ترجمة : إبراهيم درغوثي *
طوماس ترنسترومر
1931/ 2015
جائزة نوبل للآداب 2011
قصائد قصيرة
عند الساعة الثانية ليلا: قمر مشرق.
القطار توقّف في وسط السّهل..
في البعيد، نقاط ضوء في المدينة تبرق ببرود على مرمى البصر.
وكما مريض في آخر أيّامه تنطفئ فيه الحياة،
تغيب تلك الشرارات واحدة وراء الأخرى،
كما تغيب ابتسامة على حافة الشّفاه.
j h j
انظروا هذه الشجرة الرمادية.
السماء اخترقت الأرض من خلال أليافها-
ولم يبق منها سوى سحابة متموّجة بعدما ابتلعت الأرض الماء.
انظروا الفضاء المتخفّي يتلوّى في جذور الضّفائر، داخل لفائف خضراء-
لحظات قصيرة من الحرّية جاءت لتفقس داخل أجسادنا،
تدور دوران الدّوامة في دم مصائرنا، وأبعد قليلا.
j h j
« ها أنا أراقب الخليج من أعالي الجبل.
السفن تستريح على سطح الصيف.
نحن نمشي نياما. أقمار منحرفة».
هذا ما نبّأتني به الأشرعة البيضاء.
« نحن نهيم في منزل يغفو
ندفع الأبواب برفق.
ونحن نتكئ على الحرّية »
هذا ما نبّأتني به الأشرعة البيضاء.
شاهدت يوما إرادة العالم تهيم
تتبع نفس المجرى – أسطول واحد.
« نحن الآن متناثرين. سرية من البشر.»
هذا ما نبّأتني به الأشرعة البيضاء.
j h j
وحي
شجرة التفاح العجوز
البحر هاهنا
j h j
البحر جدار.
أسمع صراخ النوارس.
إنها تبعث لنا بإشارة.
j h j
رياح الرّب على ظهري
طلقة النار تأتي بدون ضجيج
حلم طويل جدا.
j h j
الصمت بلون الرّماد
العملاق الأزرق مرّ من أمامي
نسمة بحرية باردة
j h j
ريح شاسعة وهادئة
من المكتبة البحريّة
مقام استراحتي.
j h j
رجال – عصافير.
أشجار التّفاح أزهرت.
لغز كبير.
*****
كارين بوي
1900/ 1941
نجمة تتأسّى
سألتُ هذه الليلة نجمةً:
– أيها الضوء البعيد في الفضاء القفر
« لمن تبعث بنورك،
أيتها النجمة المجهولة؟
أنت وضّاءة وجميلة «.
نظرتها النّجميّة،
أخرست شكواي:
« إشراقي لليل الأبدية.
إشراقي لفضاء بدون حياة.
ضوئي وردة تتلاشى
في أواخر خريف الكون.
في هذا الضوء كل مواساتي.
هذا الضوء يكفي لمواساتي».
j h j
في الظلام
في الظلام أقف لأتسمّع
كيف ترنّ نواقيس الساعات
في الخارج
بدقات طويلة، ثقيلة،
ومنتظمة.
إنها تصمّ الجميع وتُنيم كل شيء
وتجتاح الأشكال الضبابية للأشياء
بدقاتها الطويلة، الثقيلة، والمنتظمة،
التي لا تنفصل عن الفكر.
أنا معكم تقريبا
أكاد أعرف – وأتذكر
دقات قلب الظل القديم
الذي لا ينتظر الغد.
دون أن يخاف هذا الغد.
j h j
لو أستطيع اللحاق بك
لو أستطيع اللحاق بك، بعيدا،
وراء الأشياء التي تعرفها،
وراء سكون العالم،
ونذهب إلى الجهات الأبعد،
هناك حيث تلفّ درب التبانة
رغوة تتألق وهي تموت
في هذا الفضاء الذي يُسبّب الدّوار
تبحث عن منزل.
أعرف: إنك تبغي المستحيل.
ولكن من خلال معموديتك
تنطلق منك ارتعاشات عمياء،
تجوب الفضاء الفسيح
ووقتها، سأسمع صراخك،
سأكون الحرارة التي تدفئك،
سأكون الحضن الذي يؤويك،
سأكون لك في هذا العالم المختلف
الأشياء التي ستولد من جديد.
j h j
هاري مارتينسون
1904 / 1978
جائزة نوبل للآداب 1974
المتنزه الصامت
في المتنزه الخريفي تنتصب امرأة اسمها الحب-
برونز قاتم ومرتعش
يُحدّث جسدها الأسمر
عن الجسد – عن الفكر.
الفنان – الخالق
يعشقها
في السّرّ
ولا يعشق سواها،
لا يعشق إلّاها.
الأشجار تتمايل
والريح يُحدّث عن الفن –
والناس يُحدّثون
كما الريح، كما الريح.
كل يوم، رجل يجهل كل شيء عن الفن
يجلس على المقعد.
العينان مصوّبتان نحو الأرض، إنه يُنصت
إلى الأغاني التي تردّدها العروق المفعمة بالدم
داخل البرونز.
رياح مدارية
حاولت السفر في المستقبل
جهّزت بيتا
على الضفاف النورماندية الداخلية
j h j
دائما كانت تسحرني أغصان أشجار السنديان المتشابكة
صعبة الولوج كحال حدائق المجرات
j h j
لكن شباب المستكشفين الحكماء الذين قابلتهم
دلوني على الطرق الداخلية
الموصلة لضفاف غودوانا الجديدة.
قالوا لي:
إنّ أمواجا خفيّة تتلاطم على ضفافها
وإنّ محيطات من الألغاز تجري داخل هذه الجزيرة العذراء بلا توّقف
استمعت إليهم في صمت
وخمّنت:
رياح مدارية – مدينة العجب.
j h j
جونتر ايكيلوف
1907 / 1968
اِعطني سمكا
اِعطني سمكا لأموت أو أحلاما لأعيش
الآن، أشتهي أسماكا تقتلني.
عوضا عن أحلام أعيش بها
أنا ربان سفينة بلا طاقم، لأن الجميع
أكلوا من نبتة اللوتس فتحوّلوا إلى خنازير
رفضت قيادتهم.
وحدي، منهكا، وجدت نفسي على الشاطئ
مصحوبا بهذه الجثث.
شاطئ مجهول
ناديت:
اِعطني ماء فطالما شربت الماء الأجاج
اِعطني الماء، ماء ساقية أو ماء عين جارية
اِعطني ماء سحريا يغسل دمي
أعدني إلى جزيرة الأحلام
حيث تنتظرني قيود ذهبية
تحت نير الحرية.
الذي حالما يقترب منه الواحد
يفقد يديه حتى لا يعود قادرا على إمساك الدفة
ومثل أمير يغطس رأسه في ماء النبع
يغمره فجأة دوار عجيب
يعود به إلى الأزمان الغابرة
ألف عام وعام.
ها أنا أراك تتمرْأى في نظرتك، في نظرتي
وقد فشلت في مقابلة الحورية التي تعطي سمك الموت
وأحلاما للحياة.
بدون خريطة، دون مراقبة النجوم،
مع مجاري الرياح وضدها،
وجدتُ سفينتي ترسو على جزيرة الساحرات،
الساحرات ذوات الشعر الأحمر.
ورود على النافذة
على الشباك تنام الورود
وفانوس يأْسر الضوء
مذهولا، يراقب الشباك الضوء في الخارج
واللوحات الميتة يعرضن مواضيعهن
والذباب الهامد على الجدار يفكر
والزهرات يتكئن على الليل.
في ركن يغزل القط صوف الوقت
وعلى النار تنفث القهوة أريجها
والأطفال يلعبون بصمت على الأرض بالكلمات
الطاولة تنتظر قادما
لا تدقّ خطواته أبدا على الدرج
وضجيج قطار يجرح الصمت في البعيد
دون أن يفصح عن معنى الأشياء
لكن القدر يعدّ عشريا عدَدَ دقات الساعة.
j h j
بار لكيركفيتش
1891/ 1974
جائزة نوبل للآداب 1951
جزع
جزع، جزع، نصيبي من الميراث،
جرح في حلقي
صرخة قلبي في هذا العالم.
هاهنا يتجمد زبد الغيوم
في يد الليل الفظة،
ها هي الغابات
والمرتفعات الحادة
ترتفع نحو السماء باحتشام.
كم هو مؤلم كل شيء
كم هو صارم، مظلم وصارم.
بلاد المساء
أريد أن أعرف
ولكن لا أقدر إلا على السؤال،
أبحث عن الضوء
ولكن لا أقدر إلا على الاشتعال.
أبحث عن اللا معنى
ولا أقدر إلا أن أعيش.
أشتكي
ولكن لا أحد يفهمني.
حنيني ليس مني
إنه قديم قدم النجوم
سينتهي مثلها
يوما ما في العدم
في الفراغ اللامتناهي.
حفيف الأشجار
زمجرة الأمواج على الشاطئ
الجبال العالية، في البعيد –
توقظ حنيني.
لكن، ليس لشيء من هنا
وإنما لشيء بعيد جدا
ومن زمن قديم جدا،
قبل أن يخلق البحر، قبل الجبال،
قبل الرياح-
غريب هو صديقي، شخص لا أعرفه.
غريب بعيد، بعيد جدا.
قلبي حزين لأجله.
لأنه بعيد عني..
لأنه ربما ليس أنا؟
من أنت يا هذا الذي ملأت
قلبي بغيابك؟
يا هذا الذي ملأ الأرض
كلها غيابه؟