عبر خمس روايات، والعديد من القصص القصيرة، عالجت الكاتبة العمانية غالية بنت فهر آل سعيد الكثير من الإشكاليات التي يعاني منها الذين يعيشون على هامش المدن الكبرى، ويمضون أيّامهم في اجترار أوهامهم في مجتمعات هيمنت على أفرادها النزعة الماديّة، ولم يعد الإنسان فيها سوى رقم، ومن هنا تأتي محاولاته للخلاص، ونيل العدالة، وصولا لبناء مستقبل أفضل، ويكون الحلم نافذة مضاءة مفتوحة على هذا المستقبل الذي يظلّ بعيد المنال، هذه الشخصيات الحالمة هي التي تشكّل عالم الكاتبة التي تمثّل تجربتها علامة واضحة في الكتابة الروائيّة النسوية في عمان، مستخدمة العديد من التقنيّات الفنية، كتوظيف الشعر، وأساليب السرد المختلفة، والفنون البصريّة، هذه التقنيّات صارت تمثّل قواسم مشتركة في أعمالها التي بدأتها برواية (أيّام في الجنة) 2005 م، وتناولت فيها حياة شاب عربي يعيش في لندن التي بهرته الحياة فيها، فدخل في علاقات عديدة مع نساء خدعن بشخصيته، وتبعتها بـ(صابرة وأصيلة) 2007م، التي أعادت من خلالها قرّاءها إلى عمان الستينيات من خلال حكاية فتاة عانت طويلا من الظلم، والقهر، في مجتمع محافظ، تحكمه تقاليد، وعادات متوارثة، وتوالت أعمالها :(سنين مبعثرة) 2008 م، و(جنون اليأس) 2011، و (سأم الانتظار) روايتها الأخيرة التي جاءت في جزأين، صدرا عن (رياض الريس) للكتب والنشر البيروتيّة، كما نشرت في المجلات الأدبية العربية العديد من القصص القصيرة مثل (من المطار) التي نشرت لاحقا ضمن خمسين قصة قصيرة لكتّاب عرب في كتاب العربي عام 2007 – 2008 م. وكذلك ساهمت في كتاب حول العرب في الشتات، تحرير زاهية اسماعيل صالحي وإيان ريتشارد نيوتون، ومشاركات أخرى أبرزها مشاركتها في مؤتمر الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط في ليدز يوليو 2008، وكان موضوعه حول وضع خارطة للشتات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد درس أعمالها العديد من النقاد العمانيين والعرب، واختارت الباحثة وفاء بنت بدر بن سليمان الشقصي روايتيها (سنين مبعثرة)، و( جنون اليأس) موضوعا لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية، وآدابها في تخصص النقد الأدبي بجامعة نزوى، وحملت رسالتها عنوان “الشخصية في روايتي غالية آل سعيد “سنين مبعثرة” و”جنون اليأس”: دراسة وصفية تحليلية”، وقدّمت الدكتورة عائشة الدرمكي ورقة تناولت فيها الخطاب، وتبدلاته، والفن، وحدوده، ومفهوم الذات في علاقتها بالهوية السردية، وذلك في ملتقى الشارقة الثالث عشر للسرد لدائرة الثقافة، والإعلام في الشارقة.
إلى جانب العديد من الدراسات النقديّة التي كتبت عن أعمالها في الصحف، والمجلات العربيّة.
وقد انعكست السنوات الطويلة التي عاشتها خارج عمان في المملكة المتحدة، للدراسة في مدارسها، وجامعاتها، التي توّجت بحصولها على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة ووريك، على أعمالها الروائية، فناقشت تجاذبات العلاقة الحضاريّة بين الشرق،والغرب من خلال العلاقات الإنسانيّة، ولم تتوقّف أنشطة د. غالية على الكتابة، فإلى جانب ذلك تمارس نشاطات عدة داخل عمان وخارجها كونها عضوا في المعهد الملكي للدراسات الدولية في جتام هاوس بلندن، وشاركت في عدّة مؤتمرات أقيمت في مدرسة لندن للدراسات الشرقية، والأفريقية، وجامعة ليدز، نظّمتها الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، وقامت بتأسيس (متحف غالية للفنون الحديثة) في مدينة (مطرح) الكائن بمحاذاة قلعتها المعروفة، ويعنى بإقامة المعارض الفنية، والحلقات العلمية، ويهتمّ بتراث الإنسان العماني المرتبط ببيئته، ومجتمعه المتذوق .
هذا الملف هو محاولة للاقتراب من عالم الكاتبة، سعى المشاركون به، من نقّاد، وأكاديميين، ومهتمّين، من خلاله إلى تسليط الضوء على جوانب من تجربتها الروائيّة، التي ظلّت تشتغل عليها بهدوء، بعيدا عن صخب الأوساط الثقافية، تاركة للقراء، والنقّاد، التحليل، والفحص، وإطلاق الأحكام، مكتفية بمتعة السرد.
وهي متعة بالنسبة لها لا تعادلها متعة أخرى!
أعد الملف: عبدالرزّاق الربيعي