تحاول هذه الدراسة أن تختبرَ جملة قضايا تتعلق بالقصيدة المسكونة بالسرد وطبيعةِ التواشج بين الرؤى الشعرية المختلفة، واختبار التناصّ الشعريّ المفترض بين الشعراء، وذلك بتأمل شعر الشاعر خالد المعالي (1956- ) وتسليط ضوء على مجمل أشعاره لاسيما مجموعته الأخيرة أطياف هولدرلين. تبدأ معرفتي الناقصة بهولدرلين (1770-1843) من الفيلسوف الألماني هيدغر (1889-1976) مباشرةً وعبر قناة تلميذه الفيلسوف هانز جورج غادامير (1900-2001). وقد ألحّ غادامير على أن «المنعطف» الشهير في تفكير هيدغر الذي حدث في بواكير الثلاثينيات جاء من رسالة نبوئية شعرية عثر عليها هيدغر في أشعار هولدرلين التي لا تفارقه، وانتهى إلى التماهي بها كلّيّاً. والمنعطف، إيجازاً، هو التغيير الذي طرأ على تفكير هيدغر حين خرق الأعرافَ الأكاديمية بمحاولة خلق لغة جديدة لتأويل أشعار هولدرلين وللتعمّق في فكر نيتشه، ولملاحقة موضوعة الفنّ عموماً. ومع أن ترجمة الشاعر فؤاد رفقة (1930-2011) لقصائدَ مختارة من أشعار هولدرلين(1)، كانت جهداً جيّداً يحاول تعريفَنا بهذا الشاعر، لم تستطع بالأحرى منحَ القارئ العربي فكرةً كافية عن عالم هولدرلين الشعري، والشاعر فؤاد رفقة كان مهيّأً لمثل هذه المهمة، لاسيما بعد أن نال الدكتوراه من جامعة توبنغن في العام 1965 عن نظرية هيدغر في الشعر. لكن هولدرلين، مع ذلك، ظلّ غير منقول على نحو كامل إلى العربية. وقد تحسن الإشارة إلى ترجمته لعملين قصيريْن لهيدغر هما «من تجربة الفكر»، و«طريق الحقل»، نشرا في كتاب واحد في العام 2004 (2) كما توجد محاولات لإماطة لثام الغموض عن عالم هولدرلين من خلال ترجمات لتأملات هيدغر في أشعاره، كما في كتاب إنشاد المنادي: قراءة في شعر هولدرلين وتراكل قام فيه بسّام حجّار بتلخيص محاضرات هيدغر عن شعر هولدرلين وتراكل وترجمتها، وقام منذر حلاوي بترجمة قصائد لهولدرلين وتراكل، ونشر في العام 1994(3) وهناك ترجمة عن الإنجليزية قام بها حسن حلمي لمختارات من شعر هولدرلين.(4)
إنّ اسمَ هولدرلين يرتبط بشعر يفكّر في الوجود، بل إن هيدغر عدّ شعرَه بدايةَ تفكير جديد في الوجود، ولذا خلق لغة فلسفية جديدة لتأويل أشعار هولدرلين، وحقق من خلاله «المنعطف» الشهير في التفكير حين تلقى منه رسالة نبوئية عبر «شعرية هولدرلين الأسطورية»(5). ولذلك ثمة غلالةٌ من الغموض تحفّ بأشعار هولدرلين، ويتوقع القارئ أن عنوان مجموعة خالد المعالي أطياف هولدرلين ستنحو هذا النحو، لكن الشاعر يكسر «أفق التوقعات» لدى القارئ حين يستهلّ عملَه ويختمه بلغة لها علاقة بالأطياف، ولكن وشيجتَها بهولدرلين موضع بحث، فرؤية هولدرلين للحياة تتوزع في هذا التوتّر بين مبدأ الوحدة الأصلية والتشوّف إليها من جهة والرغبة العميقة في الحرية، حرية الذات، وهي رؤية فلسفية أخلاقية تستقطب هذين المبدأين كليهما. رؤية هولدرلين تتجه إلى الماضي (الإغريق في حالته) وإلى توق الكائنات الإنسانية إلى هذا الماضي، وهي رؤية تمثّل النزعة المثالية في الفلسفة الألمانية أصفى تمثيل. إذن، كيف نحلّ مأزقَ العنوان؟ أهي لعبة تستاغ؟ وعلى القارئ أن يحلَّ شفرةَ العنوان ويحوّلها إلى طريدة يلاحقها في القصائد، قصائد الأطياف. هل عليه أن يتجاهلَ موجهاتِ الشاعر في اختيار العنوان المثير، ويمضي في قراءته ناسياً هولدرلين ومتشبّثاً بالأطياف؟ وهل سيكون ثمة جدل عن هولدرلين لو لم يَمْهَرِ الشاعر مجموعتَه باسمه؟ وهل عليه أن يتعلّل بأن «أطياف هولدرلين» غير هولدرلين، بل هي نقيضته البادية، لغةً وعوالمَ، أسلوباً وتركيباً؟ كلّ ذلك ممكن بِسَعَةٍ، لكن تضيق عندي بدءاً إمكانية أن يكون خالد المعالي يشاطر هولدرلين نظرتَه للوجود واللغة والحياة، أو يلبسه قناعاً، أو أن ليس في عنوان مجموعته الشعرية شيء من اللعب. ومع ذلك، سأبحث عن مكمن التناصّ المفترض مركّزاً الحديث عما كرّس له خالد المعالي كلّ شعره تقريباً. إن عالم هولدرلين معقّد أشدّ التعقيد في تأويلاته، وعالم المعالي مشبع بالبساطة والانفعال، ومع أن لغة هولدرلين لغة محسوسة وواقعية وذات بساطة، كما ينقل لنا نقّاده(6)، مثل تلك المفردات التي يبني خالد المعالي بها قصائده، لكن فيها نزعة فكرية نحتية، أَسَرَتْ نحّاتَ اللغة هيدغر، وحيّرتْه، فيما تبقى لغة المعالي مشبعة بالإحساس المباشر والتلقائية. بل إن تآلفي مع أشعار خالد المعالي منذ أن قرأت مجموعته عيون فكّرت بنا (1990)، ودفاتر الفاتر (1992)، والهبوط على اليابسة (1997)، والعودة إلى الصحراء (1999)، وحداء (2002)، هذا التآلف قد يمكّنني من تأكيد الإصرار على محسوسية اللغة في أشعاره، وتأكيد نزعة سردية تسهل ملاحظتها. لكني مع ذلك، سأختبر وشيجةً خفيّة تربط أشعار خالد المعالي كلّها بموضوعة هولدرلينية هيدغرية بدا لي أنه يحيا فيها شعراً وفعلاً: وهي موضوعة التشرّد homelessness، هل الصعلكة تفي اصطلاحاً بمحمول هذا التشرّد؟ سأعالج ذلك بعد قليل. إن خالد المعالي يصغي إلى حكاياتٍ تأتيه من موطن بعيد، «تَجِنّ» عليه كالليل، كما يعبّر بفرادة في هذا المقطع اللافت من مجموعة حداء:
كنت كلّما حلّ الربيع أمضي
تاركاً بيتي فارغاً
تحطّ على سعفه الطير
وفيه يَجِنّ مع الليل الكلام. (حداء، ص7)
إذن لو سألنا لماذا هولدرلين؟ لقلنا التشرّد، ولكن ليس التشرّد في المكان ولا في الزمان، بل في تشرّد كينونة الإنسان. برأيي، لن يتسنى لقارئ عربيّ أن يقترب من شعر هولدرلين ما لم يقرأه ويقرأ عنه بلغة غير العربية. ومعرفة غير العارفين بالألمانية، وهنا مكمن معرفتي الناقصة، والمقتصرين على ما في العربية عن أشعاره وعوالمه، تبقى معرفة ناقصة، وبضمنها معرفة أولئك الذين يرمّمون عالمَ هولدرلين بتوسّل لغة أخرى غير العربية، كالإنجليزية، ومنهم كاتب السطور. فلن يتسنى لنا الإحساس بالصور وغنى القوافي في أشعار هولدرلين، تلك التي أشار إليها بول دي مان في دراسة ثرّة عن تفسير هيدغر لشعر هولدرلين في كتابه العمى والبصيرة. وكلّ ترجمة للشعر إنما هي تصوّر لقصيدة ما في لغة أخرى، ولذا تأتي الترجمات المتعددة للقصيدة الواحدة مختلفةً في لغتها وإيقاعها، وكلّها تحاول أن تقترب، أو أن تكون «أمينة»، من الأصل الذي لن تبلغه مطلقاً. وسبب ذلك نعرفه من الشعراء أنفسهم، فالشاعر العميق التفكير يدرك أن قصيدته الأصلية هي ترجمة لقصيدة غير مرئية. هذا ما قاله إلى القارئ العربي الشاعر السويدي توماس ترانسترومر: «كنت كلّما سئِلت عن نظرتي إلى الشعر المترجم أجيب أن الشعر الأصل هو في حدّ ذاته ترجمة. القول الشعري بيانٌ لقصيدة غير مرئية خلف اللغات المتعارف عليها. لذا تصبح الترجمة إلى لغة غريبة محاولة أخرى لتحقيق واقعية القصيدة الأصل»(7). يمكن حلّ مأزق مجموعة خالد المعالي في وشائجها الهولدرلينية، ولأغراض هذه الدراسة حصراً، بتوسّل الأطياف والتشرّد فيها مخرجاً. أتخيّل أن الأطيافَ تضارع التشرّد، والتشرّد في الأطياف يفضي إلى العودة إلى البيت الذي لا يغلق بابَه بوجه داخليه، ولكنه مفتوح بالكدّ والكدح، إنها اللغة بيتاً للشريد. وهذه تذكّر بالعبارة المدهشة لهيدغر «اللغة بيت الوجود» (منزل الوجود أو مسكن الكينونة في بعض الترجمات) في مطلع عمله «رسالة في الإنسانوية Letter on Humanism». ومَنْ يأتي بالوجود إلى البيت هو، في الفعل والإمكان، الشاعر، وفي أطياف هولدرلين محاولة لتعويض خسارة العيني بربح الرمزي، بخلق بيت معلّق لا إقامةَ فيه فعليةً، ولا يمكن هجرانه رمزياً، فيه محاولةٌ للخلاص من التشرّد الذي لا خلاصَ منه.
مع ذلك، الأطياف في قصائد المجموعة حزمةٌ من الذكريات الغائمة تحكي التشرّد، والتشرّد هي الكلمة السحرية التي يمكن أن تفكّ لنا مأزقَ العنوان. الأطياف ذكريات هي قضيضٌ يتقلّب عليه الشاعر، إنها حزمة أطيافٍ تشتدّ اتحاداً لتمزّقَ منطقَ التفكير وتضعَ الطائفَ معها على حافة، ليست هي حافةَ الجنون بالمطلق، ولا حافةَ انهيارِ الحسّ المشترك بالمطلق، لأنها حافة التفكير المنطقي أيضاً. كلمة «أطياف» موفقة؛ لأنها تطابق وضعَ المتأرجح على حافة، فالعرب تسمي الجنون طيفاً، وهو مسّ من الشيطان(8)، والطيف أيضاً هو الخيال الذي يلج المنامَ، هو الخيال نفسه، هو التوهّم والإيهام. إنها الأطياف التي، في الليل، تدور كالغمام فوق سرير النوم مسائلةً نومَك في غير بيتك، وأحلامَك في سماوات بلا أنبياء ألفت عيشَهم معك، وليس عيشك معهم. لكن الأخلاقَ لا تتّهم هنا، فألاّ يشعرَ الإنسان بأنه في بيته هو شيء من صميم الأخلاق، وهذه خلاصة ثيودور أدورنو في تأملاته في المنفى، في كتابه «علم الأخلاق الصغير: تأملات في الحياة المشوّهة».(9)
هذا هو المستوى الذي تتحرك فيه أشعار خالد المعالي، وإنني لأميل إلى تصوّر قصائد هذه المجموعة تصوّراً بينياً، لا يتموضع في حدّ أو موضع محدد، إلاّ موضع الشَّريد. وهذا لا يبلغ الذروةَ التي كان ينشدها هولدرلين في مفهومه الميتافيزيقي المحض للإقامة والوطن؛ إذ لم يكن تَغنّيه بالوطن ذا نزعة وطنية، بل كان يبحث عن إقامة ميتافيزيقية، ألم يلخّص لنا هيدغر «وطن» هولدرلين بهذه الكلمات التي تقول إن الاقتراب «من» الوجود يتمّ التفكير فيه:
«من زاوية تجربة نسيان الوجود، بوصفه «وطناً»، والكلمة تكتسب معنى جوهرياً هنا، بلا نوازعَ قوميةٍ أو وطنية، بل بمعنى تاريخ الكينونة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ماهية الوطن ذكرت أيضاً بقصد التفكير في تشرّد الكائن الإنسانيّ المعاصر انطلاقاً من ماهية تاريخ الكائنات. وقد كان نيتشه آخرَ مَنْ اختبر هذا التشرّد. إذ لم يتمكّن وهو في صلب الميتافيزيقا من أن يجد مخرجاً له منها بغير قلب الميتافيزيقا. ولكن ذلك ذروة الإخفاق. من جهة أخرى، كان هولدرلين في تأليفه قصيدة «العودة إلى الوطن» مشغولاً بأن يتمكن «مواطنوه» من بلوغِ ماهيتهم. فهو لم يسعَ مطلقاً إلى تلك الماهية في أنويّة شعبه. بل رآها بالأحرى في سياق انتماء إلى قدر الغرب. ولكن، حتى الغرب لم يتمَّ تصوّره على نحو جهويّ بوصفه الغرب مقابل الشرق، ولا كونه مجرد أوروبا، بل جاء تصوّره بالأحرى من قربه إلى أصل تاريخ العالم. ونحن ما زلنا بالكاد نشرع في التفكير في العلاقات الغامضة بالشرق التي صيغت في شعر هلودرلين.»(10)
هذا المعنى المختلف للإقامة والوطن يوطّننا على انتهاء خالد المعالي إلى التجوال في هذه المنطقة تائهاً شريداً، فـ«وطن»ـه لم يوفّر له الوطنَ بمعناه التقليدي، ولا المنفى وفّر له منفىً بمعناه التقليدي، فهل انتهى إلى نسخة مطوّرة لمفهوم أسلافه العرب عن الصعلكة؟ إنه التشرّد في الآفاق الذي يكون هنا الكلمةَ المفتاح لهذه المجموعة، وفي الحقّ، إن هذا المفهوم هو نتاج تجربة خالد المعالي برمتها، بإلحاحه على هذه الموضوعة إلحاحاً يوازي ألمَ الشَّريد الذي يحاول العثورَ على مستقرّ. لذلك أميل ميلاً شديداً إلى أن قصائد أطياف هولدرلين، وقصائد المجموعات الشعرية الأخرى لخالد المعالي، ليست قصائد «منفى»، ولا قصائد «وطن»، بل قصائد شاعر لا صلةَ له بالمنفى ولا بالوطن، لأنه معلّق في المابين، ولذا فهي محاولة في الاستقرار. إنها قصائد تشرّد، لأن الوطن ينطوي على استقرار من نوع ما، والمنفى ينطوي أيضاً على استقرار من نوع ما، استقرار مقلقل. لكن المتشرّد لا يستقرّ بالمطلق، كالصعلوك الجاهلي، لكن في صحراء روحية، إنه يحاول الاستقرار، ولكنه، مخلوعاً من «القبيلة»، مجرّداً من أمان روحه المفقود، يهيم على وجهه بغير إقامة، بل يختبر مشروع إقامة، ولذا يظلّ شريداً أبداً، يرفض القبليّة بوصفها انتماءً إلى قبيلة أصلية، ويرفض الاحتماء عند قبيلة غريبة. أَمِنَ الطرافةِ القول إنّ هذه الأطروحة تجد تحققَها الماديّ في سعي كاتب الأطياف، الشاعر خالد المعالي، إلى تعليق ذاته بين المنفى والوطن، فمنفاه الأصلي ألمانيا ووطنه الأصلي العراق، لكنه غادرهما معاً ليختبر مستقراً آخرَ على مقربة، هي مبعدة أيضاً، من، أو عن، كلّ من المنفى والوطن، فأقام في لبنان. ثمة إلحاح لا يكلّ على استحضار ألم من «غربة» لا تزول، وهو استحضار يعكس حجمَ التشوّه النفسي، الصدع الخفيّ، الذي يعانيه المتشرد، اللامقيم، ويعكس حجم النكبة التي ما بعدها نهضة، والرحلة التي ما بعدها عودة. إنه شعور يشبه شعور الإثنوغرافي الذي وصفه كلود ليفي شتراوس في المداريات الحزينة(11)، بما هو متشرّد بين الثقافات والأقوام، لا يؤوب بتاتاً.
والآن، أليست أطياف هولدرلين هي على نحو غامض تصاويرَ المنفى وعزلتَه ومرارتَه؟ أليست الروح الكالحة في القصائد تعاني وحشة السّكنى، أليست الأطياف واقعياً أوحشَ من شعر هولدرلين الذي لم ينقَل إلى العربية كاملاً، بروحه وخفاياه، وامتداداته الفلسفية عبر هيدغر وغادامير، وعلى المرء أن يثقَ أن الشاعر خالد المعالي محظوظ لتوفّره على مفتاح لبوّابة ضخمة مثل بوّابة هولدرلين: مفتاح هو اللغة الألمانية. في الواقع، الأطياف ليست تصاويرَ غامضة للمنفى، وأودّ أن أؤكد هذا المعنى مراراً وتكراراً: القصائد المسكونة بالنثرية مسكونة بالإرجاء، إرجاء توطّنها في خانة محددة، إنها مسكونة بالتعليق، بتعبير آخر، شأن كاتبها، ووطنه، ولغته. كلّ شيء مرجأ، ولذا يتوتّر الكاتب ووطنه ولغته. اللغة متوترة لسكنها في هذا الإرجاء الموجود في الجملة قصداً أو عَفْواً، وهي أمثل تسوية يقيمها شاعر ساخط، لا على السكن والإقامة والحدود بينهما حسب، بل على الشعر والنثر، والحدود بينهما أيضاً.
في قصيدة عنوانها هولدرلين، تنفتح الرؤيا عن سراب متراكم على سراب، وعلى أحلام وظلام (ص201)، وفي قصيدة أطياف هولدرلين(1)، ثمة تباعدٌ وتلاشٍ، وأوهام، يعقبهما تأكيد في قصيدة أطياف هولدرلين (2)، فثمة «مداعبة للأوهام»، بعد ضياع الذات. وثمة ذات «تدحرجت من علٍ إلى جانب الدرب»، ذات تشرّدت، ثمّ ضاعت كليّاً مثل «طيف تلاشى»، و«أثر على رمل»، و«سطر على ماء» (ص204). أثمة تأكيد للانمحاء أشدّ من هذه الصور المتلاحقة:
كنتَ طيفاً وتلاشى
أثراً على الرمل
سطراً على الماء.
بعد ذلك، في أطياف هولدرلين (3)، تمضي الذات مثل «ظلّ وخيال»، ومثل «خيط من الريح»، ومثل شيء لا يرى» (207)، مرة أخرى، أثمة تأكيد للتلاشي أشدّ من هذه الصور المتلاحقة:
وتمضي ظلّاً، خيالاً
خيطاً من الريح
شيئاً لا يرى.
في أطياف هولدرلين (4)، تنتظر الذات الذكرى، فقد سحبت «أذيالها من العالم»، و«سارت ببطء لكي تحدو الجمال في الخيال» (208). إذن ليس فقط هولدرلين مطلقاً، ولا استعارته قناعاً، ولا مسّ الشيطان، هو ما يؤسس الهاجسَ الطاغي في قصائد المجموعة، وفي مجمل تجربة الشاعر، بل التشرّد عبر الأطياف نفسها مجردةً من أيّ نزعة هولدرلينية محضة؛ لأن الأطياف، مثلَ القصائد ومثلَ حياة الشاعر، معلّقةٌ ومرجأة، لا هي بالحقيقية ولا هي بالخيال الفنطازي، هي بينهما، لها جذر في شجرة الحقيقة، وأوراق في فضاء الخيال. لا تتوطّن الأطياف في الحاضر ولا تجد في الماضي سكناً أصيلاً، فالماضي وعاؤها الغابر، والحاضر لا يصلح أن يكون حاضنة لها، ولذا ستبقى معلقة في المابين، والمعلّق مشدود دائم، متوتر، يمسك بطرفيْن، زمنيْن، مكانيْن، ولكنه لا ينوشهما، ويعجز عن التوطّن فيهما كليهما. وتلك هي مأثرة هذه المجموعة بالنسبة لي، وقصائد خالد المعالي إجمالاً.
بودّي أن أقيم جسراً بين قصائد هذه المجموعة تحديداً وما حدث في العراق من تغيير جبّار في نظام كلّ شيء في ابريل (نيسان) من العام 2003، ذلك يمنحني، أنا المتآلف مع قصائد خالد المعالي منذ مجموعة عيون فكّرت بنا (1990)، فقد كان خالد المعالي يكتب هذا النوع من القصائد ذات اللغة الممعنة في بساطتها، اللغة التي تخلو نسبياً وعن عمد من الاستعارة والكناية، من الصورة الشعرية، من التفصّح الذي هو، في أحايين عدة، علامة على التفسّخ، إنه وضع شعري يذكّرني بـ«انتفاضة» شعراء التسعينيات في العراق، حين كتبوا قصائد تقول تماماً ما يقوله الناس في الشارع، بالمفردات نفسها، بالنبرة نفسها، ضدّاً لتهويم شعراء الثمانينيات وألعابهم آنذاك، التهويم الذي يبدو أنهم أقلعوا عنه، بل طفق بعضهم بنكرانه وإدانته. بالطبع تجربة خالد المعالي هي الأسبق، والأوفى لنزوع لغوي خاص وصافٍ لم تلوّثْه نزعات التفجير اللغوي كمفهوم أسيءَ فهمه، ولم تحطّمه شظاياه.
إن قولَ الأشياء كما هي قولاً شعرياً مغامرة تحاول أن تخلقَ الإيحاء من أشياء لا ايحائية، وأن تبثّ القوة في بناء متداعٍ أصلاً، إنها لا تريد هدَّه وإعادة بنائه، بل إبقاؤه متداعياً، ينوس بين القيام والسقوط، لا يسقط ولكنه آيلٌ للسقوط، وفعل سقوطِه يؤجَّل دائماً. ولغة أطياف هولدرلين لغة تقول الأشياءَ كما هي، في عدد لا بأس من القصائد، إلى الحدّ الذي ينذر بسقوطها في الاعتياد، الشاعر يسندها هنا أو هناك، يبقيها كما هي «آيلة للسقوط» ولا يسقطها. إنها «شعرية مفقودة»؛ وهذا ما عبّرت عنه مرة في كتابي التحريري الشعرية المفقودة عن شعرية محمود البريكان كفكرة أساسية أحاول أن أتلمّس تحققاتِها هنا أو هناك في النتاج الشعري الذي نحا هذا النحو.
على سبيل المثال، تفتَتَح قصائد قسم من المجموعة بعنوان «أطياف هولدرلين»، ومن قصائد هذا القسم قصيدة عنوانها «اليوم فكّرت بصديقي» (أطياف هولدرلين، ص169). في الواقع، وبعكس ما يتوقع القارئ أن الشاعر سيفكّر في صديق ما، تتحدث القصيدة عن تفكير الشاعر في نفسه، والتفكير في الآخر، الصديق، معلّق، مرجأ. معلّق بين طرفين، الطرف الأول هو عنوان القصيدة، والطرف الثاني هو مقطعها الموجز الأخير. الشاعر يفكّر في ذاته، يقول صراحة:
سرت اليوم طيلةَ النهار
درت تائهاً في المدينة
فكّرت بحياتي التي كانت
التي ستكون، حصيلة
السنوات التي مضّيتها
تائهاً، مفكّراً بطريق الضباب
وقد أحصيتها مراراً
حينما سرت القهقرى
ولمحت الوهم يتلاشى بين يديّ.
إذن لدينا هنا تفكير محض بالذات، ولا أثر للتفكير في صديق، «سرت»، «درت»، فكّرت»، «لمحت»، ثم في آخر القصيدة، كما لو كان قد تذكّر مبعث تفكيره في ذاته، يتذكر الشاعر أن صديقاً له مات:
اليوم سرت، وحينما حلّ
الظلام، فكّرت بصديقي
وقد راح في غفوة إلى الأبد.
هذا النصّ ليس حكاية عن صديق غفا غفوته الأبدية، بقدر ما هو تأمّل في مصير الذات، إنه نصّ طبيعي، بمعنى أن موت الأصدقاء ليس فقط مناسبة للحزن، بل للتفكير في المصير الشخصي، فهو ينبع من إحساس قاتم، يعلّق فيه موت الصديق لصالح مصير باتّ، قادم لا محالة. ما بين مبتدى النصّ ومنتهاه، تنتظر ذات الشاعر مصيراً مرجَأً قليلاً، وهو أدعى للتفكير من المصير النازل توّاً. النصّ هنا يتّجه إلى شيء غير مألوف بلغة مألوفة، فبدلاً من كتابة مرثية لصديق ميّت، ينصرف النصّ من المرثيّ المفترض إلى تأمل حياة الراثي المفترض أيضاً. يتجّه النصّ بعكس ما يفترض به من اتجاه، نصّ يذكّرني بستراتيجية نصّ عنوانه «الشجعان» كتبه الشاعر عقيل علي(12)، اتخذ فيه اتجاهاً معكوساً، فبدلاً من تقريض الشجاعة والشجعان كما هو معتاد، حمّلهم مسؤوليةَ الأحزان التي يخلّفونها وراءهم كمآسٍ لأحبائهم الأحياء الحزانى، وقد تناولت ذلك في دراسة مستقلة عن الشاعر عقيل علي ضمّنتها كتابي النصّ والحياة (2008).
ليس من قصيدة في مجموعة أطياف هولدرلين إلاّ ويرين عليها توتّر إنسانٍ مشدودٍ إلى ركنيْن، بينهما المسافة الفاصلة بين الحلم واليقظة. إنسان القصائد، الشاعر، يتوق إلى الهرب من شيء لا يعرفه تماماً إلى شيء لا يعرفه تماماً أيضاً. يسمّيه مرة «الأفعى» ومرة «الذئب» (ينظر: أطياف هولدرلين، ص10). لا قطيعة للغة أشعار أطياف هولدرلين، ولا للمجموعات السابقة عليها، مع بنى اللغة العربية، ولا كان ثمة قصر للغة على التشظّي، بل هي لغة شعرية تخضع إلى ملامح سردية أحياناً، ولهذا جذر في المجموعات السابقة للشاعر خالد المعالي. ثمة وفرة من القصائد في مجموعاته تنزع نزوعاً سردياً، ففي مجموعته الهبوط على اليابسة، ثمة حكاية عن قوم «ماتوا عطشاً»، جفت بئرهم فرحلوا ولم يجدوا غير الموت لهم ولحيواناتهم من خيول وكلاب. تنضبط هذه الحكاية، مثلاً، بقصيدة من أعمق قصائد هذه المجموعة، أسطر وجيزة وموحية بالامتداد، امتداد حكاية الذات وموتها عطشاً إلى منابع خلّفتها وراءها، وموارد جفّت فعانت الروح من اليباس:
جفّت البئر وعاد الدلو فارغاً
فارتحلنا بعيداً
لا الوحشَ لقينا
ولا الطيرَ رأينا
غير أنّا سمعنا الزمانَ يئنّ
ساعاته تدور كالرّحا
ونحن بانتظار الرجاء.
هناك توقّفنا
خيولنا أراحتْنا وماتت
الكلب هرّ قليلاً ثمّ اختفى.
هناك ارتخينا
أبقينا حاجزاً صغيراً من الرمل
وتحته أكوامٌ من عظام.
الموضوعة في النصّ تقتضي السرد، لأن الضياع الذي يحتشد به النصّ ناجم عن حكاية، حكاية روح هائمة، «روح تمشي وهي تموت» (الهبوط على اليابسة، ص6)، هذا النصّ، يواصل موضوعة النصّ الذي سبقه، يكرس الضياع: «ضعت فوراً وما عاد شباكك يفتح»، والاختفاء «مأواك اختفى خلف غيمة»، واليأس «إلى اليأس عدتَ روحاً تمشي وهي تموت». وتستمرّ السلسلة، سلسلة النصوص، كأنها نصّ واحد مكرّس لموضوعة واحدة، فتأتي قصيدة «تلاشي» (الهبوط على اليابسة، ص7) لتروي الضياع المطلق «ضاعت الكلمات وتبعثرت المعاني»، والصمت المطبق «تقطعت الحبال وتحللت الحنجرة». هذه استراتيجية شعرية تحاول تأكيد شيء واحد، شعور واحد، طاغٍ لدرجة اقتضاء تقطيعه إلى نصوص عدة تنثره في سطوح متباعدة وتعاينه كأنه حكاية، حكاية موجعة مع ذلك.
ثمة ثلاث قصائد في هذه المجموعة جاءت بعنوان «الوصول» (ينظر الصفحات 11، 41، 102)، كلّها لا توصل إلى شيء، وإحداها توصل إلى النهاية، في الحقيقة عنوانها «الوصول إلى النهاية»، وستلحّ مجموعات خالد المعالي الشعرية على موضوعة «الرحيل» و«الوصول» كما سنرى الآن. وثمة قصيدة عنوانها «طريق للذهاب» هي في الواقع «بحث عن طريق للذهاب» (ينظر ص25)، إذ لا شيء يعد بطريق للذهاب. إن هذه الموضوعة لا تنفكّ عن مطلق أشعار خالد المعالي، في مجموعة حداء، ثمة أمثلة لا تحصى عليها، هناك أربع قصائد عنوانها الرحيل، وهي «الرحيل» و«الرحيل ثانية» (حداء ص10 وص11) وقصيدتان بعنوان «رحيل» (حداء ص30 وص73). لا تمنحك هذه القصائد سوى صور لأنقاض يخلّفها وراءه الراحل، الليل فيها بلا نجوم ولا أقمار، وليس سوى التيه، حتى القصيدة التي تتحدث عن وصول ما، وعنوانها «وصول»، لا تصل إلى شيء، لأن الطريق فيها كانت مغلقة، والشاعر ينتهي فيها إلى الوقوع في دائرة الذكريات والحنين:
هنا، كانت الطريق مغلقة
وأوهام دارت كثيراً
لكي تلقى المصير مرمياً
والذكريات تبدو إلى الدنيا،
جئت من بعيد
رافعاً كيس الذكريات
وقد نام فيه الحنين. (حداء ص31)
وهي الطريق نفسها التي أسلمتْه للتشرّد حين عاد من المنفى، فلا فسحة للأشياء كي تعود كما كانت أبداً. وقصيدة «العودة من المنفى» (حداء ص13) لا تحتفظ بشيء مطلقاً، لا بالطريق ولا بمعرفة المكان، فحتى العكّاز يخذل المتعكّز عليه، والقصيدة تنتهي بـ»عكّازي اختفى والظلام حلّ، وما عدت أدري أين الطريق». (حداء ص14). ولا غرابة أن نجد الأمر نفسه في مجموعة شعرية أخرى هي العودة إلى الصحراء، ففيها أيضاً أربع قصائد بعنوان رحيل أو الرحيل، وأربع أخرى بعنوان الوصول (ينظر تباعاً العودة إلى الصحراء الصفحات 29، 32، 37، 61، 65، 90، 91، 93)، والرحيل فيها كلها تشرّد، والوصول أكذوبة، فهو يرحل نحو الصدى أو السراب، ويصل مثلاً بلا «مفاتيح ولا كلمات»، أو يصل طريقاً منتهية أصلاً. أليس شيئاً نافراً أن شاعراً يكرّر عناوين قصائده هذا التكرار الدالّ؟
إن انكسار الروح في تشرّدها وتشرذمها لا يظهر فقط في الطاقة النابعة من معنى يتكرّر في أشعار خالد المعالي، بل من انكسار الجملة اللغوية أيضاً، انكسار الجملة لا يعني اللعب ببنائها تقديماً وتأخيراً، ولا في تركيبها اسمية أو فعلية، بل في إيقاف تدفّقها السطريّ، فالشاعر يقتطع منها قسماً لينزله إلى سطر شعري جديد، لكنه في الواقع متعلّق بسطر سابق أو لاحق، لننظر إلى هذا المثال:
يريد أن ينزلَ من الروابي إذن،
أن يكفَّ عن الرؤيا، فقد سدّ
أذنيْه وأغمض عينيه، يريد
أن يوقفَ قلبه نبضَه، وأن
يَدَعوه يسير حقّاً، يسير أينما
شاءَ، فلم يعد يعبأ بالسنين … (أطياف هلودرلين، ص16-17)
فانتهاء الأسطر بـ»سدّ، يريد، وأن، أينما» تبتر وحدة المعنى المكتملة في السطر، لترجئه إلى السطر التالي. هذه التقنية التي تعثّر القراءة وتعوقها انكسار ماديّ يستوطنه انكسار روحيّ، فحين لا يكون من سبيل لتمظهر انكسار الروح يشطب الشاعر على انتظام جملته، ويقطع اكتمالها، ويبتر أجزاء منها ليلحقها بأجزاء أخرى. إنه نوع من «شجّ الروح بفأس»، هكذا يقول لنا خالد المعالي في الأطياف:
وكلّ الذي أردتَ، ضاعَ
من يديك بلحظةٍ، كأنّ
زمانَك قد انتهى، وشجّت
الروح لديك بفأسٍ، فما عدتَ
تدري إلى أين تذهب، ذبلتْ
نظرتك وعينك ابيضّت من الدمع
أنت لم تعدْ تبكي دمعاً، راحك
الممدودة ردّت إليك بشارة … (أطياف هلودرلين، ص18-19)
لنختتم موضوعة التشرّد بالعودة إلى أطياف هولدرلين، وبتأكيد بعد آخر فيها، في قصائد الأطياف إجمالاً حوار ناقص، نزعة حوارية لا تكتمل دورتها التواصلية، يخاطب فيها شخصٌ ما نفسَه، يناجيها (مناجاة)، ويتداخل الحوار من قصيدة لقصيدة ليكون نجوى فتأتي القصائد مَرةً بضمير الخطاب، ومرة بضمير المتكلم، ومرة بضمير الشخص الثالث، ومرة بجميعها، شخص ما يخاطب آخرَ ويقول له أنت كذا وكذا، ثم شخص يكلّم نفسَه ويقول أنا كذا وكذا، أو شخص يتكلم عن آخر ويقول هو كذا وكذا، إنها محاولة في عقد شراكة في حوار يمتدّ عبر القصائد كلّها، ولا يهمّ إن كان الشخص هو هو، أو الشاعر نفسه، لأن عقد الشراكة هو المبتغى. فهو يبني حواراً فيه تفجّع وأسى وندامة. ليس ذلك حسب، بل فيه أيضاً محاولة للتعويض الرمزي، ففي عالم ضائع وزمن مفقود، ما للشاعر المتشرّد غير أن يصنع بيتَه وزمنَه، ويعيش فيهما، بهجرٍ أقلَّ وتشرّدٍ أقلَّ حيث، حينَ، يستحيل الشعر خشبةَ خلاصٍ.
الهوامش
1- ينظر: هولدرلين: قصائد مختارة، ترجمة فؤاد رفقة، دار النهار، بيروت، 1997.
2- ينظر: مارتن هيدغر، من تجربة الفكر، طريق الحقل، نقلهما إلى العربية وقدّم لهما فؤاد رفقة، دار النهار، بيروت، 2004.
3- ينظر: مارتن هيدغر، إنشاد المنادي: قراءة في شعر هولدرلين وتراكل، تلخيص وترجمة بسّام حجّار ومنذر حلاوي، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994.
4- للأسف لم أستطع الاطلاع على هذه المختارات التي صدرت في العام 2009 عن درا توبقال.
5- ينظر غادامير، طرق هيدغر، ص239-240.
6- ينظر: هاشم صالح، «في ظلال هولدرلين، في ظلال الشعر»، موقع الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=176372 (26 أيلول 2011).
7- توماس ترانسترومر، الأعمال الشعرية الكاملة، نقلها إلى العربية قاسم حمّادي، بدايات للطباعة والنشر، دمشق، 2005، ص11.
8- ينظر لسان العرب، مادة (طيف).
9- See Theodor Adorno. Minima Moralia: Reflections from the Damaged Life. Trans E. F. N. ephcott, (United Kingdom: Verso, 1996).
في عنوان كتاب أدورنو محاكاة لعنوان كتاب أرسطو علم الأخلاق الكبير Magna Moralia، وفي العنوان الفرعي «تأملات حياة مشوّهة»، أو منكوبة لأنها حياة أدورنو في المنفى، إشارة إلى كتاب نيتشه العلم المرح الذي هو تأملات في الحياة الزاهية والسعيدة. وتناهى إليّ أن كتاب أدورنو يترجم الآن إلى العربية بعنوان الأدب الصغير، ولا أدري سبباً لهذا التغيير الجوهري في العنوان.
10- Martin Heidegger. Letter on Humanism. Trans. by Frank A. Capuzzi and ohn G. Gray. (New York: Harper & Row, 1971).
11- ينظر: كلود ليفي شتراوس، المداريات الحزينة، ترجمة محمد صبح، دار كنعان، دمشق، 2003، ص61.
12- عقيل علي، طائر آخر يتوارى، منشورات الشتات، باريس، 1992، ص24.