أحمد الويزي *
“نحن جميعنا منفيون، في عالم ليس له مركز”
تيرا نوسترا Terra Nostra
كارلوس فوينتيس
1) على تخوم الوطن/الوثن:
يُقصَد بالمنفى لغةً المكانُ الذي يلوذ به المنفي ويلتجئ إليه، مستجيراً من شدة الاصطلاء بنيران التسلط والاستبداد، ملتمساً المدد والسند لنفسه وقضيته، بعدما يكون قد وقع عليه فعل النفي، أي الطرد والدفع(1)، سواء بكيفية فوقية قسرية، أو بشكل تلقائي نابع من بعض الاختيارات الذاتية الصرفة. والنفي في الحالتين معاً، فعلٌ من أفعال العنف القصوى، وهو رديف رمزي لعملية العدم والتصفية بالقتل، مادام يستهدف في العمق استئصال الفرد من مداره الطبيعي والثقافي الأول، واقتلاع جذوره من امتدادها البيئي الأصيل، والدفع به طريداً وحيداً بعيداً عن أفراد الأسرة وأعضاء العشيرة أو القبيلة الطبيعية والثقافية، نحو مرابع ومراتع ومواقع غير مألوفة ولا معروفة، حتى وإن كانت مأهولة. إنه إذن، ممارسةُ انتقاصٍ واجتحاف للإنسان، غايتها تذليله وتقزيمه من خلال عزله وإفراده أولاً، وحرمانه من حقوقه الطبيعية في الانتماء والاندماج والامتداد ثانياً، ثم طرده أو الدفع به الى “الخروج” وهو فعل تأديبي أكثر وطأة وإيلاماً، من أفعال القهر والإكراه البدني الأخرى معاقبة له على جرم ربما اقترفه في حق الوطن/الوثن.
وتُعدّ عقوبة النفي خارج مجال الوثن الجماعي (الوطن)، من بين أقدم العقوبات التي ظلت الجماعات البشرية تمارسها، باسم الدفاع عن المُثل العليا للقبيلة والعشيرة، وبوازع المحافظة على القيم الأخلاقية الكبرى للجماعة، في وجه كافة “العاقين” و”المارقين” من الأبناء غير البررة، الذين يتجرؤون على خدش النظام العام، ويرتكبون “جرم” الخروج عن سلطة الإجماع، والسيادة العليا، والقيم العامة (2). وبذلك، يُكره المنفي الذي يكون قد أقصته العشيرة من رحمة حماها وحمايتها، على ملاقاة مصير التيه، والضرب في بلاد الغربة منبوذاً، ومقصياً، وأعزل إلا من إرادته وقوته ورغبته في الصمود والبقاء. وينشأ لدى المنفي تبعاً لذلك، نوع من الحالة النفسية والثقافية العامة، التي تتسم بملامح وصفات محددة ومشتركة، يمكن وسمها استناداً الى أعمال العلامة الراحل إدوارد سعيد، بحالة المنفى. هذه الحالة هي مجموع الأفعال وردود الأفعال، الناجمة عن بعض الإواليات السيكولوجية والفكرية والفلسفية العامة، التي يعيشها المنفي ويتعايش معها، وهو يحمل قدر الخروج المكره والابتعاد القسري، عن دائرة الأهل والبلاد؛ يتساوى في ذلك المنفي المجبر كرها على النفي، والمنفي الذي يلوذ بالبلاد الأخرى من باب الاختيار.
ففي معرض الحديث عن ملامح المنفى وبعض آثاره النفسية، يصف د. إدوارد سعيد(3) المنفى قائلاً بأنه واحدٌ من أشد الأقدار مدعاة للحزن. ذلك أن الإبعاد القسري عن الأهل والقبيلة في الأزمنة ما قبل الحديثة، لم يكن الممارسة العقابية التي تستدعي في النفس رهبة شديدة، لمجرد كونها تعني الخروج والتيه لسنوات طويلة، في مبعدة عن أفراد الأسرة وعن المرابع الأليفة، وإنما هي كذلك لأنها اعتُبِرت ضرباً من الإقصاء والنبذ الدائمين، اللذين يظلان يلاحقان المنفي في حلّه وارتحاله، وهو ما يُشعِره بكونه غريباً مرفوضاً أينما ولّى ويمّم، ويجعله يحس على الدوام بالارتباك، وبعدم قدرته على التصالح مع الماضي، فينقلب طعم الحاضر والمستقبل في فمه، مخلوطاً بمذاق المرارة. . .
ولأن المنفيّ يُجبَر على أن يكون بعيداً عن مركز الألفة (الوطن/الوثن الجائر)، ولا يستطيع أن يجد حتى وهو في ضيافة أكثر البلدان عدالة، ذلك المركز الذي ينشدّ إليه بخيط صبابة حالمة (الوطن العادل)، فإنه يظل يعيش على الدوام حالةَ وسطٍ دائمة (البين/ بين). هذه الحالة تترك المنفيّ مثلما يقول إدوارد سعيد، لا ينصهر ولا يندمج في محيطه الجديد، ولا يتخلّص كليةً من عبء البيئة الماضية. يعيش في تضايق مستمر، لأن أنصاف التداخلات، وأنصاف الانفصالات تؤلمه وتضايقه، وهو مصاب بهوس الحنين والحلم؛ وإلى ذلك فهو عاطفي من ناحية، ومقلد حاذق لا يعلم به أحد، من ناحية أخرى.
ويضيف إدوار سعيد قائلاً بأن المنفى يجعل المرءَ مكرهاً على التفكير في وضعه، ويا لها من تجربة فظيعة! إنه الشرخ المفروض الذي لا التئام له بين كائن بشري ومكانه الأصلي، بين الذات وموطنها الحقيقي: فلا يمكن أبدا التغلب على ما يولده من شجن أساسي. . فمآثر المنفى لا يني يقوضها فقدان شيء ما خلّفه المرء وراءه إلى الأبد.
2) الأدب وطن بديل للمنفي!
لا يجد المنفي وطناً يتعزى فيه عما ضاع منه، سوى وطن الأدب. والمتتبع للكتابة الأدبية التي تناولت ثيمة المنفى، ليندهش أيما اندهاش لذلك الكم الهائل جداً من الكتابات الأدبية، سواء منها السردية أو الشعرية، التي نذرها أصحابها لنقل تفاصيل تجاربهم الخاصة أو تجارب غيرهم، ممن عانى مصير الطرد والدفع مكرهاً، وتجرع عذابات النفي وفظاعات الاقتلاع. إذ منذ عصر أوفيد Ovide الروماني، وحتى وطن صموئيل شمعون العراقي، مروراً بكوكبة من الشعراء والكتاب الموزعين على أقدار النفي، في جغرافية الأزمنة المديدة وتاريخ البقاع والأماكن العديدة؛ أُريق الكثير من المداد على عتبات التيه وأضرحة الضياع، إلى حدّ لم يعد معه المنفى مجرد موضوعة مركزية في الأدب وحسب، وإنما صار بمقدورنا الحديث عن نمط خاص من الكتابة الأدبية، لا يتميز بهيمنة ثيمة “النفي” المركزية وحسب، وإنما هو ينزاح عن بقية الأنماط الأدبية الصغرى، بكونه يتناول هذه الموضوعة من خلال طرائق وأشكال محتوياتية متميزة.
وتبعاً لذلك صار من السهل على كل كتابة تتصدى لأدب المنفى، أن تقف على مجموعة من العلامات المميزة لهذا الأدب، أهمها كونه أدباً يعتمد على إوالية التذكر والاسترجاع (الارتكان الى الذاكرة)، ويهيمن فيه عنصر التطابق بين هوية المتكلم في النص، وبين هوية الموقّع على ذلك النص باسمه الكامل، وهو الشيء الذي يجعل من أغلبية النصوص المنذورة لثيمة المنفى، نصوصاً سيرية بامتياز، تروي معاناة اقتلاع أصحابها من تربة البلاد، وتفوح وهي تبوح بروائح التضجر والتبرم في أوطان التيه والتشرد والضياع.
وتنشأ عن تلك الخصيصة الأولى، وضعية خطابية لازبة هي وضعية التلفظ في الخطاب Énonciation، حيث تشيع في النص مؤشرات لغوية ترتبط رأساً بوضعية المتكلم الأنطولوجية (تعدد مظاهر أحواله النفسية، واختلاف مشارب مرجعياته المعرفية)، مع ما يرافق ذلك مــن صـور وإجـراءات تعبيريـة صـوغيـة Modalisateur ، تظهر ملامحها بشكل مفضوح، على جسد اللغة التي كتِب بها النص.
غير أنه وعلى الرغم من وجود تلك الجوانب المشتركة كلها، فإنه لا يحق للدارس اعتبار جميع ما كُتِب ضمن أدب المنفى متقارباً من حيث القيمة الأدبية والمستوى التعبيري، إن لم نقل تناسخاً لنص أصلي واحد أوحد، وحاشية على متن مركزي سابق في الزمن، هو النص/الأب/النموذج. فحينما نتوخى وصف الغابة، غالباً ما نجتحف حق الشجرة في البروز والتميز والفرادة، فنجني بذلك على بعض النماذج التي تتميز بالخصوصية!
إن أدب المنفى كغيره تماماً من التجارب الأدبية الأخرى(4)، لا ينبغي اعتباره أدباً يتطابق بعضه مع البعض الآخر جملة وتفصيلا، حتى وإن كانت النصوص التي تدور في فلكه، تنتمي الى مجرة ثيمية واحدة. إنه كغيره من الآداب الإنسانية الكبرى حقل ابتكار واشتغال فرديين، ينفتح دوماً على التراكم من خلال الإضافة، وعلى الترسيب من خلال تخصيب بعض الأشكال، وتجريب طرائق وإمكانيات شكلية ومحتوياتية متنوعة. وبذلك فهو يسعى لكي يتسع كأدب لصيق بمصير الإنسان التراجيدي ومعاناته المأساوية، الى تغطية المزيد من التجارب الفريدة، التي فتحته وما تزال تفتحه على الصيرورة.
وبناء على ما سبق ذكره، نتساءل عن أهم عناصر الجدة والفرادة في مؤلف صموئيل شمعون، كنص يندرج ضمن أدب المنفى بامتياز.
3) أكسسوار وديكور ومشهد المنفى في سيرة “عراقي في باريس” الروائية:
يورد صموئيل شمعون في الملحوظة التي يستهل بها سيرته الروائية، بعض الكلام الذي جاء على شكل اعتراف متأخر، تبوح به الأم العجوز حين تلتقي بابنها في أمريكا. تقول له الأم: “هل تعرف يا شموئيل، بعد لحظات قليلة من تسميتك، شعرت بحزن شديد وقلتُ لنفسي، إننا بهذا الاسم الثقيل، نضع الكثير على كتفيْ هذا الطفل!”.
إن افتتاح المحفل السردي بهذا الاعتراف الوارد على لسان الأم، لهو بمثابة مؤشر عتباتي Incipit يضطلع بوظيفتين اثنتين، تستبق الأولى مجموعَ الصفحات السردية الموالية، لتخبر القارئ في اختصار جد مقتضب، بحجم وطبيعة ذلك الحِمل المعاناتي “الكثير”، الذي وُضع لخمس وعشرين سنة(من 1979 وحتى بداية عام 2004!)، “على كتفي هذا الطفل” وكأنه صليب جديد أو حجر سيزيفي ضخم؛ وهو ما يُفترض أن يكون مادة حكائية لمجموع صفحات السيرة الروائية (وعـددها 300).
الى جانب ما سبق، يضطلع المؤشر الافتتاحي المذكور بوظيفة أخرى تتلخص في أن الكاتب يسعى منذ اللحظة الأولى من تدشين محفله السردي بالملحوظة أعلاه، الى وضع أحد المفاتيح الرئيسية في معاناته بين يدي القارئ، حتى يستفيد هذا الأخير من ذلك في تمثل بعض الأسباب الخفية والكامنة وراء خلفية تلك المعاناة المومأ إليها في السابق؛ ويتعلق الأمر ها هنا بذلك المقوم التعييني الخاص، الذي يشير رأساً الى الشخصية الرئيسية في المحكي السيري، ويحيل عليــها داخل النص وخارجه، ونقصد بالتحديد طبيعة الاسم الشخصي(شموئيل).
إننا أمام اسم غير عادي، اسم خفيف في اللسان، لكنه ثقيل على كاهل الإنسان (خصوصاً العربي)، لأنه مشحون بمجموعة من الأعباء والأوزار، وقابل لأن يتفجر كلغم حربي، ناثراً من حواليه شظايا التشويش تارة، والتوجس والإدانة تارة أخرى، لأنه دال اسمي منحاز الى جغرافيا ثقافية لها بعض الخصوصيات المميزة. فهو اسم نبوي يجيئنا مباشرة من العهد القديم(5)، محمّلاً بمجموعة من المعاني والترسبات الاشتقاقية والدينية، ليَعْبُر بنا بعد ذلك الكثيرَ من المحطات الفاصلة في بصم ذاكرة الأفراد والشعوب التاريخية، ثم يرسو مثل صليب مسنون على “كتفيْ هذا الطفل” العراقي، الذي يحمل محنة حلمه بوطن يكون جديراً بالتشبث به والانتماء إليه، ليس تراباً وحدوداً ووثناً وحرساً، وإنما هو خليط ضوء وعتمة وصور.
إن نسبة اسم شموئيل (أو صموئيل، لا فرق!)، الى شاب عربي خرج من العراق في نهاية العقد السبعيني (الذي ظل يغلي بأجواء الحروب الباردة والساخنة)، حاملاً بين شغاف القلب إصرارا ثابتاً يحث خطوه على النزوح بالحلم الفتي الندي، بعيداً عن خريطة الكابوس العربي الكبيرة، ملتمساً ومتلمساً في الآن ذاته، السبيل الممكن الذي يفضي الى هوليوود، مصنع الأحلام السينمائية الوردية، من خلال المرور عبر محطات غير مَرحة ولا مُريحة بالمرة، تبدأ بمعتقل سوريا الرهيب، لتعرّج بعد ذلك على مخافر التعذيب الوحشية بمعسكرات لبنان والأردن، وتمتد نحو موطن الضياع واليأس في تونس واليمن، ثم أرض الاغتراب والارتياب بقبرص، وأخيراً مقام التهوّس والتيه والتشرد بين الحانات في باريس؛ إن نسبة ذلك الاسم لوحده فحسب الى شاب بتلك المواصفات، ليُعدُّ مدعاة للارتياب، ومجلبة للاتهام، وعلة لتلقي الأذى واستقبال الألم!
إن حَمل دالٍّ اسمي غير أجوف (مثلما هو الحال بالنسبة لاسم شموئيل)، في أوطان التوجس والريبة والخيفة والحرب، يعني منذ البداية حمل صك اتهام ناجز، يعرض صاحبه للخطر المخابراتي الداهم والدائم، ويجعله يعيش وضع نفي مستمر. إن الدال الاسمي هنا، يُفقد حامله صفة “البراءة” حتى ولو كانت أحلامه السينمائية هي كل طويته وهويته، ومن ثمة يزج به ضمن بوتقة حامية من الاعتقالات المتواصلة، والاستنطاقات المشبعة بالتنكيل والتعذيب. يحكي السارد في النص (ص: 15/16)، عن نهاية التجربة الاعتقالية الأولى لدى المخابرات السورية، فيقول: “. . . اقترح علي الضابط [بعدما تأكد من أني لست جاسوساً يهودياً] أنه من الأفضل أن أغير اسمي”.
إزاء الاسم كواحد من أكسسوارات المنفى (6)، يأتي الجسد. إنه ليس علامة فارغة ولا محايدة كذلك، لكونه غالباً ما يخضع كمادة من طبيعة خام، الى عمليات تصرف وتحويل ومعالجة بَعْدية متوالية، تتغيى وسمه باعتباره علامة دالة، بطابع الجماعة الاثنية المميز، ومنح صاحبه صلاحية الانتماء الى دائرة أوسع من لون إيهابه، وذاكرة جيناته الوراثية، قصد جعله فرداً من أفراد عشيرة مغلقة، مثلما لها مدار في الجغرافيا، لها كذلك حوزة ثقافية تؤثث ذاكرة اللغة والأفراد. وهو ما ينشأ عنه أخيراً، اعتبار كل مؤشر طبيعي أو ثقافي في الجسد، إلا ويلعب دوراً حاسماً إما في عملية دمج الأفراد وقبولهم في الجماعة، أو إلغاؤهم وطردهم ونفيهم من الوسط العام، وربما تعريضهم للتصفية الجسدية، لأنهم لا يحملون ذاكرة القبلية وتأشيرتها فوق إيهابهم.
يحكي السارد في المؤلف عن تجربة الاعتقال السورية، التي كان الارتياب في التسمية سببها المركزي، مشيراً الى الكيفية التي تعامل بها رجال المخابرات مع جسده، قائلاً: “. . . طلب مني [ضابط المخابرات السورية]، أن أخلع بنطالي ففعلت، ثم طلب مني أن أخلع لباسي الداخلي ففعلت. التفت الضابط الى المحقق الآخر، وقال له: هذا مش يهودي”(ص: 15).
يلعب الجسد في سيرة “عراقي في باريس” الروائية، دورين متناقضين يساهم كل واحد منهما إما في عملية دمج السارد/البطل في قلب مجموعة معينة، أو رفضه ونفيه والزج به بعيداً طريداً، الى منفى آخر. فإذا كان الجسد في المعتقل السوري، لم يخذل صاحبه بعد أن تورط في تهمة الجاسوسية بفعل وزر التسمية، وإنما على العكس من ذلك استطاع أن يخرج من صمته، ويُخرِج بذلك شموئيل من دائرة الثقل والإدانة، جانحاً به الى برّ الطمأنينة والسكينة وهدوء القلب، لما أفصح ما تحت اللباس الداخلي ببلاغة اليقين الأخرس (= القفلة غير المستأصلة، كإشارة على الانتماء الى الدائرة المسيحية!)، عن غياب أي مؤشر مادي يثبت ويؤكد تهمة الجاسوسية اليهودية؛ فإنه في المرة الموالية سيحول دون تحقيق ما ظل صاحبه يصبو إليه، بعدما اتقدت نار الصبابة واشتدت بين ضلوعه في ربوع تونس، وهزّه الهوى المشبوب بحب زهرة.
في هذه المرة، ستعجز بلاغة الجسد الأخرس المعدّلة، عن الوصول بشموئيل الى البرّ المبتغى، لأن أخ زهرة المتدين “هدّدها بالقتل، إنْ هي واصلت اللقاء مع ذلك العراقي الكافر”(ص: 31). وسوف لن تفيد شموئيل هذه المرة، عملية التصرف والتعديل في الجسد، حتى وإن ظل بعد عملية الختان التي أجراها عليه الحلاق الشعبي، يهمس بلغة تسخر من وضعه وموقفه: “لقد قطعتُ العضو المشبوه والامبريالي في جسدي!”(ص: 32).
هكذا إذن، يلعب مقوما الاسم والجسد دوراً أساسياً في تمثيل ذرائع النفي في مؤلف صموئيل شمعون، لأنهما علامتان ثقيلتان الى أبعد حد، سيما داخل فضاء عربي مسكون بهاجس الوقيعة والدسيسة، يتوزع بين جنباته الجواسيس وحراس الوثن. ففي هذا الفضاء، يصبح كل مواطن متهماً مرتاباً في طويته وهويته، ومشكوكاً في نيته وسريرته الى أن يثبت العكس، وهو الأمر الذي يُجبر المرء في بعض الأحيان، الى التدخل من تلقاء نفسه متصرفاً في اسمه وطبيعة جسده، بغـية التلطيف من وقع الاسم لحظة التلقي، والتماس الخفة في تمثل صور الاختلاف على خريطة الجسد، تفادياً لكل ما من شأنه أن يؤول بالغريب المغترب، الى نهاية غير سعيدة ومصير عاقبته وخيمة وأليمة.
ومثلما يتدخل المنفي بطواعية وتلقائية في التخفيف من ثقل تسميته، يباشر عملية التعديل والتصرف في شأنه الجسدي، إما بإضافة بعض الرتوشات التي تتوخى التلاؤم مع ظرفية النفي الخاصة، أو التنصل من أخرى تقع تحت طائلة الظن المريب، حتى يتمكن المرء من تفادي دواعي التصفية، أو الإقصاء والطرد في اتجاه منفى آخر.
إن المنفى يجعل الاختلاف شبهة، والاستثناء إدانة، والخروج عن دائرة المعهود والمشهود تهمة (وأية تهمة!)، حتى ولو كان موضوع الاختلاف والاستثناء والخروج عن دائرة الجموع، لا دخل لإرادة الفرد فيه، ولا نية مبيتة له من ورائه، مثلما هو الشأن بالنسبة للاسم ولعلامات الجسد.
إن مؤلَّف “عراقي في باريس” خصوصاً في فصله الأول، حينما يسترجع السارد مجازات التيه ومسارات الضياع من العراق وحتى باريس، ليعدّ بحق صرخة فاضحة لأوضاع القمع والقهر والعقاب والقصاص المجانية، في بيئة عربية متخلفة، تجبر فيها كل السّلط الزجرية أفرادها على التماثل والامتثال، ويعامل فيها الفرد وكأنه عضو من جماعة حيوانية، ينبغي عليه أن لا يشذ عن لون القطيع، وأن يتلقى عصا القائم بأمر رعايته بأريحية وسعة صدر.
في هذا العالم الذي تعمّه الأشباه والنُّسخ، وترعاه طلائعُ الإدانة ومحاضر الشبهة والتهمة، تغدو “الحياة” غير الحياة الحقة، سيما لدى فئة المتمسكين باختلافهم، والقابضين على جمر حلمهم الساعي بهمة وثبات، نحو الانفلات من أسْر الجمع والمَجْمعة الكابسين، مثلما هو شأن سارد صموئيل شمعون.
ففي هذا العالم الذي يعج بالمخبرين والبصاصين والعسكريين، ممتداً من العراق الى ما بعد غرب تونس، ليستويَ “مقبرة ضخمة” للإنسان (مثلما وصف ذلك مصطفى الحداد أحد أصدقاء السارد التونسيين، في الصفحة 31 من المؤلف)؛ يتقلص مجال الاستثناء، وينكمش مدار الاختلاف، وتكـاد باقة الأحلام تغدو فيه مجرد ورود ذاوية. يقول صموئيل شمعون: ” كنت أقضي الليل [وأنا ببيروت] في الشرب مفكراً في السينما. . . كنت أتألم وأنا أرى المسافة بيني وبين السفر الى أمريكا تتوسع وتتعمق وتكاد تصبح رحلة مستحيلة”(ص: 27). عندها يصحو صموئيل من ضائقة الغربة مجدداً، ويشد على عصاه معتصماً بخيط الحلم الشفيف، فاتحاً في جدار المقبرة الضخمة كوة، تسمح بالانطراد والانفلات والخروج عن دائرة الموت العام، بإرادة واعية برهانها العنيد، وهي تسعى باتجاه بديلها السعيد.
إن السارد/البطل ليعي الوعي التام، بأن تمسكه بتحقيق الحلم السينمائي، في واقع كابوسي مرعب للغاية، يلعب فيه سدنة الأوثان أدوار رجال البوليس والقضاة معاً، في محاكمة كافكاوية مفتوحة على مطلق الزمان والمكان، لهو ضرب من المجازفة الجميلة الباهظة الثمن، ونوع من المراهنة الجنونية الجريئة التي تسعى الى قلب الأدوار، والانتصار لحلم يتوق الى استبدال موت الجماعة، بحياة فردية هلامية جميلة وبديلة، لها مذاق الطفولة العذب المستساغ، ضداً على مرارة ومَرْ ت الواقع العام؛ وهو ما يكفله وطن السينما، الذي يصر السارد/البطل على الانتماء إليه هو وحده لا غير، حتى وإن ظل عاجزاً عن تحقيقه(ألا يمكن للقارئ أن يؤول تجويف القاعة السينمائية، وعتمتها، والاطمئنان السعيد، والوضع المريح الذي تستدعيه في نفس المشاهد لحظة المتابعة، بأنه تعويض استعاري عن بطن الأم؟!).
فأنْ يكون المرء واعياً أشد ما يكون الوعي بحلمه (والحلم هنا ذريعة نفي ثالثة في هذا المؤلف الشيق!)، متمسكاً بالخروج بنفسه من مقبرة الأحياء الضخمة، في سبيل الوصول الى هوليوود، معناه أن يعدّ نفسه كي يعتبر أي مكان خارج هذه المملكة السعيدة، منفى قاسياً وعسيراً، لا يكرّس غير الألم والسأم، ولا يذيق المرء سوى عذابات الاجتثاث والانتزاع باستمرار.
إن منفى صموئيل شمعون تجربة أخرى. منفى مختلف عن بقية المنافي. إنه منفى لا ينتصر لمكان وزمان ضد آخر، كعادة أدب المنافي، وإنما هو واقعة خروج مفتوحة على عودها الأبدي. تجربة وقودها الرغبة والإرادة في استطالة الحلم، في أوطان تنفي الأحلام. إنها صرخة تفضح نفي الحلم في وطن الشبهة والتشابه، وتشهر بعمليات سحل الخيال الممنهجة، وتكشف عن سيرورة تعطيل قدرات المرء على التفرد والابتداع، وفي أحسن الأحوال تأجيل ذلك كله بمشاغل أخرى كثيرة، يتبرع حراس الوثن بجعل الجسد العربي ينشغل بها ويشتغل لها، سواء أكانت جوعاً، أم عطالة، أم تهمة، أم ورطة تستتبع التعذيب والإكراه البدني (ألم يخطب الحجاج في أهل العراق ذات زمن شبيه بزمننا، قائلاً: “لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً”؟!).
4) ذاكرة المنفى ولغة الممانعة:
أنْ يستمسك المرء بقوة الخيال الجامح في وطن الطاغية، مثلما يفعل سارد صموئيل شمعون، وهو يغالي في ذريعة التشبث ببرنامج السينما، باعتبار الأخيرة وليداً أرقى وأوسع من بنات الخيال، معناه ممانعة المنفي لشروط الطرد والدفع القسريين، بالانتماء الطوعي الى منفى اختياري مختلف، أشد رحمة ورأفة، وأخف عنفاً ووطأة من منفى سدنة الوثن، لأنه لا يتوحد سوى مع جسارة المنفي في إعلان الخروج، وجرأة ركوبه التيه، وشجاعة ضربه في المفازات السحيقة بحثاً عما يسند الذات ويدعمها، حتى تتمكن من تحقيق حلمها الشقي، خارج دوائر التصنيف والتحنيط والنمطية مهما كانت حتى ولو كانت نمطية الكتابة نفسها! محمولا على أجنحة السفر المتوالي فحسب، حيث لا زاد سوى قدرة اللغة والذاكرة على الفتق والرتق.
ولأن ذاكرة المنفي غالباً ما لا تسعف صاحبها لحظة الكتابة، في بناء الأحداث والوقائع وفق نسق منضبط لإيقـاع ما جرى، ليس لأن ما جرى ينتمي الى فصيلة الواقع الموضوعي، الذي يتأبى على على التَّذوت والمسك، وإنما لأن هذا “الواقع” يشترك من جهة مع خيالِ المنفي (عمليات الإسقاط النفسي)، ومن جهة ثانية مع اللغة كطرف آخر (يمنح خياله القدرةَ الفعلية على الظهور والتجلي) في الصوغ والتوضيب؛ فإن رواية ما جرى غالباً ما تكون خليطاً هجيناً من اللغات والوقائع والمشاعر، ومن الأحكام والأحلام، ومن تهويمات الذات وترجيعات الموضوع، ومن شؤون الحديث وشجون الحنين، فتصير عناصر القصيدة متاخمة لخصوصية القصة، ومواد القصة متراكبة مع أجزاء الخاطرة، وأدوات الأخيرة ضرباً من أحلام اليقظة(7).
إن الكتابة التي تعتمد على عُدة الذاكرة مثلما يشير الى ذلك الناقد برينو فيرسييه Bruno Vercier، هي كتابة لا تنفك من أسر الذات كأنا وكآخر في نفس الوقت، بحيث يتقاطع فيها ما هو خاص جداً (التهويمات والوقائع والذكريات الفردية)، مع ذلك الطرف المشترك الذي يتمثل في عنصر اللغة (باعتبارها ذاكرة الجماعة، وخزانَ تجاربها وأوهامها وأهوائها). يقول برينو فيرسييه: “يجري كل شيء (= تفاعل الذاتي مع الموضوعي) في الكتابة: فإذا ما اعتبرنا أن الفرد يُختزل في الذاكرة (ذاكرته هو بالذات)، فإن هذه الأخيرة هي بالتحديد لغة”(8).
انطلاقا من هذا المعطى العام، يبدو أن صموئيل شمعون مدرك تماماً لصعوبة المهمة الملقاة عليه، لحظة استرجاع ما جرى كتابةً(9). لذلك لا نجده يتورع في المزج بين عناصر قصيدة النثر، والكتابة السيرية، والكتابة الروائية، في بوتقة سردية ممتعة وسائغة، تتأفف عن الخوض في عمليـات التشهير الفاضحة لأطراف وأنظمة ومؤسسات وقيم بعينها. إنها غير تلك الكتابات المكلومة والجارحة في الآن نفسه، التي بقدر ما هي تنزف بالألم والوجع، بقدر ما تجرح وهي تصدح بالشتيمة والنميمة، مثلما هو دأب أدب المنفى على العموم. إن “عراقي في باريس” سيرة روائية مفتوحة على إرادة الحياة بروح ديونيزوسية، غير مسكونة بالضغينة والغل والحقد، وتصفية الحساب. سيرة متحررة من قيود الماضي وإكراهات الحاضر، ومن ثقل النموذج والمثال، اعتمد صموئيل شمعون في كتابتها، على فن السخرية والكاريكاتير في الكثير من المحطات التي تستدعيها الذاكرة، للتعبير عن ذلك الانشطار الذي يستشعره البطل/ السارد بين وعي الكتابة السردية من جهة، ومأساوية الواقعة المروية من جهة أخرى.
إن صموئيل شمعون وهو يواجه تحديات الواقع المريرة، من خلال نفيه وتشرده وضياعه في فرنسا والوطن العربي، لا يجد أجدى سلاح لمقاومة قسوة المنفى ووطأة الاغتراب والضياع والتشرد، غير السخرية التي تصبح في هذه الحالة أداة للدفاع عن النفس، ووسيلة للتحصن ضد عنف العالم وغرابته، بل إنها بالأحرى ميكانيزم نفسي لتجاوز وطأة القهر والسحق، والتفوق على مرارتها في النفس.
لا يرسم صموئيل شمعون في مؤلفه السيري أية حدود كابسة، من شأنها أن تقلص من امتداد هذه الاوالية، أو من صدّها أو التصدي لجموحها النافر، باسم لائحة مثقلة بالقيم والمثل الأخلاقية المنكفئة على وثن محدد، بل إننا لنلفي فاعلية السخرية تطال أقنوم الأنا والآخر، وتمتد إلى عالم المقدس والمدنس، وتراوح السفر بين جهة الشرق والغرب على حد سواء. فعلى سبيل المثال، حين يتذكر صموئيل شمعون ما حدث له مع الكتائبي طوني، الذي ظل يمسك في يده بالمسدس، وينتظر منه الحديث عن رواد السينما الجديدة في فرنسا، وجان لوك غودار خاصة، إن هـو أراد أن ينجو بنفسه من الهلاك المبين، وكيف ظل هو خائفاً وصامتاً لا يحير جواباً؛ حين يتذكر الكاتب ذلك يصر على أن يمزج مذاق هذه الحادثة المرّ بذكرى أخرى بليلة، يستعيد فيها بهجة الرد السعيد الذي طبع به قرياقوس صديق الطفولة ذاكرته، حيث قال: “في تلك اللحظة، تذكرت قرياقوس الذي سألني ذات يوم: هيه جويي، إذا سألك شخص ما، من هو أفضل سيناريست في العالم، بماذا تجيبه؟ يومها قلت لقرياقوس: دعني أفكر قليلا. ضحك قرياقوس وقال: هذا أمر لا يحتاج الى تفكير يا جويي. إنه الله. نعم الله هو السيناريست الأعظم، خالق هذا الفيلم الذي نحيا فيه جميعاً”! (ص: 21).
أمام عنف ومرارة التهديد الوشيك بالموت، يستل الكاتب سيف المفارقة العجيبة، للدفاع عن النفس ضد عنف هذا العالم الأسود وعبثيته الظالمة. ألا يصير سؤال الكتائبي طوني عن ج. ل. غودار والنوفيل فاك في فرنسا، أتفـه وأسخف وأحط، أمام لمعة قرياقوس الحادة والنافذة، وكأنها حدّ مدية؟ ألا إن السخرية المرة والمفارقة العجيبة، لهما أذكى وأنكى سلاح لمواجهة ضيم المنفى، وتجاوز قسوته الجائرة، ووطأة الاغتراب فيه، والضياع بين ظهرانيه.
ويمكننا بالجملة، أن نعتبر كتاب صموئيل شمعون عن المنفى، تجربة متميزة وفريدة بشكـل كبير، لأنها استطاعت أن تستعيد رحلة الضياع التي عاشها الكاتب، بطريقة تحتفي بالخفة الذكية، والضحك الأسود، والسخرية اللاذعة، عبر نص سيري/روائي مُهجّن تخترقه أجناس وأنماط كتابية متنوعة، ومن خلال منح ثيمة المنفى ذرائع جديدة، ترتهن لذات الفرد باعتبارها نواة دلالية مركزية، يتفاعل ضمن برنامجها الخاص (الاسم والجسد والحلم)، كل ما هو تاريخي وثقافي وسياسي وديني,, الخ.
إنها في الأخير، سيرة حلم لذيذ، يخرج سائغاً وممتعاً ومتمنعاً، من بطانة كابوس المنفى الساحق. وفيما هو يرفض الانصياع والامتثال (بل وحتى الاكتمال!)، يظل يراهن دوماً على الهروب والانفلات، حتى وقد أودعه صاحبه بين دفتي كتاب!
الهوامش:
1) يقول ابن منظور في لسان العرب: “ونَفى الرجلُ عن الأَرض، ونَفَيْتُه عنها: طردته فانْتَفى”(أنظر مادة ” نفي” في اللسان).
2) تحبل كتب التاريخ والآداب الإنسانية جمعاء، بالكثير من الأسماء والوقائع والحكايات، التي تشير الى حالات النفي والإكراه على الخروج. وحتى نبقى ضمن الذاكرة الثقافية العربية فحسب، لنستحضر هنا المصير الذي لقيه الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، بعدما ” تحامَتْه القبيلة كلّها”، باسم قيم الشيوخ ومثلهم العليا، التي تُجرّم طقوس الاستلذاذ والاستهواء ومداومة الشراب.
مثلما ينبغي أن نستحضر في نفس الصدد، وضمن السياق الإسلامي هذه المرة، منفيين آخرين سواء في مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية [قال ابن منظور في اللسان، ضمن مادة” نفي”: “أَمَرَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، بنَفْي هِيتٍ وماتعٍ، وهما مخنثان كانا بالمدينة”]، أو في مرحلة تأصيل الدولة وتقوية شوكتها [منفيو زمن الفتنة الكبرى، والدولة الأموية، والعباسية، وباقي الدول والإمارات الأخرى!].
3) يقول د. إدوارد سعيد: ” لقد كانت هناك على الدوام، علاقة قائمة بين فعل التهديد بالنفي، وبين ردة الفعل التي تتلبس الشخص المعني بالرعب، مخافة أن يغدو واحداً من المجذومين، وهو ما يعني أن يعيش الشخص وضعية النبذ الاجتماعية والمعنوية”. أنظر كتاب إدوارد سعيد:
Des intellectuels et du Pouvoir (representations of the intellectual), traduction française par Paul CHEMLA, Paris, Seuil, 1996, p 63.
4) لا ينبغي أن يغرب عن بالنا أبداً، بأن الآداب الإنسانية كلها منذ عصر فيرجيل والى اليوم، لا تدور إلا حول ثلاث موضوعات رئيسية، هي: موضوعة الحب، والحياة، والموت. والنفي باعتباره تجربة في معاناة الموت الرمزي، هو جزء من مدونة الآداب الإنسانية الكبرى.
5) صموئيل اسم ورَد في العهد القديم، وهو مركب من كلمتين: “سمع”و”إيل”، بمعنى “سمع الله”. والسبب في هذه التسمية أن النبي صموئيل جاء الى الدنيا، بعدما توسلت أمه حنة إلى الله زمناً طويلاً، كي يرزقها بولد.
(6) لا تتوقف معاناة السارد/البطل من خلال التسمية، مع محيطه العربي على الخصوص، عند محنة المعتقل السوري وغيره، بل تمتد حتى وهو يتسكع حراً طليقاً، بين زقاقات وشوارع وحانات فرنسا. أنظر مثلا ما وقع له مع عبد العزيز، أخ صديقه الجزائري مراد (ص: 67/68).
(7) لنلاحظ كيف ستتحول فكرة السيناريو الموعود لفيلم “الحنين الى الزمن الانجليزي” في نص صموئيل شمعون، الى تعلة لتجريب بعض الأنواع الأدبية: القصة، والرواية، والسيرة؛ وكيف توسم “عراقي في باريس” في النهاية، بكونها بناء روائياً بينما هي خليط هجين فيه بعض السيرة الذاتية، وبعض بهارات الكتابة الروائية والشعرية!.
(8) برينو فيرسييه Bruno Vercier، “أسطورة التذكار الأول: ليوطي ولييريز (Le Mythe du premier souvenir : Loti, Leiris)، مجلة تاريخ الأدب بفرنسا:
Revue de l’Histoire littéraire de la France, Paris, Armand Colin, 1975, p. 103
(9) قال صموئيل شمعون في حوار أجرته معه الصحفية الجزائرية نوارة لحرش:”حسنا، لقد تعذبت منذ طفولتي. والدي تعذب كثيرا، وأمي كذلك، إخوتي، وأخواتي كلهم تعذبوا. قاتل الله الفقر والجهل. بالله عليكِ قولي، ما الذي أفعله بمخيلتي اللعينة، حين أعرف أن أبي ولد يتيما، أصم وأبكم، وأن الأكراد والفرس والأتراك قتلوا كل عائلته؟ هل تعرفين كم أعاني وأنا أتعامل مع مخيلتي بنعومة وصبر مفرطين، لجعلها لا تختزن إلا صور الحب والتسامح. الثأر هو أحقر شيء في الدنيا” . أنظر الحوار على الرابط الرقمي التالي:
http://www. jozoor. net/main/modules. php?name=News&file=article&sid=767.