«ذات مرة كان هناك عاهرة تدعى ماريا, انتظروا لحظة «ذات مرة» هي أفضل ما تبدأ به قصص الأطفال, و«عاهرة» كلمة تنتمي لعالم الراشدين. كيف لي أن أبدا كتابا في ظل هذا التناقض الواضح؟ مع ذلك, ففي كل لحظة من حياتنا, تكون إحدى خطواتنا غائصة في حكايا الجدات والأخرى في العماء,لنحافظ إذاً على هذه البداية. ذات مرة كان هناك عاهرة تدعى ماريا.»
هكذا يبدأ الروائي البرازيلي باولو كويللو روايته «إحدى عشرة دقيقة» كما جميع رواياته بصدمة سهلة تربط أطرافنا في هذا العالم المنفرط, ليعيد إلينا قليلا من ألقنا المفقود وكما في رواياته كلها يزيح كويللو رويدا رويداً تلك العصابة عن أعيننا لنبصر من جديد أشياء كنّا نظن دائما أننا نعرفها جيدا. تتناول الرواية موضوعا قديما يكاد يكون طرح شيء جديد فيه صعبا جدا.
الرواية هي اقتباس عن قصة حقيقية تجري أحداثها في البداية في البرازيل لفتاة تدعى ماريا.
« ومثلها كمثل جميع العاهرات, ولدت وهي بريئة وعذراء. وفي مراهقتها كانت تحلم بلقاء رجل حياتها (ثري, وسيم, وذكي), وتحلم بالزواج(في ثوب الزفاف), وإنجاب طفلين(يكبران ويصبحان مشهورين) والإقامة في بيت جميل(بإطلالة بحرية). كان أبوها بائعا متجولا وأمها خياطة. وكانت بلدتها تقع في عمق البرازيل, فيها دار سينما وملهى ليلي وبنك واحد. ذلك كله كان سببا لأمل ماريا الذي لا ينقطع, دون أي نذير, بوصول أميرها الساحر ذات يوم, فيغير قدرها ثم يأخذها بعيدا حيث يمكنهما سوية قهر العالم.» ص5
تقع ماريا في البداية في حب صبي من عمرها في الطريق الواصل بين البيت والمدرسة حيث كان يقيم في الجوار ويقوم بذات الرحلة وكانت تلك اللحظات التي تمضي في طريق الذهاب إلى المدرسة هي أجمل أوقات اليوم. لم يتبادلا خلال ذلك أية كلمة.
ذات صباح اقترب الصبي من ماريا وسألها إن كان باستطاعته استعارة قلم منها ولكنها اهتاجت وأسرعت في المسير ولم تجب بشيء ولكنها في تلك اللحظة أدركت لكم الحب الذي يكنه لها وأدركت أيضا لكم الحب الذي تكنه له كانت تتمنى لو أنها أمسكت بيده ليذهبا معا إلى نهاية الطريق ويزورا كل ما كانت تحلم به يوما.
بعد ذلك عرفت ماريا أن كل ذلك لم يكن سوى حجة من الصبي للتكلم معها, لأنها رأت أنه كان يمتلك قلما في جيب سترته, فكرت طوال ليال إلى أن وقعت على الطريقة المثلى لبدء القصة التي لن تنتهي أبدا. ولكن لم يكن هناك من مرة ثانية, وبالرغم من أنها كانت تقبض في يدها على قلم وهي تسير بمحاذاته, تتقدمه أحيانا ولكنه لم يطلب منها أي شيء حتى نهاية العام الدراسي. لم تستطع ماريا أن تتأقلم على غياب الصبي لذلك كانت تلقي باللائمة على نفسها وعلى تصرفها الأحمق. في اليوم الأول من العام الدراسي ارتدت ماريا أجمل ثيابها وقررت أنها ستقوم بالمبادرة وتتحدث إلى الصبي ولكنه لم يظهر وعرفت فيما بعد أنه قد مضى إلى مكان بعيد.
أدركت ماريا حينذاك أن هناك أشياء لا تتكرر مرة ثانية وتضيع إلى الأبد. وفي أثناء العطل المدرسية استيقظت ذات صباح لتجد دماءً على ساقيها فاعتقدت في البداية أنها في طريقها للموت.
« دخلت أمها الغرفة, وعندما شاهدت بقع الدم على الشر اشف ابتسمت وقالت: « لقد غدوت الآن امرأة شابة».
كانت ماريا متحيرة من العلاقة بين الدم على ساقيها وكونها قد أصبحت امرأة شابة, ولم تكن أمها قادرة على تزويدها بشرح مرض ٍعن ذلك, قالت فقط إن هذه حالة طبيعية, ولذلك فمنذ اللحظة وصاعداً, سوف يتعين عليها أن تضع شيئا كمخدة الدمية بين ساقيها لمدة أربعة أو خمسة أيام من كل شهر استفسرت ماريا من أمها إن كان الرجال يستعملون نوعا من الأنابيب حتى يوقفوا تدفق الدم من سراويلهم, فأجابت الأم إن هذا أمر يحدث للنساء فقط.» ص7
خاضت ماريا بعد ذلك عدة تجارب عرفت خلال ذلك أن الإنسان لا يستطيع العيش بأحلام مستحيلة وعندما بلغت الخامسة عشرة فقط وقعت في حب أحد الصبية, فقررت أن لا تكرر غلطتها السابقة وبدا أنها ستقاتل من أجل حبها الجديد وستكافح بأقصى ما يمكنها لكي تتزوج حبيبها وهي عازمة على الاعتقاد أنه رجل صالح للزواج, لذلك أخبرت أمها بأنها عازمة على الزواج إلا أن أمها أخبرتها بأنها لا تزال صغيرة جدا.
ولكنها سألت أمها بأنها هي أيضا تزوجت مبكرا إلا أن أمها لم تستطع إخبارها أن زواجها كان نتيجة حمل مفاجئ واكتفت بالقول: «كانت الأمور مختلفة آنذاك»
في المرة الأولى التي خرجت فيها ماريا مع صديقها تبادلا بعض الكلمات ولكنه احتضنها وقبلها, كان حدثا استثنائيا.
«بعد قليل توقف عن تقبيلها وسألها: ألا تريدين أن….؟
ما كان متوقعا منها أن ترد؟ ألا تريد أن…؟ بالطبع تريد ذلك؛لكن على المرأة أن لا تعرض نفسها بهذه الطريقة, ليس أمام زوج المستقبل خاصة, وإلا سيمضي بقية حياته يرتاب أنها قد تقول «أجل» بهذه البساطة لكل شيء. قررت أن تترك سؤاله معلقا بلا إجابة.» ص10
في تلك الليلة أحست ماريا بأن هناك شيئا ما يجري بشكل خاطئ, كيف أمكن لكل تلك الروعة أن تستمر لدقائق وأن تمضي بهذه السرعة.
عرفت ماريا من بعض صديقاتها أنه يجب عليها التقبيل بفم مفتوح لكي يضع لسانه في الداخل وأقنعوها أن الناس يتبادلون القبل بهذه الطريقة, ولكنها تفاجأت في أحد الحفلات بأن صديقها كان مع فتاة أخرى, في تلك الليلة أرخت العنان لعالمها كي يتقوض, ظلت تعاني لمدة ثمانية أشهر وخلصت في النهاية أن الحب لم يولد من أجلها وأنها لا تستطيع أن تعيش حالة حب.
عموما لم تحمل لها السنة الخامسة عشرة فقط أنه يجب عليها التقبيل بفم مفتوح وإنما اكتشفت أيضا الاستمناء مصادفة بينما كانت تتحسس أعضاءها التناسلية وهي في انتظار قدوم أمها إلى أن لمحها أبوها ذات مرة وصفعها حين كانت صغيرة, عرفت حينذاك أن عليها أن لا تجس نفسها على مرأى الجميع.
ذات صباح كانت وحدها في البيت لم يكن هناك ما هو مهم في التلفزيون,بدأت بتفحص جسدها حيث لاحظت وجود غدة فوق مهبلها, داعبتها ولم تكن تملك القدرة على التوقف،بدأ التوتر يسري في جسدها وأخذت تدلف شيئا فشيئا فيما يشبه عالم الفردوس إلى أن لاحظت تشوشا في سمعها وبصرها, أخذت تئن متعة وبلغت رعشتها الأولى.
«رعشة! إنه كالطواف في أعالي السماء ثم الهبوط إلى الأرض بخفة. كان جسدها مبللاً بالعرق لكنها شعرت بالكمال, التحقق وبالامتلاء حيوية.. إذاً, هذا هو الجنس ! كم هو رائع! « ص13
هكذا أمضت ماريا سنوات مراهقتها, وعلى الرغم من أنها قطعت وعدا على نفسها أن لا تحب أحدا إلا أنها خرجت مع عدد من الصبية.
ذات مرة, كانت برفقة أحد أصدقائها وبينما كانا يتداعبان, شعر صديقها باهتياج شديد وكون ماريا كانت العذراء الوحيدة بين صديقاتها سمحت له بالولوج إلى داخلها وهكذا فقدت عذريتها في المقعد الخلفي لأحد الباصات.
من يوميات ماريا وهي في سن السابعة عشرة من عمرها:
«رغم أن هدفي هو فهم حقيقة الحب, رغم معاناتي بسبب التفكير بالناس ولمن أمنح قلبي, فأنا أرى أن أولئك الذين مسوا قلبي فشلوا في إيقاظ جسدي, وأولئك الذين أيقظوا جسدي قد أخفقوا في مس قلبي.» ص17
في التاسعة عشرة من عمرها بعد أن أتمت دراستها الثانوية, وجدت ماريا عملا في متجر لبيع الألبسة, عملت هناك لمدة عامين كاملين ادخرت خلالها كمية من المال لقضاء أسبوع في مدينة أحلامها (ريو دي جانيرو), حصلت على موافقة أهلها وسافرت على مدى ثمان وأربعين ساعة, أرادت أن تستمتع بكامل حريتها, أن تتحدث إلى الغرباء,أن تنظر إلى واجهات المحلات.
ما أن وصلت إلى فندق رخيص في كاباكابانا حتى ارتدت المايوه البكيني واتجهت صوب الشاطئ وهناك بعد أن خرجت من الماء التقى بها رجل سويسري عرض عليها مستخدما الإيماءات شرب عصير الجوز, مع أنه لم يكن يعرف التحدث باللغة البرتغالية ثم تابع وهو يخرج من جيبه قاموسا صغيرا «عشاء, الليلة؟» تبادلا بعض الابتسامات, كان معه مترجم شرح لها أنه صاحب ملهى ليلي في سويسرا وأنه يبحث عن فتاة لتعمل معه هناك راقصة سامبا, كانت ماريا مترددة في البداية لكنها قالت في نفسها أنها لطالما قالت: لا للحياة, لذلك قررت أن لا تفوت هذه الفرصة.
تواعدا في مطعم ولكنها للأسف لم تكن تملك ثوبا للسهرة, في المساء تلقت ثوبا أنيقا وحذاء, ارتدتهما ووضعت الماكياج واتجهت إلى المطعم, حيث كان روجير الرجل السويسري ينتظرها, أراها بعض الصور لفتيات يلبسن مايوهات بكينية أكثر جرأة, كان المترجم مايلسون قد أخبرها أن لا تقبل بأقل من ثلاثمائة دولار لليلة الواحدة إلا إذا كانت له مآرب أخرى, بدا واضحا لماريا أنها جاءت لأنها فتاة شجاعة وستقول أجل,
تصرف روجير معها باحترام ولم يطلب منها شيئا.
في اليوم التالي, قبلت العرض طالما أنها ستحصل على وثيقة مشروطة من القنصلية, كانت ماريا مندهشة, كيف يمكن للأمور أن تسير بهذا اليسر. ذهبت برفقة روجير للحصول على موافقة أهلها وبالفعل لم يخيبوا ظنها. بما أن أمها كانت خياطة فقد كانت نصيحتها على الشكل التالي:
«عزيزتي, خير لك أن تكوني تعيسة مع رجل ثري من أن تكوني سعيدة مع رجل فقير, هناك في أوروبا,الاحتمال الأكبر أن تصبحي امرأة ثرية وغير سعيدة.»ص32
عندما وصلت ماريا إلى جنيف أو «جنيبرا» كما يدعوها السويسريون كانت منهكة, تعرفت على مدرب الرقص وبدأت التدريب منذ اليوم الأول, حددت ماريا هدفها بدقة, جني المال, كان يلزمها عام كامل من العمل لكي تستطيع العودة إلى الوطن, لذلك توقفت عن البكاء كل ليلة. سجلت في صف لتعلم اللغة الفرنسية, وهناك تعرفت على شاب عربي امتدت علاقتهما على مدى ثلاثة أشهر, قطعت ماريا فيما بعد العلاقة وقررت أن تقوم بزيارة للجبال, صرفت ماريا إثر ذلك من العمل بعد أن حصلت على خمسة آلاف فرنك, كان يتوجب عليها ترك السكن الداخلي والبحث عن مكان تسكن فيه, أخذت بعض الصور لنفسها عند مصور يمتلك جميع التجهيزات «صورا رصينة وفاحشة» اشترت هاتفا خليويا وانتظرت الأيام المقبلة أن تأتيها بعرض عمل. ولكن الهاتف لم يرن,شغلت نفسها بالقراءة ريثما يرن الهاتف. بعد ثلاثة أشهر رن الهاتف, كان رجلا يسأل إن كانت ماريا سبينوزا لا تزال على هذا الخط, فأجابت بهدوء نعم.
التقيا في أحد المطاعم تحادثا قليلا ثم عرض عليها الرجل وهو عربي أن ترافقه إلى غرفته لشرب كأس مقابل ألف فرنك كانت ماريا قادرة على الإجابة بنعم أو لا ولكنها وافقت.
« حدث كل شيء كما هو متوقع: ذهبت إلى فندق العربي, شربت الشمبانيا, إلى أن قاربت حدود السكر التام, فرجت ساقيها وانتظرته حتى يبلغ رعشته(لم يحدث لها قبلاً أن ادعت بلوغها أيضا), غسلت جسدها في الحمام الرخامي, تناولت المال ثم غادرت إلى البيت سامحة لنفسها بترف العودة بسيارة أجرة.» ص50
لم تشعر ماريا بالأسف لأنها ليست ضحية كان بإمكانها أن تغادر المطعم بكرامتها ولكنها لم تفعل ذلك كالآخرين بل تركت للحياة أن تقرر قدرها.
قررت ماريا في تلك الليلة أنها سوف تصبح عاهرة لبعض الوقت, بدأت بالبحث عن مكان يدعى رو دي برن. قبل ذلك كانت ماريا قد تعرفت على موظفة في مكتبة حيث أصبحتا شبه صديقتين, استعارت منها بعض الكتب عن الجنس, عندما وصلت إلى المكان المطلوب, في حقيقة الأمر كان المكان يدعى كاباكابانا, سألتهم أنها تبحث عن العمل, سألها المالك ميلان إن كانت تملك رخصة عمل, باشرت ماريا العمل بعد أن عرفت قواعد العمل هناك, طلب مشروب الفواكه ثم الرقص قليلا وبعد ذلك يمكنها الذهاب مع زبونها إلى الفندق. كان السعر محددا, ثلاثمائة وخمسين فرنكا, خمسون منها لمالك الملهى, عملت ماريا كما طلب منها بالضبط لمدة كافية لم تخترق خلال ذلك القواعد.
ذات مرة بينما كانت ماريا تتنزه دخلت إلى أحد المقاهي, طلبت فنجان قهوة وبعد أن انتهت, وقبل خروجها من المقهى, جاءها صوت من الخلف بأن تتوقف, كان فنانا يقوم برسم شخص ما، بعد أن انتهى قال لها بأنها تمتلك ضوءا خاصا وأنه يريد رسمها.
لم يكن أحد قد تحدث معها بهذه الطريقة من قبل, تمشيا على طول درب سانتياغو حيث أخبرها الفنان- رالف هارت- أنه طريق الحج. بدت ماريا مرتاحة في التحدث إليه وخصوصا أنه لم يؤنبها بعد معرفته بأنها عاهرة, تكررت زيارات رالف هارت إلى الكاباكابانا حيث دفع ذات ليلة ألف فرنك مقابل قضاء ليلة بكاملها, لم تذهب ماريا في البداية معه لأنها لم تكن تريد تسليم نفسها لمصيدة الحب, كان رالف هارت قد تزوج مرتين, كان يعيش وحده, بالمقابل كانت ماريا تبحث عن الحرية, حرية أن تحب أحدا لا يطلب منها شيئا, ذهبا إلى بيت رالف مخترقة بذلك كل القواعد, كان بيته مؤلفا من طابقين, جلسا في الطابق السفلي ولم يتوجها إلى غرفة النوم أخبرها رالف بأنه يحتاجها لأنها الوحيدة القادرة على تخليصه من وحدته, إنه شاب في الثامنة والعشرين وهو وسيم ويطلب منها أن تنقذه,إنها تعرف عن الجنس البشري بقدر بما يكفي, شربا النبيذ, طلبت منه ماريا أن يشعل الموقد ويطفئ الأضواء, جلسا هناك بدون كلمات, كان معا وهو أمر كاف. ودعته ماريا طالبة منه أن يفتح الباب لها لأنهم في البرازيل لا يفتحون الباب وخاصة في الزيارة الأولى لكي يعودوا في المرة القادمة, وكانت ماريا تريد بالتأكيد العودة مرة أخرى.
عندما عادت ماريا ذات ليلة على الكاباكابانا, بدأ الزبائن يتوافدون, بعد قليل دخل شاب ذو شعر أسود, لاحظت ماريا أن ميلان يميل برأسه, بعد طلب عصير الفواكه والرقص قليلا وفق القواعد, ذهبا إلى الفندق, دخلا إلى الغرفة المثالية ذات الإطلالة المثالية, ثم قام بإدارة الموسيقى المثالية. قال لها بأنها تعرف ما يريد, لكنها أجابت بأنها لا تعرف ما يريد, إنه يريد الألم وكما هائلا من المتعة, لكنها لم تكن مستعدة لذلك,
يقول الماركيز دي ساد: « أن التجارب الأهم والتي يمكن للإنسان أن يختبرها هي تلك التي تنقله إلى الحد الأقصى ؛إنها الطريقة الوحيدة التي نتعلم من خلالها, لأنها تتطلب منا مجمل شجاعتنا.» ص134
بعد ذلك حملت ماريا النقود ورحلت. من يوميات ماريا, في ليلة قليلة النشاط في الكاباكابانا
« بعد كل الوقت الذي أمضيته مع الذين يأتون إلى هنا, توصلت إلى استنتاج مفاده أن الجنس شيء يمكن إن يتم الاعتياد عليه مثل بعض أنواع المخدرات: بهدف الهروب من الواقع. وتناسي كل ما يتعلق بالمصاعب والمآزق، والاسترخاء. ومثله مثل جميع أنواع المخدرات، إنه ممارسة مدمرة وضارة»ص 153
انفتح باب الكاباكابانا ذات مساء عن القادم تيرنس, كان قادما من لندن خصيصا من أجلها, مارسا الطقوس المعتادة,عصير فواكه, الرقص قليلا, ثم توجها إلى الفندق.
أخبرها تيرنس بأنها ليست هنا من أجل المال وإنما هي هنا بسبب إحساسها بالتبعية والخضوع, ثمة سادية في الطريقة التي ننظر فيها إلى معاناة الآخرين. أشعل الشموع الموجودة في الغرفة ثم أمرها بالركوع, استجابت ماريا للأمر, طلب منها أن تخلع ملابسها وأن تخفض رأسها وتسير بحيث يتمكن من رؤيتها بشكل جيد, أخرج تيرنس من حقيبته الصغيرة سوطا, فرقع السوط في الهواء, كانت ماريا أثناء ذلك تسير في الغرفة, رأسها منخفض, لامس السوط جسدها فانطلقت منها أنة فهمها تيرنس أنها تعارض ذلك. شربت ماريا عدة كؤوس من الفودكا, كانت ماريا أكثر سكرا مما ظنت. أصبح التحكم في أي شيء صعب المنال, أحست أنها مجرد أداة الآن. لقد منحها إحساسها بالخضوع شعورا بالحرية المطلقة, كانت هذه حالة جديدة, وضع تيرنس كمامة على فمها, كان لا يزال يرتدي جميع ثيابه,إنها مكممة ومقيدة وكمية الفودكا التي شربتها تفوق كمية الدم المتدفقة في عروقها. صفعها ثم دفعها تيرنس بقوة إلى السرير ثم فتح ساقيها, قام بربط أطرافها بقيود إلى السرير.
«هل تريدينني أن أتمادى في معاملتك إلى أبعد من هذا الحد؟»
رأته وهو يضع نهاية مقبض السوط على شيئها. حينها تجردت ماريا من أية سيطرة على نفسها. لا تملك أدنى فكرة لكم من الوقت بقي هكذا ولا كم مرة تعرضت للصفع,فجأة بلغت مرادها, الذي فشل مئات من الرجال في إيصالها اليه خلال تلك الشهور والأيام الطويلة الماضية. تفجر الضوء في كل مكان شعرت وكأنها تدخل نوعا من الهوة السوداء في روحها. تدفعها إلى ما وراء كل الحدود القصوى التي عرفتها سابقا.
شربت ماريا بعد ذلك كأسا من النبيذ, كانت في قمة نشوتها بينما كان تيرنس منكمشا على نفسه, بدا ضعيفا فاقدا للحيوية, شربت ماريا عدة سجائر على النافذة كانت تتمنى أن يراها أحد ما وهي عارية تماما, انصرفت ماريا بعد ذلك. فتحت الباب لنفسها لأنها كانت متأكدة من عدم رغبتها بالعودة مرة أخرى.
التقت ماريا برالف في محطة القطار, سألته ماريا عن الألم فأجابها رالف أنه يعرف كل شيء ولكن لا يهمه منه شيء, أخبرها رالف بأنها انغمست أكثر من اللازم في اللعبة. عرفت ماريا أن رالف يعرف ما حصل لها بالضبط لأن الرجل الذكي يعرف تماما أين ينظر, فقد كانت آثار القيود لا تزال على كاحليها, أخبرها رالف بأنه غاص في أعماق روحه في هذا المجال ولكنه لا يزال يروم الأشياء الحسنة في الحياة كان يريد أن يخبرها أنها ذلك الشيء الحسن,أخذتهما سيارة أجرة إلى البحيرة ورغم أن الفصل كان صيفا فقد كان الجو باردا طلب منها أن تخلع سترتها وحذاءها, لم تكن تحبذ الخوض في هذه التجربة إلا أنه كان مصرا, سارا سويا ثم أخبرها رالف أنه لكي يخضع الإنسان الروح عليه أن يتعلم كيف يخضع الجسد, التهبت قدما ماريا من الحجارة, أخبرت رالف بأنها لا تستطيع المشي على هذه الحجارة لأنها تؤلم قدميها, كان جسدها يتخدر ولكن ماريا لم تتوقف بسبب احترامها لنفسها انزلقت قدماها على الحجارة الحادة ولكنها لم تتأوه بينما بدا رالف بعيدا وغير مكترث كليا, كان هذا مختلفا عن التظاهر بالألم في فندق مثالي بعد شرب عدة كؤوس من الفودكا, ثم وقبل أن تنهار وتستسلم غمرها أحساس غريب, شعرت بأنها خلف فضاء فارغ, فقدت إحساسها بجسدها أنها الآن مجرد روح» ألق». هناك أشكال من الألم يمكن نسيانها بمجرد أن نستطيع العوم فوق آلامنا. أغمي عليها وما أدركته لاحقا أن رالف ألتقطها لا بد أنها فقدت وعيها بسبب البرد ولكنه لا يهم أنها سعيدة وهذا كاف, لقد خرجت سليمة, لقد تحررت. استيقظت ماريا وهي ما تزال في بيت رالف طلبت منه أن تذهب على غرفة المكتبة التي يوجد فيها موقد النار حيث جلسا أول مرة, كانت تشعر في هذه الغرفة بالراحة التامة, الألم صديق المرآة ولكن له حدود وهنا يكمن الخلاص.
أخبرها رالف أن للدعارة تاريخا ن متعاكسان: « الأول هو ما تعرفنه جميعا بشكل جيد ولأنه تاريخكن أيضا: تقرر فتاة جميلة وفتية, لأسباب اختارتها بنفسها أو لأن الأسباب هي التي اختارتها, بأن السبيل الوحيد الذي يمكنها من العيش هو عن طريق بيع جسدها. البعض انتهين إلى حكم الأمم, كما فعلت ميسالينا في روما. أخريات أصبحن رموزا أسطورية كمدام دوباري, وأخريات ظللن يسرعن وراء المغامرة والحظ السيئ, كالجاسوسة ماتا هاري. ولكن الغالبية لم يبلغن لحظة المجد ولم يتواجهن أبدا بتحد كبير: سوف يبقين دائما فتيات صغيرات قادمات من المناطق الداخلية بحثا عن الشهرة, الزوج, والمغامرة. لكنهن ينتهين لاكتشاف واقع مختلف تماما, يغرقن فيه لبعض الوقت ومن ثم يصبح مألوفا ويعتدن عليه, وهن يعتقدن دائما بقدرتهن على ضبط الأمور, ومع هذا عاجزات عن القيام بأي شيء آخر في النهاية.» ص179
«التاريخ الآخر معاكس تماما: العهر المقدس»
كتب المؤرخ الإغريقي هيرودوتس عن البابليين: «كان لديهم عرف غريب في بابل, حيث تكون كل امرأة ولدت في سومر مجبرة, مرة على الأقل في حياتها, على الذهاب إلى هيكل الآلهة عشتار ومنح جسدها لأحد الغرباء, كرمز لحسن الضيافة لقاء أجر رمزي» ص181
تخلت ماريا عن العمل في الكاباكابانا وقررت العودة إلى البرازيل, لم تكن ماريا تعرف ما ورد إلى ذهن رالف عندما فتح الباب ورأى حقيبة سفرها, كانا قد تواعدا على العشاء, لزم رالف الصمت واحتضنها ثم نزع عنها ملابسها, قام بتقبيلها ثم فرج ساقيها وبدون أية مقدمات قام بالولوج إلى داخلها, داعب ثدييها وبحث عنها في العتمة داعبها وتحرك نحو الداخل والخارج معا, تصاعدت وتيرة حركته, كانت تتباطأ ثم تتوقف أحيانا وفجأة بلغ الرعشة, صرخ, ولكنها لم تبلغ الرعشة.وأخيرا سألها عن حقائب السفر فأخبرته أنها عائدة للبرازيل, كانت تتوق للقول «أنا أحبك», « أتوق للبقاء قربك». لا تذهبي قالها رالف, كان يحق له قول ذلك.
«أولا أنت باقية هنا الليلة»
لم يكن هذا طلبا وإنما أمرا.
« ثانيا, سوف نمارس الحب حالاً مرة ثانية, لكن هذه المرة بتوتر أقل ورغبة أكبر وأخيرا؛ أريدك أن تعرفي المزيد عن الرجال»
«هيا»
ثم بلغت في اللحظة ذاتها التي بلغ فيها رعشته, لم تكن إحدى عشرة دقيقة, كانت زمنا سرمديا, كنا كما لو أننا غادرنا جسدينا سوية ونسير مفعمين بالفرح عبر حدائق الفردوس في تفاهم وصداقة.» ص227- -228-298
غرقا في النوم على أرضية السجادة بالقرب من موقد النار, عندما فتحت ماريا عينيها كانت أشعة الشمس تنفذ من تحت الباب, أعدت القهوة ثم طلبت سيارة أجرة, توجهت إلى المطار, كان رالف يعرف موعد إقلاع الطائرة, في الرحلة القصيرة بين جنيف وباريس غطت ماريا في النوم, فكرت في قضاء يوم في باريس لكي تنطلق في اليوم التالي إلى البرازيل, إلا أن بطاقتها لم تخولها ذلك, فجأة جاء الصوت من الخلف, باريس هي دائما لنا, كان هو بالضبط صوت رالف هارت وهو يحمل باقة من الزهور.
قبلته بشكل حيادي تماما منذ هذه اللحظة هو ما يحدث بعد كل «النهاية» على شاشة السينما.
ولكن, إذا أراد أحدهم أن يسرد عليها حكاية ما, فإنها ستطلب منه الابتداء بذات الأسلوب الذي تفتتح به حكايات الجدات: ذات مرة……..» ص235
إحدى عشرة دقيقة / رواية / باولو كويللو ترجمة: وائل بحري – دار الينابيع ط2 2008
دلـــدار فــــلمز
كاتب من سورية