بُحَيْرَةُ الشَّاعِرِ ضَيِّقَةٌ..
قَارِبُهُ فِي أَعْمَاقِهَا..
مِجْذافُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ..
رُؤْيَاهُ
إِلَى حَيْثُ لَا يَرَى !
* * *
لَا شَيْءَ، سَيِّدَتِي، لَا شَيْءَ
فَقَطْ.. مَاتَ جَمِيعُهُ،
وَأَنَا لَيْسَتْ لَدَيَّ الْقُدْرَةُ
عَلَى حَمْلِ النَّعْشِ وَحْدِي
مِنْ أَرْبَعَةِ أَرْكَانِهِ !
* * *
اللَّيْلَةُ ذَاتُهَا
فِي
الضَّوْءِ ذَاتِهِ.
صَبَاحُ الْخَيْرِ أَيُّهَا الضِّيقُ.
* * *
السَّمَاءُ بَعِيدَةٌ
لَوْلَا أَنَّنِي قَرِيبٌ مِنْهَا.
لكِنْ،
لَنَا لِقَاءٌ عَلَى
الْأَرْضِ !
* * *
أَلَا تَرَيْنَ أَنَّهَا تُمْطِرُ أَمْسِ كَأَنَّهَا الْآنَ تُمْطِرُ غَدًا؟!
أَصْعَدُ سَطْحِي- بِرَغْمِ شُرُودِي فِي بُحَيْرَةٍ غَامِضَةٍ-
عَلِّي أَتَطَهَّرُ بِقَطَرَاتٍ مُنَكَّهَةٍ
فَأَرْقُصُ فَوْقَ مَعْزُوفَةِ رَائِحَةِ مَطَرَةٍ أُوْلَى
بِرَغْمِ أَنَّهُ مَا مِنْ تُرَابٍ، وَمَا مِنْ مَطَرٍ !
* * *
الْغُبَارُ الَّذِي يُرَاكِمُونَهُ بِبُطْءٍ
عَلَى زُجَاجِ نَظَّارَتِهِ لَا جَدْوَى لَهُمْ مِنْهُ؛
نَفْخَتَانِ سَاخِنَتَانْ،
فَمَسْحَتَانِ بَارِدَتَانْ،
ثُمَّ كُلُّ الَّذِي قَدْ كانْ…
مَا كَانْ !
* * *
أُنْشِئُ عِمَارَةً جَدِيدَةً..
أُرَمِّمُ أُخْرَى قَدِيمَةً..
أَرْسُمُ غَيْرَهُمَا فِي المُخَيَّلَةِ..
لَسْتُ مُهَنْدِسًا مِعْمَارِيًّا،
أَنَا شَاعِرٌ !
* * *
كَزَهْرَةِ الدَّمِ-
يَقِفُ لَوْنُ قَلْبِي
وَحْدَهُ،
وَعَارِيًا،
إِلَّا مِنْكَ يَا وَطَنِي !
* * *
لِي يَدٌ
لَا أَرَى مِنْهَا سِوَى أَصَابِعِهَا،
تَمْشِي مُحَبَّرَةً
تَحْتَ
شُرْفَةِ عَيْنَيَّ البَيْضَاوَيْنِ !
* * *
لَجَأْتُ إِلَى فِعْلِ المَاءِ فِي الصَّخْرِ،
وَلَيْسَ إِلَى نَقْشِ الْإِزْمِيلِ-
كِلَاهُمَا يُوجِدُ فَنًّا..
لكِنْ؛
صَدَرَتْ عَنِّي إِيقَاعَاتٌ، وَلَيْسَ ضَجِيجًا !
* * *
الْفَرَاشَةُ الَّتِي هَبَطَتْ
عَلَى وَرْدَتِي الْوَرَقِيَّةِ الْبَيْضَاءِ
طَارَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَذَكَّرَ أَنَّهَا
نَسِيَتْ ظِلَّهَا عَلَيْهَا،
فَتَحَسَّسْتُ أَلْوَانَهُ !
* * *
لَيْسَتْ لِلْمَطَرِ أَجْنِحَةٌ..
تَهْطُلُهُ الْغَيْمَةُ دُونَهَا.
لِذَا تَعَلَّمَ الطَّيَرَانَ وَحْدَهُ-
حِينَ رَأَى ابْتِسَامَتَكِ تَطِيرُ نَحْوَ عَطَشِ عَيْنَيَّ
مِنْ عَرْشِ شَفَتَيْكِ بِدُونِ أَجْنِحَةٍ !
* * *
لَسْتُ أَمْنَحُكَ حُرِّيَّتَكَ؛
أَنْتَ أَخَذْتَهَا بِجَنَاحَيْكَ،
إِلَّا أَنَّكَ سَتَعِيشُ بِهَا-
وَحْدَكَ..
أَيُّهَا الدُّورِيُّ الْأَكْثَر شَاعِرًا مِنِّي !
* * *
-: فِي يَدِي كَمْشَةُ بُنٍّ هَذَا الصَّبَاحَ..
أَثِقُ بِالْقَهْوَةِ الَّتِي أَشْرَبُهَا مَعَهُ،
وَلَا أَثِقُ بِهِ أَبَدًا !
أَجَبْتُنِي رَدًّا عَلَى سُؤْلِي،
وَقْدِ انْكَمَشَ ذَيْلُ المِصْبَاحِ !
* * *
لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ أَنْ تَحْرِقَهُ-
كَانَتْ بَشَرَتُهُ السَّوْدَاءُ مِرْآةً لِوُجُوهِنَا
حِينَ أَدَارَ وَجْهَهُ عَنْ وُجُودِنَا !
هذَا الَّذِي لَمْ يَزَلْ بَيَاضُ حَلِيبِ أُمِّهِ فِي فَمِهِ
طِفْلًا أَرْدَاهُ (السَّلَامُ) المُخَمَّرُ فِي حُلُوقِنَا !
* * *
نَشْتَاقُكِ…
اِنْهَضِي، الْآنَ، كَفَرِحَةٍ فَاتِنَةٍ،
وَارْتَفِعِي بِقَلْبِكِ الْقِنْدِيلِ عَنْ صِرَاطِ الْأَلَمِ.
الَّذِينَ بِانْتِظَارِكِ فِي مَحَطَّةِ النُّزُولِ،
كَائِنَاتُكِ الْجَمِيلَةُ الَّتِي أَبْقَيْتِ تَحْتَ سَقْفِكِ المَوْجُوعِ !
* * *
مَقْعَدَانِ لَا يَزَالَانِ وَحِيدَيْنِ؛
وَطَنِي الْغَارِقُ بِجَفَافِ أَسْئِلَتِهِ،
وَأَنَا الَّذِي أَتَصَبُّبُ مِنْ عَرَقِ جَفَافِهِ-
كِلَانَا مَقْعَدَانِ لِمُقْعَدَيْنِ
يَبْحَثَانِ عَنْ سِيقَانِهِمَا تَحْتَ إِبْطَيْهِمَا !
* * *
هَذَا الْبَيَاضُ-
لَا يَزَالُ يُغْرِي الْحَبْرَ،
وَيُغْوِي الْأَنَا الشَّاعِرَة !
يَضِجُّ بِصَمْتٍ شَرُودٍ
لِيَهْتِكَ هذِهِ النَّظْرَةَ الشَّاطِرَة !
* * *
مَاذَا يُوَشْوِشُ الطَّيْرُ لِلطَّيْرِ بِإِغْمَاضِ عَيْنَيْهِ؟
-: جَنَاحَايَ، فِي هذَا الصَّبَاحِ، ثَقِيلَانِ؛
إِنَّهَا تُمْطِرُ غُبَارًا،
أَوْ حِوَارًا
فِلَسْطِينِيًّا- فِلَسْطِينِيًّا !
* * *
أُلَملِمُ مَا يَسَّاقَطُ مِنْ أَوْرَاقِ عُمْرَي
عَلَى سِيَاجِ حَيَاتِي النَّحِيلِ
أُجَدِّلُهَا قِلَادَةَ شِعْرٍ شَقِيَّةً
تَتَأَرْجَحُ بَيْنَ جِيدِكِ وَشَهِيقِي
قَبْلَ أَنْ يَتَنَفَّسَ الصُّبْحُ وَحْدَهُ بِدُونِي !
* * *
عَيْنُهَا لَوْنُ المَطَرِ الْأَوَّلِ..
بَشَرْتُهَا أَشِعَّةُ الشَّمْسِ الثَّانِيَةِ..
لَا أَقُولُ لِلْمَطَرِ: خَفِّفْ هُطُولَكَ،
وَلَا لِلشَّمْسِ: أَكْثِرِي أَشِعَّتَكِ.
اللَّوْنَانِ يَمْتَزِجَانِ لُعَابَ قَصِيدَةٍ تَسِيلُ مِنْ فَمِ شِعْرِي !
* * *
لَيْسَتْ لِلْمَطَرِ أَجْنِحَةٌ..
تُهْطِلُهُ الْغَيْمَةُ دُونَهَا.
لِذَا تَعَلَّمَ الطَّيَرَانَ وَحْدَهُ-
حِينَ رَأَى ابْتِسَامَتَكِ تَطِيرُ نَحْوَ عَطَشِ عَيْنِي
مِنْ عَرْشِ شَفَتَيْكِ بِدُونِ أَجْنِحَةٍ !
* * *
أُغْلِقُ بَابِي عَلَى مِصْدَاقَيْهِ؛
مَا فِي الْخَارِجِ مَا يَرُوقُ لِنَفْسِي
سِوَى مَطَرِ اللهِ المُغْتَرِبِ
يُقَبِّلُ زُجَاجَ نَافِذَتِي
بِشَفَتَيْ شَمْسِي !
* * *
ذَاتَ سَاعَةٍ؛
سَأَتْرُكُ مَقْعَدِي،
وَيَبْقَى قَصِيدِي.
يَا حِبْرَ وَطَنِي المُجَفَّفَ..
يَا وَرَقَهُ المُرَطَّبَ..
يَا نَشِيدَ أَنْشَادِي الْبَعِيدَ !
محمد حِلمي الرِّيشة*