مصطلح الرواية الرائية:
قبل حين نشرنا كتابنا الموسوم بـ«القصيدة الرائية»(1) وهو بحث إجرائي معمّق في شعرية واحد من شعراء العراق المهمين هو الشاعر رعد فاضل، وقد اجتهدنا في الكتاب أن نعرض وجهة نظرنا في التأسيس لهذا المصطلح المبتكر، وقارنّا المصطلح بمصطلح مقابل هو«القصيدة المرئية» لاكتشاف الفروق الجوهرية اصطلاحياً ومفهومياً بين المصطلحين حيث يمكن بذلك إدراك القيمة النظرية والإجرائية لمصطلح(القصيدة الرائية)، ونرجو أن نكون قد قدّمنا في الكتاب ما يمكن أن يضع مصطلحنا الجديد هذا موضع التنفيذ الإجرائي، ومن ثمّ التداولي، اعتماداً على التجربة الشعرية الأصيلة التي قاربناها في الكتاب، على النحو الذي ينعكس الآن على القيمة النظرية والإجرائية لمصطلحنا الجديد الآخر(الرواية الرائية)، وهو يبحث له عن مساحة نظرية للتأسيس بدلالة الفضاء الإجرائي الذي ستتمخّض عنه دراستنا في هذا البحث وتكشف عن معطياته وتجيب على أسئلته .
وهو ما شجّعنافي متابعة استراتيجية الاجتراح الاصطلاحي ودعمه وإسنادهعلى أن نطلق مصطلحنا الجديد الآخر«الرواية الرائية» الموازي له في جنس أدبي مهم آخر وعالي التداول في منطقة القراءة، تأكيداً على صحة أطروحتنا وفاعليتها في مصطلحنا الأوّل، واستجابة للعيّنة الروائية التي نزمع الاشتغال عليها في بحثنا هذا قيد العمل والدرس والرصد والمعاينة والقراءة، وهي رواية إشكالية ذات طبيعة خاصة تشتغل على السيرذاتي في الروائي داخل ما يصطلح عليه بـ«الرواية السيرذاتية»، التي تنطلق من أفق التهجين السردي بين فن الرواية وفن السيرة الذاتية في معادلة ليست سهلة، تقدّم لعبة القص بين سرد الحياة وسرد الحكاية.
الرواية التي نرصد حراكها السردي(الرائي) في هذا الكتاب هي رواية«نحيب الرافدين» لعبد الرحمن مجيد الربيعي، وهي رواية مرّت بمراحل على مستوى فلسفتها ورؤيتها وكتابتها وتوقيت نشرها، فضلاً على إشكالية نشرها بعنوان آخر في(دار الآداب) أثار مشكلة لدار النشر والكاتب والقرّاء معاً، وكأن حساسيتها الإشكالية على الأصعدة كافة أبتْ إلا أن تتلاعب بمصيرها من البداية إلى النهاية بلا هوادة .
الروائي الرائي والراوي الرائي والشخصية الرائية تجتمع كلها في طبقات الجوهر السردي لهذه الرواية وعلى أكثر من مستوى، إذ على الرغم من أنها على المستوى السيرذاتي تروي تجربة مضت الآن وانتهت لكنها على المستوى الروائي ترى المصير والمستقبل لشخصيات الرواية وأمكنتها وحيواتها الأخرى على نحو عميق البصيرة، وهي بالرغم من أنها تروي التاريخ القريب إلا أنها ترى فيه عبره التاريخ القادم، باستشراف رؤيوي سردي عالي التوقع يقترب من حساسية اليقين وفضاء الرؤيا، والربيعي يعبّر عن طرف من هذه الرؤية بقوله:
«من الواضح أنني في جلّ رواياتي أميل للكتابة عن الأحداث التي حسمت وليست عن تلك التي مازالت عالقة لم يبت فيها، وهذا لا يعني أنني كفنّان لا استطيع أن أحسم وأن أرى، ولكنّ المرء عندما يكون في اللجّة قد لا يرى كلّ شيء، وقد يكون ما يراه خاضعاً لمنطق الفعل وردّ الفعل على أساس كونه طرفاً وليس مشاهداً فقط»(2)
فهو يكرر فعل الرؤية الصريح في مقولته هذه ثلاث مرات«وأن أرى/ قد لا يرى كلّ شيء/ ما يراه»، وفي كلّ مرة منها يسعى فيها إلى تأكيد صحة رؤيته وصلابتها وصدقها وحيويتها وطاقتها على الاستشراف والرؤيا، وان تكون هذه الرؤيةبحسب نظرية السرد المعروفة في مصطلح الرؤية ـ«رؤية من الخلف»، تتمكّن من استيعاب كل ما يجري، ومعرفة كل ما يحدث، والهيمنة الكلية على مصير السرد ومنطقه ومسيرة أحداثه وشخصياته وفضائه، وهي رؤية ضمن رؤى ثلاث معروفة ومتداولة في الدرس السردي النقدي الحديث صحبة«الرؤية من أمام» و«الرؤية مع»، وتشتغل هذه الرؤى داخل محيط العمل السردي متعلّقةً بالراوي وهو ينفّذ كل شكل من أشكال الرؤية بطريقة معينة.
عرف مصطلح«الرؤية السردية»بوصفه أحد أهم مكوّنات الفضاء السردياهتماماً بالغاً من لدن السرديين الغربيين الذين اشتغلوا على نظريات السرد، إذ قسّم بويون الرؤية السردية الى ثلاثة أقسام هي:
1- الرؤية من الخلف: وتكون فيها معرفة الراوي أكثر من معرفة الشخصيات .
2- الرؤية مع: وتتساوى فيها معرفة الراوي مع معرفة الشخصيات .
3- الرؤية من أمام: وتكون فيها معرفة الراوي أقل من معرفة الشخصيات(3) .
في حين اختزلها تودوروف إلى رؤيتين اثنتين متوازيتين ومتناظرتين فقط هما«الرؤية من الداخل والرؤية من الخارج، ففي الحالة الأولى لا تخفي الشخصية شيئاً عن الراوي، وفي الحالة الثانية فإن هذا الأخير يستطيع أن يصف لنا أفعال الشخصية ولكنه يجهل أفكارها ويحاول أن يتنبأ بها»(4)، ونظراً للأهمية الكبيرة التي يعكسها نوع الرؤية في تشكيل الفضاء السردي في الرواية ووظيفتها فإن«جودة الرواية تقوم ولا شك على قوة الرؤية التي تقدّمها وإقناعها»(5)، على النحو الذي يناسب تجربتها وطريقة كتابتها ومقولتها وفلسفة كاتبها، وقدرتها وسعتها وحساسيتها في تمثيل كلّ ذلك سردياً .
غير أن الأمر حين يتعلّق بحيثيات المصطلح الجديد«الرواية الرائية» وقضاياه وضروراته المنهجية، يصبح من المحتم والضروري الخروج إلى رؤية جديدة يمكن أن نصطلح عليها هنا بـ«الرؤية إلى الخارج»، وهي رؤية عابرة للأنساق السردية التقليدية تغادر محيط النص السردي نحو الخارج، أي أنها تتحوّل من السردي إلى الثقافي، ومن المكتوب إلى ما وراء المكتوب، وتشتغل على آلية الكشف والاستشراف والتطلّع والحدس والتوقّع في ربط مقولات النص السردي بالخارج الثقافي والاجتهاد في الإجابة على أسئلته، وهو ما نرى حصوله على نحو من الأنحاء في رواية«نحيب الرافدين» ذات الطبيعة الفنية والتركيبية الشاملة، وهي تضمر في سياقاتها وتشكيلاتها ومقولاتها جذور هذه الرؤية الجديدة التي يجب أن تحظى بأهمية تقارب الرؤيات الأخرى، أو أن الرؤيات الأخرى تنتهي إلى حدود هذه الرؤية .
بوسعنا التأكيد على أنّ الرؤية الجديدة«الرؤية إلى الخارج» وبحكم قيمتها الاستشرافية القريبة من الحلم بمعناه الرؤياوي تتحايث عميقاً مع مفهوم«الرؤيا»، التي تعني فيما تعنيه مضاعفة طاقة(الرؤية) بمنظورها البصري وشحنها وتوسيع مساحات عملها داخل بنية تشكيل العناصر السردية في النص، وكسر قشرة الطبقة الألسنية المغلقة على ذاتها في بنيوية النص السردي ونصوصيته، وفتح ممكناته النصية السوسيوثقافية على الخارج الثقافي والسعي إلى التأثير فيه ومساءلته، استناداً إلى أطروحات النقد الثقافي ومسائله وقضاياه، وهي تعمل هنا بمعية النقد الأدبي وليس على أنقاضه كما هي مقولة النقد الثقافي في إعلانها عن موت النقد الأدبي وإحلال النقد الثقافي محلّه(6) .
في احدى شهاداته الأدبية المهمة والثرية عن طبيعة تجربته الروائية يقول عبد الرحمن مجيد الربيعي في معرض تقديمه لتشكّل هذه(الرؤيا) الروائية منذ أول عمل روائي أنجزه«أقول لكم: إن كريم الناصري هذا كان نبوءتي وتوقعي المسبق للآتي، فالحلّ الذي اختاره بالسفر سيكون اختياري أنا، وغادرت مثله عام 1989 بحقيبة سفر واحدة وكثير من الأحلام هي التي جعلتني أعيش ولا أحتمي بالسكائر وزجاجات الشراب»(7)، وهو ما يندرج عميقاً في سياق اقتراحنا لمصطلح(الرواية الرائية) إذ تجسّدت رؤيا (كريم الناصري) الشخصية المركزية السيرذاتية في رواية «الوشم» في مغادرة البلد(العراق) عام 1989 بين زمن رواية(نحيب الرافدين) وبداية زمن رواية(هناك في فجّ الريح)، والبحث عن حياة أخرى وهواء آخر ومصير آخر كان يحلم بها الروائي والراوي والشخصية معاً .
على هذا الأساس لم تكتف قراءتنا وبحثنا هنا عند حدود رواية«نحيب الرافدين»، بل تجاوزت ذلك أيضاًفي الحدود التي تخدم فكرة البحث إلى الرواية اللاحقة لهذه الرواية والموسومة بـ«هناك في فجّ الريح» التي نشرها الربيعي بعد(نحيب الرافدين) بأشهر قليلة، وهي على صعيد التمثيل التاريخي والسيرذاتي الذي اشتغل عليه الربيعي في تجربته الروائية كلّها تعدّ مكمّلة لرحلة الربيعي في الذات الفردية والجمعية والزمن والمكان والرؤية والإنسان والطبيعة والأشياء .
إذ أن رواية«هناك في فجّ الريح» لا تكفّ هي الأخرى عن تمثيل سردي لرؤيا الكاتب في مواصله حلمه التخييلي في السرد، والواقعي في الحياة، للوصول إلى«الشاطئ الجديد»(8) الذي سبق له وان أطلقه لمراجعة السرد القصصي العربي المنطلق داخل هذا الفضاء، وهو يعكس في عتبة عنوانه رغبة السير نحو الشاطئ الجديد الذي اشتغل عليه طيلة مسيرته السردية والحيوية المضنية وصولاً إلى تحقيق الحلم .
فإذا كانت رواية(نحيب الرافدين) تنتهي في زمنها الحكائي مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية حيث مازال الربيعي مقيماً في العراق، فإن رواية(هناك في فجّ الريح) تبدأ ما بعد نهاية هذه الحرب حيث ينجح الربيعي في تحقيق حلمه بمغادرة البلد إلى تونس، كما هي نبوءة كريم الناصري المبكرة في رواية(الوشم)، لتجري أحداث الرواية كلها في تونس على النحو الذي يستكمل فيها الراوي صورة سردية وحياتية متواصلة من بغداد ما بعد الحرب وهو داخلها، إلى بغداد المحاصرة، وهو خارجها، بكلّ ما تعرّضت له من خراب ودمار مادي وروحي وفني وجمالي، ومن الرؤية من داخل المكان في محنته وأزمته واحتراقه في(نحيب الرافدين) إلى الرؤية من الخارج في غربته وحزنه وحرمانه في(هناك في فجّ الريح)، وصولاً إلى تحقيق«الرؤية إلى الخارج» التي تسهم في تشكيل«الرواية الرائية»، وهي تنقل وتصوّر وتمثل وتحكي وتستشرف بخطاب روائي ساخن تتلاحم فيه اللغة مع الصنعة، السيرذاتي مع الواقعي، الرؤية مع الرؤيا، في نسيج سردي متماسك وحيوي ومنتج .
إن طاقة الرؤية/الرؤيا عند السارد غالباً ما تعمل بأعلى كفاءتها وذلك لوجود عدّة عمل سردية كافية ومكتملة ومشرعة على الدوام عنده، فهو يستثمرها ويشغّلها برغبة واغراء وخصب من أجل بلوغ هذه المرحلة الرائية في السرد الروائي، إذ يشير الربيعي في مقدمة كتابه السيرذاتي«أية حياة هي؟سيرة البدايات» ما يمكن أن يندرج في هذا السياق قائلاً«إن حظ السارد وفرصته في تحرير ما عاشه ورآه من خلال نصوصه أكبر من المساحة المتاحة لمبدعين في مجالات أخرى»(9)، على أساس أن الحكي هو مهنة السارد وهو أقدر من غيره على التفنن بها والتصرّف بعناصرها وتشكيل رؤياتها .
من هنا يمكن أن تتأكد أطروحتنا في النظر إلى الروائي الرائي الذي تدفعه رؤيته النافذة القادرة على قراءة المستقبل إلى الكتابة داخل هذا الفضاء، والرواية الرائية التي يكون بوسعها الإجابة على أسئلة الرؤيا التي تتأسس فيها فلسفة الروائي ومقولته وحساسيته، على النحو الذي لا تكتفي الرواية فيه بأن تكون شاهداً على العصر، بل أن تتحوّل إلى رائية للمستقبل، ويتحوّل أفق التوقّع عند الروائي(قبل القارئ) إلى قراءة الآتي بدلالة الراهن، ولاسيما حين تحيل الرواية على مرجعيات راسخة يتحقق أعلى تمثيل سردي ممكن لها داخل فضاء السرد الروائي، بحيث تكون الرواية هنا جسر تواصل بين زمنين وحالين وسردين ورؤيتين .
ـ مدخل مفهومي:
بالرغم من أن الرواية اشتغلت على استثمار طاقة المكنون السيرذاتي أقصى استثمار في حدود التداخل الإجناسي المعلن بين السيرة الذاتية والرواية، إلا أن وعي التشكيل عند روائي خبير مثل الربيعي نأى بالرواية عن مغبة الانسحاق تحت وطأة الإغراء السيرذاتي في الإلحاح على الواقعة إلحاحاً تسجيلياً طاغياً، ودفع الروائي نحو تمثل أدوات اللعب السردي الروائي والاشتغال عليها ضمن الحدود الدقيقة التي تبقي الخيط السيرذاتي موازياً للخيط الروائي في تفعيل أدوات التشكيل السردي وتوجيه محرّكاتها .
ومع أن الرواية خطاب سردي إبداعي كما هو معروف إلا أنها يجب أن تنطوي على رؤية حجاجية حالها حال أيّ خطاب معرفي آخر، فجودة الرواية كما يرى البيريس«تقوم، ولا شك على قوة الرؤية التي تقدّمها وإقناعها»(10)، لأن عالم الرواية وفضاءها عالم واسع ومتشعّب ومتطور بشبكته المتداخلة والمتعاضدة العالية الخصب والثراء من المكونات والعناصر والأدوات والمرجعيات، فإذا افتقرت إلى قوة الرؤية وضعف الحجاج للدفاع عن مقولتها وفلسفتها فإنها تصطدم بمجتمع قراءة يرفضها ويتخلى عن رعايتها .
الرواية على وفق هذا الفضاء الرؤيوي لا تتحدّد بسماتها الشكلية بقدر ما تتحدد بمداليلها وقيمها المرجعية، المرتبطة عادة بفكرة التخييل(11)، ولا تتحقق قوّة حضورها في مجتمع القراءة إلا بتحقيق أكبر قدر ممكن من التوازن بين التشكيل والتعبير، على النحو الذي يعكس تماسكاً نصيّاً يذهب بخطاب الرواية إلى أعلى درجات التأثير والفعل .
تتسّم الرواية مثل جلّ أعمال الربيعي السردية بالتدقيق الشديد في التفاصيل، وهي خاصية سردية سيرذاتية بالدرجة الأولى، تمظهرت بأعلى درجات حساسيتها في كتابه السيرذاتي«أية حياة هي»(12)، وتشغل في روايته«نحيب الرافدين» مساحة واسعة وعريضة ولاسيما على صعيد تمثيل العلاقات بين الشخصيات، وتصوير الأمكنة، وتلمّس الحالات الباطنية العميقة لإشكالية ترتيب العلاقة بين الداخل الشعوري والخارج السلوكي، وقد حظيت الشخصية المركزية«غسان العامري» بالقدر الأكبر من الاستجابة الروحية لهذه السمة التفاصيلية في إقامة بيتها السردي المنقسم بين السيري والروائي .
السمة التشكيلية الأخرى التي اشتغلت عليها الرواية بوضوح هي مسرحة الحدث السيرذاتي الروائي، من خلال هيمنة روحية العرض السردي على الحدث الكبير والأحداث الصغيرة، وبوساطة عنصر الحوار وقد تمخّض بالكثير من الفعالية الدرامية التي تقود إلى مسرحة الحدث السردي وتعضيد رؤيته في هذا الاتجاه .
يمكن النظر إلى رواية«نحيب الرافدين» بوصفها خطاباً جمالياً وإيديولوجياً وثقافياً موجّهاً يمثّل شهادة سردية للحرب، وهذه الشهادة هي شهادة إبداعية تنأى عن الشعاري والصوت العالي والمبالغة الوصفية ذات الطبيعة التحريضية، إذ تتكشّف في الرواية عن هدوء متميّز وخاص ونوعي يبدأ من الجزئيات والتفاصيل والحراك الوجداني الداخلي، ويتحرّك باتجاه تمثيل الخاص في العام، والهامش في المركز، والنوعي في العادي، والمكبوت في الصريح، والغائب في الحاضر، والفردي في الجمعي، والسيري في التاريخي، والمكاني في الزمني، على نحو متداخل ومشتبك ومنفتح ومتدفق وموحٍ .
إنها شهادة استثنائية يتعرّف القارئ بدلالتها على مناخ الفضاء العراقي زمن الحرب بدقة حكائية لا سبيل إلى إغفالها، وعلى الرغم من أنها تمثّل وجهة نظر الروائي في الأحداث، وهي وجهة نظر خاصة في الأحوال كلّها، غير أن القارئ بوسعه أن يقرأها قراءته الخاصة المستندة إلى معرفته وثقافته ورؤيته، وهو غير ملزمبطبيعة الحالبوجهة نطر الروائي الخارج نصية ذات الموجّهات الخاصة، لكنّ معايشته للعمل الروائي بتفاصيله وحيثياته وتخومه وجيوبه والماحاته وتقولاته وإيحاءاته، ستجعله يتواصل مع رؤية الروائي ويتفاعل معها حتى وإن خالف معطياتها التاريخية وضروراتها السيرذاتية بأي شكل من الإشكال .
الشخصيات: الرؤية وفلسفة التشكيل
حفلت رواية«نحيب الرافدين» بشبكة واسعة من الشخصيات التي كوّنت الحدث الروائي وشغّلت عناصر تشكيله، وتتنوّع شخصيات الرواية بين شخصيات ظهرت بأسمائها الواقعية في منطقة المرجعية الواقعية المعروفة في الساحة الثقافية العراقية والعربية إبان الثمانينيات، وبأسماء أخرى استبدل بها الروائي أسماء أخرى تحيل على الأسماء الواقعية من خلال طبيعة الشخصية وأصوات الحروف المكوّنة لاسمها .
إنّ قضية أسماء الشخصيات من حيث أصولها السيرذاتية ومرجعيتها الواقعية وطبيعتها وجدوى استبدالها، تبقى اختياراً تأليفياً من الصعب التدخّل فيه نقدياً، وهو يرتبط عند الكاتب برؤية تفرضها طبيعة الرواية وطبيعة الظروف الأخرى المتنوعة المحيطة بها، فأسماء الشخصيات الروائية تمثّل«علامة سيميائية تتحدد دلالتها ومقاصدها عبر السياقات النصيّة والذهنية، وذلك ضمن علاقات نصيّة بنيوية تفاعلية قائمة على التقابل والاختلاف والاستبدال ، ويقوم اسم العلم بدور تمييزي للشخصية داخل المسار السردي والحكائي»(13)، على النحو الذي يكون له بالغ الأثر على مسيرة الرواية ومستقبلها الحكائي والفني والجمالي .
ربما تعدّ إشكالية بناء الشخصية في العمل الروائي بوصفها عنصراً مركزياً من عناصره من أخطر إشكاليات الرواية وأهم قضاياها، وذلك لطبيعة العلاقة الشائكة بين الشخص الحيّ في الحياة والشخصية الورقية في متخيّل الرواية، إذ يميل القرّاء عادة وبكل أطيافهم إلى إيجاد معادل ما بين شخصيات الرواية وشخوص معينة في الواقع، لذا نجد الكثير من الروائيين تحسباً لهذا الاحتمال يضعون إشارة في مطالع رواياتهم تقول بأن أيّ تشابه بين شخصيات الرواية وشخوص معينة في الواقع هي من باب المصادفة المحض، تنزيهاً لشخصيات رواياته المتخيّلة من مغبّة الوقوع في شرك مقارنتها مع شخوص واقعية بعينها .
وعلى هذا يمكننا القول مع معظم منظّري السرديات«إن قضية الشخصية هي قبل كلّ شيء قضية لسانية، فالشخصية لا وجود لها خارج الكلمات لأنها ليست سوى «كائنات من ورق» ومع ذلك فإن رفض وجود أية علاقة بين الشخصية والشخص يصبح أمراً لا معنى له، وذلك أن الشخصيات تمثل الأشخاص فعلاً ولكن ذلك طبقاً لصياغات خاصة بالتخييل»(14)، إذ تتجسّد الإشكالية في أعلى مراتبها هنا بين تخييلية الشخصيات الروائية من جهة، وتمثلاتها الواقعية في شخوص مشابهين على أرض الواقع من جهة أخرى .
وربما تكون شخصيات الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي من أكثر الروائيين العرب قرباً من شخوص الواقع الحيّ وتمثيلاً لهم، وهو على وعي تام بهذه الحقيقية التي تشكّل لديه رؤية كتابية مخصوصة اشتغل عليها في جلّ رواياته، لذا هو يقول:«لا آتي بشخصياتي من المريخ ولا من سنغافورة، بل آتي بها من بين الناس الذين عرفتهم وأحسست أن لهم أدوارهم المنفردة التي لا تذوب في روح القطيع»(15)، بمعنى أنه ينتخب شخصياته من الواقع بكل حرارته وحيويته وسلطته، ويسعى في عملية الانتخاب هذه إلى إلفات النظر نحو شخصيات بعينها يمكنها أن تسهم عميقاً وواسعاً في الإجابة على أسئلة رواياته .
إنّ الربيعي يصرّح بآليات تشكيل شخصياته الروائية كاشفاً عن مرجعيتهم الواقعية على النحو الذي يضاعف من قوّة الإشكالية بين الشخصية المتخيلة والشخص الواقعي بقوله:«عند كتابتي لروايتي «خطوط الطول …. خطوط العرض» أقدمت على إنجاز توليفة من شاعرين تونسيين نقاط الاختلاف بين شخصيتيهما وشعرهما أكثر من نقاط التلاقي هما منصف المزغني وخالد النجار، لتأتي شخصية عمر الماجري في الرواية، وكل منهما على علم بما فعلت ويعرف أين هو وأين الآخر؟ ثم أين كمية(المتخيّل السردي) في شخصيتيهما»(16)، وهو ما يشي بأن كمية الواقعي وكمية المتخيّل إنما تخضع لطبيعة التجربة وحساسيتها ورؤيتها، ودرجة حضور المرجعيات الواقعية في لامتن الروائي التخييلي.
ومما يحيل على قوّة حضور شخصية الربيعي نفسه في رواياته تأكيده على تمثيل شخصيته الواقعية في متخيله الروائي، فهو يقول:«في رواياتي لم أستطع أن أعزل نفسي عن مؤثرين أساسيين يشكلان العمود الفقري لتقنيتها وهما الرسم والشعر»(17)، إذ ظلّت شخصية الرسّام وشخصية الشاعر ماثلتين في رواياته ولاسيما روايتيه الأخيرتين«نحيب الرافدين» و«هناك في فجّ الريح»إذ تظهر شخصية غسّان العامري في«نحيب الرافدين» بهوية شاعر يهوى الرسم على نحو ما، وشخصية حسّان الزيدي رسّام يهوى الشعر على نحو ما في رواية «هناك في فجّ الريح»، وهما الشخصيتان القريبتان جداً من شخصية الربيعي .
كما أن أصدقاءه الحميمين الذين أشار إليهم في كتابه(من سيرة تلك الأيام) كانوا هم أبطال روايته(نحيب الرافدين)، وقد استبدل بأسماء بعضهم الحقيقية أخرى روائية قريبة بعض الشيء من أسمائهم الحقيقية المعروفة جداً في الوسط الثقافي العراقي والعربي، فيما أبقى على أسماء آخرين منهم بأسمائهم الحقيقية في الواقع، وذلك لضرورات سردية يقدرها الكاتب نفسه، فأسماء حقيقية مثل «عوني الديري، وهو(كاتب لبناني يقيم في بغداد، ومن أقرب الأصدقاء إلى قلبي)، وكذلك ماجد السامرائي، غازي العبادي، حاتم الصكر، إضافة إلى سجعان سجعان(أبو ريتا) صاحب «كافتريا المنصور» مأوانا وملتقانا في بغداد، وغيرهم»(18)، تمثلت شخصياته في الرواية على نحو كثيف ومشتبك .
ويقف في مقدمة هذه الشخصيات في الرواية شخصية «عدنان العزيزي» حيث تشير الأسانيد والقرائن السيرية الكثيفة على أنه «غازي العبادي»، وحيث يقوم الراوي كلي العلم بوصفه وصفاً دقيقاً يحيل تماماً على العبادي:
«كان من عادة عدنان العزيزي أن يمرّ به كلّ صباح ويقف سيارته «الفولكس واغن» الزرقاء تحت العمارة، ويطلق صوت منبهها بالضغط عليه ثلاث مرّات فيطلّ من النافذة العلوية ويؤشّر له بيده ينتظره. وكان عدنان العزيزي يمضي دقائق الانتظار في المكتبة الصغيرة متحدّثاً مع صاحبها العجوز حتى يحضر غسّان لتبدأ جولتهما اليومية. لم يكن بمقدور عدنان العزيزي صعود الطوابق الثلاثة حيث شقّة صاحبه، لقد خانه قلبه، ضعف وانغلقت شرايينه التي تحمل الدم منه، وكادت تلك النوبة تقضي عليه.لذا لم يعد بمقدوره التحرّك إلاّ وعلبة الدواء معه ليسعف بها قلبه كلّما أحسّ باضطرابه. كان عدنان العزيزي طيّباً مثل ناقة، صادقاً مثل الصبر، صافياً مثل النبيذ، وعندما يسمع صوت منبّه سيارتهيحسّ غسّان بأنه ليس وحيدا في هذه المدينة المنكوبة بالحرب والخوف، وأنّ هناك من يسأل عنه ويهتمّ به».(19)
إذ إن كل المعلومات التي أدلى بها الراوي عن شخصية عدنان العزيزي تنتمي في الواقع انتماءً حاسماً إلى شخصية غازي العبادي، وهو ما ينطبق على كلّ الشخصيات الأخرى التي اشتغلت عليها رواية(نحيب الرافدين)، إذ هي رواية شخصيات وحدث مركزي تؤثثه هذه الشخصيات بالحكايات والأحداث وتستجيب لمعطياته وآفاق تشكّله .
ثمة علاقة لصيقة بين الشخصية المحورية(غسّان العامري) والمكان الذي يتمظهر تمظهرات شتّى، من المكان الحيّز وهو«بيت الضبع» الشقة التي عاش فيها غسّان بعد هجره لبيت الزوجية، إذ الرواية تبدأ من الشقة وتنتهي بها، وثمة مكان آخر يحويها أشمل وأكبر هو العمارة التي لا تحظى بأهمية كبيرة سوى احتوائها على جمهرة من المصريين، وقد حوّلوا المكان إلى مكان مصري على كل المستويات، ويحيط بهذا المكان مكان أوسع وأكثر انفتاحاً هو المدينة «بغداد» التي ترسم جزءاً مهماً من السياسة السردية للرواية .
تقدّم الرواية على صعيد تجسيد زخم حضور الشخصيات في الرواية الكثير من الشخصيات، التي غالباً ما ترد بأسمائها الحقيقية الواقعية حين لا تكون من الشخصيات الفاعلة والمستمرة الحضور في المتن الروائي للرواية، ليكشف من خلالها تفصيلاً حيوياً من تفصيلات الرواية يرغب الراوي في الإشارة إليه أو تكريسه:
«وبعد ضجيج «الأسواق المركزية» يتوجّه إلى مكتبة «الرفيف»، وهي عبارة عن كشك وضعه أحد كبار ممثّلي المسرح والتلفزيون في مدخل كراج السيارات الذي يشغل المساحة الفارغة أمام مدرسة الموسيقى والباليه . لقد اضطر هذا الممثل المرموق لإنشاء هذا الكشك الذي تعمل فيه زوجته فترة ما بعد الظهر، أما الممثل واسمه مقداد عبد الرضا فكان يقوم بالمهمة مساءً».
ومرة سأله غسّان العامري:
«من أين جئت بهذا الاسم الجميل الرفيف؟ هو اسم ديوان شعر أكثر منه اسم لكشك بيع صحف موزّع في فسحة تلعب بها الريّح الترابية شتاءً وصيفاً.
وردّ عليه مقداد وهو يخوص إحدى عينيه فكأنه يؤدي دوراً في مسرحية:
إنه رفيف قلبي، ثمّ والأهم إنه اسم ابنتي.
وكان عدنان يعلق:
هذا بلدك! ممثل كبير يفتح كشكاً للصحف وأدباء معروفون يحوّلون سيّاراتهم الخاصة إلى سيّارات تاكسي، أيّة فجيعة هذه؟!
إنها الحرب لقد قلبت كل شيء. وما هذه إلا البداية والآتي أعظم».(20)
إن شخصية(مقداد عبد الرضا) هي شخصية ممثل معروف ومشهور جداً في المسرح والتلفزيون والسينما العراقية، والحادثة التي يرويها الراوي بمعية تقديم الشخصية هي رواية واقعية معروفة في الحياة العراقية إبان الحرب، وتمثل روايتها بهذه الطريقة تكريساً للحالة المأساوية التي آلت إليها الأوضاع في العراق، مضافاً إليه«وأدباء معروفون يحوّلون سيّاراتهم الخاصة إلى سيّارات تاكسي» وصولاً إلى«أيّة فجيعة هذه؟!»، غير أن الإجابة ما تلبث أن تأتي مباشرة على لسان الممثل عبد الرضا«إنها الحرب لقد قلبت كل شيء.»، مشفوعة برؤية رائية تحدس ما سيكون عليه الحال من فجيعة أكبر«وما هذه إلا البداية والآتي أعظم.»، على النحو الذي يسهم في تحقيق جزء من رؤيا الراوي وهو يحشد بكثافة هائلة شبكة متنوعة ومتعددة وشاسعة من الشخصيات المسمّاة والمرمّزة لتشكيل رؤياه في الرواية .
وتحتلّ شخصية «أبو ريتا» الواقعية صاحب كافتيريا المنصور اللبناني الأصل حضوراً لافتاً ومميزاً في الرواية، ولاسيما في بداياتها قبل أن يرحل فعلاً إلى أميركا، وكانت هذه الكافيتريا ملاذاً محببا للراوي وشخصياته الأثيرة :
«وأبو ريتا الذي كان مهتماً بمحلّه ورائحة زبائنه إلى أقصى الحدود لم يفعل هذا كلّه إلا من أجل راحة طفلتيه اللتين هما ثمرة زواج متأخر.. لقد وضع الكبيرة في مدرسة خاصة، ويدفع أجورها بالدولار، ورغم أنها لم تبلغ الثامنة من عمرها إلا أنها أصبحت عازفة بيانو ماهرة ، وقد اشترى لها آلة بيانو من دبلوماسي غادر العراق وجاءها بأستاذة لتعلمها العزف، ولها أستاذة أخرى تعلّمها الرسم، وكم تكبر فرحته عندما تعزف على البيانو أمام أصدقائه المقرّبين أو تريهم رسومها، كانت لحيته البيضاء ترتعش فرحاً وتعبق فتوّة نادرة من دكنة عينيه الثاقبة النظرات .وغالباً ما كان يصطحب إحداهما إلى الكافتريا أو يصحبهما معاً، يحمل الصغرى فتدسّ وجهها في كتفه، أما الكبرى فتمسك بيده. وكان بوجهه الملتحي وملابسه التي يختارها غالباً بيضاء، يبدو وكأنه خارج من كتب أسفار
قديمة».(21)
إن هذا المقطع الوصفي لشخصية أبو ريتا وابنتيه هو وصف حقيقي واقعي للشخصية في الواقع والسرد معاً، وقد أتى الربيعي على ذكر هذه الشخصية وتفصيلات من حياتها في الكثير مما كتب خارج الرواية ولاسيما في«الخروج من بيت الطاعة» و«من ذاكرة تلك الأيام»، على النحو الذي نستدّل فيه على أن عملية المزج العالي بين الواقعي والسيرذاتي جاءت في أعلى درجاتها عند عبد الرحمن مجيد الربيعي في«نحيب الرافدين»، إذ على الرغم من أنه ينثر بعضاً من كِسَرِه أو إلماحاته أو حكاياته السيرذاتية في رواياته السابقة بقصدية عالية، إلا أنه في هذه الرواية يذهب بعيداً في تمتين أواصر التداخل والتواصل بين السيرذاتي(الواقعي) المهيمن والروائي المتخيّل، على النحو الذي يمكن وصفها فيه بأنها أفضل نموذج يحقق شروط«الرواية السيرذاتية» على الأصعدة كافة .
وفي السياق ذاته يقدّم نموذجاً آخر من نماذج الشخصيات التي أظهرتها الحرب وأبرزتها على نحو مفاجئ وغريب يشبه الأساطير:
«كان سهيل صبري قصيراً، جاحظ العينين، تحوّلت مكرمات قصائده الطائلة إلى أكثر من
عمارة ومعمل للنجارة ومعرض للموبيليا ومشاريع أخرى . وعندما سمع غسّان بهذا قال
لمعن الماجد في وقتها : إنها أغلى قصائد في تاريخ العالم ، هي عشر قصائد أو أكثر
بقليل بحيث لا تشكّل ديواناً ولا كرّاساً صغيراً يبلغ حصادها أكثر من مليون دينار وأسطول
من سيارات المرسيدس والسوبر إضافة إلى البيوت والمزارع».(22)
إن شخصية سهيل صبري هي شخصية معروفة جداً في الوسط الثقافي في الزمن الحكائي لرواية وهو زمن الحرب، وثمة حكايات تقترب فعلاً من الأساطير حيكت حول هذه الشخصية وكانت تتردد على ألسنة الأدباء والمثقفين في ذلك الزمن، وقد التقط الرواية بعض هذه الحكايات التي كان هو شاهد عليها تضاعف من أسطورية الشخصية وتعزز الرؤية المعروفة والمتداولة عنها بقوّة ووضوح، وهذه الشخصية لا تحتاج إلى كبير عناء لمعرفتها إذ أن القرائن الكثيرة التي حملتها الرواية عنها تشير بوضوح كبير على أنها شخصية«لؤي حقي»، الشاعر الذي كان قريباً من السلطة وتمتّع بنفوذ تجاوز أحياناً نفوذ الوزراء .
ولا ينسى الراوي في خضمّ اهتمامه الواسع والكبير بضخّ الشخصيات في متن الرواية واستقدامها من حرارة الواقع الحكائي للرواية، أن يستظهر شخصيات مدينته(الناصرية) بوصفها المدينة الأم التي سخّر لها جهداً سردياً هائلاً في قصصه وروايته، حتى صارت مرجعية أصيلة لا يمكن للروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي العيش سردياً من دونها:
«مقهى التجار مازال هذا ماثلاً في المدينة، وكان غسّان العامري وكذلك عبّاس السيّد وعزيز عبد الصاحبوأحمد الباقري وقيس لفتة مراد وعبدالرزاق رشيد ومحسن الخفاجي وحسين الهلالي وغيرهم من أدباء المدينة من روّاده، حيث ينزوون على تخوته العريقة المفروشة بالسجّاد ليشربوا الشاي الساخن ويقلبوا الدنيا بأحلامهم التي لا تعرف الحدود».(23)
«إن«مقهى التجّار» هي المرتكز المكاني الذي يجمع هذه الشخصيات، التي حضر قسم منها بأسماء سردية مستعارة مثل الراوي«غسّان العامري» و«عباس السيّد» الذي هو الكاتب المعروف عزيز السيد جاسم، وأسماء حقيقية واقعية هي«عزيز عبد الصاحب وأحمد الباقري وقيس لفتة مراد وعبد الرزاق رشيد ومحسن الخفاجي وحسين الهلالي»، وكلهم أدباء وفنانون معروفون في الوسط الثقافي الناصري والعراقي أيضاً».
آلية الاستعراض السردي:
تتميّز رواية«نحيب الرافدين» بتشغيل آلية سينمائية بأكثر من كاميرا حساسة، تقوم أساساً على فعالية ورحابة ما يمكن أن نصطلح عليه هنا بـ(الاستعراض السردي)، الذي يعتمد على فتح الحادثة الروائية على جهاتها كلّها والسماح لكلّ ما هو متاح من الصور والأفكار والقيم والحالات والتفاصيل والحوادث الصغيرة وغيرها، لولوج عالم الرواية وفضائها والاستقرار في طبقاتها والعمل ضمن محاورها وسياسات تشكيلها .
تشتغل آلية الاستعراض السردي في الرواية على التنقّل بين مجموعة كبيرة جداً من الأحداث والمشاهد واللقطات والحركات السردية، بحيث يوجد فيها حدث روائي مركزي يقوم على حكاية نمطية واحدة تتفرّع عنها مجموعة حكايات، ففعاليات الاستعراض السردي تصوّر وتحكي وتصف وتنقل وتحيل في السبيل إلى إنشاء العمارة الروائية المطلوبة، أما حين تسعى القراءة إلى تعيين صورة الحدث الكبرى في الرواية فستصل أولاً إلى الاقتناع بأن حدثها السيرذاتي هو الحرب، وما تعكسه هذه الحرب من حكايات وتجارب وأفعال شخصية تتحرّك داخل الشخصية الرئيسة«غسّان العامري» وخارجها، فضلاً عن المحيط السردي المتعلّق بالمكان وما يشتمل عليه المكان من حدود وطبقات وتموّجات .
تعرّض السرد الروائي في هذه الرواية لعمليات ضخّ واسعة وعميقة وعالية القصدية بالروح الشعبي الآني والميراثي/ الأمثال/ النكت/الأقوال/ الكلام الشعبي العامي وغيرها، وربما بدت أحياناً أكثر من حاجة المقولة السردية في الرواية، لكنه اضطلعت بوظائف جمّة من غير وظيفتها المرجعية وما تقدّمه من فوائد على صعيد تمثيل المكان والزمن وتراث الشخصية، إذ أسهمت في فضاء السخرية المرّة التي لم تكن سوى سبيل لقهر حالة الحرمان والضياع والتشتت والفقدان والتشيؤ التي كانت تعيشها شخصيات الرواية، على النحو الذي تحقق فيه نوع من التعادل النفسي بين واقع الشخصيات السردية وحلمها وتطلّعها .
أدّى توظيف الشائع من الحكايات الشعبية التي كان العراقيون يرددونها قدراً عالياً من الدينامية في تسيير أحداث الرواية وإدامة فعالياتها، وعلى الرغم من أن هذه الحكايات تراوحت بين الصحيح منها والموضوع والمتخيّل، إلا أنها فعّلت حساسية الذاكرة الشعبية بكلّ قوّة أدائها وصوغ حكاياتها ذات القوة التداولية العالية في زمن السرية والخوف، وجاء عرض واستعادة وتأليف هذه الحكايات نوعاً من(الترفيه السردي) حين يكون الكلام بأعلى درجات سخريته وسيلة وحيدة للانتقام من رداءة الحال والقهر والخذلان.
واتسّم القول السردي بإثقال مفاصل الرواية وطبقاتها بإشاعة الحسّ الإيروسي بشكله الساخر والمقصود، والشكل الساخر له وظيفته كما أن الشكل المقصود له وظيفته أيضاً، وثمة سعي في الرواية نحو أداء مشترك للوظيفتين معاً، وظيفة القصدية التي تجتهد في التعبير عن طغيان الحرمان الجنسي بحكم القهر النفسي والإذلال الروحي، ووظيفة السخرية التي تتطلّبها الحال السردية للشخصيات المصمتة التي لا تجد سبيلاً للبوح والتنفيس سوى اللجوء إلى النكتة الفاحشة ذات الطبيعة الإيروسية كنوع من الانتقام من الأعراف والمواضعات، مما يشكّل علامة سيميائية ورمزية للانتقام من الوضع السياسي القاهر والضاغط .
تميّزت رواية(نحيب الرافدين) بتماثل وحضور عناصر القصّ الرئيسة المتمثلة بالسرد والحوار والوصف على نحو متوازن، وحسب استجابة كل عنصر لمتطلبات التجربة واشتراطاتها وحاجاتها الفنية والجمالية والموضوعية، وهي عملية غاية في الدقّة وتتصل اتصالاً وثيقاً بالصنعة الروائية ومستلزماتها، ولاشك في أنّ الربيعي بتجربته الثرة في ميدان العمل السردي والثقافي وخبرته العميقة في حساسية الكتابة جعلته يدرك تمام الإدراك أنّ«الإتقان علامة من علامات جمال الكتابة الروائية»(15)، ومن دون هذا الإتقان تظلّ الرواية ناقصة ولا يمكنها أن تحقق النجاح المطلوب في مجتمع القراءة .
الراوي كلي العلم قريب جداً من شخصية غسّان إلى الدرجة التي يلتحم فيها مع الشخصية هذا من جهة توغّل الراوي في معمعة السرد، وهو قريب من المؤلّف من جهة انفتاح الراوي على الخارج الواقعي السيرذاتي الذي يرويه، وعبر هذين الجناحين المتشابكين والمتضافرين تتشكّل اللعبة الأصل للعمل السردي في الرواية .
لذا فإن التشكيل السردي في الرواية يأخذ مجاله في الحراك والعمل والبناء من الجناحين كليهما، حيث تأتي المشاهد السردية في الرواية مشحونة بكُتَل حكائية متنوعة ومتداخلة بين الذاكرة والراهن والحلم، وهي تستقبل حركية المشهد وديناميته وحيويته .
في المشهد الآتي يستعرض الراوي صورة من صور هذا المجال المشهدي على هذا النحو الملتئم والنشيط والمتنامي، ويبدأ بتصوير العالم الداخلي للشخصية في فعالية مركزية من فعاليات حواره الفردي تحت ضغط سلطة الكاميرا الداخلية المصوّرة:
قتل الذاكرة.
كانت هذه الجملة تعيش مثل تمتمة مبهمة يردّدها غسّان مراراً كلّ يوم منذ أن سمعها من منعم البصري . ويحاول أن يتلاعب بها فيجعلها مرّة«اغتيال الذاكرة»أو «إعدامالذاكرة» ولكنه يعود إليها من جديد لأن أذنه استساغت سماعها هكذا.
إذ بالرغم من أن المشهد يبدأ بداية اسمية ساكنه أشبه بالعنوان«قتل الذاكرة»، غير أن الجملة التي تشرع بعد ذلك ببناء المشهد تنفتح على حراك سردي دائب«كانت هذه الجملة تعيش مثل تمتمة مبهمة يردّدها غسّان مراراً كلّ يوم»، وكأنها مقطوعة قصصية شبه متكاملة فيها الحدث والزمن والمكان والشخصية والرؤية، تنطوي على مقولة بالغة الأهمية في سياق الأطروحة الأساسية التي تشتغل عليها الرواية أساساً، وتتعلّق بـ «الذاكرة» بوصفها تمثيلاً حياً من تمثيلات السرد الروائي حين تتعرّض للتنصيص.
ثم تتوجّه كاميرا السرد نحو الشخصية بصفتها الاجتماعية(الزمكانية) داخل فضاء الحادثة الروائية الأليمة التي تشتغل عليها الرواية:
ها هو غسّان العامري مواطن من هذا البلد، من تلك المدينة، من تلك القرية الغرّافية
«أبو هاون». ها هو يرفل بثياب الحداد، حداد القلب، حداد الوطن، حداد الأهل .
يتعذّر بكآبة لا تنفرج أمامها أبواب سماء، كآبة مزمنة كوباء، منسحب من كلّ ما
حوله، باك من كلّ ما حوله .
الإشارة التصويرية تبدأ بالتوجّه نحن الشخصية«ها هو غسّان العامري»، ومن ثمّ يتواصل التعريف به على طبقات عديدة من الأوسع المكاني باتجاه الأضيق، فهو أولاً«من هذا البلد»، المحيط المكاني الحاوي لكلّ شيء، ثم تصغر دائرة المحيط المكاني درجة أقلّ«من تلك المدينة»، ثم ما تلبث أن تصغر أكثر مع نوع من التسمية والتحديد«من تلك القرية الغرّافية «أبو هاون»»، حيث تتشكّل الصورة من البلد إلى المدينة إلى القرية إلى الشخصية .
تنطلق بعدها إشارة ثانية «ها هو يرفل» بالمستوى نفسه والسياق نفسه، إذ تنفتح الإشارة على المحيط الدلالي العام والمهيمن«بثياب الحداد»، وهي تتوزّع على المحيطات التي تحيط بالشخصية بقوّة«حداد القلب، حداد الوطن، حداد الأهل»، من الذات العميقة إلى الذات الوجودية الظاهرة إلى الذات الأسرية، في صياغة ذات طبيعة سردية هندسية تعكس آلية الاستعراض السردي على أمثل صورة .
الذاكرة تقدّم نفسها بوصفها مرجعية وجدانية وإنسانية وسردية عميقة وحاوية وضامّة لا تترك شيئاً، فهي بالرغم مما يحيط بالشخصية من مآسٍ وفقدانات وخسائر إلا أنها تشتغل بأعلى طاقتها على أكثر من مستوى، فهي متّقدة ومتحفزة ورائية:
لكنّ المتّقد فيه ذاكرته، والمشتعل فيه حروف قصائده، كلّ شيء بإمكانهم أن ينهوه
إلا هذه الذاكرة، هي التي ترى وتخزن ما تراه لا تهمل حتى تفاصيل التفاصيل .
إذاً هي الرصيد العاطفي والإنساني الذي لا يمكن أن ينفد، فهي دائم التوقّد والعمل والإنتاج، وهي المثيرة للإبداع والفن والجمال، وهي عنوان الصمود في وجه القتل والنسيان والتغييب والمصادرة، وهي الخزين المضمون الرائي«التي ترى»، وتبقى قادرة على حفظ أدق التفاصيل وأندرها وأكثرها قدرة على النموّ والاستمرار والدفاع عن الوجود .
إن هذه الذاكرة المستنفرة دائماً تستخدم سينما عارضة تستعيد فيها صوراً ومشاهد ولقطات منتخبة ومقصودة، من أجل استغلالها في عملية السرد السيرذاتي الروائي داخل حلبة آلية الاستعراض السردي التي تجري على قدم وساق تحت رعاية الراوي، وهو يسعى إلى تحويل حياة السرد وسرد الحياة إلى سينما تعمل فيها الكاميرا الذاكراتية بأعلى كفاءة وقدرة وإحاطة وشمول وتفاصيلية وقصدية:
إنه يستعرض سنوات التعب كأنها ماثلة في عرض سينمائي لم يتوقّف، عرض ليس هو المشاهد فيه بل والممثل والمخرج والمنتج وكاتب القصة كأنه أبو السعود الأبياري ذلك السينمائي المصري الذي عرف أيام السينما الأبيض والأسود إذ يردد اسمه بصيغة «قصّة وسيناريو وحوار وإخراج وإنتاج أبو السعود الأبياري» وتساءل أين هو؟ ولماذا لميعد أحد يتذكّره؟ فهل مات أبو السعود الأبياري؟
لقد أطلقوا اسمه على عزيز عبد الصاحب عندما ألّف وأخرج ومثّل إحدى المسرحيات..
في الناصرية، وقد زعل عندما انطلقت الدعابة للمرة الأولى من أحمد الباقري، وكانوا
يحيطون بطاولتهم المنزوية في مقهى التجّار التي وضعوا فوقها كتبهم وجرائدهم
وأوراقهم ومشاريع قصصهم وقصائدهم إضافة إلى استكانات الشاي العراقي الساخن
الذي كانت كلّ رشفة منه تبعد الخدر عن الرأس وكذلك بقايا عرق الماستكي التي
يكرعونها في الليل في بيت أحدهم أو فوق الرمل على شاطئ الفرات. وأحياناً عندما
تعمر الجيوب في نادي الموظفين. تلك كانت سنوات الأحلام رغم أنهم شبّان مفلسون
من الطراز الذي لا مثيل له إلا أنّ ثراءهم كان بأحلامهم .(24)
هنا تختلط السينما بالواقع، والسيرة بالحكاية، والذاكرة بالراهن السردي بالحلم، والمكان بالزمن، فضلاً على الحضور الساخن للشخصيات ذوات الطبيعة السيرذاتية الواقعية وهي تحيل على حساسية الاستعراض السردي الحميم، حيث تتشكّل منه رؤية الرائي الكليّة«إنه يستعرض سنوات التعب كأنها ماثلة في عرض سينمائي لم يتوقّف، عرض ليس هو المشاهد فيه بل والممثل والمخرج والمنتج وكاتب القصة»، إذ إنّ آلية العرض التي تعكس اهتمام الراوي بالسينما وولعه بها تتدخل هنا تدخلاً سافراً في تشكيل مشاهد ولقطات الحادثة الروائية، وتعمل على صوغها صوغاً سينمائياً يحفز التلقي البصري بموازاة التلقي الذهني .
عناقيد الصور السردية:
اعتمدت الرواية في تشكيل بنائها التوزيعي الداخلي على ما يمكن أن نصطلح عليها هنا بـ«عناقيد الصور السردية»، التي توزعت فيها على«59» عنقوداً سردياً جاءت على شكل مقاطع سردية مرقّمة من«159»، وثمة وعي تشكيلي واضح المعالم يحكم عملية التقسيم هذه، سواءً على صعيد الفضاء السردي الروائي في كل عنقود، أم على صعيد المهمة التي تنهض بها الشخصيات استناداً إلى طبيعة تطور الحادثة الروائية بين عنقود وآخر، على النحو الذي يمكن فيه ملاحظة حضور آليات العمل القصصي داخل كلّ لوحة، فالربيعي بوصفه قاصاً أولاً ليس بوسعه التخلّص من حضور الفضاء القصصي داخل فضائه الروائي على نحو ما، مما ينعكس على رؤية تكاملية في تشييد عمارته السردية .
لاشك في أنّ الوعي التشكيلي الذي يمتلكه الربيعي ألقى بظلّه الفني على طبيعة الحراك السردي في الرواية، وهو غالباً ما يصرّح بإفاداته المتنوعة والكثيرة من فضاء التشكيل في عمله السردي، إذ يقول في تصريح مركزي من تصريحاته في هذا السياق:«إنّ نصّي أيضاً نصّ «بصري» ما دام الفنان التشكيلي لم يغادرني، وقد ألممت بشكل آخر على جديد المدارس الفنية من الانطباعية إلى «البوب آرت» . واللصق والسريالية من خلال سبر اللوحات التي أشاهدها لا من خلال ما يكتب عنها، أي أنني أجتهد لأحقق قراءتي المختلفة وبالتالي توظيفي المختلف لتقنيات هذه اللوحات والتقاط ما فيها من تفرّد لأعيد صهره في كلمات»(25)، وهو ما اتضح في غير عمل سردي من أعماله الكثيرة التي كان التشكيل حاضراً فيه وفاعلاً وعاملاً من عوامل نجاح عمارته السردية .
يمكننا المجازفة بالقول إن عناقيد الصور السردية الـ«59» في الرواية يمكن التعامل معها بوصفها قصصاً قصيرة تشتغل على نموذجها الداخلي، وتعمل على توليف تشكيلية سردية تتمحور حول منطقتها الكتابية لتؤسس لرؤية قصصية يمكن أن تتمتع بخصوصية ما، وهي في الوقت نفسه تنفتح بقوّة وحيوية ونشاط خلاق على ما سبقها وما لحقها من عناقيد صورية سردية، لتندمج في سبيكة سردية تؤلف الكيان السردي العام للرواية .
يمكن وضع مخطط يوضّح طريقة إشغال كل عنقود من عناقيد الصور السردية مساحة كتابية معينة من المساحة العامة للرواية، وعلى النحو الآتي:
عـــــدد الصــــــــفــــــــحـــــــــــات
رقم العنقود11010202030 3040
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
111
26
316
410
510
66
75
88
94
106
115
128
133
149
157
165
179
187
199
203
217
227
2314
2412
2518
عـــــدد الصــــــــفــــــــحـــــــــــات
رقم العنقود11010202030 3040
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
265
2716
2816
2921
308
3123
3215
339
347
359
366
3724
38 9
39 6
4036
4126
4240
435
44 14
457
46 16
479
48 15
49 17
50 19
عـــــدد الصــــــــفــــــــحـــــــــــات
رقم العنقود11010202030 3040
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
517
5212
5311
5414
558
569
57 11
58 9
59 5
لعلّ استنتاجات كثيرة يمكن استخراجها من هذا الجدول، يهمنا منها طبيعة التنوّع في عدد صفحات كلّ عنقود من عناقيد السرد، وقرب الصفحات إلى هيكلية القصة القصيرة التي برع فيها الربيعي وبنى روايته هذه على أساس تشكيلها، وربما نستنتج أيضاً أن النصف الثاني من العناقيد هو الأخصب في عدد الصفحات، حيث تتجه الرواية نحو نهاية الحرب وقرب بزوغ شمس جديدة في حياة غسّان باتجاه أمل مرتقب .
غير أن العناقيد«40/41/42» التي تشكّل ما مجموعه رواية تقريباً«36 + 26 + 40 = 102»، هي أكثر العناقيد زخماً في سواد الكتابة الروائية على أرض الرواية، وهذه العناقيد الثلاثة تخصصت في رواية أحداث مهرجان الأمة الشعري الذي أقامه منتدى الأدباء الشباب بقيادة(سهيل صبري) الذي هو في الحقيقة(لؤي حقي) كما هو واضح، والمهمة التي قام بها غسّان في دعوة من يشاء من اللبنانيين حيث هو أفضل من يعرفهم بحكم عمله الإعلامي في السفارة العراقية في بيروت، والرحلة من بيروت إلى بغداد وهو يصطحب الوفد اللبناني وعلى رأسهم الشاعر نزار قباني .
وتتمخض هذه العناقيد الثلاثة أيضاً عن تأزم موقف غسّان بتأزم الحرب، فضلاً عن بروز صوت(حنان عوّاد) الأثير لدى غسّان، على النحو الذي يحتاج كثيراً من السرد والوصف والحوار في تسويد أكثر لصفحات الكتابة الروائية، إذ انفتح فضاء الكتابة السردية أكثر على مساحة روائية لا قصصية استدعى هذا الزخم الكبير في الكتابة، على العكس مما يقرب من ثلاثة أرباع العناقيد التي جاءت على وضعية قصة قصيرة في عدد صفحاتها القليلة بين الثلاث والعشر صفحات، وهي الغالبة تقريباً على أفضية العناقيد .
مقولة تغيير المصير: جدل الواقع والمتخيّل
اشتغلت رواية«نحيب الرافدين» في أكثر مستوياتها التعبيرية والتشكيلية على تكريس المقولة السردية التي تبنّتها الراوية، وتمركزت هذه المقولة بالدرجة الأساس في مشكلة الشخصية المركزية«غسان العامري»، إذ تمظهرت في الرفض والحرية والموقف والسعي إلى تغيير المصير مهما كان الثمن، وقد وصفها القاص والروائي عبد الستار ناصر وهو أحد شخصياتها ممن ورد ذكرها باسمها الصريح قائلاً:«هذه الرواية واحدة بين أطول الروايات العربية، هي في الوقت نفسه نحيب الذاكرة العراقية على فترة عصيبة من تاريخ البلاد، وهي الاعتراف الأخير والاحتجاج الأخير الذي كتبه الربيعي»(26) .
هذا فضلاً على أنه زاوج بين الفضاء السيرذاتي الواقعي(فيما يخصّه ويخصّ شخصيات الرواية الأخرى من أصدقاء الذاكرة) والفضاء الروائي التخييلي بقوله:«إنها ذاكرة النص الذي يأتي عبر مخاض عسير، ذاكرة جيل مات من فرط الدهشة والتعذيب والإهمال والمطاردة، وهي كما نرى وثيقة عن مرحلة انتهت بالشماتة، مع أنه قال في آخرها(اللهم لا شماتة) فقد مات جميع أبطال الرواية والبقية ماتوا بعد أن عرفوا النهاية، ماتوا من فرط السعادة ورؤية اللامعقول وقد تحقق بين ليلة وضحاها مثل انفجار مجرّة السماء»(27)، بتركيز سردي عالٍ اجتهد فيه أن يلخّص رؤيته ومقولته الوجدانية والرؤيوية فيه .
ويلتفت عبد الجبار العشّ إلى أهمية الصورة الحائطية التي لعبت دوراً تذكيرياً حيوياً على صعيد الترميز في أكثر من مستوى، إذ هي ماثلة وقائمة ومتمسّكة بالحائط المواجه للراوي المنشطر على قسمين، وهي الخاص والعام، الثابت والمتحرّك، المستقبِل والباثّ، الرائي والمرئي، الواقعي والمتخيّل، الماضي والراهن:«قراءة هذه الرواية كالوقوف أمام مرآة، ولقد كانت «نحيب الرافدين» بدورها تأملاً لا يكلّ في الصورة، صورة الحياة صورة العراق(التي يعتبرها الكاتب مسرحية لذيذة وقذرة)، صورة مكثفة في الصورة الحائطية لبطلها غسان العامري أو عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي لايني يلاحقها على امتداد صفحات الرواية يستقرئها ويستعيد من خلالها ماضيه، صورة يرغب أحياناً في أن يدير وجهها إلى الحائط أو أم يرفعها حين تضيق به»(28)، فالصورة هي في الأحوال كلّها وبالرغم من أنها صورة شخصية معلقة على الحائط تلاحق شخصية الراوي في كل شيء، إلا أنها شاهد ماثل على عصر الحكاية مكن جهة، ونسخة ثانية من الشخصية متمسّكة بالمكان الحائطي وقارّة ضمن حدوده .
وينتبه إبراهيم أولحيان الانتباهة نفسها إلى أهمية صورة غسان العامري المعلقة على الحائط، إذ هي بالرغم من أنها ذات وضعية تقليدية حيث تتزيّن معظم بيوت العراقيين بصورهم الشخصية على الحيطان، إلا أن استغلالها سردياً بهذه الوضعية التشكيلية الدالّة تحيل على قصدية تركيبية في راهن السرد الروائي في(نحيب الرافدين)، فيعبّر عن ذلك بقوله:«إن لصورة غسان العامري المعلقة على الحائط دلالة قوية، فهي حاضرة بحضوره، وتجعل ذاكرته متيقظة على ما جرى في الماضي، وما يقع في الحاضر، إنها كوة للإطلالة على أسئلة شائكة، تكفل السرد بطرحها ومناقشتها، وهذا الذهاب والإياب إليها(الصورة) هو ما أسس لإيقاع الرواية، ولتكامل دلالتها وقصديتها..»(29)، فقد تحوّلت الصورة إلى رمز قارّ يحيي ويبعث دلالات صورية متنوعة على طول الحراك السردي في الرواية .
ومن ثمّ يشير المؤلف الحقيقي نفسه إلى جوهر المقولة السردية في الرواية بقوله:«إن موضوع الاغتراب حاضر في روايتي الجديدة «نحيب الرافدين» التي صار حلم بطلها غسان العامري، لا همّ له، ولا هاجس، ولا حلم، إلا أن يغادر وطنه، وهو لا يستطيع هذا لأنه ممنوع من السفر أسوة بكلّ العراقيين الذين حرموا من السفر عندما كانت الحرب مشتعلة بين العراق وإيران على مدى ثماني سنوات»(30)، وهو يكشف عن بؤرة السرد الروائي ومحرقه في«نحيب الرافدين» حيث موضوع الاغتراب الذي يستحيل معه مغادرة البلد بسبب الحرب وقد جعلت كلّ الأحلامحتى البسيطة منهامستحيلة .
ومن المقولات الكبرى التي حفلت بها الرواية على هذا الصعيدوهي مقولة ترتكن إلى مرجعية سيرذاتية يدركها كل من يعرف حياة المؤلّف، لا بل إن المؤلف ذاته يصرّح بها ليس في هذه الرواية فحسب، بل في الكثير من أحاديثه وشهاداته وحواراته وأعماله الأخرى ـ، وتتمثل في أن المؤلف(عبد الرحمن مجيد الربيعي) غيّر مصير حياته تماماً، حين انفصل عن عائلته في العراق انفصالاً تاماً وشرع في بداية حياة جديدة تمثّلت فيما بعد في استقراره العائلي والمكاني والروحي في تونس:
صورة غسّان العامري ترتبط بذكرى هو الآن يرتعش هلعاً كلّما استرجعها إذ التقطها
في ليلة عرسه من هذه المرأة. وظلّت وعلى مدى سنوات معلقة في غرفة الضيوف،
وكان توقيع زكريا واضحاً في أسفل زاويتها اليسرى مع تاريخ التقاطها.(31)
لقد أضحت الصورة بكل ما تنطوي عليه من حساسية تشكيلية ورؤيوية وموضوعية وذاتية مركزاً سردياً بؤرياً فاعلاً، فهي ترتبط بماضي الشخصية في أكثر تجاربها قهراً وقسوة وبؤساً ويأساً، إذ هي تذكّر غسان العامري بزوجته التي تعني له مصدّاً عالياً أمام طموحه وأمله في الحرية والمغادرة بحثاً عن مصير آخر، بحيث أصبحت قضية الخلاص منها هو خلاص نحو حياة أخرى وضوء آخر، وما هذه الصورة التي انتخبها لتكون رفيقة له في رحلته باتجاه المجهول سوى علامة سيميائية على أمل كامن فيها بخلاص قادم لا محالة، وهو ما يفسّره قول الراوي هنا بـ«يرتعش هلعاً كلّما استذكرها»، فهي لحظة تاريخية في حياة الشخصية كان الخلاص من ضغطها شروعاً نحو حياة جديدة . وتقدّم الرواية حكايات كثيرة بهذا الشأن تحيل على السيرذاتي في الروائي، وثمة إشارة دالّة تصف هذه المقولة لإحدى شخصيات الرواية، لكنها تعكس صورتها في عمق الراوي العائد على المؤلف:
على أية حال هذا أمر فات وقته، وأبو ريتا قادر على أن يبدأ دائماً، هذه حكمة
تعلمتها من اللبنانيين، وأنا الآن وبعد الأربعين جاهز تماماً لأبدأ من الصفر (32)
إن جملة«وأبو ريتا قادر على أن يبدأ دائماً» هي جملة مركزية في هذا السياق، تسندها الجملة التي تعقبها مباشرة وتعود على تجربة«غسان العامري» وهو يتباهى بتعلّمه هذه الحكمة«هذه حكمة تعلمتها من اللبنانيين، »، لينتهي إلى تحويل هذه الحكمة إلى إجراء داخل الفضاء الروائي«وأنا الآن وبعد الأربعين جاهز تماماً لأبدأ من الصفر»، الذي هو إجراء واقعي معروف في السيرذاتي . وفي استعادة لصورة من صور طبيعة المرأة التي كانت تعني له حياة ساكنة تتراجع ولا تتقدّم، وتعكس رغبته الكبيرة في التخلص منها وتغيير مصيره في هواء آخر ورؤية أخرى وماء آخر، تلخّص هذه الصورة حجم المعاناة وقوة اضطهادها للشخصية:
وما أن خرج من الحمّام حتّى داهمه صوتها الصارخ:
ماذا بك؟
فواصل صمته وكأن السؤال لا يعنيه، وتوجّه نحو السلّم ليمضي صوب غرفته.فعاد
صوتها إلى الصراخ:
أتتصوّر أنّك بهذا تستطيع التخلّص منّي؟ أنا نائمة على قلبك ولا مفرّ منّي، انتظر ماذا
سأفعل بك، لا تتصورني هيّنة، سأجعلك لا ترى غير بغداد وأدوس على كلّ أحلامك في
السفر والشهرة، أفهمت؟
ثم عاودت الصراخ بعد أن اختنقت بلعابها:
ستكون مقبرتك هنا .
ووجد نفسه يضحك ضحكة عالية وهو يسألها بصوت حاول أن يبقيه هادئاً:
ومن أين لك هذه القوّة على النطق بأقوال كهذه؟ تتحدثين وكأنك الحاكمة بأمرها لا
موظفّة تعيسة في واحدة من آلاف الدوائر الحكوميّة .
ثمّ واصل صعود السلم وصوتها وراءه:
ولكن هذه الموظفة التعيسة تعرف كيف تتصرّف معك وترسلك إلى الجحيم .(33)
إن الفضاء السردي المهيمن على المقطع الاستعادي هنا يكشف تماماً عن بشاعة الحياة التي يعيشها، ومبررات وضرورات بحثه عن خلاص ممكن بأية وسيلة كانت، وربما كانت رغبته في الهجرة وترك البلد متأتٍ أساساً من قوّة الضغط الذي يعانيه غسّان جرّاء هذا الارتباط الزوجي الشائك مع هذه المرأة .
إذ هو ما يلبث أن على صعيد تصفيتها نهائياً في مخيلته وذهنه وجسده أن يقارنها بالنساء اللبنانيات اللواتي تعرف إليهنّ في تجربته اللبنانية المثيرة على الأصعدة كافة:
أين امرأته هذه من رانيا خليل مثلاً، تلك اللبنانية الساحرة التي كان يثمل من رائحة
البراري السمحاء التي تفوح من شعرها الطويل وهي تجلس جواره في سيّارته وقد أنزلا
زجاجها ليأخذ الهواء حرّيته في الولوج إلى داخل السيارة. لقد عشقها بموت تلك الآلهة
القادمة من سحر جبيل، وكم قاومها حتى لا تفسد دمه. حتى لا تقتله. إنّ باستطاعته
أن يسترجع وجهها الصافي ، بل يسترجع وجوههنّ وألوان شعورهنّ ، وطول قاماتهنّ
ورنين أصواتهنّ، لبنانياته الفاتنات، ولكن كلّ تلك الحياة العابثة المتأججة قد توقفت عند
امرأة اقترن بها، امرأة لم يعرفها، لم يعش لحظة شوق واحدة من أجلها، وكم حاول أن
يتقرب منها، لكنّ كلّ اقتراب كان ابتعاداً.وكم رفع صوته بالشتيمة لقريبته سميرة
الشاهين التي زيّنت له الأمر وشجّعته على إنجاز عملة الزواج بسرعة، قام بها وكأنه لا
يعي ما يفعله .(34)
لاشك في أنها معادلة تسحق المرأة التي يريد غسان أن يخرجها خارج تاريخه بل خارج التاريخ العام كله، وتنتهي في صالح امرأته اللبنانية(رانيا خليل) التي تحلت هنا بصفات ملائكية لا يمكن مجاراتها، ليس هذا فحسب بل يذهب الراوي إلى وضع صفات رانيا خليل ضمن صفات عامة للنساء اللبنانيات اللواتي سحرنه، وهو ما يجعله دائم النظر باتجاه الفضاء اللبناني حيث الحياة والبهجة والحب الفريد داخل خلطة تعبيرية سردية تزاوج بين الواقع والمتخيّل بطريقة تشكيلية بارعة تحكي قصة تغيير المصير بقوّة ونصاعة وإثارة .
لا شكّ في أنّ لعبة تغيير المصائر في الحكاية داخل حدود السرد تبدو ممكنة إلى حدّ بعيد، ولاسيما حين يتوافق ذلك مع رؤية المؤلّف التي يشتغل عليها فيما يتعلّق بطبيعة شخصياته ودينامية حضورها في أعماق الحادثة السردية، غير أن تحويل هذه اللعبة من الحكاية إلى الحياة أمر ينطوي على قدرٍ كبير من الالتباس والإشكال، وقدر تعلّق الأمر بالقاص والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي وهو يزاوج مزاوجة فعّالة ومتداخلة ومنتجة بين السيرذاتي والسردي، فإن هذه اللعبة خضعت لقدرٍ من التحويل بين الاثنين(السيرة والسرد)، وهي قضية خطيرة يمكن إدراج عملية معاينتها وفحصها وتحليلها في سياق النقد الثقافي، الذي يراقب مستويات هذا التأثير وقوّة حضوره في الثقافة .
لعب الربيعي لعبة تغيير المصائر في شخصياته عبر ما يقرب من نصف قرن، عشرات وربما مئات الشخصيات القصصية والروائية حفلت بها قصصه ورواياته، وهو يمارس بلذة كتابية واضحة شهوة التلاعب بمصائر هذه الشخصيات ويوجهها كيفما تشاء آلته السردية المنتجة والغزيرة، وقد تسرّبت هذه اللذة إلى منطقة السيري وخلطت بين الحكائي والواقعي فقفزت بذلك من جوف الحكاية إلى مسرح الحياة، وتحوّل المؤلّف إلى مسارات لعبة سردية كثيفة وخصبة يتحكّم بها المتخيّل ويفرض شروطه عليه(على المؤلّف)، على النحو الذي تضافرت فيه حياة المؤلف السيرذاتية مع حياته السردية بحيث يصعب فصلهما، وربما كانت رواية«نجيب الرافدين» خير شاهد على ذلك .
وربما كان هذا الولع بتغيير مصائر شخصياته السردية ما هو في الحقيقة سوى انعكاس حيّ لرغبته هو في تغيير مصيره في الحياة والمكان والزمن، إذ كان دائم المحاولة للمغادرة والسفر نحو مصير آخر، فـ«في لقاءاتي القليلة معه أواسط الثمانينيات لمست أنه يريد أن يغادر العراق بشكل شرعي يليق باسمه وتجربته، كان مصرّاً بشكل كبير على المغادرة إذ كان قرار المغادرة كما كان يبدو لي وقتها حاسماً لا رجعة فيه، وربما كان لديه عقد للعمل في مطبوع في الخارج في ذلك الوقت»(35)، على النحو الذي تتوافق رؤيته في تغيير مصائر الشخصيات السردية في المتخيّل مع رغبته في تغيير مصيره في الحياة والواقع والطبيعة .
الهوامش والإحالات:
(1) القصيدة الرائية، أسئلة القيمة الشعرية، قراءة في شعرية رعد فاضل، محمد صابر عبيد، دار
الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 2001 .
(2) الخروج من بيت الطاعة، شهادات في الأدب والحياة، عبد الرحمن مجيد الربيعي، الدار
العربية للموسوعات، ط2، 2010: 34 .
(3) عالم الرواية، رولان بورنوف ووريال أوئيليه، ترجمة نهاد التكرلي، دار الشؤون الثقافية العامة،
بغداد، ط1، 1991 : 7879
(4) الإنشائية الهيكلية، تزفيتان تودوروف، ترجمة مصطفى التواني، مجلة الثقافة الأجنبية،
بغداد، العدد 3، 1982: 12 .
(5) تاريخ الرواية الحديثة، ر.م.البيريس، ترجمة جورج سالم، منشورات عويدات، بيروت، ط1،
1967: 460 .
(6) تنظر في هذا السبيل أطروحة د. عبدالله الغذامي في كتابه«النقد الثقافيمقدمة نظرية
وقراءة في الأنساق الثقافية العربية ـ»، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء،
ط1، 2000، وقد أعلن فيه ولادة(النقد الثقافي) على أنقاض(النقد الأدبي) الذي بلغ
نهايته في موته كما يرى الغذّامي .
(7) الخروج من بيت الطاعة، شهادات في الأدب والحياة، عبد الرحمن مجيد الربيعي، الدار
العربية للموسوعات، بيروت، ط2، 2010: 334 .
(8) الشاطئ الجديد، قراءة في كتاب القصة العربية، عبد الرحمن مجيد الربيعي،
(9) أية حياة هي؟ سيرة البدايات، عبد الرحمن مجيد الربيعي، دار الآداب، بيروت، ط1،
2004: 9 .
(10) تاريخ الرواية الحديثة، ر.م. البيريس، ترجمة جورج سالم، منشورات عويدات، بيروت، ط1، 1967: 460 .
(11) النص الروائي(تقنيات ومناهج)، بيرنارد فاليت، ترجمة رشيد بنحدو، الهيئة العامة للمطابع الأميرية، الرباط، 1999: 6 .
(12) أية حياة هي، عبد الرحمن مجيد الربيعي، دار الآداب، بيروت، ط1، 2009 .
(13) سيميولوجية الشخصيات الروائية، فيليب هامون، ترجمة سعيد بنكراد، تقديم عبد الفتاح كليطو، درا الكلام، الرباط، ط1، 1990 : 23 .
(14) بنية الشكل الروائي(الفضاء، الزمن، الشخصية)، حسن بحراوي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط1، 1999: 213 .
(15) الخروج من بيت الطاعة: 32 .
(16) من سيرة تلك الأيام: 274 .
(17) الخروج من بيت الطاعة: 103 .
(18) من سيرة تلك الأيام: 101 .
(19) الرواية: 27 .
(20) الرواية: 61 .
(21) الرواية: 63 .
(22) الرواية: 174 .
(23) الرواية: 183 .
(24) الخروج من بيت الطاعة: 373 .
(25) الخروج من بيت الطاعة: 343 .
(26) نحيب الرافدين … ذاكرة جيل، عبد الستار ناصر، جريدة الزمان، ألف ياء، العدد 3890 في 25/5/2011 .
(27) م . ن
(28) حياة مختلسة في مملكة الخوف، عبد الجبار العش، جريدة الشروق، تونس، 7/5/2011.
(29) التصدّي لاغتيال للذاكرة، إبراهيم أولحيان، جريدة الاتحاد الاشتراكي، الرباط، بتاريخ 27/5/2011 .
(30) بوابات الاغتراب الأبدي(شهادة)، عبد الرحمن مجيد الربيعي، جريدة الشروق، تونس في 25/5/2011 .
(31) الرواية: 41.
(32) الرواية: 664.
(33) الرواية: 38 .
(34) الرواية: 3435 .
(35) أسرار الكتابة الإبداعية، عبد الرحمن الربيعي والنصّ المتعدد، إعداد وتقديم مشاركة د. محمد صابر عبيد ومجموعة من الباحثين، دار صامد للنشر والتوزيع، تونس، 2008: 8 .
قائمة المصادر والمراجع
(1) أسرار الكتابة الإبداعية، عبد الرحمن الربيعي والنصّ المتعدد، إعداد وتقديم مشاركة د.
محمد صابر عبيد ومجموعة من الباحثين، دار صامد للنشر والتوزيع، تونس، 2008 .
(2) الإنشائية الهيكلية، تزفيتان تودوروف، ترجمة مصطفى التواني، مجلة الثقافة الأجنبية،
بغداد، العدد 3، 1982.
(3) أية حياة هي؟ سيرة البدايات، عبد الرحمن مجيد الربيعي، دار الآداب، بيروت، ط1،
2004 .
(4) بنية الشكل الروائي(الفضاء، الزمن، الشخصية)، حسن بحراوي، المركز الثقافي العربي،
بيروت، الدار البيضاء، ط1، 1999.
(5) بوابات الاغتراب الأبدي(شهادة)، عبد الرحمن مجيد الربيعي، جريدة الشروق، تونس في
25/5/2011 .
(6) تاريخ الرواية الحديثة، ر.م.البيريس، ترجمة جورج سالم، منشورات عويدات، بيروت، ط1،
1967.
(7) التصدّي لاغتيال للذاكرة، إبراهيم أولحيان، جريدة الاتحاد الاشتراكي، الرباط، بتاريخ
27/5/2011 .
(8) حياة مختلسة في مملكة الخوف، عبد الجبار العش، جريدة الشروق، تونس، 7/5/2011.
(9) الخروج من بيت الطاعة، شهادات في الأدب والحياة، عبد الرحمن مجيد الربيعي، الدار
العربية للموسوعات، ط2، 2010 .
(10) سيميولوجية الشخصيات الروائية، فيليب هامون، ترجمة سعيد بنكراد، تقديم عبد الفتاح
كليطو، درا الكلام، الرباط، ط1، 1990 .
(11) الشاطئ الجديد، قراءة في كتاب القصة العربية، عبد الرحمن مجيد الربيعي، دار الرشيد،
بغداد، 1982 .
(12) عالم الرواية، رولان بورنوف ووريال أوئيليه، ترجمة نهاد التكرلي، دار الشؤون الثقافية
العامة، بغداد، ط1، 1991
(13) القصيدة الرائية، أسئلة القيمة الشعرية، قراءة في شعرية رعد فاضل، محمد صابر عبيد،
دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 2001 .
(14) نحيب الرافدين … ذاكرة جيل، عبد الستار ناصر، جريدة الزمان، ألف ياء، العدد
3890 في 25/5/2011 .
(15) النص الروائي(تقنيات ومناهج)، بيرنارد فاليت، ترجمة رشيد بنحدو، الهيئة العامة للمطابع
الأميرية، الرباط، 1999.
(16) النقد الثقافيمقدمة نظرية وقراءة في الأنساق الثقافية العربية، د. عبد الله الغذامي،
المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط1، 2000 .