شارد يخترق الحواجز برمتها، وهذا هو العصف الروحي والنفسي الذي يبدد به الشاعر الضيق فيقول الشاعر:
يا تفاحة
من يحلم يقدر أن يخرج عن مستقبل امس
فهذه دعوة من الشاعر إلى التحرر والتخلص من القيود التعبيرية والفكرية بواسطة إتيان الحلم فكأنه يريد القول أن بالحلم وحده تستطيع ان تخرج من معاناة الأمس وبالحلم تستطيع ان تضع لبنات إنجاز الغد ولما كان اليوم ابن الأمس فإن الحلم يتواصل إلى الغد.
يقول الشاعر في مناسبة أخرى مستعصياً بالخيال الذي يحيى به مفتوح العينين:
ما أصعب أن تحيا فوق مساحة 2×2 بدون خيال!
ما أصعب أن تبني أملا في حضن الجثة
في هذا المقطع يريد الشاعر التأكيد على أن مساحة 2×2 ضيقة في العالم المحسوس والواقعي، فيطلق صوته مستغربا بكيفية العيش في هذه المساحة بدون خيال، فالخيال طير حر لا تمنعه قوانين المواد، ولا تعترض حدوده العراقيل، يقول اينشتاين: ” إني فنان كفاية لأرسم بحرية في مخيلتي، فالخيالُ أكثر أهمية من المعرفة ، المعرفة محدودة”. كما يقول توفيق الحكيم: ” الخيال هو ليل الحياة الجميل هو حصننا وملاذنا من قسوة النهار الطويل! إن عالم الواقع لا يكفي وحده لحياة البشر إنه أضيق من أن يتسع لحياة انسانية كاملة” فهل فكرت يوما لماذا اهتم كبار العلماء والأدباء بالخيال؟، فالخيال يخترق المساحات الضيقة ويزود عقل صاحبه بالأفكار ويخلق أفقاً واسعا في المساحات المحدودة، يتجلى ذلك في ديوان “ذاكرة المواقد”:
يقول الشرقاوي:
عمود النور يجمعنا خلف السور
فراشات ندى
تكتب فوق الأحزان حدائقها
النور يرافقنا في التيه
يهاجمنا في 2×2
ولا يتركنا ندخل في النوم.
تطرق الشرقاوي في هذا المقطع الى اختراق النور ليس في المنطقة التي مساحتها 2×2 فحسب إذ لا جدوى من الهرب ويحرم هذا النور الشاعر أن يتوجه إلى النوم بطبيعته الذي يحتاج إلى أجواء هادئة وأنوار خافتة ولا يحتاج الى العكس ، مسألة 2×2 هنا كفيلة بالقول بأن المنطقة في غاية المحدودية لا داعي من الشاعر أن يبرهن بكلمة وصفية نحو ذلك فالأرقام تتحدث بدلا من نسق الكلمات فالكلام أجساد والأرقام أرواحها، وقليلا ما نجد في الدواوين الشعرية التطرق إلى قضية الارقام بهذا الشكل الهندسي الفريد وتعتبر هذه الخطوة حداثية في نمط قصيدة التفعيلة على مستوى الوطن العربي ،فقد نجح علي الشرقاوي في توظيف الدوال الرياضية والتي تحيل المتلقي الى شكل هندسي قد يكون المربع لتناسب الصورة مع قانون مساحة المربع الموضوع من قبل الرياضيين، ومن خواص الشعر الحديث لغز المعاني بأن يوظف الشاعر كلمة لها أكثر من معنى يختلف عن معناها المتداول، أو الشائع ، يقول الشاعر أدونيس: لما اذكر كلمة البحر في قصيدة ما قد لا تعني المعنى الحقيقي والمعجمي قد أقصد شيئا آخر، فحضور المسألة الرياضية 2×2 في ديواني علي الشرقاوي أضاف للأدب البحريني نكهة تجديدية يمكنها ان تحرك قريحة النقاد في التأويل.
إن الشعر العربي نتاج ساهمت فيه أمم كثيرة غير العرب، مثل الفرس والترك واليونان إبان العصر العباسي خصوصا، ولقد نظرنا إليه من أضيق منظور، وهو المنظور الغنائي فاستبعدنا مضموناته الملحمية والدرامية، والأسطورية والرمزية، ودلالاته البعيدة ، واقتصرنا على ظاهرة البلاغة دون جوهرها مما أدى بنا إلى استنتاجات وأحكام غير موضوعية.
الهوامش والمراجع:
1. ديوان “مشاغل النورس الصغير” ص53
2. المصدر نفسه ص55
3. المصدر نفسه ص56
4. المصدر نفسه ص64
5. ديوان “ذاكرة المواقد” ص15
6. كتاب “الرمزية والرومانسية في الشعر العربي” ص8
7. http://awalcentre.com/%D9%%
8.
https://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id2
9.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=449055&r=0
10. https://weziwezi.com/%D9%82%D8%A7
11. https://mawdoo3.com/%D8%A3%D9
12. https://www.maqola.net/quote/30698