ولد الشاعر خافيير زامورا في بلدة ساحلية لصيد الأسماك في السلفادور تدعى هيرادورا. هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في سن التاسعة للانضمام إلى والديه اللذين سبقاه في الهجرة إلى ولاية كاليفورنيا. حصل على درجة البكالوريوس من بيركلي بجامعة كاليفورنيا، وحصل على الماجستير من جامعة نيويورك. وهو منذ عام 2016 يعمل زميلا في جامعة ستانفورد.
أصدر زامورا مجموعته الشعرية (بلا صحبة) عن دار كوبر كانيون للنشر عام 2017. وفاز كتابه (تسع سنوات من الهجرة بمسابقة (أسلحة الفن العضوية) عام 2011. وظهرت قصائده في العديد من المجلات الأدبية الشهيرة مثل (اميريكان بويتري ريفيو) و(مجلة الشعر) و(كانيون ريفيو) و(نيو ريببليك)، وغيرها من المجلات.
بدأ حب زامورا للشعر في عامه الأخير من الدراسة الثانوية، حين زارت المدرسة الشاعرة ربيكا فوست، وقامت بتعريفهم على ديوان الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا (عشر قصائد حب وأغنية لليأس). وغالبا ما تعبر قصائد زامورا عن التاريخ والحدود والذاكرة. في مقابلة له مع بولا بيتي عام 2014، قال زامورا: «الشعر أمر مهم لأن هناك تاريخا لجميع الشعراء الذين تعرضوا للخطر في حياتهم. ويجب أن يكتب. أعتقد إننا في الولايات المتحدة ننسى أن الكتابة وحمل لافتة « كونك شاعرا « ترتبطان بتاريخ طويل من الناس الذي تعرضوا للخطر في حياتهم، وخاطروا بحياتهم من أجل كتابة تلك الكلمات».
نال زامورا الكثير من الألقاب الأدبية مثل الزمالة الأدبية الوطنية، وزمالة اوكونور للكتابة الإبداعية في جامعة كولجيت، ومؤتمر كتاب وادي نابا، ومؤتمر الشعر. وفي عام 2016 كان من المرشحين لجائزة نوبل للآداب، وجائزة محرري ميريديان، والزمالة الشعرية من مؤسسة الشعر.
زامورا: كانت الولايات المتحدة جزءا من التاريخ السلفادوري لفترة طويلة جدا. ومع ذلك لم تعاملنا كلاجئين
(بلا صحبة) هي المجموعة الشعرية الأولى للشاعر السلفادوري المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، خافيير زامورا، وقد صدرت في شهر أيلول – سبتمبر الماضي عن دار نشر (كوبر كانيون برس)، وهي المجموعة التي سجل فيها أهوال هجرته المروعة من السلفادور إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب الأهلية التي استمرت من 1980 إلى 1992، وما أعقبها من أحداث.
قصائد المجموعة تحكي قصة العنف المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ساهم في تدمير أمريكا الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي، كما أنها تحكي عن الخسارات الأسرية من خلال عنف الدولة والهجرة القسرية التي لم تأت في وقتها المناسب.
الحرب الأهلية التي اشعل أوارها النظام الاستبدادي في السلفادور، والمدعوم بالمساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية، نتج عنها مقتل واختفاء أكثر من 75 ألف نسمة، وتشريد أكثر من مليون شخص من سكان البلد الذين يبلغ تعدادهم 5.300.000 نسمة.
معظم الذين فروا من هذه الحرب سعوا لإيجاد ملاذ آمن لهم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن معظمهم حرموا من الحصول على تأشيرات لدخول البلاد، في حين حصل البعض منهم على مأوى من قبل (حركة المعبد) وهي شبكة من المنظمات الدينية وبعض الأفراد المتفانين الذين كرسوا حياتهم من أجل انقاذ البشر من أهوال الحروب الأهلية مثل الشاعرة والصحفية المكسيكية الأمريكية ديمتريا مارتنيز التي قدمت ملاذات آمنة للاجئين من أمريكا الوسطى. هذه الشاعرة التي تم استخدام شعرها كوثيقة إدانة ضدها في المحكمة حين اتهمت بأنها ساعدت امرأتين سفادوريتين على دخول الولايات المتحدة.
لقد تم ترحيل العديد من لاجئي أمريكا الوسطى، وهذا الترحيل الذي كان بمثابة حكم إعدام بالنسبة لهم. فقد أعدم الكثيرون منهم، في حين بقي بعضهم على قيد الحياة لعدم توفر وثائق إدانتهم ومنهم خافيير زامورا الذي يوثق لهذه المرحلة الخطرة من حياة الشعب السلفادوري.
يكتب زامورا في (10 حزيران – يونيو 1999):
« أجلس هنا لأكتب إنه الإثنين / إنه الثلاثاء/ أو الجمعة/ أكتب في أول يوم لي داخل الطائرة التي أجلس قرب نافذتها/ الكل يعمل/ أمي، أبي، تيا لوب، تيا مالي/ كلنا نكتب تحت أسماء مختلفة/ أجلس هنا لأكتب أسماءنا».
من أجل تذكر تاريخ الهجرة من السلفادور ، يذكرنا زامورا ، أن نأخذ في اعتبارنا وحسباننا تاريخ تورط الولايات المتحدة مع كل القوى القمعية التي دفعت اللاجئين إلى دخول الولايات المتحدة، مع أنها رفضت منحهم تأشيرات لدخول حدودها.
في قصيدته (شريط كاسيت) يكتب:
«لن أعود قريبا/ لا يمكنني التصويت في أي مكان/ سوف أحفر تأشيرات على ورق التواليت/ وألقيها من أعلى المنارة».
قصة زامورا، حكاية ورواية استثنائية تحكي تجارب الكثير من المهاجرين، هاجروا فرادى لم يكن بصحبتهم أحد. لقد كان زامورا أحد هؤلاء المهاجرين، فقد اضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1999، حين كان في التاسعة من عمره للحاق بوالديه اللذين سبقاه في الهجرة.
كان من المفترض أن تستغرق رحلته اسبوعين، ولكنها استغرقت شهرين. خلال السنوات التي تلت هجرته عاش كمهاجر غير شرعي لا يملك أية وثيقة تمكنه من العيش في البلاد التي هاجر إليها.
هذه هي قصة عصرنا، كما يصفها في قصيدته (المواطنة):
« هذا هو المشهد الذي نواجهه: كشك الطريق/ كشك الطريق/ كشك الطريق/ كشك الطريق/ الطريق/ بناية المكتب/ سياج/ سياج/ سياج/ سياج».
uu كيف جئت إلى الشعر؟ حدثنا عن قصة الهجرة تلك؟
uv جئت إلى الشعر في السنة النهائية من دراستي الثانوية. أحضر لي شاعر زائر بعض أعمال نيرودا، فوقعت تحت تأثير هذا الشاعر الكبير. وكانت أمي قد اشترت لي أول مجموعة شعرية، تلك المجموعة كانت لنيرودا أيضا بعنوان (عشرون قصيدة حب وأغنية عن اليأس)، كانت هديتها لي في عيد ميلادي الثامن عشر. في هذا الكتاب وجدت القصائد جنبا إلى جنب باللغتين الإسبانية والإنجليزية. وكانت بنفس القدر من العمق والأهمية. كان لتلك المجموعة تأثيرها الكبير علي، لكنني في تلك الفترة لم أكن مقتنعا بالشعر بعد.
ولأن نيرودا كتب عن المكان الذي نشأ وترعرع فيه. حيث وصف التلال والبراكين والبحر، بدأت أنا أيضا الكتابة عن مسقط رأسي، في هذا السعي، أبحرت في الشبكة العنكبوتية إن كان أحد من الشعراء السلفادوريين قد فعل مثل ما أفعل. لم أجد غير شاعر واحد هو روك دالتون الذي استخدم اللغة العامية السلفادورية، والكلمات البذيئة، والميول اليسارية، وهي التي دلتني في النهاية على الطريق الذي اخترت.
هذان الشاعران: نيرودا ودالتون هما اللذان عرفاني على الارتباط الحميم بين الطبيعة والسياسة، لقد خدم الاثنان توجههما السياسي بشكل مختلف. وكان يجب علي أن أبدأ أنا أيضا بشكل مختلف. بدأت في كتابة قصائدي السياسية والطبيعية. قصائد تتحدث عن تجربتي مع الهجرة، وخلفيتي غير الموثقة. فكنت مثل دالتون أغضب على صفحات الورق، ومثل نيرودا أحن إلى البيت الذي لا يمكنني العودة إليه.
uu الجزء الأوسط من كتابك كان مسبوقا بعبارة لروك دالتون بالإسبانية وغير مترجمة للإنجليزية تقول : « وطني أنت غير موجود/ أنت مجرد ظل سيئ لي/ أو كلمة أعتقد أنها عدوة لي «، وفي الجزء الأخير من الكتاب هناك أيضا عبارة من دالتون مترجم إلى الإنجليزية. هل يمكن أن تخبرنا لماذا اخترت دالتون ليكون جواز مرور لك، وأهمية ظهوره بشكل مترجم؟
uv دالتون هو شخصية أسطورية في الأدب السلفادوري، وما نزال غير قادرين على نسيانه، وفي نفس الوقت يبدو لنا أننا غير قادرين على أن نتحرك بعيدا عن أعماله. كل شيء يجب أن يتم مقارنته به، ومعظمنا يجب أن ينحدر من سلالته. بالتأكيد لم يكن بالإمكان أن أكون كاتبا إن لم أواجه عمله في وقت مبكر جدا. كتابه (سري) كان ثاني كتاب شعري أملكه في حياتي. وكتابي هو نوع من التقدير لتراثه. العبارات التي اقتبستها لكتابي كانت من قصيدته الشهيرة (قصيدة حب)، والتي اصبحت النشيد الوطني الثاني للسلفادوريين. والاقتباس الثاني مشهور جدا أيضا، وأعتقد أنه اقتباس مثالي تماما لوصف تجربة المنفى/ المهجر: البلد كدولة، والبلد كشيء غير موجود. البلد كشيء يتغير باستمرار بسبب القوى الخارجية. البلد كلمة عدوة تسمى الإمبراطورية. أنا لا أترجم المقاطع جزافا. لأن هذه المقاطع تتحدث عن عائلتي، ووقتي الخاص الذي قضيته في السلفادور. بسبب هذه الحرب (التي مولت من قبل عدو، من قبل الإمبراطورية) فإن البلد الذي كنا نعرفه قبل الحرب، تغير، لم يعد موجودا أبدا. ومع ذلك هربنا لنلجأ إلى الامبراطورية التي مولت الحرب. ونفس الشيء يمكن أن يقال: البلد الذي عرفناه تغير، أصبح شيئا كالظل. وتغيرت لغتنا أيضا. هذه المجموعة (بلا صحبة) كتبت بلغة العدو.
uu ماذا عن علاقة الشعر باللغة التي جعلتك تعود لالتقاط قصة هجرتك وتجربتك غير الموثقة؟
uv الإيجاز والكثافة الشعرية، وقدرة الشعر على الاكتمال في إطار صفحة واحدة، قالت لي إنه يمكنني أن أحمل كل شيء أبدعته بيدي. حين أتحدث عن الفقدان/ الصدمة/ الحنين، فأنا أعتقد أنني أحمل تأثيرا فوريا ومباشرا. أحمل شيئا ملموسا. وهذا ما هو يجعل الشعر (ذا أهمية) للكتاب. بالنسبة لي كمراهق يعاني من تعقيدات واقع غير موثق، منحني الشعر القدرة على انهاء شيء ما، وتنقيحه، وفي فترة تالية مراجعته، وإعادة مراجعته، إلى أن وصلت إلى مرحلة السعادة به. لقد اعاد لي السيطرة على الأشياء، هذه السيطرة التي لم يكن بإمكاني التمتع بها في حياتي اليومية. أشعرني بالقوة. جعلني أشعر أنني أُسمَع وأشاهَد. وهما شيئان لم اتمتع بهما في حياتي العامة منذ عام 2008. لقد بدأ هؤلاء الناس الذين لم توثق تجاربهم ومعاناتهم «بالخروج من الظلال»، فما يزال الخوف والقلق يهيمنان علينا. لقد ساعدني الشعر على التعامل مع هذا كله.
uu ما هي قصتك الخاصة التي تهدف إلى «إخراجها من الظلال» في عملك؟
uv كشف وعرض حياتي يأتي من خلال المؤثرات الخاصة بي. أنا لا أعتقد أنني قادر على التحدث لمجموعة، لكن يمكنني أن أتحدث عن حياتي وحياة عائلتي. حين أروي هذه القصة، فأنا أشاهَدُ وأُرى. والمهم أن ينظر إلي من الجانب السياسي.
أنا مهاجر عبر الحدود وهو في سن التاسعة. هذه حقيقة. آمل أن يتمكن الناس من رؤية ومعرفة لماذا هاجرت وأنا في التاسعة من العمر. لا أحد يريد مغادرة منزله. ولكن هناك أسباب تجعل الناس يغادرون، ويواصلون مغادرة منازلهم وبلدانهم. في كثير من الأحيان يكون السبب «الإمبريالية». في الواقع، هذا هو السبب دائما «الإمبريالية». لقد كانت الولايات المتحدة جزءا من التاريخ السلفادوري لفترة طويلة جدا. ومع ذلك لا تقوم بمعاملتنا كلاجئين.
لقد عانت أسرتي خلال الحرب الأهلية. لقد عانت كل الأسر من هذه الحرب، لكن أحدا لا يريد أن يقول إنها حرب، ولا يريد أحد أن يمنح ضحاياها لقب لاجئين. لقد غادر والدي البلاد حين كان عمري سنة واحدة، كان ذا ميول يسارية، وقد اتهم بسرقة أموال من تعاونية كان يديرها. أمي أيضا غادرت بعد ثلاث سنوات، لأن أحدا لم يتمكن من العثور على وظيفة لها خلال «الكارثة» التي كانت تحيق بنا. من المتوقع أن تنام المرأة في السلفادور مع الزعماء المتنفذين من أجل الحصول على وظيفة السكرتاريا (واحدة من الوظائف القليلة المتاحة للنساء). لقد لمست أمي ذلك من خلال المقابلات، لذلك قررت ألا ترضخ لذلك الواقع، ولذلك قررت الهرب. واضطررت أنا أيضا للهرب وأنا في التاسعة من العمر. كان من المفترض أن تستغرق الرحلة أسبوعين، ولكنها استغرقت شهرين بسبب فشل شبكة التهريب. لم يعرف أحد أين كنت خلال الأسابيع الخمسة. كنت محظوظا أنني كنت بصحبة أحد رجال العصابات، كان فارا من عصابته، فوضعني تحت جناحه، واستطاع تهريبي إلى توكسون بأريزونا.
كلما كتبت أكثر عن هذا الأمر، كلما زادت دهشتي مما واجهته في هذه السن المبكرة. ومن غير العدل أن هذا الأمر ما يزال جاريا حتى الآن. ليس فقط على الحدود المكسيكية – الأمريكية، وإنما في أوروبا وآسيا وفي أماكن أخرى من العالم. لا يمكن لأي جدار أن يوقف هذه الأمواج من اللاجئين، سنواصل الهجرة واللجوء، ما لم يتغير الواقع في بلداننا وأوطاننا.
uu هل لنا أن نتعرف على نسبك الأدبي؟
uv بعد دالتون ونيرودا، واصلت النسب مع أمريكا اللاتينية، فهي التي عرفتني على نيكولاس غيلين، فاليخو، هيدوبرو، بيزارنيك، بولانو، زوريتا، وأليجريا. لقد انجذبت نحو شعراء أمريكا اللاتينية لأسباب واضحة. فقد عانى هؤلاء الشعراء من قمع سياسي مماثل، وقع في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية في القرن العشرين. بعضهم كان في المنفى، فتحدث إليهم ذلك المنفى. في وقت لاحق، قفزت إلى مشهد الشعر الأمريكي المعاصر. تعرفت على أعمال يوسف كومونياكيا، شارون أولدز، لويز غلوك، اثيريدج فارس، البرتو ريوس، تشارلز سيمياش، وجون جوردان. هذه التجربة التي شكلتني. هؤلاء الشعراء لهم اتباعهم الذين يمكن أن نتتبع آثارهم في المشهد الشعري المعاصر. هؤلا الشعراء هم الذين ساهموا في تشكيل تجربتي.
في جامعة نيويورك، كنت محظوظا بالدراسة جنبا إلى جنب مع ثلاثة من هؤلاء الشعراء، وهذا هو السبب الذي جذبني للدراسة هناك. الآن المؤثرات علي متنوعة وواسعة النطاق. هناك كتاب رائع حقا كان له تأثير كبير علي هو (بطن من رصاص) للشاعر تيهيمبا جيس. الذي قرأته خلال برنامج القراءات الشعرية التي ينظمها جون جوردان في جامعة بيركلي. كتاب جيس هذا، وكتاب آخر بعنوان (الحياة العجيبة الوجيزة لأوسكار واو) للشاعر جونوت دياز، ألهما طموحي في التعبير عمن (لا صحبة لهم). لقد أحببت نظام الأصوات في هذين الكتابين. التاريخ من خلال حياة الأفراد. والوصف الخصب. والأشكال المختلفة التي لا يمكن أن تقود القارئ إلى الملل أو الضجر.
uu هل يمكن أن تحدثنا قليلا عن مجتمع الشعراء الذي دعم تطورك ككاتب، وكيف ولماذا شكلك هذا المجتمع وشكل أعمالك؟
uv في قراءات كهف كانيم، تحدث كورنيليوس إيدي عن حظ جلينا في أن يكون له فضاءات شعرية كثيرة مثل فونا وكانتوموندو وكونديمان وكهف كانيم. على الأقل فإننا ككتاب من كل الألوان والأجناس نمتلك مثل هذه المساحات التي تجعلنا نشعر أننا نكون أكثر أمانا حين نكون مع بعضنا بعضا. في هذه الغرف يمكننا أن نبدأ في طرح الأسئلة الصعبة حول الحرفية في التعبير عن نضالاتنا اليومية ونحن نعيش في أمريكا البيضاء. من الصعب أن تكون انسانا ملونا في مثل هذا المجتمع الأبيض. والأصعب من ذلك أن تكون أسمر اللون أو أكثر قتامة. كانتوموندو هزت جوهري بعمق. سمحت لي أن اتقاسم غرفتي مع مارسيلو هرنانديز ولورو فاسكيز، أول اثنين من الشعراء المهاجرين الذين التقيت بهم. شعرت بالراحة مع هذين الشاعرين. وحين عرفنا أننا نخوض صراعات متشابهة، فتح ذلك الأمر أمامنا المجال لمناقشة أمور أخرى، مناقشة كتاباتنا، إحباطاتنا، وتصور أحلامنا معا.
في فونا، اتيحت لي الفرصة للدراسة مع ويلي بيردومو، كان ذلك في عام 2010، في وقت مبكر من حياتي ككاتب. لقد اعطاني الثقة في مواصلة هذه الرحلة في الحديث عن تجربة الهجرة. لقد بقي على اتصال معي كي أنهل من حكمته. كما أنني مدين كثيرا لريغوبيرتو غونزاليس وإدواردو كورال، لمشورتهم. لقد أظهرا لي ما معنى أن يكونوا معلمين. كانا ملتزمين بالوقوف مع الكتاب الأصغر سنا منهما. وأعتقد أنني واصلت السير على هذا السياق، لأساهم بدوري في فتح الأبواب أمام الأجيال، كما فتح هؤلاء الشعراء أبوابهم لنا.
uu ما هو نهجك في الحرفة الشعرية، عملية الكتابة في هذا الكتاب؟
uv أقدم القصائد في مجموعتي (بلا صحبة) تعود إلى مرحلة مبكرة من عمري، حين كنت في الثامنة عشرة من العمر. حين بدأت الكتابة لأول مرة. قصيدة (ساغواروس) وجميع القصائد التي كتبتها عن عبور صحراء أخذت مني وقتا طويلا في مراجعتها، لأنني في ذلك الوقت كنت أجد متعتي في السرد. كانت سردا من الصعب علي أن أكتبه وذلك بسبب الصدمة التي كنت أعاني منها.
وبالمثل، خلال سنتي الأولى في الجامعة، متخصصا في التاريخ، كان تركيزي على الحرب الأهلية السلفادورية. ومن خلال قراءة (بطن من رصاص) و(الحياة العجيبة الوجيزة لأوسكار واو)، بدأت بكتابة قصائد الحرب، بعض هذه القصائد مأخوذة عن روايات الآخرين عن الحرب لأنني كنت في الثانية من العمر حين توقفت الحرب، خاصة قصيدة (توثيق) التي استوحيتها من فيلم وثائقي بعنوان (بيوت مليئة بالدخان). كما أن قراءتي لكتاب (يوم في الحياة) لمانليو أرغيتا، وهو عمل محوري، إضافة لكونه واحدا من أوائل كتب الشهادة على ما يدور في أمريكا اللاتينية، منحني الحرية لأن أضمن طفولة أسرتي في الكتابة عن شهادات الحرب. في أمريكا اللاتينية، هناك سابقة قوية في استخدام قصائد النثر عند الحديث عن الحرب، ولهذا السبب تجد قصائد النثر مشتتة في القسم الثاني من الكتاب.
uu أيضا الأجزاء الوسطى من الكتاب تشتمل على قصائد بأصوات والديك وتيا مالي ، لتقدم لنا بهذه الطريقة سيرة ذاتية جماعية متحركة متعددة البؤر. هل يمكنك التحدث لنا قليلا عن سبب اختيارك لهذا النهج المعين، وعن كونه جزءا من تقليد أكبر يشمل كلا من أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى، ويكاد يطغى على التقاليد الأدبية اللاتينية وتقاليد الكتاب في الولايات المتحدة أيضا؟
uv هناك الكثير من الجدل حول بداية موروث (الشهادة). هناك الكثيرون ممن يعتقدون أنه بدأ مع كتاب (أنا) لريغوبيرتا مينشو، والقليل منهم يعتقد أنه بدأ مع كتاب (يوم في الحياة) لأرغيتا. هذه هي الكتب المبنية على شهادات الناس: سرد عام للحرب في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية. لقد تم قتل الكتاب، كما حدث مع أصدقاء الكاتب أرغيتا في السلفادور، وكان أشهر الكتاب الذين قتلوا روكي دالتون. كما تم نفي كتاب آخرين مثل أرغيتا الذي تم نفيه إلى كوستاريكا. وفي تشيلي بدأ راؤول زوريتا كتابة شهادته الخاصة لما رآه وخبره خلال حكم نظام بينوشيه.
بعد قراءتي لـ (يوم في الحياة) و(الحياة العجيبة الوجيزة لأوساكر واو)، أردت أن أعبر عن أصوات أولئك الذين عايشو الأسباب الرئيسية لمحنتنا: الحرب الأهلية السلفادورية.
أردت أن تكون عائلتي جزءا من هذا الكتاب، لأنهم جزء من حياتي، لقد أردت أن أسمع أصواتهم وبإذن منهم. لقد وافقت أمي على ذلك، لكنها ما تزال تشعر بالغيظ لأن الناس سوف يعرفون مهنتها، لكنني أحب أن أذكرها أن هذه قصائد وليست شهادات فعلية واقعية.
فيما يتعلق بأهمية الشهادة، وربما هذا هو ما تفتقر إليه عائلتي والعديد من المهاجرين الآخرين، هو فهمهم لصدمتهم. لقد تم رفض التماسنا للحصول على تأشيرة لجوء. وواجهنا إجراءات الترحيل في عام 2001، لقد تم رفض الالتماس بسبب نقص الأدلة بأننا تعرضنا للإضطهاد أو الشعور بالخطر في وطننا. من هنا رأيت من الواجب أن أجعل الناس تسمع أصوات عائلتي تجاه الصدمة التي عاشتها. آمل أن يرى القراء أسبابا متعددة لترك المنزل، وليس منها أبدا تلك الرغبة البسيطة لتجربة «الحلم الأمريكي».
uu ما هي القوى الأخرى التي ساعدت على عملية بنية عملك أو الشكل الذي يأخذه هذا العمل؟
uv هذا الاتصال المباشر مع عائلتي، وصدمتي الخاصة، كان لها تأثيرها الفيزيائي علي. أنا أشعر بالامتنان الآن على حصولي على التأمين الصحي. لقد وجد الأطباء أنني أعاني من صداع نصفي في العين، لقد بدأت معاناتي من هذا المرض منذ أن كنت في جامعة نيويورك. حين تصيبني هذه الحالة لا أعود قادرا على الرؤية لمدة خمس دقائق، لكن الرؤية تعود مرة أخرى. لا أحد يعرف لماذا يحدث هذا، لكنها إشارة إلى أنني سأعاني من الصداع النصفي في المستقبل بشكل كامل.
لفترة طويلة لم أكن أعرف ما الذي كان يحدث، أما الآن فأنا أعرف حالتي. لقد بدأت أعرف متى تحصل هذه الحالة. تحصل لي وأنا منهمك في مراجعة أعمالي. أنا الآن أعمل على قصيدة طويلة عن رحلاتي في الطيران وعن إقامتي في الفنادق للقيام بقراءتي الشعرية، ومقارنة ما يحدث مع واقع الناس في بلدي الذين يخشون مغادرة منازلهم ليلا. لقد سببت لي مراجعة القصيدة الكثير من الصداع النصفي في العين.
أعتقد أن ما يحدث سببه أنني كاتب بطيء. حتى حين أقوم بنشر قصائدي في الصحف، فإنني أقوم بمراجعتها وتعديلها. من الصعب علي التحكم بمحتوى القصيدة، لأنها مرتبطة بحياتي الخاصة. اشعر أنها تعريني وتفضحني. مع أنني على الورق أستطيع التحكم في كيفية حدوث هذا البوح.
uu هناك عنصر واحد أحاول التركيز عليه بشكل خاص، وهو استكشافك لهذه العملية الشاقة، ومحاولاتك المتكررة والتي هي في غاية الأهمية لكل من تجربة الهجرة، والجهود المبذولة للكتابة عن هذه التجربة. عنوان قصيدتك (دعني احاول مرة خرى) يشير إلى محاولاتك المتعددة لعبور حدود بلدك، وفي سرد هذه التجربة.«يمكنني تحملك مع غروب الشمس/ وبالطريقة التي اتذوق بها المياه/ بعد أيام كثيرة بدونها». ومرة أخرى في قصيدتك (10 حزيران – يونيو 1999) تكتب: « خافيير/ ها أنت تذهب/ لنفس القرف/ متى سيتغير هذا الوضع»؟ هل يمكن أن تحدثنا كيف ولماذا استطعت التوصل إلى هذا التواصل المضيء؟ ولماذا أثرت الكتابة مرارا وتكرارا عن وضعك كشاعر أو لاتيني «غير موثق»؟
uv عندما بدأت كتابة هذا الكتاب، كان من النادر سماع روايات الهجرة من المهاجرين أنفسهم. نحن نتحدث عن فترة تعود إلى عام 2008، بدأت المسودة الأولى لهذه القصائد في ذلك الوقت، تماما كما فعلت مع معظم مشاريع القصائد التي تتعامل مع الفعل المادي لعبور الحدود. هذه قصائد قديمة. لقد بدأت اشعر بالملل من إعادة روايتها أو إعادة تحرير هذا الجزء من عملي. لا يمكن أن أكون مقتنعا بقصائدي طالما أنني ما زلت غير مقتنع بنتائج حياتي العادية. أنا لا أزال أحاول استكشاف موضوع أن أكون في أرض ليست أرضي، والأسباب التي تدعوني للبقاء هنا.
في مقابلة أجريت مؤخرا مع (ديفدابر) يشير نيك فلين إلى قول ستانلي كونيتز بأن كتابة أول كتاب يشبه تماما أسطورتك الذاتية. وكيف أنه من المستحيل « الوصول إلى الكمال في كتابك الأول»، وكيف « أنك تحاول العودة إلى هذه الأشياء والحفاظ على دورانك حولها».
أنا ما أزال أدور حول هذه الأشياء، مع أنني درت حولها كثيرا خلال كتابة وتحرير (بلا صحبة). في نفس المقابلة يشير فلين كيف يعطي الشعر شعورا بالسيطرة، مع أنه لا وجود لهذا الأمر في الواقع. لقد بدأت أرى ذلك. لم تذهب الصدمة إلى أي مكان، إنه نوع من الإحباط. وهذا هو السبب أننا بحاجة إلى المشورة. لا يمكنك كتابة كتاب فقط كي تتعافى من الصدمة. لقد مر علي الكثير من الوقت لأدرك ما الذي كنت أفعله: كنت أتقاسم أشيائي الخاصة جدا، بشكل علني. ربما يبدو هذا الإدراك واضحا، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لي. لقد استغرق الأمر بعض الوقت كي يتطابق سردي مع السرد الذي تفرزه لعبة عبور الحدود.
uu موضوع الهجرة يبدو أنه يحتل مساحة كبيرة في الشعر في الوقت الحاضر. والأمر المحبط هو: أين كانت هذه القصائد؟ وأين كان هؤلاء المحررون، في موضع شديد الأهمية بالنسبة لي.
uv أنا سعيد لأن جميع القصائد التي تتحدث عن الهجرة نشرت من قبل المهاجرين أنفسهم. هذه مهمة، وقد جاء دورنا الآن للقيام بها، لكن علينا أيضا أن نقيم نوعا من الحوار بيننا. وأنا أتساءل أين يمكن أن يذهب بنا هذا السرد؟ وكيف يمكننا التقدم به خطوات أخرى للأمام.
القصائد
(1)
محاولة ثانية للعبور
وَسَطَ تِلْكَ الصَّحْراءِ التي لَمْ تَكُنْ تُشْبِهُ الرَّمالَ
الرِّمالَ فَقَط،
وَسَطَ تِلْكَ الأكاسيا، والسَّحالي* وذِئابِ البَراري، صاحَ أحَدُهُم: الهجرة
فَرَكَضَ الجَميعُ.
في ذلِكَ الخَنْدَقِ الجافِّ نِمْنا. كُنّا أرْبَعينَ رَجُلاً، ينامُ كُلُّ واحِدٍ مِنّا بِمواجَهةِ الآخرِ
هَرَباً مِنَ التُرابِ والقاذوراتِ.
العَصافيرُ ذاتُ الأعْناقِ السَّوْداءِ
مَعَ الفِجْرُ، تُطِلُّ على قمَمِ المسكيتيس *
ناشِرَةً جَمالَها على سيقانِ القَطيعِ،
أنْتَ قَفَزْتَ نَحْوي،
وأنا قَفَزْتُ على كَتِفَيْكَ،
وَهَرَبْنا مِنْ تِلْكَ الشّاحِناتِ البيْضاء.
في الوَقْتِ الذي كانَ فيهِ الحرّاسُ على أهْبَةِ الاستعدادِ
للضَّغْطِ على الزِّنادِ.
صِحْتُ: تَجَمَّدوا، تَوَقَّف يا تشينو
لِذلِكَ لَمْ أعْرِفْ السّاقَ التي رَكَلَتْكَ
دَفَعْتَني تَحْتَ صَدْرِكَ
وَلَمْ أشْكُرْكَ أبَداً.
تشينو أيها الجميل.
الاسمُ الوحيدُ الذي أعْرِفُهُ للتَّواصلِ مَعَكَ
وَداعاً للوَشْمِ الجَميلِ على صَدْرِكَ
(م. س . 13)
وَداعاً لِرَقَمِ الهاتِفِ الذي أعْطَيْتَهُ لي
حينَ اتَّجَهْتَ شَرْقاً نَحْوَ فِرجينيا
واتَّجَهْتُ غَرْباً إلى سان فرانسيسكو.
اتَّصَلْتَ مَعي مَرَّتَيْنِ في الشَّهْرِ
لِيُخْبِرَني ابْنُ عَمٍّ لَكَ، أن العِصابَةَ التي طارَدَتْكَ في سان سلفاردور
قَدْ وَجَدَتْكَ في الإسْكَنْدَرِيّةِ.
وَداعاً، لذراعَيْكَ البُنِّيَّينِ اللذَيْنِ كانا دِرْعا لي في تِلْكَ اللحْظَةِ
وَهما اللذانِ يَحْمِياني الآنَ، مِنْ قَسْوَةِ اللجوءِ.
(2)
ساغواروس *
كان الغَسَقُ يَمْتَدُّ على مَدى كيلومِتراتٍ والخَفافيشُ في سَماءِ الخُزامى،
مَثلُ العَناكِبِ التي تَبْدَأُ بالظُّهورِ حينَ تَرى أنَّ الحَشَرَةَ في مُتَناوَلِها
هُناكَ، لَيْسَتْ الأرْضُ المَوْعودُ، بَلْ أرْضُ الأسْلاكِ الشّائِكَةِ
مَعَ أنَّهُ لا شَيءَ يَمْكَنُ أن يَنْمُوَ تَحْتَهُ
إلا أنَّني حاوَلْتُ بَعْثَرَةَ ذلِكَ الغَسَقِ،
بَعْدَ أن قالَ أحَدُ الطُّيورِ: دّمُ الصَّبارِ يُغوينا.
أحْياناً أفيقُ، وَحَلْقيَ جافٌّ. لِذلِكَ أتَّجِهُ إلى تِلْكَ الحَدائِقِ النباتِيَّةِ،
للبَحْثِ عَنْ ثَمَرَةٍ حَمْراءَ مِنْ ثِمارِ ذلِكَ الصَّبّارِ،
تِلْكَ الشَّجراتِ النِّائِمَةِ في سَريرِ الغَسَقِ،
أرْميها بِحِجارَتي، كَيْ أسَكِّنَ جوعي.
لِكِنَّني لا أجِدُها هُنا أبَداً. الخَفافيشُ هُنا تَتَكَلَّمُ الإنْجِليزِيَّةَ فَقَط.
أحْيانا وأنا في سَيّارَتي، أشْعُرُ أنَّ ذلِكَ الشَّرابَ اللزِجَ ما يَزالُ عالِقاً بِحَلْقي
وأنَّ بِذْرَتَهُ الطَّرِيَةَ سَبَبُ بَقائي على قَيْدِ الحَياةِ:
يَجِبُ عَلَيَّ أنْ أكْشُطَ الأشواكَ أوّلاً، ثُمَّ أعَرّيَ تِلْكَ الجُذوعَ الطَّويلَةَ، وأدْفَعُها للماءِ.
حينَها تَدْفَعُني الأضواءُ، لأجِدَ نَفْسيَ مَعَ ثلاثينَ مُحَطَّماً آخرَ،
تُحيطُ بِنا الهِراواتُ الخُضْرُ، لِتَقودَنا نَحْوَ الشاحِناتِ التي تُحيطُ بِنا.
زُجاجاتُنا الفارِغَةُ مُنْزَعِجَةٌ، وأنْفاسُنا تقولُ للصّدأ:
حينَ تُغادِرُ الشاحِناتُ، تِبْتَلِعُنا الخَلايا البارِدَةُ.
* نبتة صبار طويل القامة تعيش في أريزونا والمناطق المجاورة لها. تحمل فاكهة صالحة للأكل
* يقصد السحالي الأمريكية ذات الأذيال الطويلة، التي تجعلُها تسير بِطَريقةٍ مُتَشَنِّجة
* أشجار شوكية تنبت في جنوب غرب الولايات المتحدة والمكسيك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)
رصيف لا هيرادورا*
حينَ أنامُ أرى طِفْلاً
يَخَتَفي بَيْنَ ساَقَي رَجُلٍ تُشّوِّهُهُ النُّدوبُ
ظَهْراهُما اللذانِ لَوَّحَتْهُما الشَّمْسُ يَتَنفسانِ الهواءَ البارِدَ
الطِّفْلُ يُواجِهُني
وَسَقْفُ الرَّصيفِ الذي يَبْتَلِعُ القَمَرَ
تَفْطَعُهُ الغُيومُ مِنَ الخَلْفِ
أحياناً، يَكونانَ على نَفْسِ السَّقفِ
يَرْتَدِيانِ المَناديلَ
وَرِجالٌ بِزِيِّهِم الرَّسْمِيِّ يُحيطونَ بِهِما
لَقَدْ أخْطَأتُ في عَدِّ أغْلِفَةِ الرَّصاصِ
لأن مَناقيرَ طُيورِ الغاقِ تَنْغَمِسُ في الماءِ
حَتّى يَتَكَسَّرَ لَوْنُ الغُروبِ
الأخطُبوطات التي تَسيرُ بِمُحاذاةِ الرَّصيفِ
لا تَسْتَطيعُ رُؤْيَةَ مَنْ يُواجِهُها
على القَوارِبِ التي تُهَدْهِدُها التَّمَوُّجاتُ القُرمُزِيَّةٌ
سَمِعْتُ ذاتَ مَرَّةٍ رَجُلاً
كانَ ما يَزالُ على السَّطْحِ، وما يَزالُ على قَيْدِ الحَياةِ يقول:
اليَوْمُ لي، وَغَداً لَكَ
هُناكَ قَرْيَةُ يَقومُ رِجالُها بِتَدْريبِ طائِرِ الغاقِ
عَلى صَيْدِ الأسْماكِ: وَطَرَفُ حَبْلٍ مَعقودٌ بِمُؤَخَرَتِها.
وَطَرَفُ حَبْلٍ آخَرَ مَعْقودٌ على رِقابِها
كَيْ لا تَبْتَلِعَ الأسْماكَ التي تَصْطادُها
والدي واحِدٌ مِنْ تِلْكَ الطُّيورِ
إنَّهُ ذلكَ الرَّجُلُ المُشَوَّهُ
* مسقط رأس الشاعر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4)
مقطوعة حالمة
أجَلْ، مِثْلُ غُبارِ الإسْفِلْتِ على لِساني.
كُلَّما تُمْطِرُ. سأقول: سَتَكونُ هذِهِ المَرّةُ الأخيرَةُ التي أتَّصِلُ بكِ فيها.
غدا. لَنْ يَكونَ بَيْنَ ذراعَيْكِ نَفْسَ الغَدِ،
في كُلِّ خُطْوَةٍ أبْتَعِدُ فيها عَنْ الحُدودِ.
سأغرَقُ في الخَمْرِ، والمُنَشِّطاتِ،
وغريب فروت تيكويلا
وَبَعْدَ أنْ أنْتَهي مِنَ الخَمْرِ والتيكويلا، سَأرْمي وَجْهَكِ بِهذا الكَاْسِ الأسْوَدِ
لَمْ أكُنْ أعْرِفُ أنَّ رِحْلَةَ هِنْريك سَتُثيرُني.
آسِفُ، لَقَدْ شَرِبْتُ كَثيراَ. شَرِبْتُ كَثيرا.
أجَلْ. أعْرِفُ هذا.
لَمْ أكُنْ أنا الذي رَماكِ بِها. هذا ما قُلْتُهُ. لكِنْ هذا ما حَدَثَ.
أنا الذي يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَتَعَلَّمَ كيف يَتَلَقى رَصاصاتِ جَدِّهِ،
وكَراسِيِّهِ المَكْسورَةِ، وَصَريرِ أبْوابِهِ التي تُوْقِظُنا.
كُنْتُ في الرّابِعَة، حينَ رَأيْتُ أمِّيَ بَيْنَ بُنْدِقِيّتِهِ وَجَدَّتي. كُنْتُ في الرّابِعَةِ.
إنَّني بِحاجَةٍ لأن أغْفِرَ وأسامِحَ. أغْفِرَ لَهُ وَضْعَهُ النُّقودَ في راحَةِ يَدي لأشْتَرِيَ لَهُ الفودكا.
أغْفِرُ لَهُ، لأنَّهُ حينَ يَشْرَبُ كانَ يُطارِدُ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْ بَناتِهِ بِمِنْجَلِهِ
في مُنْتَصَفِ النَّهارِ، وفي مُنْتَصَفِ الليْلِ، وَلَمْ أكُنْ أعْرِفَ ما يَجِبُ عَليَّ فِعْلُهُ
سِوى تَسَلُّقِ بُرْجَ المِياهِ عَبْرَ الشّارِعِ مِثْلَ ريدْ باوَرْ رينْجَر.
لَقَدْ طارَدَنا إلى هذا البَلَدِ
الذي دَرَّبَهُ على البَقاءِ صامِتاً
حينَ يَرى (رَئيسَهُ)، يَضَعُ السُّجَناءَ في أكياسٍ سَوْداءِ
وَيَقْذِفُ بِهِمْ إلى الشّاحِنَةِ
« لِكَيْ يَرى الجَميعُ ما يَحْدُثُ للنّاسِ السَّيِّئينَ هنا».
الخَمْرُ تُخيفٌني. التيكويلا تَقْتُلُني.
لَقَدْ قُمْتُ بالتِقاطِ القِطَعِ منْ شُقَّتِنا
وَمَسَحْتُ البُقَعَ السَّوداءَ عَنْ أطرافِ سَريرِنا
لَقَدْ وَعَدْتُ بِعَدَمِ تَكْرارِ مِثْلِ هذا الأمْرِ
لكِنَّني بِحاجَةٍ لِمًنْ يُساعِدُني.
ولا أجِدُ مَنْ يُقَدِّمُ لي يَدَ المُساعَدَةِ
أريدُ أنْ أعْتَذِرَ
لكِنْ لا أحَدَ يُريدُ أن يَفْهَمَ لَماذا لَمْ يَتْرُكْهُ هذا الجَدُّ.
حَدَثَ ذلكَ في مُنْتَصَفِ حُزَيْرانَ – يونيو
وكانَ فينوسَ والمريخَ يَقْتَرِبان لِيُعِانِقا الألفِيَّةَ الثانِيَةَ
لكِنَّني لَمْ أشاهِدْ عِناقَ جَدّي،
وَلَمْ أمْسِكْ بِيَدَيْهِ
أريدُ أنْ أعْتَذِرَ
لَقَدْ بَقيتَ مُسْتَمِرّاً بِفَرْكِ يَدَيْكَ.
حينَ بَلَغْتُ السّادِسَةَ
اسْتَقالَ جَدّي مِنَ الشُّرْبِ
بَقِيَ في البَيْتِ طولَ الليْلِ لِكِنَّهُ
لَمْ يُكَلِمْ أيّا مِنا.
لَمْ يَعُدْ يُحِبُّ الخَمْرِ
لَمْ يَعُدْ يُحِبُّ الكُتّابَ
لَمْ يَعُدْ يُحِبُّ اليَسارِيّينَ
لَقّدْ ماتَ الجَميعُ ما عَدا
خالةٍ واحِدَةٍ. وأنْتَ لَسْتَ هُنا.
الغَدُ، والتّوباكو،
وَنُواحُ الجُدْرانِ
الذي يُشْبِهُ شَخيرَ جَدّي غَيْرَ المَرغوبِ فيهِ.
اعْتَقَدْتُ أنَّ الحُدودَ سَتَأخُذني مِنْهُ (جَدّي)
وهذا ما اعْتَقَدَتْهُ أمّي وَكُلُّ خالاتي
نَحْنُ جَميعُنا نَرْكُضُ
فالشَّمْسُ على مِنْجَلِهِ
والقَمَرُ على بُنْدِقِيَّتِهِ
(5)
النظر إلى ذئب البراري
مِنْ بَيْنِ ثلاثينَ رَجُلاً مُغْبَرّاً، كانَ هُوّ الشَّيءُ الوَحيدُ الرَّطِبُ
فَمُ الذِّئْبِ
كانَتْ مُجَرَّدَ حَديقَةِ حَيواناتٍ مُصَغَّرَةٍ، تَجْمَعُنا مِنْ بِلْدانٍ عَديدَةٍ
حَديقَةٌ فيها العَديدُ مِنْ ذِئابِ البَراري.
كانَتْ هُناكَ خَمْسُمائَةِ غَزالَةٍ لكِنَّنا لَمْ نَكُنْ نُفَكِّرُ فيهِنَّ
هذا هُوَ أقْصَرُ تَعْبيرٍ عَنِ الخَجَلْ
وَحْشُ نَهْرِ أجيلا والذِّئْبُ سَواءٌ *
وَحْشُ نَهْرِ أجيلا والذِّئْبُ الغرينغو سواء *
زُجاجاتٌ مُتَناثِرَةٌ تَذْوي بَيْنَ القاذوراتِ
يَملؤُها فَمُ الذِّئْبِ
نَحْنُ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ زَبَدِ الذِّئْبِ وَسَطْوَتِهِ
ولا نُفَرِّقُ بَيْنَ البَعوضِ والذُّبابِ
أيُّها الغرينْجو البيضُ تَنْظُرونَ إلَيْنا كَأناسٍ غَيْرِ شَرْعِيّينَ
ألا تُفَكِّرونَ بِأنَّنا عُمّالٌ مِنْ حَوْلِكُمْ؟
إنَّنا نَتَحَدَّثُ بِلَهَجاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ ضِمْنِها لَهْجَتُكُمْ
وَنَحْنُ نَعْرِفُ أيْضاً أنَّ الذِّئْبَ يَشُكُّ فيما نَقولُ
حينَ يِسْمَعُ ذِئْبُ البراري طائِراتِ الهيليوكبتر
أو أحْذِيةَ النّايكي، يُهَرْوِلُ هارِبا نَحْوَ أريزونا
ها هُمْ رِجالُ نيغاليز * يُغْلِقونَ أبْوابَهُمْ
وَذِئابُ البراري تَرْتَعُ في أريزونا بأحْذِيَةِ النّايكي
الصَّحْراءُ ما تَزال تَرْغَبُ في رُؤْيَةِ ذِئْبِ البراري
خائِفاً وَمُتْعَبا مِنْ ظِلِّهِ الذي تَرْسُمُهُ لَهُ أنوارُ الكَشّافاتِ
فَها هُوَ طُوالَ الليْلِ يَنْفُضُ الغُبارَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَمْضي في الغُبارِ
وَها هُوَ ذِئْبُ البَراري يَجْلِسُ لِيَسْتَريح تَحْتَ أشْجارِ اليوكا *
* نهر يجري من غرب إلى جنوب غرب المكسيك، ويعبر كلا من أريزونا وكولورادو.
* لقب يطلق على الرجل الأبيض في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية، ويستخدم في المناطق الناطقة باللغة الإسبانية، ولا سيما أمريكا اللاتينية.
* بلدة في جنوب أريزونا
* أشجار تنبتُ في مناطق سكان أمريكا الجنوبية الأكثر دِفئا وخاصة ولاية نيومكسيكو
(6)
كيف تعلمت المشي
أسْكُتْ. لا تَقُلْ ذلكَ بِصَوْتٍ عالٍ: لون شعره،
رائِحَةُ الحامِضِ في جِلْدِهِ، الطريقةُ يَرْتَفِعُ بِها بَطْنُهُ حينَ ينام.
لَمْ أفْعَلْ شَيْئاً، لَمْ أَقُلْ شَيْئاً.أبولُ في زاوِيَةِ الغٌرْفَةِ، المِرْحاضُ الخارِجِيُّ بَعيدٌ، أعْتَقِدُ
أنَّ أزْهارَ البُرْتُقالِ تَدْعوني لآكُلَها. إنَّني أقذفُ الصُّخورَ على
الخَفافيشَ المُعَلَّقَةِ في مُنْتَصَفِ المَسافَةِ بَيْنَ أشْجارِ اللوزِ.
كُنْتَ أرْتَدي جِلْدَ السَّحالي. كُنْتُ أشْعُرُ بالمَلَلِ. تماما
كَذلِكَ الزَّمَنِ الذي طَلَبْتُ فيه من (لوز) أنْ تَفْرُكَ قَلَمها
بِشَعْري، كُنْتُ أريدُ أن أرتَدِيَ كيساً بلاسْتيكياً
لأشُمَّ رائِحَةَ البَنْزينِ، وأنْ أحْلِقَ شَعْري، لأشْعُرَ
بأنَّ شيْئاً ما كَيَدَيْه يُلامِسُ رَأْسي.
حينَ أنْشِبُ أظافِري في الوسائِدِ، أفَكِّرُ فيهِ. إنْ
كانَ يَنامُ
وَوَجْهُهُ إلى الأسْفَلِ كما أفْعَلُ. أوْ إذا كانَ كانَ بِإمْكانِهِ رَبْطَ الخُيوطِ
بِظُهورِ اليَعاسيبِ. سَمِعْتُ
كَيْفَ تَعَوَّدْتُ أنْ أرْكُضَ نَحْوَهُ. شعرهُ ما يَزالُ
تَفوحُ مِنْهُ رائِحَةُ السَّمَكِ، والبَنْزينِ، والأعشابِ البَحْرِيَّةِ. وهكذا
تَعَلَّمْتُ كَيْفَ أمْشي، كَما يَقولونَ. إصْمِتْ إذا ما خَطَوْتُ
خارِجَ هذا البابِ، أريدُ أن أعْرِفَ أنْ لا شَيءَ يُمْكِنُ أنْ يَأخُذَني.
لا الشاحِنَةُ التي هَرَعَ نَحْوَها. ولا الرَّجُلَ الذي دَفَعَ لَهُ
لِيَأخُذَهُ.
ماما باتي كانَ نائِما حيَنَ تَرَكوهُ. الناسُ يَقولونَ
عَلى نَحْوٍ ما مَشَيْتُ عَبْرَ حَقْلِ الذُّرَةِ في الفَجْرِ
وَعلى بُعْدِ خُطُواتٍ قَليلَةٍ كانَ يَجِبُ أنْ أراهُ
وأنْ أرْكَبَ الشّاحِنَةَ. كُنْتُ اثنَيْنِ. جَلَسْتُ خَلْفَ شَجَرَةِ سيبا،
مُنْتَظِرا. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ العُثورَ عَلَيَّ.
(7)
السلفادور
سِلفادور، إذا عُدْتُ في يَوْمٍ صَيْفِيٍّ،
فبِإبْهامي الرَّطِبِ، سَوْفَ أنَظِّفُ لِحْيَتَكِ مِنَ المِلْحِ
وإذا لَمَسْتُ وَجْهَكِ البُرْكانِيِّ،
سأقَبِّلُ نَفَسَكِ الإسْفنْجِيِّ
أرْجوكِ، لا تَدَعي رِجالَ الشُّرْطَةِ يَقولونَ: إنَّهُ مِنْ رِجالِ العِصاباتِ.
لا تَدَعي رِجال العِصاباتِ يقولونَ: إنَّهُ أبْنُكِ، إبْنُ الخَطيئَةِ
لَطَّخَكِ بالدَّمِ، ذلِكَ السّائلِ الأحْمَرِ.
كُلَّ يومٍ يَقومُ رِجالُ الشُّرْطَةِ وَرِجالُ العِصاباتِ
والرُّؤَساءُ، والأشْرارُ
بِنَقْرِكِ بِمناقيرِهِمْ المَعْدَنِيَّةِ.
لَقَدْ أقْسَمَ أبي أنْ لا يَعودَ أبَداً،
وأمّي ترُيدُ أن تَرى أمَّها، وفي الأخْبارِ:
كُلُّ يَومٍ أكْياسٌ سَوداءُ. المّزيدُ والمَزيدُ مِنّا يُغادِرونَ.
الآباءُ يَقولونَ: لا تَذْهَبْ، أنْتَ مَوْشومٌ، هذا هوَ القانونُ الذي لا تَعْرِفُهُ
ما الذي يَعْنيهِ القانونُ هُناكَ؟ لَيْسَ لَدَيْنا بِطاقاتٌ خَضْراءُ.
أجْدادُنا يقولونَ: لَنْ يَحْدُثَ شَيءٌ هُنا.
إبنُ عًمّي يَقولُ: هنا الأسْوَأ. لا تَأتِ. وألا سَتَكونُ سِلفادورِيّاً غَبِياً.
ألا تَرى حَقائِبَنا السَّوداءَ، بُيوتَنا الفارِغَةَ، خَوْفَنا مِنَ القَوْلِ: الحَرْبُ لَمْ تَتَوَقَّفْ أبَداً.
وَما تَزالُ تَكْذِبُ وَتَقولُ: أنا بِخَيْرٍ، أنا بِخَيْرٍ.
لكِنْ إذا لَمْ أقُمْ بِتَنْظيفِ شَعْرِ جَدَّتي، وَغَسْلِ أوانيها ومَقاليها،
فَسَأبْكي كُلَّ لَيْلَةٍ، كَهذِهِ الليْلَةِ، التي أرْغَبُ فيها أن يَكونَ حُبَّكِ في غايَةِ السُّهولَةِ،
سَهْلٌ للدَّرَجَةِ التي لَنْ نُخاطِرَ
مِنْ أجْلِهِ بِحَياتِنا أبَداً.
أجرت الحوار: ديبورا باريديز
ترجمة: محمد الظاهر *