القاص العُماني مظلوم فـي العالم العربي
بسبب عدم إتاحة الفرصة للآخر للاطلاع عليه
على هامش أسبوع القصة الأول والذي اقامته أسرة كتاب القصة بالنادي الثقافي وذلك من خلال مشاركة مجموعة من الروائيين والقاصين العرب مع كتّاب القصة والمثقفين العُمانيين أقيمت حلقة نقاش حول محورين تشكلا في انطباعات الضيوف عن القصة العُمانية، ووضع حلول مشتركة لبعض الاشكاليات التي تعتور المبدع العُماني ومناخاته الأدبية وكيفية تصدير العمل الابداعي العُماني للآخر العربي من خلال المؤسسات الثقافية المعنية بشؤون الثقافة والمثقف مجسدة في الحالة التي يتحسسها المثقف من هذه المؤسسة آملين في نشوء طفرة تغير ومراجعة وخصوصاً ان عام 2006 هو عام الثقافة العربية في مسقط.
نزوى ترصد ما دار في هذه الحلقة من نقاشات لم تتعد هاجس القصة العُمانية وأهم اشكالها والاستفادة من التجارب العربية المتحققة في الخروج بها من أزمة التقوقع والعزلة ونسج الظلال.
والمشاركون هم:
– الروائي المصري ابراهيم عبدالمجيد، والروائي العراقي صلاح عبداللطيف والروائي السعودي عبده خال، بينما شارك من العُمانيين كل من القاص: يونس الأخزمي ومحمود الرحبي وعلي الصوافي وسالم آل تويه وحسين العبري.
بداية تحدث ابراهيم عبدالمجيد قائلا: بعد الشكر والثناء لأسرة كتاب القصة والنادي الثقافي حول الاستضافة ونبل الفكرة في الالتقاء الجماعي الذي يخدم في المقام الأول الثقافة العمانية والمثقفين العُمانيين وكذلك الارتقاء بمستوى العمل الابداعي العُماني من خلال الندوات التي تقام حوله بمشاركات مثقفين عرب يقاسمونهم الفكرة والموضوع وللحيلولة من التقوقع والركود في حيز الجغرافية، وعبّر عن فرصة التعرف عن قرب لعدد كبير من كتاب القصة واندهاشه بالقصة العُمانية وكيف ان القاص العُماني مظلوم في العالم العربي بسبب عدم اتاحة الفرصة للآخر للاطلاع على تجاربه، مرجعا ذلك الى السبب الرئيسي والعام على ان الجنس الروائي هو الطاغي في العالم العربي وهذا أيضا من الاسباب التي تراجعت فيها القراءة حول القصة القصيرة وكذلك الشعر ولا يعتبر ذلك نقيصة فيهما وانما هي موجة او حالة موجودة حتى عند الغرب ان يطغى جنس أدبي في فترة من الفترات على باقي الأجناس الأدبية ويشكل له صدى وحضورا بحيث يبقى الآخر في حالة أقرب الى التهميش او ما شابه ذلك. هذا بشكل عام.
وحول التنوع في كتابة القصة من خلال القصص المسموعة في الأمسيات أو التي اطلع عليها لبعض مجموعات القاصين العُمانيين علّق على ان هذا الأمر طبيعي جداً في بداية حياة كل كاتب لتتم معرفتهم عن ماذا يكتبون سواء على مستوى القصة أم الرواية وهذا ما ينتج عنه التنوع في الكتابة فترى ان كتابة يونس الأخزمي تختلف عن كتابة علي الصوافي عن كتابة حسين العبري او سليمان المعمري وكذلك ناصر المنجي وهدى الجهوري ولذلك فهناك تنوع ولكن ملاحظتي ان القصص قد يؤثر عليها عامل الارباك السياسي، وهذا الأمر طبيعي بسبب اطلاع الكتاب العمانيين على تجارب الآخرين.
وحول طبيعة القاص العُماني وثقافته ودورها في انتاجه القصصي بالتعبير بالصور سواء صورة المكان انموذجاً يونس الأخزمي او الصورة الشعرية للتعبير عن المشاعر عند الآخرين فأحيانا تكون سريعة لقراءة المكان العام وتتحايل عليه وبالتالي فهناك ثقافة تشكيلية واضحة تماماً في النصوص تساعد في تقليص حجم الجملة حتى وان طالت تكون خالية من الزوائد وترى ان هناك حذفا اكثر من الاضافة وهذا مهم جداً في الكتابة، والكاتب الحصيف هو الذي يحذف كثيرا مما يكتبه في بعض الاحيان.
قرأت جزءا كبيرا من رواية «الوخز» لحسين العبري تميل الى حالة حصار انسانية وموجودة في كل المجتمعات سواء كان مجتمعا بسيطا او كان مركباً لأن الانسان عادة في حيرة من هذا الكون الكبير قد يأخذ أشكالا فلسفية وقد يأخذ أشكالاً مكانية، لكن فكرة الحصار فكرة تخيم على الناس دائما إلا أن هذا التخييم عند الكتاب يعبّر عنه بأشكال متعددة.
كذلك أحسست بأن قصص سليمان المعمري بها زخم شعري عال جداً ولكن أيضا معه قضايا فلسفية وكنت قد ظننت انه شاعر.
عقب يونس الأخزمي: هو لم يكتب شعراً وإنما قيل عنه بداية انه يكتب شعرا حتى ان العديد من نصوصه لا تخلو من مقاطع شعرية.
ابراهيم عبدالمجيد: بصرف النظر عن موضوع كتابته للشعر أم لا إلا ان الملاحظ ان عناوينه أقرب الى عناوين شعرية وكذلك قصته تؤكد ان لديه أفكارا تشغله وخصوصاً في قصة لا اذكر اسمها إلا أنها تؤكد ان لديه أزمة الكاتب وبالتالي فهي لديه في هذا السن المبكر. ولذلك وانا اقرأ القصة أشعر ان الكاتب في حالة كتابة ولا يشعر القارئ انه يقرأ قصة مكتوبة له وانما هي قصة يتمنى أن يكون قد كتبها وهذا انجاز على مستوى الشكل مهم ومثير، وهذه انطباعات سريعة طبعاً.
كذلك وجدت في نصوص يونس جُملا طويلة جداً إلا انها ليست زوائد واتمنى ان تشكل نوعا من الاستقلال.
يبدو ان مسألة الصمت مسألة أساسية في عُمان وهذا ما لاحظته بالنسبة لي كزائر يبدو لي هذا الصمت مشبعا بالجراح رغم ان زيارتي لوقت قصير، إلا ان الصمت الموجود مثير جد للاهتمام وانا احسدهم على هذا الصمت وربما هذا كان له نسبة حضور كبيرة في جيل يونس، يقابله الجيل الآخر كما لاحظت عند الكاتبة الشابة (الواعدة) هدى الجهوري في قصة (صوت) التي تحيل فيها الاصوات التي تسمعها من أمها ومن أبيها وأصدقائها وخطيبها القادم تحيل الى حالات نفسية ومعان نفسية بحيث يصبح الصوت هو مدخلها الى العالم وأصوات الناس هي أزمتها في العالم وهذا تعبير ضمن تعابير توحي بأزمة الفتاة العربية. وهذا يعني ان هناك حالات تنوع وثراء على مستوى الأساليب كالجمل القصيرة جداً تحركها الفكرة لا تخلو من التداعيات اللفظية إلا انها تحضر ضمن اطار تحريك الفكرة لها وتحاول التخلص من الفكرة حتى تبدو الحالة ذات أبعاد مختلفة وليس فقط ضمن بعد واحد.
هناك تنوع في الشكل الأدبي وذلك كما لاحظته في قصة حسين العبري التي قرأها في الأمسية بعنوان (سود الطوية) التي تنم عن معمار كلاسيكي قوي بحداثته من الجمل والمعاني واللغة الحسية، وهناك قصص مفتوحة أيضاً إلا انني ارجع الى خلاصة وجود الهم الانساني وليس تشكيلا قائما بقصد التشكيل في القصص وهذا مهم جداً ليس بمعنى انني أتحدث عن مشاريع قومية أو سياسية ولكن بالتأكيد الكتابة هم وانا ضد الكتابة التي لا معنى لها ولكن هي في النهاية لها معنى إذا استطاعت أن تقدم المتعة من منطلق اللغة او من منطلق الجمل او من تداعي قضايا معينة او أفعال معينة بطرق معينة تخص كل كاتب وأنا لست ضد هذه المسألة ولكن عندما تسود تصبح هي المشكلة لأن المفروض ان الأدب جهد انساني خلاّق ولا يمكن تسييد نوع من الكتابة على نوع آخر وهنا فيه قاسم انساني بين معظم القصص التي رأيتها.
محمود الرحبي في مداخلته: خشية الحديث فقط حول المجموعات المسموعة او المجموعات التي وصلتهم من الكتاب فقط.
ابراهيم عبدالمجيد: اعترفت وأعيد الاعتراف انني لم اقرأ من قصص بشكل مجموعات وانما متفرقة وبنسبة قليلة وذلك لزحامي وكذلك لندرة حضور الكتابة العُمانية في الخارج وهذا في العادة طبيعي جداً وخصوصاً يكثر اطلاعي من خلال التواصل عبر المؤتمرات والندوات الثقافية التي تتيح فرص لقاء أكبر بين المثقفين وبالتالي الاطلاع على تجاربهم وأعمالهم.
يونس الأخزمي: ان أساس المشكل يكمن عند الكاتب وذلك لعدم وجود المبادرة الفعلية في ارسال مجموعاته بنفسه دون الاتكال على مصدر آخر خارجي سواء المؤسسة الثقافية او دور النشر وهذا اتفق عليه الجميع أي السلبية الواقعة من المؤسسة الثقافية من اجل تصدير الكاتب للخارج وبالتالي فعليه أن يبادر بداية مشواره بنفسه ويلاقي ما يلاقيه حتى يؤسس قراءة في العالم العربي. وربما نرجع الى نفس النقطة التي أثارها الروائي ابراهيم عبدالمجيد في بداية الجلسة على انه أكثر ما يعرف الكاتب هو العمل الروائي وذلك بما ذكره كمثال على الضيوف الحاضرين وأزكى ذلك ابراهيم عبدالمجيد وذلك لأن له خمس مجموعات قصصية، إلا أنه يعرف كروائي وليس كقاص.
صلاح عبداللطيف: تكلم عن البعد النفسي في الكتابة العمانية اجمالاً حيث ان الكتابة العمانية تشبه شخصيتها. أي ان الكتابة العُمانية ساكنة وغير ضاجة تشبه شخصيتها العُمانية ولذلك ربما هو سبب عدم انتشاره الرسمي في العالم العربي.
نحن على سبيل المثال عندما اطلعنا على الشعر العُماني مطلع التسعينات ضمن شعور بعض المجلات الجديدة او الصحف الجديدة بالذنب إزاء هذه المنطقة يعني عند ظهور جيل ما بعد سيف الرحبي وسماء عيسى، وزاهر الغافري أي جيل عبدالله الريامي ومحمد الحارثي وناصر العلوي وغيرهم واذكر ان ادونيس قال مرة انه يجب ان نضع ضميرنا الادبي في قفص الاتهام وان هناك كان يكتب شيء ذا قيمة أدبية ربما كان يكتب عند القليل منهم إلا انه لم يلتفت أحد لذلك الأدب.
بالنسبة للقصة فهذه فرصة ان نكون عن قرب وانا ازعم انني لم اتلاق إلا مع نتف من القصة العُمانية من أمثال يونس الأخزمي ومحمود الرحبي وبعض الاسماء ولكن ليس اشكالية فمثلاً استطاعت مجلة نزوى ان توصل الاسماء العُمانية الى القارئ العربي وذلك لما حققته المجلة في فرض نفسها على القارئ الأدبي كمجلة مقروءة بشكل كبير وأنا أتصور انه لا خوف على التجارب العُمانية في البحث عن وصولهم الى القارئ العربي لان الموضوع ليس محتاجاً الى حلول سحرية ونحن بما اننا اتيحت لنا فرصة عن قرب فبالتالي سنحاول ان نقرأ اكثر ونطلع اكثر حتى تكون لنا الصورة أوضح.
علي الصوافي: أعتقد اننا ندور في توصيف عام ومكرر نحن بحاجة الى وقفة تحليلية بعض الشيء.. لماذا نعيد طرح نفس الموضوع لنعيد طرح نفس الأجوبة والفعل اولا اخيرا يبقى ويستمر كما هو .. ثمة ما يتعلق بالبناء والتكوين في شخصية المثقف هنا كفرد ينسحب عليه كل ما ينسحب على الآخرين من اشتراطات اجتماعية في الرتم اليومي للحياة من جهة وكمبدع عليه ان يثبت حضوره الخاص امام نفسه قبل ان يشكل لنفسه حضورا في الوسط الثقافي بشكل عام أعني بكلمة اخرى: ان المثقف في عمان لا يزال يمارس حضوره ضمن الاشتراطات الاجتماعية والمجتمعية الصارمة فهو في داخله لم يتجاوز بعد الدائرة المحكمة للملامح اليومية القاسية للحياة والتي هي كما نعلم مليئة بالتفاصيل التي تستهلك كثيرا من الوقت والتفكير .. فالعمل الثقافي لا يشكل لهذا الفرد/ المثقف الأولوية في جدول حياته اليومية ولكنه يكون في نهاية القائمة أو في وسطها على أحسن الأحوال والأولية تكون كما قلت ان شاء هذا المثقف أو لم يشأ (كونه لايزال معجونا ومخبوزا مع الملامح والطقوس اليومية للحياة الاجتماعية) لتفاصيل مجدولة او عرضية في الاستهلاك اليومي للحياة، والمثقف كمبدع والتزامه تجاه نفسه ومشروعه الثقافي فبقراءة سريعة لهذا الجانب نكتشف سريعا انه وعبر سنين طويله (العمر الابداعي لبعض المثقفين يتجاوز العشرين عاما منذ ان بدأ في الكتابة والنشر) نكتشف انه لا يوجد هناك فرد يشكل مشروعا ثقافيا في أية مجال من مجالات الكتابة والابداع ما عدا الصديق سيف الرحبي والذي يعد استثناء وحيدا في خارطة الأدب العماني الحديث .. يغلب على الآخرين النزعة السلوكية المتوهمة في الشخصية المثقفة أكثر من الالتزام العملي والفاعل تجاه مشروع معين .. أعتقد لنتمكن من تأسيس عمل ثقافي حقيقي وليتمكن المثقف العماني من اثبات حضوره ثقافيا وابداعيا لا بد من تجاوز هذا المشكل السوسيوسيكولوجي والذي يعنى بما يمكن ان نسميه البناء التحتي للعمل الثقافي وللمنجز الابداعي لا بد من تغليب الثقافي على غيره في الأول والالتزام على الوهم في الثاني.
عبده خال: أنا زرت عُمان قبل 18 عاماً في أول زيارة لمهرجان الشعر الخليجي الرابع وكان نفس الاحتدام والتوهج والثورة عند الشباب وكنت أظن في تلك الفترة ان عُمان على وشك ان تصدر كتابها الى بقية أقطار العالم العربي واتفاجأ ان الوضع نفسه يحدث الآن ونفس الشكوى التي كانت قبل 18 عاماً.. لماذا لم تنتشر القصة العُمانية؟!
نحن في الخليج لدينا ابراهيم وصلاح يعتبران مراكز وربما هما لا يشعران بما نشعر به نحن من الضيم من المراكز التي غالباً ما تهمشنا ودائما نشعر اننا أجدر بأن نمثل في المهرجانات الأدبية.
للاسف الشديد ان الضغط من المنشورات والمطبوعات لا يجعل لك الوقت الكافي لتتابع اسم أو اسمين هي فقط تتم عبر العلاقة الشخصية.
استمعت الى ثماني قصص متباينة في تضاريسها وروحها والذي شعرت به ان ثمة تميزاً في الصوت وحريص ان اربط العمر بالمسألة لأن معظم الأصوات كانت من الشباب وما زالوا في مرحلة البداية ومع ذلك ان النص عندهم متماسك وان خلف هذه الكتابات ثمة أجواء قصصية متعددة يمكن لها ان تقدم مصداقية معينة بهمومها البسيطة او الصغيرة او الكبيرة أيضا وفق مناخها الابداعي وقصة علي الصوافي وهو من الاسماء او القصص التي جذبتني اثناء القراءة كما يونس الأخزمي وايضا ناصر المنجي في حركيته للمشهد بشكل سريع، ربما هي ملاحظة عابرة لأنني شعرت بغياب المكان في القصة العُمانية ويغيب من خلال تعمد القاص ان يبعد عن المكان بينما ربما له علاقة المكان بذاكرتنا في دول الخليج، ان المكان لا يشكل كمنتج اثري او منتج انساني يظل باقيا، مثالاً في دول افريقيا عندما جاءت الطفرة التي أدت الى تهشيم كل الامكنة ووجود أمكنة جديدة وبالتالي أصبح القاص عندما يعتمد على كتابة مكان ما في القصة ليس له وجود في ذاكرة المتلقي لأنه تم تهشيمه. شعرت أيضا ان الكتابة القصصية نوع من الارتداد الداخلي وليس الخروج الى الخارج بمعنى ان الكثير من القصص تتماشى مع الداخل اكثر من ان يكون فيها مواجهة مع الخارج بحيث تتشاكس مع واقعها وتقدم ما يعوق هذا الانسان من البوح أمام اشكالياته الحياتية واليومية، ايضاً لاحظت انه اثناء القصص عند البعض يحدث ان بؤرة القص يتم الابتعاد عنها بتفاصيل وجزئيات مختلفة تؤدي الى الابتعاد عن بؤرة النص المكانية- ومن خلال جلوسي مع الاصدقاء والحوار معهم اكتشف ان ثمة تفاصيل تاريخية عاشتها البلد ولم يتم الكتابة عنها الى الآن.
يونس وابراهيم اختلفوا حول عدم حضور المكان في القصة المكانية كما يدعي عبده.
يونس الأخزمي: تطرق الى عدم اهتمام المؤسسة الثقافية الرسمية بتصدير الكتاب العُمانيين.
حسين العبري- معبرا عن احباطه- أثار نقطة هامة وهي شعور المبدع العماني بعد صدور عمله الابداعي بعدم الجدوى وبالتالي أدى ذلك الى تقليص الاصدارات.
عبده خال- معلقا- يقارب المسألة العُمانية او ما طرح حول تبادل الاصدارات الصادرة في العالم العربي بين المثقفين في السعودية وعلى انهم لا يقرأون من قبل الآخر الا في المناسبات الثقافية التي تحصل بين فترة وأخرى وبالتالي فيذهل الكاتب العربي ولا يصدق على ان الكاتب من السعودية بعد الاطلاع على المنتج.
يرجع الى ان هناك اسباباً واحدة مشتركة لدول الخليج بما اننا أخوة في السياسة فنحن أخوة في الاخطاء وهي ان المؤسسات الثقافية لا تقوم بتصدير الأدب الجيد الى الخارج وبالتالي في المؤتمرات الكبيرة يتم ارسال مثقفي السلطة والذين غالبا ما يصدّرون ثقافتهم الخاصة بهم بما يعبر عن انانية نعاني منها جميعا تجاههم، فيفترض من خلال تواصلهم الدائم مع المهرجانات الثقافية العربية ان يقوموا بتعريف أدب المكان، وأن يكونوا سفراء له كما يفعل ذلك عبدالعزيز المقالح بالنسبة للأدب اليمني ولذلك فكان من المفترض منهم أن يحملوا في رحلاتهم المتعددة مجموعة من نسخ اصدارات الشباب، كما ان المؤتمرات العربية دائما يغلب عليها طابع التزكية بحيث ان المسؤول عن المؤتمر يقترب من المشاهير في الاقطار العربية ليرشحوا الكتاب والمثقفين للمشاركة في هذه المؤتمرات وهذا ما حصل بالنسبة لمؤتمر فرانكفورت حيث ان الاسماء جاءت بتزكية من نقاد كبار لترشيح أفراد من بلدهم.
بالنسبة لمجلة نزوى فهي تمثل نافذة للأدب العُماني والعربي والذي حدث ان توزيعها لم يكن جماهيريا في البدء كانت تصل بشكل شخصي لأديب معين أو صحيفة فيقوم هذا الأديب او المسؤول عن الملحق الثقافي في الصحيفة باستعراض خبر الاصدار والكتاب المشاركين في ذلك العدد من المجلة، والآن وللأسف الشديد نعاني من سوء توزيع المجلة في السعودية وبالتالي فان جهد المجلة يذهب مع ريح الغياب.
كذلك لا بد أن نحمِّل الكتاب أنفسهم مشكلة عدم التواصل مع الآخر، لاننا نعلم مع الاعتذار من الأستاذ ابراهيم والاستاذ صلاح بانه ثمة ترفع من قبل المثقف المصري او العراقي او اللبناني كونهم يمتلكون عمقا تاريخيا وعمقا نضاليا وأشياء كثيرة وبالتالي لا تزال حساسية النظرة الى ان دول الخليج هي دول نفط وليست دول ابداع ولو حدث نوع من التواصل مع الكتاب والمثقفين العرب فلاشك انه سيكون هناك نوع من المعرفة والقراءة للأعمال، ولذلك فالمشكلة هي عدم المبادرة من الكاتب العُماني في التواصل مع الآخر العربي وارسال أعماله إليه.
حسين العبري – مستطردا- حول تحمل الكتّاب جزءا من مشكلة عدم التواصل: انا أظن اننا حتى الآن مع وجود الضيوف في البلد لم نستطع توفير المجموعات الكاملة من أعمالنا لهم، حتى القارئ العُماني لا يجد كتابات الآخر (العُماني) أو أعماله الصادرة.
ابراهيم عبدالمجيد: ان هذا الوضع حصل في مصر على سبيل المثال كنوع من تشخيص الحالة، أذكر في السبعينات عندما حصلت القطيعة بين مصر والعالم العربي باستثناء عُمان وذلك بعد كامب ديفيد والذي حصل ان المثقفين كانوا يبحثون عن أعمال الكتاب العرب وكانت تتم بالتهريب، أي انه كان ممنوعا على أي كتاب أن يدخل مصر والعكس أيضا في تلك الفترة ولذلك كانت كلما اتيح المجال للحصول على نسخة لكاتب كنّا نتبادلها بين مجموعة كبيرة من الكتاب بما يقارب العشرين وكانت هذه النسخة سواء رواية او مجموعة قصصية او ديوان او غيرها من الاجناس الادبية تأخذها مساحة واسعة من المناقشات في المقاهي وفي التجمعات الثقافية والتي كانت في تلك الفترة ذات كثرة وأهمية تشكل المرحلة ولكن بعد استقرار الأمور انفضت القطيعة وحدث العكس وهو ان الاعمال الأدبية العربية توفرت بكثرة ومن السهولة الحصول عليها إلا أن الصعوبة في التواصل معها هو الزخم الابداعي المصري وحاجته الى التواصل معه على سبيل المثال من الكتاب الجدد حمدي الجزار وايهاب عبدالحميد وبهاء عبدالمجيد، وكذلك من الكاتبات أيضا كصفاء النجار وغيرها من جيلها، فعندنا في كل شهر تقريبا عشرة أعمال روائية تصدر، هذا فقط في القاهرة من غير كتاب الاقاليم. بالإضافة الى سلاسل أدبية تصدر أعمالاً للكتاب مثل سلسلة أصوات أدبية وسلسلة ابداعات وسلسلة كتابات جديدة، ثلاث سلاسل تخرج كل شهر كتاب وهناك دورية الحكومة في القاهرة غير الدوريات الحكومية في الاقاليم وغيرها من دور النشر الخاصة التي تتبنى الأدب الجديد، كذلك هناك أعمال نقدية تقدم الاعمال الادبية العربية في مصر أي اننا ابناء عالم عربي واحد وابناء القومية العربية، فعلى سبيل المثال في جيلي كانت هناك أعمال نقدية عن جبرا ابراهيم جبرا وزكريا تامر ومحمد زفزاف، مثال ذلك كتب صبري شكري حافظ عن الكثير من الاعمال العربية سواء في المغرب العربي او المشرق ومنها لكتاب سعوديين وكذلك جابر عصفور كتب كثيراً اضافة الى ان بعضا منهم عمل في بعض الدول العربية من أمثال رمضان بسطويسي وشاكر عبدالحميد وغيرهم وكتبوا عن الكتّاب العرب كثيراً إلا ان المشكلة في مصر لا يوجد لدينا مجلات نقدية غير مجلة فصول فقط والعادة ان مجلة فصول تكتب دراسات عامة.
هناك مشكلة أخرى طرحها عبده خال انه يبدو في عالمنا العربي لا يكفي ان يمشي الكتاب وحده وإنما لابد ان يوصله كاتبه الى الآخر اذ كانت تحدث في مصر ومعي شخصيا كنت أمشي وفي ذلك الجو الحار الى الصحف وبعض الاصدقاء من اجل ان أوصل لهم عملي الابداعي.
ولانه لا توجد في عالمنا العربي تلك التقاليد الموجودة في الغرب كتقليد التوقيع على الاصدار في المكتبات وهذا نادراً ما يحصل في مصر مرة أو اثنتان في السنة وبالتالي لا تكون هناك وسيلة لايصال العمل إلا عند مشاركة الكاتب في المهرجانات التي تتم في المراكز العربية ولا يتم ذلك إلا بمبادرة منه في ذلك. فعلى سبيل المثال هناك كاتبة سورية وهي سمر يزبك حضرت الى مصر مع صدور روايتها قبل ثلاثة اشهر وأقامت حفل توقيع كتابها فكتب عنها في الصحف وبعضهم كتب عن الرواية ولذلك فالاهم هو المبادرة من الكاتب لأن عالمنا العربي لا يسعى الى الكتاب.
محمود الرحبي: أعتقد أن هذا سبباً هاماً في عدم وصول المثقف العُماني الى ما هو أبعد من المحلية لأن الأمر كما ذكر ابراهيم عبدالمجيد لابد وأن يتم عن طريق جهد خاص من المثقف بنفسه فإذا كان هذا المثقف ينقصه ما هو على مستوى التأسيس البناء فمن الطبيعي أن يكون حس المبادرة لديه غائباً.
سالم آل تويه: تحدث عن مسألة الرقابة المفروضة على الكثير من الكتب ومزاجية الرقيب في إقصاء هذا الكتاب وعدم إجازة نشره أو ترخيص تداوله في المعارض والمكتبات فقط لوجود كلمة أو جملة تحيل الى شيء يعتقد الرقيب انه محضور وهذا يدل على جهل الرقيب مع ما يتعامل في أدب الخيال والبلاغة عند المبدع وكأنما يجد نفسه مع كتابة الحقائق وهو بذلك يضع ما تنسجه المخيلة بطاقتها المجنحة وما يعكسه الواقع بحقائقه التفصيلية الواضحة في بوتقة واحدة.
يونس الأخزمي: هناك دعوات تأتي عن طريق وزارة التراث والثقافة لترشيح كتاب ومثقفين لمهرجانات عربية وعالمية ومن ثم تقوم الوزارة بالاعتذار وعدم ترشيح مثقف واحد ليمثل البلد وبالتالي فالمثقف العُماني مغيب عن هذه الدعوات مع العلم ان الدعوات تكون مكفولة من قبل الدولة الداعية وبالتالي يجب على أسرة كتاب القصة وعلى رأسها النادي الثقافي ان يرشحوا أسماء مثقفين وكتاب في حالة ارسال دعوة ما لأي مؤتمر او مهرجان ثقافي وذلك بمخاطبتهم لوزارة التراث والثقافة على انه يجب ان تصرِّح بارسال الدعوات ليتم الترشيح.
ابراهيم عبدالمجيد: بالنسبة للدعوات التي تتم على المستوى الرسمي فانه يجب على التجمعات الأدبية كالنادي الثقافي بالتدخل فيها بشكل أو بآخر فعلى مستواي الشخصي فانني لم أقابل أي عُماني في مؤتمر سواء عربيا او عالميا وجها لوجه على عكس الكتاب الخليجيين الآخرين والعرب طبعاً هذا اضافة الى انه كانت هناك أسابيع ثقافية متبادلة بيننا وبين المغرب ولذلك كان هناك نوع من المزاوجة في القراءة وفي النقد بين البلدين، كما ان المجلس الاعلى للثقافة ركز وخصوصا في معرض الكتاب ان يخصص قسم للسفارة السعودية بالرغم من عدم وجود ندوات إلا ان الجميع كان يعلم بوجود قسم خاص بالسفارة السعودية في المعرض ولذلك عادةً ان معظم الاصدارات العُمانية مطبوعة في دور نشر خارج عُمان صحيح انها معروفة إلا انها لا تخصص ركنا يعرف باعلان عن الابداع العماني وهذا ما وجدته على سبيل المثال في خمسة اصدارات جيدة من دار الانتشار وغيرها من باقي دور النشر المعروفة والمتواجدة في كل معرض، فالمسألة تتعلق بالحركة الصحية الثقافية اكثر من الكتابة الادبية ولذلك فنحن في مصر لدينا زخم سياسي كبير أي انشغال تجاه السياسة بشكل كبير يمكن ان يساعد على تقليد الكتاب لبعضهم البعض بما يتناقلونه.
ولكننا عندما عرفنا الرواية في السعودية من اول الاجيال الجديدة عبده خال ويوسف المحيميد يهتمون بها وعبدالعزيز بشر- يرحمه الله- وكذلك الشاعر محمد الحربي وخديجة العمري ومحمد الستيني وعبدالله الصيخاوي وكذلك سعيد السريحي وعبدالله الغذامي كنا نراهم في مصر وتجمعنا معهم لقاءات في المقاهي والمعارض.
ذهبت الى ليبيا عام 1990 ورأيت أعمال ابراهيم الكوني وازعم انني اول من كتب عنه في العالم العربي حيث كتبت عنه مقالا في مجلة العربي الكويتية وبالتالي بدأ الجميع يقرأون ويكتبون عن ابراهيم الكوني، رغم انه كتب أعمالاً كثيرة إلا انه يعيش في أوروبا وهو كاتب ليبي والناس عندها فكرة سياسية وليست أدبية عن ليبيا، وبالتالي بعد ابراهيم الكوني حلت عقدة الكتاب مع ليبيا وبدأوا يكتشفون أجيالا كثيرة وكتابا ليبيين وبدأ التواصل معهم والكتابة حول أعمالهم.
باختصار ان العمل الأدبي في عالمنا العربي من المحيط الى الخليج بكل ما يمثله من كتّاب كبار ومن أجيال متعاقبة يحتاج الى حراك ثقافي والى حركة تنشيط لأننا كلنا في الهم شرق.
يونس الأخزمي – معلقا في نفس السياق- أيضا انتم كضيوف مطالبون عند العودة الى بلدانكم ان تعرفوا الآخر هناك بالكتاب العمانيين.
عبده خال تحدث عن أهمية الدوريات التي تقيمها الأندية الثقافية، والذي يمثل هذا الدور في السلطنة النادي الثقافي (الحاضر الغايب)، وذكر دور نادي جدة السعودي في اصدار (دورية الراوي) الخاصة بأدب الجزيرة وذلك لشعور مثقفيها بالاضطهاد من قبل الآخرين (العرب). وبالتالي لا بد لمثل هذه الأندية أن تصدِّر الثقافة المحلية من خلال دوريات يشارك فيها أيضا الآخر العربي، وخلق تواصل معرفي وحراك مشترك، كما تطرق أيضا الى غياب عنصر هام ورئيسي في السلطنة ألا وهو النقد مبرهنا في ذلك ان الحركة الثقافية لا تقوم إلا على النقد حيث أن القراءة النقدية تساعد على التعريف بالكاتب وضاربا بذلك الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية كإنموذج.