لقد درس كثيرون العقل السياسي لدى المسلمين، إلا أنه لعمق هذا العقل وسعة المساحة التي أثّر عليها في اجتماعنا البشري، كان لابد من تسليط الضوء عليه باستمرار، وقد حاولتُ الاقتراب من هذا العقل من خلال كتابي “السياسية بالدين.. في سبيل فهم منطق الأحداث” الذي يضم مجموعة بحوث ودراسات امتدت حوالي عقد من الزمن، تتابعت فيه أحداث كبرى على المنطقة، كما تطورت الرؤية حولها، وهو يضم ثلاثة أبواب رئيسية عالجت العقل السياسي، سواءً على الصعيد الإسلامي العام، أو على الصعيد العماني الخاص، وهي:
الباب الأول «الدين والدولة في الإسلام» عالج نشأة الدولة عموماً لدى المسلمين، والعوامل السياسية والدينية المؤثرة عليها، وكيفية تطورها عن «مشروع الأمة النبوي»، وأن النص الديني الذي أنتج خلال هذه التحولات الكبرى أصبح مادة مكونة للعقل المسلم، استصحبه حتى هذا الوقت، فتمخض عنه «مفهوم الحاكمية لله» الذي أصبح المحور الذي تدور حوله ظاهرة الإرهاب، فاستعرضت هذا المفهوم، ثم تتبعت بإيجاز نشأة الإرهاب وتطوره، وختمت ذلك بفصل «الحوار حول ظاهرة الإرهاب»، وبينت أين يكون موقعه.
الباب الثاني الذي جاء بعنوان «الدين والدولة في عمان» خصصته لعلاقة السياسة بالدين في الشأن العماني، منذ دخول الإسلام إلى عمان، وكشفت عن تفاعل العمانيين مع الأحداث الكبرى التي حصلت للمسلمين، وعن تطور دولتهم بإزاء الدولة العامة، مع ذكر أهم الأطوار السياسية في عمان، والمدارس الدينية المؤثرة على الخط السياسي والاجتماعي فيها، وانهيت الباب بالحديث عن الدولة الحديثة وموقع الدين منها.
جدلية السياسة والدين لم تقتصر على بناء الدولة ونظامها وصنع الأحداث الإسلامية الكبرى والصغرى، بل غاصت عميقاً، فشكّلت العقل المسلم عبر النصوص وأدوات التعامل معها، لتصبح مؤثرة في حياتنا اليومية، عالجت هذا الموضوع في الباب الثالث الذي جاء بعنوان «القرآن والعقل المسلم»، درست فيه «مسار العقل المسلم»، متطرقاً إلى محطات ثلاث للتوهج العقلي؛ هي: الرواية والتأويل والنسخ. ثم دعوت إلى تكوين نظرية معرفية جديدة للمسلمين، بدلاً من نظريتهم القديمة التي أدت دورها ثم انقضت.
لم أنوِ هنا تقديم عرض وافٍ للكتاب، إلا أنني ألمح إلى أهم المحطات التي أثرت على العقل المسلم، وهي:
– التحول من الأمة إلى المجتمع:
بعد موت النبي محمد تطوّرت أوضاع المسلمين، وتوسعوا نتيجة الحروب التي خاضوها، فتحولت من حروب إعادة بناء للمجتمع القديم في الجزيرة العربية، وفق المنظور الذي أوجده الدين الجديد ودخول الناس فيه، إلى حروب فتوحات، وهذا النوع من الحروب لا تقوم به إلا الدول، لكن الخلفاء الذين أعقبوا النبي كانوا أوفياء لمشروع الأمة الذي وضعه، وقد ناضلوا كثيراً لأجل بقاء الأمة التي أرسى دعائمها، لقد أدركت القبائل العربية هي الأخرى أن مشروع النبي كان مشروع أمة ذات دين واحد، وليس مشروع دولة، فخشيت أن يتحول أمرها إلى دولة من بعده، فلذلك أعلنت تمردها على أبي بكر الصديق، فقاتلها فيما عرف بحروب الردة.
تمكن أبو بكر في حروب الردة، ثم من بعده خليفته عمر بن الخطاب في حروب الفتوح، بقوة شخصيتهما، وبكونهما من الجيل المؤسِس للجماعة والأمة مع النبي، أن يوازنا بين مشروع الأمة وبين الآثار التي خلفتها أعمالهما تلك، بالإضافة إلى أن آثار التغيّر لا تأتي إلا لاحقاً، وهذا ما حصل فعلاً، فقد تغيرت بنية المجتمعات في الجزيرة العربية، وأخذت تتشكل هيكلة الدولة؛ لاسيما أنهم كانوا يواجهون دولتين عريقتين، كانتا من القوة والاتساع تشكلان إمبراطوريتين؛ هما: فارس والروم، وقد أخذت هذه التغيرات بالتصاعد السريع دون أن يعمل عمر على تطوير منظومة الأمة بما يواكب ذلك، وتمخض هذا الخلل في أول أمره عن قتل عمر نفسه علي يد أبي لؤلؤة الفارسي وهو قائم يصلي صلاة الفجر.
ولما تولى الخلافة عثمان بن عفان كانت الأمور قد تجاوزت بنية الأمة إلى هيكلة الدولة، وقد حاول عثمان جهده أن يعمل على استقرار الأوضاع، لكن قد اتسع الخرق على الراقع، وذهب هو نفسه ضحية الاضطراب الحاصل من التباين الهائل بين وضع الأمة المدبر ووضع الدولة المقبل.
ثم تولى الخلافة علي بن أبي طالب، وهو من صغار جيل المؤسسين، وكان أقرب إلى العلم منه إلى السياسة، وكان أيضاً وفياً لمفهوم الأمة الذي أرساه ابن عمه محمد، وذهب هو الآخر ضحية التحول للدولة، التي أدرك معاوية بن أبي سفيان أن وقتها قد حان، وعمل جاهداً على إقامتها، ولم يمت إلا وقد استقامت له، فأورثها لأبنائه وأسرته.
إن من أهم ما كان يتيحه مفهوم الأمة في الإسلام هو: العدالة والحرية والمساواة والتسامح والشورى واختيار كل مجتمعٍ نظامَه السياسي وقوانينه الاجتماعية. وهذا ما لم تكن تملكه الدولة الشمولية قبل الإسلام، حيث إن الاستبداد وسلطة الملك الفرد كان هو القانون الأعلى في الدولة، كما أن جميع تابعيات المملكة من البلدان تعتبر إقطاعيات، عليها ولاة ينظمون أمر انقيادها ويجلبون إتاواتها وضرائبها للملك المستبد.
إن الدولة التي أقامها معاوية بن أبي سفيان لم تخرج عن نموذج الدولة القائم حينها، ولا يمكن لها أن تخرج عنه، فالسياق التأريخي والمعرفي الذي عاشته بلاد العرب لا يؤهل قيام دولة فيها من قِبَل المسلمين إلا وفق نموذج قائم بالفعل.
عمل معاوية جهده بألا تنشأ سلطة دينية لرجال الدين، ولكن كيف له أن يأخذ مشروعيته من الإسلام، الذي بالأساس لم يؤسس للدولة، وإنما أسس للأمة، الأمة التي يمكن أن تحوي أي كيان سياسي؛ ومنه الدولة بحسب طبيعة المجتمعات وآليات إدارة شؤونها، اتجه ناحية المثقفين، والمثقف في ذلك الحين هو مَن يشتغل بالنص، فالنص ذاته لا يعمل في فراغ، وإنما يعمل في واقع اجتماعي، والنص ثابت والاجتماع متغيّر، فمثقف ذلك الحين، المتمثل في المفسّر والراوي والفقيه والشاعر واللغوي والمؤرخ هو من يعمل على تفعيل النص، وكانت هذه العملية حتمية الوقوع، ولا يمكن تصور عدم وقوعها. اتجه معاوية –ومن أتى بعده– نحو المثقف ليمنحه سلطة النص، فتمكن بمعاضدته أن يبني دولته ويتخذ من هذه السلطة سنداً، تارة بوضع الروايات المشرِّعة والمساندة لحكمه وبناء دولته، وتارة أخرى بتأويل الآيات القرآنية بما يخدم هذه القضية، وثالثة بالاستنباط وفق آلة أصول الفقه، في عملية عرفت لدى الدارسين المتأخرين باسم التنصيص السياسي، الذي لم يقتصر على الدولة وحدها، بل مارسته المعارضة بكافة تياراتها واختلاف مواقفها من الدولة، وإن بدرجات متفاوتة.
لم يقم في الإسلام إكليروس ولا لدى المسلمين كهانة، وإنما لعب هذا الدور المثقف عن طريق التنصيص، الذي منح للسلطة السياسية ما هو أهم وأخطر من سلطة رجال الدين، وهو سلطة النص. وأما كل ما كان يجري في المجتمع من مداولات فقهية وتأويلات نصية لا تنال من سلطان الدولة، فهي لا تعني السياسي، ولم يلتفت إليها كثيراً، بما في ذلك ما قامت به المذاهب الفقهية والكلامية التي نشأت لتوائم مجتمعاتها مع سلطة النص، والتي كانت هي الأخرى تستمد فقهها ومادتها العلمية مما اصطنعه مثقف الدولة ومعارضتها، لاعتبارات أبستمولوجية واجتماعية.
لقد أصبحت سلطة النص الناشئ أثناء تكوّن الدولة لدى المسلمين، المتكوِّن من تأويل القرآن، ومن الروايات المتضخمة، هي المهيمنة على تفكير المسلمين، ليست مهيمنة على عموم الناس فحسب، بل أيضاً على المثقفين المسلمين أنفسهم (الفقهاء والرواة والمفسرين واللغويين والمؤرخين) الذين جاؤوا بعد التنصيص السياسي، حتى هذا اليوم، بحيث إن الفقيه –ومن في حكمه– يعتقد فعلاً أن هذا المجموع النصي وما يحفه من تأويلات تشكّل بمجملها الدين الملزِم، وأن أية محاولة لتفكيك هذه السلطة عن النص لا يراها إلا هدماً للدين ذاته ونقضاً لعراه، لذلك أرى من الصعوبة –التي قد تبلغ حدّ الاستحالة– إعادة بناء المجتمع وهيكلة الدولة بما يتواكب مع التحولات الحضارية الكونية في عصر الحداثة، والتي لم تلجها بلدان المسلمين إلا بملامسة قشرتها؛ إما نتيجة ضغط الواقع، أو بقرارات سياسية ألزمها هي الأخرى واقع الحفاظ على وجود متخذيها من السياسيين على سدة الحكم، لأن المسلمين لم يروا أمامهم سلطة دينية تهيمن عليهم، لم يروا إلا فقهاء يفسرون الدين ويستنبطون منه الأحكام للحياة، وهي عملية طبيعية، لا يمكن الاعتراض عليها، بل لا يجوز في حكم المنطق الواقعي. المشكلة كامنة في سلطة النص ذاته، التي تفرض هيمنتها على الجميع باسم الدين.
– العلاقة بين الدولة والدين والثقافة:
الدولة بمفهومها العام هي إدارة الناس وفق النظام السياسي الذي تعتمده، وهذا المفهوم البسيط الواضح شكّل عبر التاريخ الإنساني أعتى المحن، ودخل بالبشر في فتن داخلية وحروب خارجية، ليس لشيء إلا لأنها تدير عقلاء، فالعقل وحده هو الذي لا يمكن أن تسكه في قالب واحد، وذلك لأن وراءه طموحاً إلى الحرية والمنفعة والسيادة، هذه العناصر الثلاثة هي ما تعمل الدولة على مر العصور لبسط سيطرتها عليها، فالحرية أوجدت العبودية، والمنفعة أوجدت الحرب، والسيادة أوجدت الاستبداد، وبعيداً عن ديالكتيك هذه العناصر، فإن الدولة –بصورة ما– نشأت مع التجمعات البشرية، ونشأ معها الدين والثقافة. وغالباً ما يأتي الدين بالانتصار لجدلية الحرية والمنفعة والسيادة، كما أن الثقافة تسهم إسهاماً كبيراً في صناعة المزاج العام للمجتمع في التعامل مع الدولة.
فالتجمع البشري في كيانات هو شأن حتمي للبشرية، وهو الحال للدين والثقافة بالنسبة للإنسان، ولذلك فإن الدين والثقافة هما من أهم عناصر الدولة، وبالتالي كان حتماً عليها أن تتعامل معهما، فما من دولة قامت إلا كان من مرتكزاتها: الدين والثقافة، وإذا كانت الدولة الحديثة تعتمد اعتماداً كبيراً على الثقافة، حتى أنها تشكل البُعد الاستراتيجي الأمني الأرسخ والأصلب فيها، فإنها أيضاً تتعامل مع الدين، وما زالت تديره بكونه شأناً يومياً، ولو غفلت عن إدارته لحظة لأدخل خللاً بيّناً في بنيتها.
الدولة وهي تفرض سيادتها استطاعت أن تتصالح مع الثقافة لأمرين مهمين:
أ) إن السياسي والمثقف يعتبران الدولة منتجاً بشرياً، ورغم أن المثقف يعتبر نفسه وريثاً لثقافة متجذرة في عمق التاريخ، وأن عليه أن يكون حارسها، إلا أنه يدرك أيضاً، أن الثقافة هي منتج يومي، يتراكم مع ما سبقه من المنجزات، وأن الإنسان يصنع دوماً ثقافته. والسياسي يدرك كذلك أن الثقافة هي أحد الأمور التي تمنحه المشروعية، وأن عمقها التاريخي يعني رسوخ دولته، وهو أيضاً يتحرك مع المتغيرات اليومية التي تحتاج إلى تنظير من المثقف، والذي لا يتمكن منه السياسي.
ب) إن المثقف لا يعتبر وجوده في مزاحمة السياسي على إدارة الدولة، وإنما وجوده في التنظير لها، وفي إعطائها المشروعية، أو سحبها منها، دون أن يعمل عمل السياسي، وهذا يرضي السياسي من جهة، ويخشاه من جهة أخرى، فيدفعه إلى إعطاء المثقف حدود وجوده في الدولة، إن هذه المعادلة هي التي تجعل كلاً من السياسي والمثقف يعمل في منطقته ويحفظ وجوده فيها.
وهذا بخلاف علاقة السياسي مع رجل الدين، حيث كانت في كثير من الأحوال علاقة صدام ومغالبة، فإذا كانت الدولة تأخذ مشروعيتها من الضرورة الأرضية لتنظيم الاجتماع، فإن رجل الدين يأخذ مشروعيته –بحسب معتقده– من الله، وإذا كانت الدولة لديها السيف والمال الفانيان لترهيب الناس وترغيبهم، فإن رجل الدين لديه الجنة والنار الخالدتان، ولذلك منعت الدولة لدى المسلمين من قيام سلطة لرجال الدين.
وإذا كانت الدولة بطبيعتها شاملة لكل مكونات المجتمع، وأن عليها أن تضع البنية الثقافية والقانونية له، وأن تسوس الناس داخل المجتمع وتحدد علاقتهم بخارجه، فإن السلطة الدينية ترى بحكم كونها وكيلة الله في الأرض، عليها أن تقوم بذلك كله، بل عليها أن تدير الدولة والفرد، فالفرد –كما الدولة والمجتمع– عليه أن يتحرك في الحياة، بدقيقها وجليلها، بحكم الله، الذي خوّل رجل الدين وحده أن يصدره.
من هنا كان النزاع طويلاً بين الحكومات التي تدير الدولة وبين السلطة الدينية التي ترى من الواجب عليها أن تدير الحياة بأسرها.
لقد تمكنت الدولة –التي من طبيعتها الإدارة– في بعض أطوارها أن تتغلب على السلطة الدينية، دون أن تقضي عليها، وذلك بجعلها أحد مكونات الدولة، وأن تشرك رجال الدين في مغانمها، وأن تعطيهم من منافعها كما تعطي أية مراكز أخرى ضرورية في هيكلة الدولة، وأن تشيّد له الهياكل والمعابد، وأن تحامي عنه وتنشره وتقاتل باسمه، ليس للدين ذاته، وإنما لتستقيم لها إدارة الناس.
إلا أن هذا التنافس، الإيجابي والسلبي بين الدولة والسلطة الدينية دفع فاتورته الناس من دمائهم وعلى جثثهم، ومن أموالهم وحقوقهم، فوقعوا بين فكي الرحى؛ سلطة الدولة والسلطة الدينية، لتعركهم بثفالها.
لذلك نشأت بين السياسي ورجل الدين تقاليد وعلاقات، تشكّلت بحسب الوضع الاجتماعي للدولة، وهي التي حددت آلية إدارة الدولة للدين.
سؤال العقل والنقل
هذا السؤال يواجه المسلم منذ بداية حياته المعرفية، وقد حسم جمهور الفقهاء الجواب بتقديم النقل على العقل، فعندهم.. النقل من عند الله، والتعقل من الإنسان، النقل معصوم عن الخطأ، أما العقل فغير معصوم. مع هذه القطعية الجازمة التي يقدمها الفقيه، إلا أنه يواصل نثر أدلته المطولة على تأكيد سلامة النتيجة التي توصل إليها، وذلك بسبب المسلَّمات الكثيرة المغموسة في التفكير الإسلامي، والتي أصبحت من البدهي أن يسأل عنها المسلم العادي قبل المفكر، وهو يتحرك في الاجتماع البشري، هذا الاجتماع الذي هو الآخر حسم أمره بتبني العقل مصدراً لتفكيره في بناء الحياة.
العقل المسلم خارج سياق القرآن.. بدايةً لم يواجه المعرفة، وإنما واجه السياسة وصراعها، والتي ولّدت نصوصاً ضخمة بجوار القرآن، فيما عرف حديثاً بظاهرة التنصيص السياسي، ويقصدون بها الروايات المنسوبة إلى النبي محمد والتأويلات والاستنباطات التي جرت على النص القرآني، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح الجدل معرفياً، سواء بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، أو بين المسلمين أنفسهم؛ حيث قسمتهم السياسة إلى مذاهب.
رغم تعاقب المذاهب الفقهية والفرق الكلامية؛ ولادةً وموتاً إلا أن الجدل استمر حتى اليوم، ليدخل أداة من أدوات الصراع المعاصرة لرفض المناهج العقلية الحديثة، وكل هذا أمر طبيعي في ظل سنة التدافع الكونية، إلا أن الإشكال يكمن في التكفير والإقصاء لمن يأتي بأطروحات فكرية غير معترف بها من المنظومات الفقهية التقليدية. وهذا جر إلى تعانق السياسي مع الديني، مما أدى إلى تضخم منظومة الاستبداد، مما أوصل العالم الإسلامي إلى وضعه الحالي.
هذا الجدل التأريخي بصراعاته يكشف عن مدى الإشكال الذي يعيشه العقل المسلم، وهو أنه عقل طولي، مستعصٍ على التطور الاجتماعي الذي تعيشه البشرية، ومتوجس من العقل ذاته، فقد استمر في استحضار عقدة العقل والنقل حتى اليوم، رغم انقضاء مفعولها منذ أمد طويل، التي لم يكن ابتداعها واستحضارها إلا من باب المناكفة المذهبية،
وإلا فإن القائلين بتقديم النقل على العقل لا يتم لهم الانتصار لرأيهم هذا إلا بالمجادلة العقلية، مما يلزمهم الدوران، وهو أمر باطل منطقياً.
خميس بن راشد العدوي *