معاوية الرواحي
وُلدْنا/ وفي زمنٍ غافلٍ
ولدت شوكةٌ في لساني.
كبرتُ لأعرفَ.
من يفهم الصامتين
سوى الخائفين؟
ولم أدرك السرَّ، أو كنه أغنية في الظلامِ
ولا صوتَ نائحةٍ، أو مغنيّ، ولا جسدًا
ليهاجرَ مني.
تردى زمانُ الحقيقة.
هذا زمان التمني.
كبرنا/ ولم يصلِ النايُ للمغرمين.
عزفنا/ ولم تطرب الكلمات سوى الصامتين.
تلونا/ كوابيسنا انتصرتْ، واصْطَفَتنا العقاربُ للسمِّ
لم يكفِنا موتُنا كي نموتَ.
هرمنا/ لنحيا، وعشنا لنهرمَ.
صلت علينا الأفاعي.
وحارسنا خائنٌ.
وصَبَرْنَا/ ولم يكفنا صبرنا كي نعيش كوابيسنا آمنين.
غفرنا/ وكيف لمغفرةٍ في السلاسل أن تصبح العفوَ؟
يحترق القَلبُ منصهرا، لا وترْ.
لا مفرْ؛ يَسرقُ الليلَ سارِقُه،
والمصائب كالناس تأتي وترحلُ،
والشمس تشرقُ بعد الحروب
وبعد وفاة النبيين
أو موتِ راهبةٍ في الفلاةِ.
النجاةُ المحبةُ.
والحبُّ
حبُّ الحياةْ.
الذات
آخيت نفسي، لم أكن لي صاحبا،
ومضيت في الدنيا أقاتلُ في الفراغ
صرعتُ أشباح الصدى، وذهبت للطوفان
مرتبكا، معي الأصنامُ، والعمر الفقيدُ،
معي العقارب، والصحاب الخائبون،
شربتُ من سمِّي، وأرهقني المسارُ.
وعندما أيقنت أن الأرض ليست جنةً
للخاسرين، ذهبت للبركان مشتعلًا
وبي النيرانُ، والزلزال، والحزنُ/ السعيرُ
ومن تضاريس الغواية فِضتُ كالنهرِ الأخير
وغيبت نفسي النهايةَ،
حجةُ المشتاق، آلامٌ
وذكرى تورث القلب التعاسة
والدمار.
ونجوت من نفسي، أخذت طريقها
من داخلي المدفونِ في عمق المخافةِ.
خفتُ من شر المسافة بين نيراني
الصديقة والدخان مع العواصف
في سماء الذهنِ، والجرح الشعوري العميق.
أنا الطريقُ، وحجتي هدفي، ورمزي بسمتي
ويدي، وأحرف راهبٍ، وصدى المعاركِ
والخسارات الأليمة، والجنون.
هربتُ من ذاتي الكسيرة كي أعيشَ.
وعشتُ في حزني، لأهربَ
من غواياتِ الدوار.
دُوار
أمضي، كأن الأرض ليست ــ والهُنا ــ أرضي
ويأخذني إلى حزني براقٌ من غيومِ الليلِ
أيامي سواسيةٌ، وذاكرتي هي المنفى النقيُّ.
قصائدي يا عمرُ تابوتٌ من الأحلامِ
أسئلتي تدورُ مع الكواكبِ، والعروقِ
ومع دوار الشمسِ في كبد السماء.
هجرتُ نفسي كي أعيشَ،
وعشتُ في يومِ المهاجرِ قصتي
وتلوتُ ما لم أستطع قولا له
وغرقتُ في بحر الجنونِ
وغصتُ في تأويل أحزاني
وعدت بلا هدفْ.
وبكيتُ، ثم ضحكتُ، ثم نسيتُ
واستسلمتُ، ثم صرعت دمعي
كل ما في الفرد من ذاتي انعكاسٌ
شاء جَمعي.
لم أكن إلا خيالاً أطفأ الغرباء شمعته
فصار إلى الظلامِ،
وحلقت في كحلِ أسئلتي نجوم.
من خيالٍ واسعٍ.
جئنا لظلِّ الروحِ
وانتصرت مع الأقدار
نافذة الصدف.
وأسيرُ في دربي كأني
لم أكن شبحًا. أراقب لعبةَ الأحياء
في دنيا الجمادِ، وأستجير بما تبقى
من ضياء الروحِ في جمر الجسد.
وأهيمُ كالمعنى، بلا لغةٍ تعبّر عن جروحي.
أستغيثُ بكل آلامي لعل قصيدة شردت
ستنقذ شاعرًا من يأسِه وحنينه للأمسِ
يا دنيا مددْ.
سكب المصيرَ الحبرُ في نهر الدقائقِ
والنهاياتُ الأليمةُ عبرةٌ للقادمين
على مقابر أمسنا الملعون
بالتاريخ، واليأس المقدّسِ
حين مزقنا الهدفْ.