1. أعادني الشعر إليه
كنت قد توددت إليه كثيرا
غيرت لون عينيّ
وطول كعب الحذاء
غيرت رعشة العطر
وغسلت ذاكرة الصداع المستطيل
لويت عنق المصابيح كي تزهر
قمرا راعفا بالضوء
ولوّنت الأغاني بمبهجات جديدة
بالحزن والرقص ورشرشات الغناء
أزهقت حمى الفصول
وكآبة العابرين
وانتخبت حبيبا خرافيا لحرفي
وياسمينة لخصلة شعري المشاكسة
لكنه في كل مرّة كان يبادرني
بابتسامات شبه معطّلة
وبطاقة حمراء ووردة
ويظلّ بعيدا
وحين لوّحت له بلا عتب
واستقرّت في عيني قناعة المشتاق
ولوعة عاشقة لا تجيد البكاء
عاد إلي
لم يعتذر
فقط أسند رأسا
إليّ ونام
2. طفولة
هناك عند ذلك العمر القديم
كنا نشرق بالفرح كعصافير تشق برقع الريح
بمناقيرها العذبة
وترفرف بلا أجنحة
هناك حيث يتربع الجهل
… …
كانت الأقاصي تتجمع في بؤرة القلب
وترقص الأرواح عند انثناءة غصن لين
وعند تلك الضحكة التي نتعمد
نسيانها عند ناصية ما
فتزهر كياسمينة بحرية
كنا نصلب أحلامنا فيأكل منها الطير
فنلوّح لها ولا نبتئس!
3.صورة عتيقة
أيها العالم استدر
أنا هنا من قديم الزمان
يدي مد من البحر
ورأسي سامق كالنخل تعصبه السماء
لي قلب
يناغي الشمس حين تنام
وذاكرة
تتورد عند المرافئ
هذا أنا
أشهر صوتي إليك
وأرقِص سيفي في الهواء
وأنشد للبحر كيما يزبد عند الظهيرة
وفي المساء أنتخب لي غانية من حواريه
لألقي عليها ما تيسر من العشق والشعر
وأحلم
وقد تزغرد بندقية حالمة بين أصابعي
وهي تشهق للولادات الجديدة للرمل
للفرح المعانق ظل الهواء
للحرية الخضراء
أيها الدهر استدر
فأنا مازلت هنا
« شيخ عماني»
ومازالت بي شهوة للغناء
فعمدني بمائك أيها الكون الفسيح
واسترني بضوئك عند اقتراب القبر
وعند جنون الظلام
فأنا مازلت هنا
أفاوض الغياب ببيت شعر معتّق
أو حكاية عن «مغايبة» الجبال
وأضحك ملء الجنون
وأبكي ملء السواقي بدمع حنون
4. ثورة
كل شيء استدار كعقرب الوقت
كصارية لا تملك الانحناء
الهوامش تصدرت المشهد
الدهشة فقدت عدساتها المكبرة
وركنت للظل والأشياء الصغيرة
لم تعد الزواحف تستجدي الأرصفة
نبتت لها في غفلة الوقت أجنحة
والديناصورات صارت أصغر من زوايا الصورة
سجدت الأصنام لأصابع النحات
والتصقت القصيدة بالشارع
وطارت الأقنعة
فتطايرت الضحكات
5. عاصفة
عاصفة هوجاء، ناشز كامرأة مبللة بالخطيئة
يأكلها الحقد
تمرر أصابعها بحنان على وجه الكون الأرعن
ثم تعوي في أذنه بغضب
تنفرج أساريره غبطة
وهو يستشعر بضع لذة، وبعض جنون
قهقهة راعشة تتناثر على الأرصفة
تتخبط بين الأقدام المتسارعة
تتقلص الشجيرات على أنفسهن كنساء
في لحظات مخاض
تقتلع – بغيرة زوجة وحيدة في ليل الشوق – عين الزهرة الوحيدة الواقفة عند مفترق الوادي
ويتساقط شعر الليل على وجهه
رجفة تسري في أوصال الماء
تصك الشبابيك أسنانها
تحلّق المظلات الملونة لتحقق حلمها القديم
المعاطف والأغطية تلعب معا لعبة الغميضة
فيسرقها التيه عند منتصف الوعد
الأمهات يلمسن أثداءهن
ثمة ماء ينز
والرجال يتجمدون بين الدمعة والخوف
بينما يتعالى صوت المجنون الداعر
يلعن السماوات والأرض
ثم يسمع في مكان ما ينوح معلقا من
حبله السري في عين العاصفة
المقاهي تقدم تفاصيلها المجانية للعابرين المغادرين على عجل
كتذكارات رديئة لعاشقة خائنة
وحدها المرايا كانت تبتسم
وهي تتمرأى في أغنية جافة وتستحضر المطر !
6. صرخة
حين يتمرأى الضد في الضد
ويغالب الصدأ حشاشة الأشياء
وتتكسّر الأحلام كورقة عافها الماء ذات ظمأ
وحين تتساقط الأشياء الرفيعة في بؤرة العدم
ويصبح الحدس ذاكرة العراف اللئيم
وتتحشرج الضحكات على حد الفراغ
وحين تذبل الأغنيات في حدائق السكون
ويتآكل الكلام كجسد طري يأكله الجذام
وتغص بالغصة حناجر الصمت
وحين ترقص الآهات المذبوحة في قعر الروح
كأبطال الجن في الحكايات العتيقة
بلا رؤوس!
وتشرب العيون التي تنز دموعها في بلاهة وخدر
نخب دمعها دما !
يكون لابد من صرخة !
حتى لو كانت صرخة في ماء !
7.غياب
كطفلة خائفة
تقف خلف ظهر الغياب
تتشبث بعباءته الحانية
كي لا يراها أحد
تختبئ
من ظلها المنكسر
ومن خطوها المحفوف بهالات القلق
ومن صوتها المرتعش كناي يتيم يبكي
ما تواتر من حكايات القصب
تهرب من رائحة الياسمين في الذاكرة
ومن الحزن المعشوشب في صدرها كالدخان
ومن الوجع المتحشرج في الحنجرة
كزغرودة أم الشهيد
تسوى بيدين يرجفهما الوهن
حنين الرمل للماء ولأغنيات المساء البعيد
وللحكايات القديمة
ولنشيج الحارة الحسناء
وللبحر الذي مافتئ يراود صمتها
عن هفهفة النسيم، ولثغة الأشرعة
وعن نخلة في الضلع الأقرب للخاصرة
وعن ضحكة بكر، ودمعة كاذبة
ثم تنفث على عجل ما استطال
في غفلة القلب من رعاف السنين
ومن صداع المطارات والأوردة
وتشرع نوافذها للعزلة الطيبة
تغرق في صدرها
وتذوب عند المسافة التي تفصل
الروح عن الرائحة
تذرف آخر ما ينبغي أن يقال
وهي تمضغ الصمت على مهل..
ثم تبدأ في سرد الحكاية ..!